بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتي المستشارين في مجانين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيرا على نصائحكم وإرشاداتكم وجعل الله ذلك في موازين حسناتكم، أنا فتاة أبلغ من العمر 14 عاما، تبدأ مشكلتي منذ الصغر، نشأت بين أم مضغوطة بدراساتها العليا وأب حازم، ضربني أنا وإخوتي كثيرا في صغرنا كنت في صغري وما زلت أشهد صراعات أمي وأبي أنا وإخوتي، ونعرف أسبابها، نشهد أمي وهي تبكي وتشتكي أمام أعيننا وأسماعنا، أرسلت في صغري لفترة إلى أسرة كانت أمي تضعني عندهم إلى وقت رجوعها من العمل ما زلت أذكر المعاناة التي عانيتها هناك، مواقف مليئة باليتم، كلما تذكرتها أشعر بالألم، ولدت في بلد خليجي وعدت إلى وطني في الثالثة من عمري تقريبا، ثم عدنا لذات البلد الخليجي عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي، عانيت كثيرا من زميلاتي في المدرسة، كن يستهزئن بي وبجنسيتي وشكلي وشعري وطريقة كلامي، حدثت مشاجرات كثيرة لازلت أذكر تفاصيلها، كن قاسيات جدا معي، ولم يكن في البيت تفهم لمعاناتي، كنت ألام من أبي؛ لأن "لساني طويل وما حدش سالم من شري في البيت" وأنا عكس ذلك في المدرسة.
في بداية ذهابنا إلى هذا البلد كانت أمي تعمل في قرية على حدود العاصمة التي نسكنها، فكانت تسافر سفرًا طويلا كل يوم، لا أذكر كل تفاصيل هذه الأحداث، لكنني أذكر أني كنت أبكي حينها كثيرا، نفسيتي كانت سيئة جدا، أبي كان يعود من سفره مع والدتي مرهقا، فيبدأ بالحساب والمعاقبة، وأخواي الكبيران كانا في ثانوية عامة، فكان كل شيء على رأسي أنا وأختي، الوضع المادي لصديقاتي في المدرسة كان أحسن منا، حياتي في هذه الفترة مشوشة في ذاكرتي لا أذكر التفاصيل، ولكنني أذكر أنني كنت مجروحة وحزينة بلغت في الصف السادس الابتدائي، وبدأ الوضع يتحسن.
آسفة لأني أطلت في المقدمة ولكني توقعت أن يكون فيها ما يلقي الضوء على مشاكلي القادمة، المشكلة الأولى: ليس لدي ثقة في نفسي، لا أحبها، ولا أحب جسمي حيث إنني أعاني من سمنة زائدة، أكره الرجال لأني أشعر أنهم متسلطون، وأكره المرأة التي تعيش تحت رحمة الرجل وتحت حكمه، أكره أنوثتي، لدي خجل كبير من الرجال يصل لدرجة أني لا أستطيع المشي في الشارع وأمامي رجل أعرف أنه ينظر إلي، وأشعر أني أكاد أتعثر، أخجل من الجمع الكبير -خروجي أمامهم أو التحدث معهم- رجلي ترتجف إذا تعرضت لموقف من هذه المواقف، ويداي ترتعشان دائما وفي جميع الأحوال والظروف، أخاف أن تكرهني صديقاتي؛ لأني أشعر أني مملة في حديثي، حساسة جدا ودموعي قريبة ولا أحسن التصرف في المواقف المختلفة.
المشكلة الثانية: أشعر أحيانا أني أكره أسرتي، أشعر أن منزلتي كمنزلة الخادمة، لا أعمل كثيرا في البيت، ولكن يتعبني أني المسؤولة عن كل شيء في البيت، ومسؤولة عن إخواني الأصغر مني وعن تحضير العشاء، وهذا في غياب أمي في العمل من الرابعة مساء وحتى الحادية عشرة، أحيانا أشعر أني أكره الأمومة؛ لأني أجبرت على ممارستها مبكرا، ولا أحد يشكر أفعالي، وقتي أغلبه ملكهم يجب أن يقضى فيما يريدون، وهم يريدون إما أن أذاكر أو أشتغل في البيت، يجرحونني بكلمات قاسية مثل: (أنت فظيعة، أعان الله من سيتزوجك، لا أدري كيف تحتملك صديقاتك) أخي الأكبر قال لي يوما: (لن تتزوجي؛ لأنك لست بنتًا.. أعوذ بالله.. أجمل ما في البنت رقتها وأنت تفتقدين إلى هذه الرقة) قال لي ذلك بعد مشاجرة بيني وبينه لأني رفضت أن أنفذ أمره لي فضربني وشتمني ثم جرحني بهذا الكلام، وخطأتني أمي؛ لأن لساني طويل ولم أسمع كلامه وقالت: إنه ولد يجب أن تطيعيه، هذا بعدما صرخت في –طبعا- وقالت كلاما من مثل: (لن تعمري مع زوجك يومين ولن يتحملك زوج ولا حماة ...إلخ).
