بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله، أكتب لهذا الموقع القيم، ويا ليتني اكتشفته مند زمن، زمن عشت فيه المر لأن لي قلبا طيبا أحب بصدق، أنا شاب في الخامسة والعشرين من العمر، طالب بالطب في السنة السادسة، أعجبت بزميلة لي مند أكثر من ثلاث سنوات، رأيت فيها الطيبة والأخلاق الجميلة، لم أكن أعرفها ولا حتى أتكلم معها، في البداية تجلى لها اهتمامي في نظراتي المحتشمة، فبادلتني تلك النظرات، مرت بعدها الأيام فطلبت الكلام معها، فرفضت ذلك، كنا حينها في السنة الرابعة ورأيت أن الأمر مستعجل نوعا ما، فمشوار الدراسة ما زال شاقا من جهة وحيث إني أخفقت في السنة الرابعة فأصبحت هي تسبقني بسنة دراسية، فقد هدأت الأمور في هذه السنة.
وما فتئت الأمور تعيد نفسها حين كنت في السنة الخامسة، وهي في السادسة، فقد أصبحت نظراتنا أكثر وضوحا بشهادة حتى أقرب الأصدقاء، أردت هنا أن أفاتحها في الموضوع لأني كنت شديد الإعجاب بها، فرفضت حتى الكلام مرة أخرى، فكانت حيرتي كبيرة وعذبتني التساؤلات لمدة شهور، صارحت إحدى زميلاتي التي أثق فيهن فبذلت مجهودا وذهبت تفاتحها في الموضوع.
فردت عليها وقالت لي: "أرفض أن أقيم علاقة لأني مرتاحة لوحدي فلست أرفض شخصك أنت، فنحن زملاء". سألتها عن السنة التي تفصلنا في الدراسة، فقالت: "هذا ليس بعائق". تفاءلت لكلامها كثيرا ورأيت فيه إمكانية لتطور الأمور، فاتحتها في الأمر مرة ثانية، فقالت: "لا يمكنني أن أعطيك أي أمل، فنحن زملاء يمكن أن نصبح بعدها أصدقاء فنظرتي جد طيبة تجاهك". وما كان لي إلا أن أشرح إرادتي وأن أبدي النية بأني أسعى لترسيم الأمور في آجال ملائمة إذا حدث انسجام بيننا... بعد كل هذا ربطتني بهذه الفتاة علاقة عفيفة جد طيبة لمست فيها أخلاقها وطيبتها فانفتح لها قلبي وأحببتها وأعطيتها أعز ما أملك وتصرفت وتكلمت معها بما ينم عن اهتمامي بها، فكنت أسأل عنها وأخاف عليها وبذلت كل مجهودي تجاهها، ورأيت إمكانية لتطور الأمور.
في يوم من الأيام عندما اقتربت نهاية السنة الدراسية أردت الكلام معها فرفضت وقالت لي: "لن أتكلم معك على مدى طويل" وكانت منفعلة، فعذبني هذا الكلام، لكن كانت دهشتي حين كلمتها مرة أخرى، حيث طلبت مني المعذرة وتكلمنا وصارحتها أني أريد أن نتعارف فكان جوابها: "ليكن تعارفنا تعارف خير". فكانت الأيام تمر وكان حبي يزداد لها فكان حبا لشخصها، ولم يكن خاضعا سوى لتفسيري لأقوالها وأفعالها، فكان حبا صادقا عفيفا أردت به الخير لوجه لله، فلم أكن أبحث عن مجالستها، فكنت أتكلم معها في إطار محترم، فأنا أخاف عليها.
انتقلت هي إلى السنة السابعة وبدأت العمل في المستشفى فانتقلت إلى المستشفى فوجدتها فقلت لها: "رجوت أن أجدك لأتمنى لك حظا سعيدا في أول يوم لبداية العمل" فكنت أفكر فيها وآثرت أن أتنقل مرة أخرى لأسأل عنها وقلت لها: "أردت أن أسأل عنك". بعد كل هذا أصبحت الأيام تمر ويزداد معها عذابي، فكنت أتساءل هل هي علاقة ناشئة تسمح لي في التفكير في خطبتها حين انتهائي من السنة السادسة، في انتظار الزواج حين حصولي على وظيفة؟ وأتساءل أيضا هل هذا ممكن؟ فأنا أعلم أن التوفيق والرزق بإذن الله، لكن ماذا لو تقدم لخطبتها من يفوقني سنا ومالا فهي شديدة الجمال، وقد يطلبها الكثير، فعذبني هذا كثيرا كثيرا؛ لأني أحبها حقا من خالص فؤادي.
فرحت لنجاحي في السنة السادسة فهي السنة الأخيرة نبدأ بعدها العمل بالمستشفى في السنة السابعة، وأردت هنا أن أبذل جهدا، فعذابي طال، والكل نصحني أن أفاتحها في الموضوع، ولنتكلم بجدية، أقدمت على هذه الخطوة الصعبة حيث وجدتها وصارحتها ومما قلته: "منذ أن تكلمت معك كبر احترامي وتقديري لك فأنا مستريح لك". فكان الرد بأننا أصدقاء ولا مكان لأي علاقة، ما كان أشد من أن أسمع هذا، وصارحتها على الفور بأني لا أحمل لها إلا المشاعر الصادقة وأنها إنسانة غالية أحببتها بكثير من الصدق والوفاء والعفة وأني أعطيتها أعز ما أملك، كانت هذه بمثابة أول مرة صارحتها فيها بخالص مشاعري، لكنها رفضت للفكرة فقالت: "لا يوجد مكتوب بيننا".
