تحية طيبة
في الحقيقة هذه مشكلة أختي وليست مشكلتي، وألخصها فيما يلي:
تبلغ أختي من العمر 33 سنة، وهي مقيمة بإسبانيا مع أخينا. ولقد كان كل شيء هادئا، لكننا لا حظنا -نحن الأسرة ككل- أن الخُطاب لا يطرقون باب البيت أبدا، قد يبدو هذا عاديا، لكن كل الظروف المحيطة لم تكن تشير إلى هذا بأي حال من الأحوال. إذ بمجرد ما تجاورت أختي العشرين بقليل، بدأت تعاني من هواجس ووساوس.
ولقد مرت سنوات دون أن نعلم السبب، إلى أن أرشدنا البعض إلى أحد الصالحين الذين يعالجون بالقرآن (دون مقابل بالمرة). ولقد وجد هذا المعالج أن أختي مسحورة بالفعل ولقد عالجها.. وبالفعل تحسنت حالتها الصحية تماما بعد ذلك، لكن مشكلة الخطاب بقيت قائمة، والغريب أن الكثيرين يتحدثون مع أختي حول رغبتهم في خطبتها، إلا أنهم لا يجيئون إلى البيت أبدا، وكأن هناك حاجزا يمنعهم. وللعلم أختي جميلة حقا ومتدينة، وفيها من الخصال ما يتمناه أي رجل، أقولها بصدق وبدون أي عاطفة، والغريب أن الوحيد الذي تقدم لخطبة أختي ودخل البيت فعلا اكتشفنا فيما بعد أنه كان يسكر، فتم فسخ الخطبة (وكما يقولون فالسحر لا يؤثر في السكيرين.. أليس كذلك؟). والآن تبلغ أختي من العمر 33 سنة، ولم يتقدم أحد إلى الآن لخطبتها رسميا.
وهناك أمر آخر هو أن أختي ترى رؤى كثيرة في منامها، وأنا لم أسمها "رؤى" عبثا؛ ذلك أن أغلبها تحقق فعلا. ومن بينها أنها حلمت أن شخصا كان يود التقدم لخطبتها متزوج من ابنة خالته وأن له ولدين. ولقد اتضح أن هذا حقيقي 100%، وغير هذا كثير. وأغرب ما رأته في منامها أن جدتي المتوفاة قد زارتها، وأخبرتها أنها ستتزوج بشخص اسمه "عادل صادق" .. ولا ندري هل نصدق أم لا؟
باختصار ولأوضح أكثر، أسئلتي كالتالي:
ما هو حل مشكلة الخطاب هذه؟ إن كان قدرًا فلا اعتراض بالطبع، لكننا نخشى أن يكون هناك عقبة ما كالسحر أو غيره.. هل يجب تصديق الرؤى، خصوصا أنها سبق أن تحققت؟ وهل يعتبر عدم تصديقها جحودا بشكل أو بآخر؟
وجزاكم الله عنا خيرا.
في انتظار ردكم.
21/02/2022
رد المستشار
مرحبا بك يا أخي، مشكلتك أو مشكلة أختك بالأحرى هي مشكلة الكثيرات من البنات في مجتمعاتنا العربية؛ فتأخر سن الزواج مشكلة حقيقية ناقشناها من قبل على استشارات مجانين لكن الخصوصية في إفادتك - كما تعتقد - هي اعتقادك بأن سبب إحجام الخطاب عن طرْق باب البيت لخطبة أختك هو السحر، وهذا الاعتقاد -مع الأسف- ليس خاصا بك أو بأختك، بل هو اعتقاد أستطيع أن أقول: إن معظم المسلمين الطيبيبن عرضة له، ولعل هذا هو ما دفعنا إلى إظهار هذه المشكلة، والرد الذي نراه عليها.
فأما أن يحجم الخطاب عن طرق باب فتاة جميلة؛ فليس بالموضوع الغريب في أيامنا هذه، خاصة أنها تقيم خارج البلاد العربية، ليس في ذلك ما يستدعي الاعتقاد بوجود أمر كالسحر.
وأما ما يبدو أنه ما يزال بحاجة إلى مناقشة؛ فهو موضوع العلاج بالقرآن، ذلك الموضوع الشائك الذي يتجنب الكثيرون الكلام فيه، بينما ينقسم المتكلمون فيه إلى طرفى نقيض؛ فما بين من يعتبر الأمر دليلا على الركود والتخلف وعدم الفهم الصحيح للأمور، ومن ينفعل بشدة؛ ليؤكد أن القرآن وحده كافٍ لعلاج كل شيء، ما بين هؤلاء وهؤلاء يتوه العالم الإسلامي في دوامة العلاقة ما بين عالم الغيب وعالم الشهادة، وما يزال في أغلبه عاجزا عن الفصل بين العالمين.
