الخلوة المعنوية بين الجنسين
أرسلت زينب من العراق تقول:
أختي الحبيبة صاحبة المشكلة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
عندما قرأت رسالتك أحسست بكل ما تشعرين لأنني أيضا أعاني من نفس المشكلة، أنا ربة بيت بالرغم من كوني خريجة كلية الهندسة قسم الالكترونيك، وهو موظف وحاصل على شهادة الماجستير في الهندسة المدنية ومتفوق جدا في عمله وقد منّ الله عليه بالرزق ولديه بيت مستقل وسيارة أورثه إياها أبوه وهذا نادر جدا لمن عاش الظروف التي عشناها بالعراق، باختصار يحسدني الكثيرون عليه، بالإضافة إلى أنه وسيم جدا ولا يدرك أحد أن عمره تجاوز الثانية والأربعين، بل أنه يبدو كمن ناهز الخامسة والعشرين أو أكثر من ذلك بقليل.
أظنك عرفت الآن ظروفي، وأضيفي إليها أنه يهوى الشات عبر الانترنت ويتعرف على بنات كثر، ولا أدري من أين يستدعيهم، وحجته في هذا أنه يدعوهم إلى الإسلام؟!! كيف أتعامل أنا مع هذه المشكلة؟!!
أنا لا أبدي نهائيا أي نوع من الغيرة وعندي تحكم فظيع في إخفاء مشاعري وهذا أولا.
وثانيا: أجاريه فيما يدّعيه فالبنت التي تحكي معه عبر الانترنت، احكي معها أنا أيضا وأرسل لها رسائل بالايميل عن الإسلام، وأحسـسه بأنني أفضل منه في الكلام والدعوة إلى الله، وبذلك يزول (ولو تدريجيا) عذره الذي برر به لنفسـه كلامه معها، والبنت التي يختلط معها في محل عمله أحاول أن أتعرف عليها وأن أحكي معها عبر الهاتف وأن نتحدث في مواضيع شتى، فلا تنسي أنهن في النهاية أخواتنا في الإسلام وأنهن يعانين من فقر عاطفي بسبب عدم وجود زوج بقربهن يحنو عليهن، وحتى لو كن من ديانة أخرى فيجمعنا بهن الأخوة في الإنسانية.
ثالثا: -وهو الأهم- أنني من خلال علاقتي بهن وكلامي معهن استخلص ما يضايق زوجي من تصرفاتهن وأحكيها له بموضوعية وحيادية، وأحيانا إحدى أخواته تقوم بهذه المهمة بدلا عني، فأنا عندما أتعرف عليهن أحكي لأخوات زوجي عنهن -وبالمناسبة فلزوجي أختان غير متزوجتان وهن جيراننا في المسكن-، وبالمناسبة أخوات زوجي ينظرن لتصرفاتي بقصر نظر ودائما يقلن لي سيتزوج عليك يوما ما وتكونين أنت السبب فأضحك فقط وأقول لهن هذا لن يحصل، المرات التي لم اتبع فيها هذا الأسلوب مرتان وهما الحادثتان البارزتان في زواجي الذي عمره عشر سنوات؛
الأولى: محامية تقرب منها زوجي بسبب عمل ربطه بها وقال لي بصراحة سأتزوجها، فضحكت وقلت لم لا (بينما عندما عرض الموضوع على أخواته انفجرن في وجهه واستغربن من عدم اكتراثي ولكنني والله كنت أغلي من الداخل)، ذهب ليقابلها مرات عديدة بسبب العمل وعندما أحس بحرية موقفه وأنه يمكن له أن يتزوجها وأنني موافقة -كما جعلته يحس- إنسحب عن قراره بسرعة وقال لي أنها تختلط بالرجال كثيرا.
والمرة الثانية: كانت مع فتاة منحطة إلى درجة ما، حتى أنها تسببت في عمل مشكلة بيننا ووصل الحال بنا إلى الطلاق إلا شعرة، هنا انقطعت كل الأسباب الدنيوية ولم يبق إلا الحل الإلهي فشرعت في الدعاء من قلب حار مخلص في طلبه، فما كان منه إلا أن أتى واعتذر بعد أن وضحت زميلته له أن تلك الفتاة عملت له سحر، والحمد لله عاد لي وابتعد عنها نهائيا، وهكذا ترين أن حبل الله ممدود دائما، ولو تأملت جيدا في الحياة لوجدنا أن الله يستجيب لمن يدعوه حتى ولو كان مشركا أو على ديانة أخرى غير الإسلام، واسترخي عند تفكيرك بها فان ما كتبه الله سوف يحدث، وقبل أن أودعك أؤكد لك أشعريه بالحرية يعود إليك فالحرية لا يعرف طعمها إلا من قد ذاقها، والسلام عليكم.
30/1/2005
كما أرسلت سماح من سوريا تقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
في الحقيقة أن ما ذكرته الزوجة أمر أعاني منه لكن بطريقة أخرى، وهو أن زوجي يراعي ضوابط عدم الخلوة، لكنه منساق مع جو الشركة التي يعمل فيها من حيث تدليع لبنات بأسمائهم والمزاح والتنكيت بشكل جماعي أو دون جماعي، وعندما يحدثني عن ذلك وأناقشه بحرمة هذا الأمر يبرر: أن الجو كله هكذا ولن تفهمني ولا بنت غلط لأنه كلام مفرغ من المعاني، (وفي موقف حدث كانت زميلة........)، وهو يحدثني بكل شيء وأنا أثق بصدق نواياه وطيبة قلبه وما أعرفه جهله بحيل البنات وألاعيبهن.