بعدها عشت أياما عسيرة انهرت فيها، فقد كان أملي كبيرا فيها ولم أفهم كيف كانت غافلة عن كل تصرفاتي الواضحة التي أنكرت فهمها، فقد قلت لها من قبل مثلا: "ما في القلب هو في القلب، أنا مهتم بك". فقد كانت في مثل هذه المواقف تسكت سكوتا رأيت فيه احتشاما وتفكيرا في الأمر، بعد ردها كنت حائرا تائها، عشت العذاب، وما كان أفضل من قدوم شهر رمضان الكريم الذي ساعدني كثيرا بما فيه من جو روحي وصلوات دعوت فيها لي ولها بالتوفيق لما فيه خير في الدين والمعاش.
عشت بعدها على أمل أن تفكر في الأمر فأنا الآن أبديت نيتي فما كان لي إلا أن أكتب لها رسالة تكلمت فيها عن الكثير بكل صراحة، فأنا تمنيت أن تكون قد فهمت قصدي منذ البداية، فالصداقة بين الرجل والمرأة فيها أقوال وقد نجدها ولا نبحث عنها وأنا ذهبت باحثا عنها، تمنيت أيضا أن تتكلم بصراحة ولا تترك لبسا، أنا لا أحملها المسئولية عما جرى فقد يكون لها أعذار، وأنا هل أعتبر مخطئا حين تصرفت بصدق وذهبت لأصل لها بكل جهدي، فكان أملي كبيرا لأني أحبها من جهة ولأني أعلم أن بنات كلية الطب هن أصعب في هذه الأمور لأنهن منهمكات كثيرا في الدراسة، فكنت أرجو أن يأتي عليها يوم تفكر فيه جديا في الأمر، فالكثير من الزملاء عاش مثل هذا ووصل بهم الأمر إلى بر الأمان.
أنا قدرتها كثيرا ولم أكن من الرجال الذين يبحثون عن الزواج فحسب مع سمو مكانته، فأنا بحثت عنها لذاتها، ولم أبحث عن زوجة فقط، لا أعلم فقد تدفقت بعاطفتي ورأيت في البداية أن الصداقة التي أرادتها قد تفتح بابا للتعارف العفوي الذي قد نجني منه علاقة طيبة، هي في ظاهر الأمر لم تخطئ كثيرا وأنا أيضا، لكن كل شيء انهار، فهل أكون أنا المشكلة، فأنا إنسان أحب بأسمى ما يحمل، وما يوجد أسمى عندي في هذه الأمور من إسعادي لطرفي الآخر، لم أعش وهما فأنا أحسن لكل الناس لوجه الله، وليس لي مشكل مع أي إنسان في الدنيا، فأنا لم أكذب عليها مثقال ذرة.
لكن للأسف حين تكلمت معها في المرة الأخيرة تكلمت معي بنوع من الانفعال وقالت لي: "لم تفهم بعد" فأنا لم أذهب لها لأضيق عليها بل لأرى هل هناك إمكانية للتفكير في الأمر بعد الرسالة أو لإقفال الموضوع بطريقة طيبة، فكانت إنسانة غامضة كالعادة قالت: "أسباب تخصني" لا أعلم فقد أكثرت عليها من جهة، وقد بحت بكل ما عندي وفي هذا ربما ما ينفر النساء، فأنا لست هاويا للعلاقات أجيد فنها وأعلم خبايا نفوس النساء.
أتساءل في حياتي عن حب اليوم، فالعاقل من يقول إن الحب في سن الزواج يختلف عن حب العشرين وإن لكل حب أساسا، فأنا أرى أن يكون الحب مبنيا بالعقل نشيده على ما نراه صالحا للخير وللدين، لا حبا للجسد أو المال أو المنصب، فأصبح القليل من بناتنا من تقبل رجلا لأجل أخلاقه وتضحياته، ففتيات اليوم تحب من يجيد فن الإغراء أو من يملك المال الطائل، فقد هدمت أسس الحب واهترأت البيوت وعم الطلاق، فالكل يحب على حسب تركيبته الأخلاقية والنفسانية ولكل امرئ مبادئه.
أحببت إنسانة جميلة ليس لجمالها بل لشخصها فالجمال جمال الروح، ففي زمننا هن كثيرات من يغتررن بالجمال فترى الفتاة الجميلة يتقدم لها الكثير فمنهم الطيب ومنهم غير ذلك وهي ترفض الواحد تلو الآخر في انتظار أو افتراض أن يأتي الأمثل، فتفوت على نفسها من قد يجعل الله فيه خيرا كثيرا.