لماذا يجب أن أطيع أمر أخي؟ لأنه رجل؟ ولماذا لا يساعد إخوتي الذكور في أعمال المنزل؟ ألأنهم رجال؟ ما ذنبي أني خلقت أنثى، ولو كان الأمر بيدي لاخترت أن أكون ذكرا، أشعر أحيانا حين أبصر شبابا في الشارع أني أحسدهم، أشعر أن المرأة مظلومة، فأصبح شغلي الشاغل قراءة تفاسير العلماء حول آيات القوامة، قرأت للشيخ ابن كثير وعبد الرحمن السعدي ما فهمت منه أن الرجل أفضل من المرأة أصلا، (وهي عنده عانية أسيرة خادمة) والكلام للشيخ السعدي (للرجل الفضل عليها والإفضال) والكلام له أيضا، مؤخرا أصبحت أتجنب القراءة في هذه الموضوعات لشدة ما تؤلمني.
أهلي دائمو المقارنة بيني وبين أختي؛ لأنها ألين مني فليست عنيفة مثلي، كما أنها لا تعصي لهم أمرا وكلامها جميل، لكن ذلك لأنهم لا يطلبون منها الكثير؛ لأنها في ثانوية عامة، لها غرفة خاصة ولا تساعد في عمل البيت، كما أن جسمها جميل وليست سمينة مثلي، وعلاقاتها الاجتماعية مع الآخرين أفضل طريقة مني.
حديثي يتسم بالشدة سواء مع زميلاتي أو مع أهلي أو الآخرين عموما، أحيانا بغير قصد وأحيانا رغبة في أن يستمع إلي أحد وأحيانا بدافع الغضب، حتى عندما أحاول كسب رضاهم، أحيانا أكون سعيدة ومستعدة للعمل بانشراح فيتلفظ إلي أحدهم بكلمة تحرق سعادتي. لست سيئة إلى هذا الحد، فأنا أحفظ القرآن الكريم كاملا، كما أني الأولى على صفي دائما، ولكني لا أحصل على المديح والثناء إلا في المدرسة، أما في البيت فأنا دائما غبية، ومستواي ليس مثل الذين يدرسون مناهج الوطن، بدافع رغبتي في الظهور بمظهر جميل بدأت باتباع حمية غذائية؛ لأني أريد أن أبدو في حجابي كالبنات لا العجائز فطولي 155 سم ووزني 81 كجم، ولا أريد أن أعود إلى الوطن وأنا بهذه الصورة، لقد أصبحت أكره الناس التي لا تراعي مشاعر الآخرين فتظل ترسل تعليقاتها المستهزئة بمزاح أحيانا والناصحة بشفقة أحيانا، لذلك أريد أن أكمم أفواههم عن التعليقات، كيف أستطيع أن أحب نفسي؛ لأني أكرهها وأكره الأشخاص الذين أشعر أن تصرفاتهم مشابهة لتصرفاتي حتى وإن لم يكن فيها خطأ؟
المشكلة الثالثة: لدي حركات معينة لا أستطيع تفسيرها مثل: حينما أنام على السرير لا أرتاح إلا وأنا أهز جسمي يمنة ويسرة -أحيانا بقوة متوسطة وأحيانا بشدة- حتى أنام، كما أنني لا أستطيع الجلوس إلا وأنا أهز جزءا من جسمي غالبا ما تكون قدمي، وأحيانا ظهري أو يدي أمسك خصلة من شعري وأنزلها على وجهي وأظل أشدها وألعب بها؟ هل تفسير كل هذه الحركات توتر؟ وهل هذه الحركات ضارة أم أنها مفيدة في التخلص من التوتر؟ حيث إنني أشعر أنني أحتاجها بشدة.
المشكلة الرابعة: لست أدري إن كانت مشكلة فعلا أو لا، أنا لدي الكثير من الشخصيات في رأسي، هم بالتحديد ثلاث شخصيات رئيسية، لكل واحد منهم قصة حياة في رأسي، ومشكلات ومواقف يومية كل هذه الشخصيات أجعلها أنا إذا غرقت في أحلام اليقظة، وكلهم رجال، أتخيلهم في شبابهم وطفولتهم وأحيانا قليلة في هرمهم، شخصية واحدة منهم حقيقية الاسم فقط، ولا أعرف صاحب الاسم الحقيقي صورة، والباقي من نسج الخيال أتخيل أنني هم، وأغرق في الأحلام وأكون مستمتعة جدا، بل إن جنسياتهم والفترة الزمنية التي يعيشون فيها مختلفة، وأختار أيا منهم سيمثلني حينما أعزم على الغرق في التفكير يحدده المزاج؛ فهل لهذا ضرر علي؟ مع العلم أني لم أعد أستطيع الاستغناء عنهم.