قال لي: أنا أول ما دخلت الشركة كنت استهجن ذلك ثم بعد ذلك رأيت الأمر عادي، المشكلة أنه دارس شريعة ويستطيع أن يحضر الحجة في كل ما يقول، وحجته في الأمر أن الموضوع مشترك وجماعي بين الجميع، وأعتقد أن هذه معاناة الكثير من الزوجات ونريد لها حلا. لقد مللت من زميلات العمل ونجمات السينما, فمهما كانت الواحدة مننا جميلة ومقنعة فإن زوجها لن يراها كذلك بفضلهن وفضل الشيطان، وما رأيكم من أين أبدا النقاش؟!!
30/1/2005
رد المستشار
نكون قد أخطأنا خطأ كبيرا إذا تصورنا أن هناك سبب واحد لتجاوز بعض الحدود في التعامل بين الرجل والمرأة في مجالات الحياة العامة، وكذلك نكون قد أخطأنا إذا تصورنا أن هناك أسلوبا واحدا محددا يجب أن تتبعه الزوجات لمواجهة هذه الظاهرة، فالتعميم مرفوض في كل من الأسباب والعلاج!!
الأسباب –كما ذكرت كثيرة– (فقد ترجع إلي رغبة خبيثة) في نفس الرجل، استسلامه لأهوائه التي تجذبه نحو النساء، فيلاطف هذه ويلاعب تلك ولو وراء ستار العلاقة العامة ومباركة العرف المنحرف، وقد ترجع إلي (استهتار) الرجل وتناوله الأمور ببساطة دون قصد خبيث أو نوايا سيئة ولكن مع عدم مراعاة ما يمكن أن تتطور إليه الأمور رغم حسن النوايا، وقد ترجع إلى (ضعف شخصية) الرجل الذي لا يستطيع أن يخالف العرف الذي يفعله "كثير" من الناس -كما تقول أختنا فيكون "إمعة"- ويفعل مثلما يفعلون حتى لو كان مقتنعا أنه خطأ، وقد ترجع إلي (جهل) الرجل بالحدود التي يجب أن يلتزم بها في علاقته مع الجنس الآخر حتى ولو كان غرضه الدعوة للإسلام!!
وقد ترجع إلى (خلل في التطبيق) فهو رغم أنه سليم النوايا ومدرك للحدود والضوابط إلي أنه عند التطبيق قد يتجاوز مرة ثم يصحح مساره؟ ثم يعود فلا يراعي جانبا ثم يقيم نفسه ويعدل أسلوبه، وبما أن الأسباب متعددة، منها: الرغبة الخبيثة، والاستهتار مع حسن النية، والجهل مع حسن النية، وضعف الشخصية، والخطأ عند التطبيق وغيرها، كذلك فإن العلاج يختلف من حالة إلى أخرى ولا نستطيع تعميمه، ولكن نستطيع أن نضع بعض الخطوط العريضة حوله، والتي ذكرنا بعضها في الرسالة السابقة، ونكمل الحديث من خلال تعليقنا على المشاركات وهذه الخطوط هي:
1- يجب أن تدرك كل زوجة أنه لا رقيب على الإنسان إلا نفسه وأن الله تعالى هو الأعلم بالنوايا، فلا تنصب من نفسها إلها ولا تحكم علي نية زوجها (فربه أعلم به).
2- عدم تدخل الزوجة في نية زوجها لا يعني أن تقوم بدور (المتفرج الأبله) بل يجب أن يكون هناك حوار ونقاش ولا مانع من تحكيم أهل الفتوى بينها وبينه لتوضيح الضوابط والحدود.
3- الالتزام بالضوابط في العلاقة بين الجنسين هو عملية مكونة من عدة جوانب، ويجب بناء كل الجوانب حتى تستقيم العلاقة، فهناك جانب (معرفي) يتمثل في المفاهيم التي يؤمن بها الإنسان حول الضوابط الشرعية للعلاقة، وهناك جانب (روحي ونفسي) يتمثل في صدق نوايا العبد مع ربه ومراقبته لنفسه وتزكيته وتطهيره لها، وهناك جانب (تطبيقي وتدريجي) فمن خلال الممارسة والتطبيق يكون الإنسان أكثر قدرة علي التصرف في المواقف المختلفة حتى ولو كانت محرجة أو ضد العرف.
4- في كل الأحوال أهم ما يجب أن تضعه الزوجة –وكذلك الزوج– نصب أعينهما هو الاهتمام بالعلاقة التي تربطهما وتقويتها بالصبر والعطاء وحسم العشرة حتى تنمو وتنضج وتصبح مثل الشجرة القوية التي لا تستطيع العواصف كسرها أو اقتلاعها.
5- لا ننسي الدعاء واللجوء إلى الله للحفاظ علي كيان أسرنا، وإنقاذنا وإنقاذ أزواجنا وأولادنا من شر أنفسنا ووسوسة الشيطان وفتن الدنيا.
أختاي الكريمتان صاحبتا المشاركتين، أشكركما كثيرا على إضافتكما، وأهلا بكما ضمن أصدقاء الموقع، وأتمني لكما ولكل أصدقائنا وصديقاتنا الاستقرار والسعادة الزوجية