يا للأسف فقد فقدت إنسانا غاليا أردته بعقلي وقلبي، فالحياة كتاب لن تسرنا كل صفحاته، فقد تغيرت حياتي في الفترة الأخيرة، فقدت فيها تلك الحياة التي ألفتها بما فيها من هوايات وترويح طيب عن النفس، فعليّ أن أقوم مما عشته، والله لن يخيب كل من أراد خيرا، لن أبحث عن عودتها فإن عادت فهي هدية من عند الله، وأنا راض بقضاء الله في كل حال.... أخيرا أود أن أجد في هذا الموقع من يعينني بإذن الله على اجتياز هده المحنة وعلى إرشادي لما هو خير، فأيامي عسيرة وما نرجو إلا الخير.
وبالله التوفيق،
والسلام عليكم ورحمة الله.
17/06/2022
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله، مشكلتك يا أخي الكريم اختطفتني من حجرة مكتبي وألقت بي في أعماق قصيدة قارئة الفنجان التي كتبها نزار قباني وتغنى بها عبد الحليم حافظ في السبعينيات. حقا كما يقول: "قد تغدو امرأة يا ولدي يهواها القلب هي الدنيا".
عندما يعشق القلب امرأة فإنه لا يتمنى من الدنيا سواها ولا يسعده إلا القرب منها ولا يحزنه إلا الافتراق عنها، وهذا هو حالك الآن.
ولكني مضطرة هنا إلى أن أتقمص شخصية قارئة الفنجان رغم أني لا أومن بقراءة الفنجان لأقول لك: "لكن سماءك ممطرة وطريقك مسدود مسدود ... فحبيبة قليك يا ولدي نائمة في قصر مرصود ... من يدخل حجرتها ... من يطلب يدها ... من يدنو من سور حديقتها ... من حاول فك ضفائرها يا ولدي مفقود مفقود مفقود".
لماذا؟!
ببساطة لأنها لا تحبك؛ ليس لأنها تافهة أو مادية أو خائفة ولا لأنك سيء الخلق أو فاشل أو فقير، لا هي تلك ولا أنت ذاك، ولكن السبب كما قلت إنها لا تحبك.. لا تريدك.. لا تتمناك.
كما أن قلبك الذي لا تملكه أحبها، فإن قلبها الذي لا تملكه لم يحبك ... والآن عليك أن تختار إما أن تعيش أسيرًا لهذه التجربة لسنوات طويلة، فتفسد عليك حياتك سجينا وراء أسوار الحزن والألم، وإما أن تتحرر من قيودها لتبدأ حياتك من جديد... مصيرك في السنوات القادمة كلها يتوقف على قرارك الآن.
كثيرون قد مروا بنفس التجربة واستسلموا للاختيار الأول، ثم توالت عليهم كل أشكال المعاناة: التعثر الدراسي، وعدم التفوق المهني، والفشل في إقامة علاقة زوجية ناجحة مع فتاة أخرى ... وكثيرون أيضا مروا بالتجربة ولكنهم بشيء من الجهد والصبر والعقل عزموا على التحرر فاجتازوا الأزمة وكتبوا لأنفسهم ميلادا جديدا.
وأكرر: الاختيار بيدك.
ولعلَّي أذكر لك بعض الإشارات التي تعينك إذا أردت أن تختار التحرر.
لقد صدق الله حقا عندما قال: "وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" ليس كل ما يحبه الإنسان خيرًا له، وقد يحرمك الله تعالى مما تحب؛ لأنه يرى فيه شرا لا تراه أنت بعقلك البشري القاصر وقلبك المسكين العاشق.
يقول علماء النفس إن من أسباب عجز الإنسان عن حل مشكلاته أنه لا يريد أن يخسر أشياء قد خسرها بالفعل، فيضيع عمره في بذل الجهد حتى لا يخسرها ولا يقبل أن يعترف أنه فعلا خسرها وربما إذا وجَّه هذا الجهد ليكسب أشياء أخرى لكان خيرا له.
النسيان ربما يكون صعبًا، ولكن ليس مستحيلا، والدليل أن الملايين من البشر يمارسونه عبر آلاف السنين، ولم ينتقص من أعمارهم ونجاحهم شيئا، والذكرى لها دورات؛ فهي أحيانا تثور وتنشط وتحرق قلوبنا بنيرانها المستعرة، وأحيانا تهدأ وتخفت فتنتفخ الأبواب لتسرب السعادة والتكيف مع الواقع.
وكل ما علينا إذا أشعلت نيرانها أن نتماسك ونستعين بذكر الله والدعاء والسكينة والأمل، ثم إذا هدأت ننطلق لأحلامنا ونشاطنا ومستقبلنا ومع الوقت تتناقص الثورات وتتزايد الفترات.
أنت لم تر الفتاة إلا في صورتها حتى ولو كنت تعرفت على بعض صفاتها وخصائصها، فإنك لم تقترب من حقيقتها ولا تعرف كيف ستكون زوجة أو أمًّا وربما هناك من هي أفضل منها عشرات المرات فلا تجعل الصورة تطاردك وتوهمك بحقائق لا تعلم عنها شيئا.
وأخيرا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل".