السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
أسأل الله تعالى أن يبارك لكم في عملكم ويجازيكم عن المسلمين خير الجزاء.
أنا شاب مقبل على الزواج إن شاء الله، سني 29 سنة ومستواي التعليمي جامعي، مشكلتي تتعلق بالوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه في مجتمعاتنا العربية وتأثيره على الحياة الزوجية من خلال إشكالية عمل المرأة ومشاركتها في الأعباء المادية للأسرة.
لقد اطلعت على بعض الاستشارات المتعلقة بالموضوع غير أنها لم تجب على حيرتي التي ألخصها كالتالي:
في السنوات الثلاث الماضية لم أكن أفكر في الإقدام على الزواج رغم أني عملت ولا زلت أعمل في بعض الشركات الخاصة وذاك خوفا من المستقبل الغامض حيث إن راتبي ضعيف (حوالي 220 دولارا) والعمل بالقطاع الخاص غير مضمون وتكاليف المعيشة كثيرة وارتفاع الأسعار في تزايد مستمر، ولكن قناعاتي تغيرت وزاد إيماني بأن الله هو الرازق الواسع العليم الكريم مدبر الأمور كلها.
فبدأت أسعى للزواج، فلم تعد تلك الهواجس لتعيق حلمي بتكوين أسرة مسلمة صالحة تملؤها المودة والسكينة، بل حتى لم أفكر في الزواج من امرأة ذات عمل وراتب لتعينني على أعباء الأسرة المادية كما هو حال الكثيرين اليوم حتى الميسورين منهم. فأنا أرى أن مهمة المرأة في بيتها أهم وأسمى من العمل خارجه، ثم إنه من الظلم أن يطالب الزوج زوجته بحقوقه المختلفة عليها ثم بعد ذلك يطلب منها أن تخرج للعمل حتى تعين الأسرة في شئونها المادية؟ هذا ليس عدلا.
الإنفاق مسؤولية الرجل (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، المرأة تخرج للعمل مضطرة، إذا كانت أرملة أو لديها أبوان فقيران تعيلهما أو غير ذلك من الحالات (قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) قصة نبي الله موسى مع ابنتي شعيب.
ولأن راتبي متواضع فعلي البحث عن المرأة التي ترضى بالقليل وتصبر على خشونة العيش وإن كنت أسعى لتوفير مصادر أخرى للرزق تدعم راتبي الأصلي. لا أريد أن يفهم من كلامي أني ضد عمل المرأة على الإطلاق، ولكني أريد أسرة أساسها السكن والمودة وليس شركة بها مساهمون يحكمهم منطق الربح والخسارة.
فأنا مع الرأي الذي يقول: إن العمل إذا لم يجُر على حقوق البيت والزوج والأبناء بل على كرامة المرأة نفسها وراحتها، فمثل هذا العمل خير لها ولأسرتها والمجتمع. ولكن أين هو مثل هذا العمل؟ وأين هي المرأة التي تتحمل الكد خارج البيت دون أن تخل بواجباتها الأسرية؟ إن وجدت فلها مني تحية إجلال وتقدير.
وقد تتساءلون: أين مكمن حيرتي؟
في الحقيقة وفي رحلة البحث عن شريكة حياتي ومن خلال حواراتي مع الأصدقاء والأقارب في موضوع الزواج (الذي أصبح عند أمثالي هو حديث الساعة) ومن خلال استشارتي لبعض الثقاة المتزوجين والملتزمين كان رأي الكثير منهم ونصائحهم لي باختيار المرأة التي تعمل حتى يكون راتبها (وإن قل) سندا لي في ظل الظروف الصعبة.
واعتبر بعضهم من ذوي التجربة أنني مثالي، وأن مثاليتي ستصطدم بصخرة الواقع المتمثلة بكثرة احتياجات الأسرة والذي لا يكفي راتبي لتحملها. تعددت الأطراف التي تطالبني بأن أكون واقعيا أكثر وأن أتخلى عن المثالية، وملاحظتي لهذا الواقع جعلني أتردد في اختيار الزوجة المناسبة وأفكر أكثر من مرة قبل أن أقدم.