أخيرا: كيف أحسن جسمي بطريقة سريعة وصحية في 3 أشهر؟ وهو ميعاد ذهابنا للوطن. وكيف أصنع حاجزا بحيث لا تؤثر علي المشاكل الأسرية ولا تشعرني بهذا الألم؟ ولماذا يشعر الأبناء بهذا الألم عندما يتعارك الوالدان أمامهم؟ آسفة على الإطالة ولكني أحتاج المساعدة .
جزاكم الله عنا خير الجزاء
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
31/8/2022
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... وأهلا ومرحبا بك صديقة لنا، بدأت أقرأ رسالتك وأتأمل كيف أصبحت الحياة يئن بها الجميع صغارًا وكبارًا، وكيف أن لديك قدرة هائلة على رصد مشاعرك وتتبعها من الطفولة إلى الآن، وقلت في نفسي إن هذه الفتاة يمكن أن تصبح كاتبة في يوم من الأيام... أظن أنه قريبا؛ ذلك لأن لديك مهارة في الكتابة والتعبير الحقيقي عما بداخلك.
مشكلتك الطويلة تحتاج إلى تحليل يساعدك على رؤيتها بطريقة مختلفة، وسأعلق على مقدمتك الطويلة قبل أن أعلق على مشكلاتك التي طرحتها لي.
في كثير من الأوقات يعمل الأب والأم جاهدين لتوفير الحياة الكريمة لأبنائهم، فوالداك اضطرا إلى السفر والبعد عن أهلهما وتجرع الغربة، ويبدو أن الحياة المادية لم تكن على الوجه المطلوب مما جعلهما يسافران مرة أخرى بعد أن كبرت قليلا، ولعلك تجدين على صفحة الاستشارات العديد من المشكلات التي يشكو فيها المغتربون من الوحدة والمعاناة... أنت تقولين إن والدتك كانت تسافر يوميا للعمل، وذكرت أنها ترجع مع والدك في غاية الإرهاق، فتجد نفسها أمام أربع أبناء كل منهم له طلباته إضافة إلى إعداد الطعام والقيام بالمهام المنزلية ثم تنام قليلة وتستيقظ مبكرا لتكرر نفس مهام اليوم السابق، وفي ظل الإرهاق الجسدي ومتاعب العمل المعنوية التي نواجهها من وقت لآخر، ومع الاحساس بالغربة وعدم القدرة على تلبية احتياجاتكم المعنوية بالقدر المطلوب، ومع الخلافات مع والدك... مع كل هذه الضغوط وغيرها مما لا نعلمه أنا وأنت تكون النتيجة الطبيعية هي سرعة الغضب، وأيضا ضيق الوقت للاستماع إلى أربعة أطفال ومشاكلهم ومشاعرهم... من كل هذا أريدك أن تضعي نفسك مكان والدتك ومكان والدك لتدركي كم الجهد اليومي والتضحية التي يبذلانها... أنت وإخوتك أيضا عليكم أن تبذلوا بعض الجهد وتعتمدوا على أنفسكم قليلا.
