السلام عليكم
أنا شاب أبلغ من العمر 22 عاما، أنتمي لأسرة متوسطة الحال -والحمد لله - فضلا عن انتمائي للتيار الإسلامي، نشأت منذ الصغر على حب المعرفة والعلوم التكنولوجية، وعلى حب خفي للمجال الإعلامي.
لم أعرف طوال سنوات عمري في المرحلة قبل الجامعية غير التفوق بل التميز -ولله الحمد- في دراستي حتى منّ الله علي بالالتحاق بإحدى كليات الهندسة -حلم حياتي- وعلى الرغم من أنها كانت بجامعة إقليمية تبعد مسافة كبيرة عن محافظتي، فإن السعادة غمرت أسرتي بل عائلتي بأكملها وغمرتني الفرحة والسرور والعزيمة على التفوق والتحويل إلى الجامعة بمحافظتي وقد كان.
صحيح أن النتيجة لم تكن مرضية بشكل كبير إلا أنها -ولله الحمد- كانت كافية للتحويل، وكان أمامي آنذاك اختياران؛ إما البقاء في كليتي الإقليمية والدخول إلى قسمي المفضل هناك، أو التحويل إلى كليتي بمحافظتي والالتزام بما ستتفضل به علي من أقسام، وآثرت الاختيار الثاني لنظرة قاصرة للأمور آنذاك علما أن أبي -حفظه الله- خيرني بين ذلك وتلك.
عدت إلى محافظتي وفُرض علي قسم الهندسة المدنية، وهو مجال بعيد كل البعد عن دائرة اهتماماتي فضلا عن أنه من الأقسام المكدسة بالطلاب.
في البداية رضيت بالقسم وكنت أجمله لنفسي إلا أنني رسبت في عامي الأول وكانت الصدمة، وكان الانهيار، وللأمانة فأسرتي وأبي تحديدا لم يمارسا أي ضغوط علي، بل كانوا يساعدونني ويدفعونني إلى الخروج من أزمتي، فوالدي -حفظه الله- من أعظم نعم ربي عز وجل علي، وهو ما يزيدني ألما فوق ألم، وجرحا فوق جرح.
وبالفعل بدأت أُرغب نفسي بالقسم من جديد فبدأت آخذ دورات حاسب آلي في مجال تخصصي، فضلا عن التدريب مع بعض الشركات ودخلت عامي الأول في القسم للمرة الثانية إلا أنني وبالكاد نجحت بمادة وانتقلت إلى الفرقة الثانية لأرسب ثم أرسب، ثم ها أنا الآن أعيد الدراسة في الفرقة الثانية للعام الثالث على التوالي لأشاهد زملائي من دفعتي -بارك الله لهم جميعا- ما بين معيد يدرس لي ومهندس في شركة محترمة.
حاولت تغيير القسم إلا أن إدارة الكلية ترفض التحويل بكافة صوره، حاولت أن ألتحق بكلية الإعلام بنظام التعليم المفتوح، وتقدمت فعلا، واجتزت المقابلة الشخصية -مع أستاذة فاضلة في قسم الصحافة- بجدارة إلا أن بعض الأوراق الإدارية حالت بيني وبين الكلية، بحثت في الجامعات الخاصة ونظم التعلم عن بعد مع جامعات أجنبية إلا أنني وجدت هذه الحلول في معظمها فوق طاقتي المادية.
طوال فترة دراستي الجامعية لم أحقق نجاحا يذكر سوى في إدارة وتطوير مواقع الويب، وهو مجال حققت فيه نجاحا على الصعيد الدعوي -ولله الحمد- دفعني إلى العمل فيه حياتيًّا في صيف العام الماضي، وهو مجال أحبه وأتمنى أن أدرس فيه بالخارج.
وأخيرا.. أكتب لكم هذه الرسالة، وقلبي يقطر دما وعيني لا تتوقف عن البكاء، فأنا اليوم شخص لا أعرفه ولا يعرفني، علاقتي بربي فاترة، وعلاقتي بدعوتي وفكرتي مهملة، وعلاقتي بدارستي وحياتي منهارة، أخشى الله عز وجل أن يقبضني إليه وأنا على ذنوبي وتقصيري، وأخشى الناس فلا صديق حولي ولا زميل، بل أخشى حتى الرد على مكالمات الهاتف، لا أدري إلى أين أذهب؟ ولا إلى من أذهب؟ ولا إلى ماذا أذهب؟
أرى الحزن في عيون من حولي لحالي ليحملني همّا فوق همَ.
فأغيثوني أغاثكم الله.. وجزاكم الله خيرا.