فأنا حائر بين ما أؤمن به وبين الرضوخ لهذا الواقع بالزواج من امرأة عاملة، الشيء الذي سيؤثر بلا شك في علاقتي بشريكة حياتي ويجعلني أتنازل عن بعض قناعاتي وحقوقي إن أنا أردت السير بأسرتي في طريق الأمان.
أسأل الله أن يعينني رأيكم الحكيم في إنهاء حيرتي ويكون مساعدا لي في اتخاذ القرار المناسب.
ولكم مني جزيل الشكر.
9/1/2022
رد المستشار
الأخ الكريم.
أهلا بك على صفحتنا شاكرين لك جميل ثنائك على موقعنا.
الحياة الأسرية للمرأة العاملة تنجح عندما يتوافر شرطان أساسيان بل ربما تتفوق في نجاحها على حياة المرأة غير العاملة.
وهذان الشرطان هما:
- التنازل عن كثير من الواجبات المنزلية.
- وغرس روح المشاركة والتعاون بين كل أفراد الأسرة.
وأقصد بالشرط الأول وهو التنازل عن كثير من الواجبات المنزلية أن تتخفف الأسرة من كل ما يمكن الاستغناء عنه من طقوس منزلية مثل التطلع لمستوى مثالي من بريق المنزل، ومثل التمسك بأصناف من الطعام تحتاج وقتا وجهدا في إعدادها، ومثل كثرة استقبال الضيوف أو عمل الولائم وغيرها.
ولعلك تلاحظ أن الأمثلة بعيدة عن العلاقة بالزوج والأولاد فتلك هي الرسالة التي ينبغي عدم التقصير فيها وإنما قصدت الأعمال المنزلية التي هي من المفروض أن تكون من شأن الخدم ولكن عندما لا يتوافر الخدم فإن الزوجة تقوم بها تفضلا منها، والآن عندما تتفضل الزوجة بالقيام بوظيفة أخرى لجلب المال فإننا نرفع عنها تفضلها الأول في سبيل تفضلها الثاني.
أما الشرط الثاني وهو غرس روح المشاركة والتعاون بين كل أفراد الأسرة فأقصد به أنه طالما شاركت المرأة الرجل في دورة الإنفاق فمن المنطقي أن يشاركها الرجل في بعض أدوارها، ولكن إذا تم هذا التعاون بشكل ميكانيكي وسادت فيه روح الحقوق والواجبات فإن مصيره المؤكد هو الفشل والتعاسة.
ولكن هناك روح أخرى وهي روح المشاركة والرحمة والتعاطف تلك الروح التي إذا ظللت على أفراد الأسرة لعرفوا معنى الرضا والسعادة. وهي نفس الروح التي كانت تسكن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يخصف نعله ويكون في مهنة أهل بيته وهي نفس الروح التي دفعت علي بن أبي طالب لمشاركة زوجته حتى أنه يقول: والله لقد سنوت (أي استقيت من البئر) حتى اشتكى صدري.
أخي الكريم لا توجد اختيارات في الحياة بلا سلبيات فكل اختيار له سلبياته وإيجابياته ونحن عندما نأخذ قرارنا نختار الطريق الذي يمكننا تحمل سلبياته والأمر يرجع إليك وكلا الاختيارين ليس حراما أو خطأ.
أي السلبيات تستطيع تحمله؟
مستوى مادي أقل وتطلعات أبسط في المعيشة واحتياجات الأولاد، أم مستوى مادي أفضل نسبيا مع تقديم تنازلات ومع المشاركة والجهد؟!
أسأل الله تعالى أن يلهمك اختيارا سعيدا ولا تنسى الدعاء والاستخارة.