السلام عليكم ورحمة الله..
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع، بخاصة هذه الصفحة، ووفقكم الله حتى تكونوا ممن اختصهم الله بقضاء حوائج الناس، وأحب أن أقول إنني استفدت من كثير من المشكلات والتحليلات والمشاركات التي تقومون بالرد عليها. هذه مقدمة معتادة لكن لا بد منها.
أما عني فأنا فتاة عربية أبلغ من العمر 23 عاما، لا أختلف عن غيري من السواد الأعظم من الفتيات العربيات؛ نفس الهموم والمشاكل، أعمل طبيبة بالسنة التدريبية.. حقا لدي الكثير من المشاكل طالما وددت لو أرسلت لكم عن إحداها.. فكرت في أن أبعث بكل مشكلة على حدة في مرات مقبلة تحت أسماء مختلفة.. لكن ما أود أن أحكي عنه حاليا قد أعتبره مشاركة على هامش مشكلة وحيدة وأحب اثنين.
فمنذ ما يزيد عن عام تعرفت على شخص من خلال إحدى غرف الدردشة، وقد كان هذا في بداية تعاملي مع هذا العالم السحري المسمى بـ(الشات)، لكن لم يستمر تعاملي مع هذا العالم طويلا بعد أن قرأت أحد الردود بموقعكم على إحدى مشكلات الشات، لكن لم يكن لهذا علاقة بما سأحكيه .. بداية أود أن أنوه أنه لم يكن هناك قصة حب أو مأساة شكسبيرية كما يحدث لبعض ضحايا الشات أو أي شيء من هذا القبيل، لكن يكفي أن أقول إن هذا الشخص غريب، كان فيما يبدو حديث العهد بالشات مثلي، هو مسلم آسيوي يعيش بدولة عربية قد يضحي بذراع لقاء أن يتزوج بفتاة عربية، يتبنى أجندة لحياته قد لا يتبناها كثيرون، فهو يرى أن هذه الأمة لن تقوم لها قائمة إلا بقيادة العرب الذين هم تائهون للأسف الآن، فهو يرى أهمية المصاهرة بين المسلمين العرب وغيرهم من المسلمين ويود أن يبدأ بنفسه.
سأقفز فوق الكثير من التفاصيل التي لا أرى لها أهمية في الجانب الذي أود تسليط الضوء عليه.. المهم أن هذا الشخص وجد فيَّ شخصا مناسبا لتلك الوظيفة، ووقته أضيق من أن يحاول البحث عن شخص آخر.. باختصار هذا الشخص سبب لي إزعاجا أكثر من ألم الأسنان، وكلما قاربت أن أنسى كل ما يتعلق بشأنه يعاود قرع بابي مرة أخرى، وفي أوقات أكون خلالها يائسة من الأوضاع هنا، حيث وددت لو فررت بعيدا لأبدأ بمكان آخر.
أشرت عليه بالاستعانة بصفحة شريك الحياة على موقعكم، حتى إنني حاولت أن أبحث له عن عروس من نفس بلده، لكنه لا يبغي إلا عربية.. مضحك حقا، فقد ظننت دائما أن كون المرء عربيا لا يؤهله إلا لاحتجازه ساعات في مطار ما بتهمة الإرهاب.. المشكلة ليست به حقا، فقد عاملته بمنتهى التأفف، ولم ير مني مطلقا ما يشجعه على الاستمرار في التسلية بي إذا كان يتسلى بي -وهو احتمال قائم.. ولكني أقول لكم: هذا الشخص جاد، قد يكون معتوها، لكنه جاد في هذا الشأن، وهذا ما توصلت إليه بعد هذه المدة، وقد كنت أتعامل معه دائما على اعتباره طفلا يلهو.