والسؤال الذي أجد نفسي الآن مضطرا للإجابة عليه إذن هو: هل هناك علاج بالقرآن للأمراض النفسية؟ وسوف ألخص الإجابة في النقاط التالية:
1- لابد أولا من توضيح الفرق بين العلاج بالقرآن الكريم على أساس فكري معرفي واضح، ومن قبل أن يعرف ما هو المرض، وما أشكاله وأسبابه، وبين من ينسب المرض النفسي إلى فعل الجن، ويتعامل مع آيات القرآن كأنها تعاويذ يؤثر بها في الجن وما إلى ذلك، ويفعل أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ربما يصدقها هو نفسه إن كان سليم النية، ويصدقها الآخرون على أنها دلائل على وجود الجني في بدن المريض.
لكن الذي يؤلم المسلم العالم بحقيقة الأمور ويخجله هو أن المنوم المغناطيسي -أيًّا كانت ديانته للأسف- يستطيع أن يفعل نفس الأفعال التي يفعلها ذلك الشيخ الهمام، فيجعل المريضة تتكلم بصوت رجل والعكس، دون أن يستخدم شيئا من القرآن؛ فكل هذه ممارسات ما أنزل الله بها من سلطان لا تحتاج إلا لمريض لديه قابلية عالية للإيحاء، ورغبة غير واعية بالتالي في إسعاد المعالج أيًّا كان؛ فيجد نفسه يفعل ما يريده المعالج، ويحسب الأخير نفسه قد أنطق الجن كما يحسب الكثيرون!! وقد ناقشنا هذه الظاهرة من قبل بالتفصيل في رد سابق.
2- مما لا شك فيه أن قلوب المؤمنين تطمئن بذكر الله عز وجل؛ حيث يقول سبحانه وتعالى في سورة الرعد: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (الرعد: 28).
وعليه فلا يستطيع طبيب نفسي مسلم أن يدعي أن ذلك خارج تخصصه، ولا يستطيع مثقف مسلم أن يقبل بالوضع الذي يسمح لكل من هب ودب أن يدعي العلم بالأمراض النفسية، وعلاجها حتى وإن كان عالما بالقرآن وبعلوم الدين؛ لأن علم الأبدان غير علم الأديان، وما النفس إلا انعكاس لحالة البدن، ومن يعالج الأمراض النفسية لا بد أن يكون عالما بماهيتها والتغيرات البدنية المصاحبة لها، كما أن من يسمح له بالتصدي لآلام الناس وأوجاعهم لا بد أن يكون كفئًا لذلك.
3- أثبتت مجموعة من الدراسات العلمية أجريت في ماليزيا على بعض مرضى اضطراب القلق العام ومرضى الاكتئاب الجسيم أن المتدينين من هؤلاء المرضى يستفيدون بشكل لا يقبل الجدل عند إضافة بعض أساليب العلاج النفسي الديني لعلاجهم الدوائي مقارنة بالمرضى غير المتدينين؛ حيث احتاج المتدينون لجرعات أقل من العقارات، واستخدموها لفترات أقل من غيرهم، وتلخصت أساليب العلاج الديني تلك فيما يمكن اعتباره إسباغًا للوضوء، وفي إطالة مدة الصلاة من خلال إطالة مدة الركوع ومدة السجود، وكذلك في قراءة بعض آيات من كتاب الله عز وجل. ومعنى ذلك أن كثيرين من مرضانا يمكنهم الاستفادة من ذلك العلاج، وأن إغفالنا كأطباء مسلمين لذلك الباب الرحيب الذي يسهل الكثير من الأمور على مرضانا لهو تقصير كبير، ولعله هو الذي يسمح لكل من هب ودب باستغلال القلوب المؤمنة.
4- وأؤكد مرة أخرى هنا أنني أتكلم عن علاج بالقرآن لا ينطلق من أن الاضطرابات النفسية ناتجة عن مس أو تلبس بالجان، ولا عن ضعف في الإيمان؛ لأنها ليست كذلك! وإنما على أساس أن القرآن هو أسمى ما لدينا من فكر وهدى نتفق عليه جميعا، كما أن علاج المرضى النفسي بالقرآن الكريم يجب أن يطبقه الطبيب المتخصص، وليس مع كل مريض؛ لأن تطبيق هذا الأسلوب مع مريض بعيد أصلا عن الدين يترك أثرا آخر في نفس المريض الذي يشعر بأن الطبيب يأخذ دور الواعظ، وربما يرفض العلاج برمته.
فتحديد المريض المناسب والكلمات المناسبة لحالته وله أمر يحتاج إلى من يعرف جيدا عوارض وأبعاد الأمراض النفسية، وكيفية التعامل معها، ومتى نحتاج إلى هذا العلاج المعرفي مع الدواء، ومتى يكون كافيا وحده، ومتى يكون غير صالح على الأقل في مرحلة معينة من العلاج.