سأنتقل إلى النقطة الأولى من مشكلتك، لقد عشت مثلك في بلد عربي، لذا أتفهم الاختلاف في المعاملة باختلاف الجنسية والذي يبدو أكثر وضوحا في الطفولة حيث لا موجه بالمدرسة ولا تفهم بين الطالبات لما يصح وما لا يصح، فهذه ثقافة تسود وتغييرها يتطلب وقتًا وتفهمًا ورغبة في التغيير، ولكن الأمر لا يرجع فقط إلى الجنسية ولكن يرجع إلى طبيعة كل طفل ومهارته في التعامل مع زملائه، فلا تعبئي بالماضي بل انظري إلى المستقبل، أنت تقولين إنك حساسة وهذا واضح من رسالتك.. أضيفي إلى ذلك أن هذه الحساسية تزداد في هذه المرحلة من العمر!! نعم حبيبتي في هذه المرحلة من العمر تشعر كل منا أنها لم تعد طفلة وأنها في حاجة إلى معاملة مختلفة ومن ثم تتأثر بشدة بكلام الآخرين.. ولكن هذا ليس نهاية المطاف فما تحتاجينه أنت هو قدر من الثقة بالنفس، وهذه الثقة ممكنة.. انظري إلى الجوانب الإيجابية في نفسك وركزي عليها، فكونك حساسة وقادرة على التعبير عما بداخلك فهذه نقطة إيجابية يمكنك أن تستغليها فتكتبي خواطر أو مذكرات، أو تكتبي قصصًا وأشعارًا.. وهناك نقاط أخرى يمكن أن تحسنيها في نفس فتهتمي بشعرك ومظهرك، ويمكنك تغيير عاداتك الغذائية مع الاهتمام بممارسة الرياضة فالرياضة تحسن من الحالة المزاجية وتحسن شكل الجسم، الثقة بالنفس تنبع من الداخل فلا يهمك ما تقوله الفتيات عنك.. وبخصوص التعامل مع الآخرين، فالأمر يتطلب اكتساب بعض المهارات البسيطة في التعامل مع الغير، ولنبدأ بالسهل ونتدرج إلى الأصعب؟، أي يمكنك أن تبدئي في الاقتراب والتواصل مع البنات المقربات لك، فتتحدثي مع هذه الزميلة أو تلك وتزيدي من التحاور معها بالتدريج، ومع النجاح في هذه الخطوة ابدأي في التقرب من غيرها فتتحدثي مع زميلة أخرى أنت أقل قرباً منها، وسيأتي يوم تجدين التحدث مع الآخرين والغرباء أمرًا ميسورًا وربما لطيفًا، ويمكنك قراءة كتاب: كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر فى الناس للكاتب دانيل كارينجى.
المشكلة الثانية التي ذكرتها حول علاقتك بأسرتك، فقد تناولت كثير منها في التعليق على مقدمتك، وهنا أود أن تقرأي ما سأقوله بتمعن وأن تفكري فيه، حينما كنت أتعرض أنا شخصيا للنقد كنت أشعر بالضيق من هذا النقد.. ومن الصعب أن تجدي من يتقبل انتقاد الآخرين بكل ترحاب، ولكنني اكتشفت أن النقد هو أهم ما يطور شخصيتي!! أتدرين لماذا؟؟ لأنني أصبحت أفكر في نقد الآخرين -ليس كل الآخرين- وأفكر بيني وبين نفسي فربما ما يقولونه صحيح، وقد أجده غير صحيح ولكن الطريقة التي تحدثت بها مثلا تجعلهم يأخذون هذا الانطباع فأصبحت أغير من نفسي ومن طريقتي، أقول لك من خبرتي، وقد تجربين ما أقوله –إن أردت فتجدينه مفيد أو غير ذلك- المهم أن البعض منا حين تلقى عليه الحجارة يأخذها ليبني بها سلمًا، هذا ما قصدته في كلامي، فطالما تريدين أن تسمعي كلامًا طيبًا من أهلك فكوني أنت البادئة، فمن يبدأ له أجر أكبر.. ابدئي أنت بتحسين طريقة كلامك معهم، أريحيهم بكلمة "حاضر" وتنفيذ بعض ما يريدون، ومن المتوقع أن تجدي في المقابل بعض الكلام المريح، ويمكن أن تعقدي مع والدك أو مع والدتك –أيهما أقرب منك- اتفاقا، وتقولين إنك ستحسنين من كلامك معه - معها وتطلبي المعاملة بالمثل.. الحياة أبسط من أن تنغمسي في مواضيع عن العلاقة بين الرجل والمرأة وعن القوامة.. فلديك كثير من الموضوعات التي يمكن أن تفيدك في هذه المرحلة من العمر.. المعلومات العامة تنير الفكر، والقراءة في مواضيع مختلفة أمر سيحسن من قدرتك على التواصل مع الآخرين وسيحسن من لغتك العربية.
المشكلة الثالثة هي نوع من العادات التي يمكن تغييرها، جربي أن تقرأي قبل أن تنامي حتى يغلبك النعاس أو أن تسمعي القرآن الكريم أو أذكار المساء قبل النوم... أما عن اللعب بشعرك فهذا الموضوع يأتي بالتدريج فكلما وجدت نفسك ستمسكين بخصلة منه اشغلي يدك في عمل شيء... وبشكل عام مع تغيير وجهة نظرك إلى الأمور سيقل القلق وستقللي من مثل هذه العادات.
المشكلة الرابعة: أحلام اليقظة تزداد في مرحلة المراهقة إذ يجد فيها المراهق قدرًا من الإشباع أو الاستمتاع لا يجده في حياته اليومية، لذا استغلال هذه الأحلام مفيد.. اكتبي عن هذه الشخصيات وحولي الخيال إلى قصص، واطلبي من مدرسة مقربة لك –ويفضل أن تكون مدرسة اللغة العربية- أن تقرأها، أو شاركي بها في نشاط مدرسي، فهذه الأحلام قد تكون سر بداية جدية وسعيدة في حياتك،
وتابعينا بأخبارك