موت أبي
السلام عليكم، أنا ضميري مأنبني جدا بسبب موت أبويا حاسس إني قصرت معاه، كان تعبان ورحنا لأكتر من دكتور وكنت بجيب له دكاترة البيت، وللأسف مكنش فيه أي تحسن، وكنت ساعات بزعق له لو مأخدش الدواء أو رفضه لبعض حاجات كانت لمصلحته من وجهه نظري وساعات كنت بتضايق من طلباته بس كنت برجع أندم وأقول لنفسي عيب كده.
ولما حالته اتأخرت الدكتور قالي لازم مستشفى، وهو كان رافض، كذبت عليه قولتله احنا هنعمل آشاعة ونرجع على طول وللأسف دخل المستشفى أسبوع في العناية ومات، كان نفسي أحضر غسله وأجيب له أحسن كفن، للأسف كان آخر مرة أشوفه فيها واحنا داخلين المستشفى بعربية الإسعاف، حاسس إني كان ممكن أجيب له دكاترة أحسن من كده أو أهتم بيه أكتر من كده مع إني والله كنت بجيب له أكتر من دكتور في التخصص الواحد واللي كانوا بيقولوا عليه كنت بعمله.
مش عارف أعمل ايه
أنا نفسيتي تعبانة جدا
7/4/2022
رد المستشار
أهلا بك على موقع مجانين للصحة النفسية يا "محمد" ورحم الله الوالد وصبّرك الله على فراقه.
في الحقيقة لم تصف في سطورك إلا ابنا بارّا بوالده خسر من وقته وجهده وماله من أجل أن يعالجه. لم تدع دكتورا ولا تخصصا إلا جرّبته، أتيت بالأطباء إلى بيته (وقليل من يفعل ذلك أو لديه القدرة على فعله)، كل هذا وتقول أنك كنت مفرّط؟ أمّال البار كيف سيكون؟ آلهة في يدها الشفاء!!
قد أحسنت لمّا تحايلت عليه حتى يذهب للمستشفى، نعرف أن كبار السنّ يكونون عنيدين حتى إن كان في ذلك هلاكُهم، صرخت عليه ليأكل الدواء لمصلحته، ولو كنتَ رخوا لمارست عقوقا مُريحا ظريفا! البرّ ما فعلت، والأقدار كان لها مسار آخر. ما يحصل لك الآن هو ردة فعل على أسى الفراق، أنت في مرحلة تأنيب الضمير، التفاوض: لو فعلت كذا لكان كذا، لو أني كنت أكثر حرصا لما وقع كذا... لو تركتُه في البيت لمات بيننا وغسلته... إلخ
وطبعا كل هذا نابع من رفض واقعة الموت وثقلها على النفس، ومحاولة تفاديها أو تفادي بعض ملابساتها، من هنا يأتي هذا التعب النفسي، لأنك تفترض (والافتراض سهل) أنّ الأمور قد تسير على غير ما سارت عليه لو غيرت أنت قولا أو فعلا.. لكن المشكل أن كل ما تجلد نفسك عليه الآن لم تكن تعرفه أصلا، وقمت بما يجب أن تقوم به من حيث الأولوية والحرص والمعقولية الطبية. تقول في نفسك أحببت أن أغسله ولو أبقيته في البيت لما مات في مستشفى على سرير بارد، هذا لأنّك تعرف الآن أنه كان سيموت في المستشفى، لكن لما ذهبت به للمستشفى كنت تخاف أن يموت بين يديك وتكون مقصرا، وستقول آنذاك لو ذهبت به للمستشفى لكان الدكاترة أدرى بحاله وتفادوا موته!
وسيكون تأنيبك لنفسك أكبر، لأنّك لست طبيبا ومنعه من المستشفى فعلا فيه احتمالية أن يتأذى. لذا هوّن على نفسك فلم تكن مسؤولا عن موته وما كان أن تمنعها ولو جئت بكل برّ العالمين. فالقضية هنا ليست قضية برّ بل هي قضية قدرات محدودة وعجز، تحوّل الأمر للبرّ والتفريض بسبب الحالة النفسية والحرص الدّيني.
حاول أن تتقبل حزنك وفراقه، حاول أن تفهم مشاعرك وأساك وعبّر عن حبك له وافتقادك له بدلا من تحويل كل تلك المشاعر ضد نفسك ولقضية "تقنيّة" تكون فيها أنت المسؤول عن كل الأحداث وما حصل له، فهذا غير صحيح في النهاية.
بكلمات أخرى لا تتهرب من الاعتراف والتعبير عن الضعف والأسى والحزن العميق بفقده لتضع مكان ذلك كله "صورة الابن المسؤول والقائم بشؤون أبيه" عش موت أبيك وفقده كطفل صغير من حقه أن يحزن وأن يلوم الموت الذي أخذ أباه بعيدا عنه، طفل لا يفهم شيئا في المستشفيات ولا الأمراض ولا الأطباء.. طفل يشعر بالحزن والضعف والتيه مؤقتا ليعود لذاك الراشد ويتقوّى بحزنه وتقبل مشاعره على ما تبقى من حياته.
قد فعلتَ كل شيء وكنت نعم الابن لكن الموت لا يُجامل، بقي لك أن تفعل شيئا واحدا، تقبل حزنك بدل أن تحوله لسوط تجلد به نفسك، فهم أن هذ المرحلة عادية يمر بها الكلّ، طريقة التعامل معها هي ما يجعلنا أفضل ويجعلها مرحلة عابرة بدل أن تصير جرحا عميقا لا يُشفى.
عزائي لك مجددا وإن استمر الوضع أنصحك بأن تزور معالجا نفسانيا لتحدثه عن الأمر
مراحل الحداد