إذن فجواب السؤال الأساسي هو: نعم هناك علاج بالقرآن للأمراض النفسية.
ولكنني أكرر مرة أخرى أنني هنا أستعين بالقرآن كمادة للعلاج المعرفي، لها ما لها في قلوبنا، وفيها ما فيها من بركة أودعها الله عز وجل، ولكنني لا أتكلم عن آيات تتعلق بالجن أو بالسحر ولا علاقة له لا بالمرض، ولا بما يعانيه المريض، ولا أتكلم عن آيات أكتبها على فخذ فتاة مصابة بالشلل الهستيري، ولا على ظهر امرأة مكتئبة، ولا في أوراق ليبلها المريض ويشرب ماءها أو يستحم بها، وإنما أتكلم عن آيات يفهمها ويتدبرها المريض؛ أي أنني أخاطب العقول والقلوب بالقرآن، وقد أنزله الله تعالى لذلك.
وأنا أقول لك كل ذلك رغم علمي بأن مشكلتك الأساسية هي تأخر زواج أختك، لكنني أريد أن أوضح لك ضرورة التفريق والفصل بين عالم الغيب وعالم الشهادة في روع كل مسلم، أما ما استغربته في إفادتك؛ فهو سؤالك "إن كان قدرا فلا اعتراض بالطبع، لكننا نخشى أن يكون هناك عقبة ما كالسحر أو غيره" .. فهل كونه سحرا ينفى أنه قدر؟ هل السحر يا سيدي خارج عن القدر؟
ثم إنك تقول قبل ذلك: إن الوحيد الذي تقدم وطرق باب البيت خاطبا أختك كان سكيرا، وتسألنا مداعبا على ما يبدو: "وكما يقولون فالسحر لا يؤثر في السكيرين... أليس كذلك؟" أي تناقض ذلك يا أخي في منطق أولئك الذين يقولون: أليس السحر شرا مثلما الخمر شر؟ وأليس الأولى بنا أن نتوقع في من يسلم نفسه للشيطان أو لإدمان الخمر أن يكون أكثر عرضة لأذى السحر، أو على الأقل أن يكون مثله مثل الملتزم المصلي الذي يقرأ القرآن، ما دام الذين يقولون لا يرون في التزام المسلم بدينه واستعانته بكتاب ربه ما يحميه من الشرور كلها، بينما يرون في الخمر أم الشرور درعا واقية من السحر؟! أي منطلق مغلوط يراه هؤلاء الذين يقولون؟!
ثم تشير بعد ذلك إلى رؤى أختك التي تتحقق، وليس هناك ما يمنع بالطبع من أن يكون في ذلك شيء من الصحة؛ فهذه نعم الله يمنحها لمن يشاء، لكن المهم والذي لا بد من الانتباه والوعي به هو أن الغيب لا يعلمه إلا الله، ولا يمكن أبدا أن تعتقد غير ذلك، وهنا تعيدني مرة أخرى إلى الصياح بأنه -كما يقول أخي د. أحمد عبد الله "لا بد لأمة المسلمين من حل مشكلة الفصل بين عالم الغيب والشهادة إذا كان لهذه الأمة من حظ في استقامة الحال".
وعليه فإن الرد على سؤالك "هل يجب تصديق الرؤى، خصوصا أنها سبق أن تحققت؟ وهل يعتبر عدم تصديقها جحودا بشكل أو بآخر؟" ... هو أن أختك مهما رأت من رؤى، وتحققت؛ فإن ذلك لا يعني أكثر من أن رؤاها قد تكون صادقة مثلما قد تكون رؤى أي شخص في وقت ما وفي مكان ما صادقة، لكن اعتبارك أن أختك تستطيع من خلال رؤاها أن تعرف الغيب؛ فأمر أظنه لا يجوز
وأخيرا أخي ألفت نظرك إلى أن اغتراب أختك فترة طويلة في حد ذاته سبب من أسباب تأخر سن زواجها؛ ففرصة زواج فتاة عربية الأصل والنشأة في دولة غربية أقل بكثير من فرصها داخل وطنها الأصلي، وزد على هذا إن كانت أختك لا تعمل، وليس لها أي نشاط اجتماعي هناك تتحرك من خلاله في المجتمع، وتتعارف في المجال العام على عموم الناس؛ فمن الذي يطرق باب فتاة لا تخرج من دارها، ولا يعلم عنها أحد، خاصة في مجتمع أوروبي؟! أليس كذلك؟
أخي احرص على شغل وقت فراغ أختك، واجعلها تستثمر طاقتها في عمل أو نشاط تطوعي، فلا تظل أسيرة حلم قد يتحقق أو لا يتحقق، وربما كان هذا هو السبيل لزواجها.وتابعنا بالتفاصيل
واقرئي أيضًا:
وأوشكت الشمعة أن تنطفئ
تأخر سن الزواج.. على من نطلق الرصاص؟