2/6/2022
رد المستشار
قبل أن نفكر معا في الحل تعال نتفق على قاعدة هامة وهي: لا تنظر وراءك أبدا.. ولا تقارن نفسك بأحد.
فإذا بدأت رحلتك من الآن تدرك من سبقوك وتتفوق عليهم، ولعلك تعرف أن عمرو بن العاص وخالد بن الوليد قد تأخر إسلامهما كثيرا، ولكنهما عَوّضَا ما فاتهما وقدما للإسلام ما لم يقدمه كثير ممن سبقوهم إليه فلنرفع شعار "Never Late"، أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل.
وبعد الاتفاق على هذه النقطة تعال لننظر إلى الحلول المقترحة:
الحل الأول: وهو الدراسة بجامعة أجنبية، وهو حل مستحيل؛ لأن ظروفك المادية لا تسمح أبدا.
الحل الثاني: وهو التحويل إلى قسم آخر، وهو حل ليس مستحيلا، ولكنه يتوقف على وجود أستاذ أو رئيس قسم يتوسط لك للقبول، فإذا لم يتوافر الشخص بعد البحث والاجتهاد يصبح هذا الحل أيضا مستحيلا.
الحل الثالث: وهو أن تستمر في نفس القسم حيث لم يبق لك فيه إلا ثلاث سنوات فقط، إذا رسبت هذا العام أيضا، أو يبقى عامان إذا نجحت هذا العام بإذن الله تعالى.
وإذا اخترت هذا الحل فعليك أن تضع في اعتبارك عدة أمور وهي:
1- أن تعطى 90% من وقتك أثناء فصول الدراسة للمذاكرة وحضور المحاضرات و10% للدعوة والإعلام والميول الأخرى والعكس في الإجازة الصيفية فتغذي ميولك وهواياتك كما شئت في الإجازة.
2- أن يكون هدفك الوحيد من المذاكرة هو الحصول على لقب إنسان ناجح؛ لأن المجتمع لا يعترف بالفاشلين دراسيا، ولكن غالبا لن تعمل كمهندس مدني، ليس فقط لأنك لا تحب التخصص، ولكن لأنه أيضا غير مطلوب كثيرا في سوق العمل.
3- رحلة العذاب التي ستستمر خلال سنوات ثلاث مقبلة يجب ألا تخوضها بدون الاستعداد اللازم، وهذا الاستعداد اللازم أعني به بعض العوامل التي تعينك في الطريق، ومنها: أن تكون هناك أوقات راحة ومتعة مقدسة في وسط الجحيم، وأن يكون لك صديق مخلص، أو ربما والدك تستأنس بحنانه حين يضيق صدرك، وأن تغذي هواياتك وتستمد منها الراحة النفسية، وأن تتدرب على الصبر الجميل وقوة الإرادة، وقبل كل هذا أن تستعين بمن لا حول ولا قوة إلا به مالك الأمر كله الحي القيوم المغيث اللطيف.
4- ذكرتها وأكررها لا تنسى أن تقضى الإجازة في استثمار ميولك الدعوية والإعلامية أو في مجال تطوير الويب سواء من خلال العمل والممارسة أو العلم والدورات؛ لأن هذا من ناحية سيسري عنك ويرفع معنوياتك، ومن ناحية أخرى يجعلك لا تبدأ في هذا المجال من الصفر إذا استقر بك الحال على أن يكون هو عملك ومصدر دخلك.
الحل الرابع: هو أن تحول من الكلية تماما وعندئذ ستكون مخيرا بين ثلاث كليات على ما أعلم وهي: التجارة والتربية والحقوق. ولست متأكدة من الكليات بالضبط. وهنا عليك أن تضع في اعتبارك النقطة التالية:
التحاقك بأي من هذه الكليات لن يقدم لك علما مع الأسف الشديد، فإذا دخلت أحدها فإنك ستدخلها فقط للحصول على الشهادة، وأيضا لكي تصبح في نظر المجتمع إنسانا ناجحا، ولكن العلم في هذه المجالات أو غيرها مثل الإعلام لا يأتي إلا بالتدريب والممارسة العملية، وبعض الدورات عالية المستوى وحضور المنتديات المفيدة في كل مجال والتي تجمع الناجحين من أهل التخصص.
أعلم أني لم أختر لك، فنحن لا نختار لأحد، ولكن أحسب أنني وضحت لك تفاصيل كل اختيار ولم يبق عليك إلا التفكير بهدوء والدعاء والاستخارة.
ولا تنس عندما يكتب الله لك التوفيق في يوم من الأيام وتكون أفضل منا بإذن الله؛ لأنك أهل لذلك -ولا نزكي على الله أحدا- فلا تنس عندئذ أن تذكرنا وتدعو لنا.