وسؤالي: هل بعد هذه المدة يستحق أن أرفع طلبه إلى أبي، ليس لأنني أريد الزواج به، ولكن لعلمي أن أبي سيرفضه رفضا قاطعا؛ عندئذ يتأكد من عدم جدوى المحاولة معي.. لكن هناك مشكلة فأبي إنسان حساس سيعتقد أنني أريد أن أتخلى عنه، وعن عائلتي، وأن أذهب إلى بلد آخر، فكرت أن أخبره أنني سأتزوج عن قريب، لكن ذلك الحل غير مضمون النتائج .. أعلم أنكم بعد هذا ستقولون ما المشكلة؟ شخص طلب الزواج بفتاة وهي لا تريده بغض النظر عن طريقة تعارفهما، وقد أعلنتْ له رفضها وانتهت القضية، هذا يأخذني إلى سؤال أهم: أنا كما قلت آنفا أبلغ من العمر 23 عاما، ولم يتقدم لخطبتي أحد من قبل رغم أنني أعيش في مجتمع مفتوح، ولم أقع في الحب أبدا، ولم يعجب بي أحدهم من قبل (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به بعضا من عباده وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا).
أردت فقط أن أقول إنني أستطيع التعايش مع فكرة العنوسة، ودائما أقول لنفسي هناك الكثير من الفتيات أحسن مني خلقا وجمالا ودينا ونسبا لم يتزوجن بعد، فقد لا أتعجب إذا صرت عانسا.. لكن عندما يعود هذا الشخص أفكر أحيانا في أن أنظر لطلبه بمثل جديته، ففي ضوء قلة ما هو معروض، وكثرة الطلب هل يجب أن أدرس عرضه بجدية.. هذا الشخص لديه الكثير من المواصفات الجيدة، وقد أقول إنه لو كان يعيش ببلدي لوافقت عليه فورا.. لديه أجندة رائعة، لكن للأسف لدي خطط مسبقة لحياتي لا تتفق مع أجندته.
وسؤالي هنا الذي هو سؤال كثير من الفتيات: هل لو جاءنا من نرضى دينه وخلقه نزوجه؟ بغض النظر عن عدم توافر شروط أخرى قد نضعها عند اختيار شريك الحياة، علما بأن هذه الشروط يتم التنازل عنها لاحقا شيئا فشيئا عندما تشعر الفتاة باقتراب شبح العنوسة، حتى إن الفتاة وأهلها قد يقبلون في نهاية الأمر بشخص لم يكونوا ليقبلوه أبدا في البداية ولو شفعت له الدنيا كلها عندهم.. ففي حالتي عرض ملح، لكنه مستحيل، فهل أعامله كأي عرض عادي؟! استشارتي لكم ليست لأنني تعرفت إليه من خلال الشات أو خلافه، فأنا أؤمن بأن نجاح الزواج لا يرتبط بكيفية تعارف الطرفين بقدر ما يرتبط باستعداد كل طرف لأن يلاقي الطرف الآخر في منتصف المسافة بينهما لينطلقا بعدها إلى تحقيق هدف مشترك، فمثلا أنا أعرف أحد الأشخاص ممن تحبون تسميتهم بضحايا الشات (ليس كل ضحايا الشات فتيات بالمناسبة) له قصة تكاد تتطابق مع قصتي، وهو يستعد الآن لزفافه إلى الفتاة التي تعرف عليها عن طريق الشات؛ لا لشيء إلا أن أسرة كلٍّ منهما وافقت على تقديم بعض التنازلات برغم الكثير من الاعتراضات والتشنجات في البداية.
هناك جانب آخر.. فأنا أحب أن أكون فاعلا غير مفعول بي.. أحب أن أكون مسؤولة عن قراراتي واختياراتي.. وأنا أعلم تمام العلم أن زواجي بمثل هذا الشخص مستحيل، وأرتاح كثيرا عندما أقرر بيني وبين نفسي أنه لن يكون أبدا، وأنني لن أتزحزح عن موقفي أبدا مهما واصل الإلحاح، وليمض بقية عمره يحرث في البحر.. هذا الشعور يجعلني أنتشي وأشعر بقوة تسري في أوصالي.. عندما أسير أموري وفق نظرة عقلانية بحتة للأمور أشعر كأني فارس ماهر يعتلي صهوة جواده المفضل، لكن عندما أفكر بطريقة القدر والقسمة والنصيب، وتتدخل بعض من العاطفة في الأمر أشعر كأني راعي بقر في لعبة الروديو.
وهنا سؤالي الآخر: هل في مسائل الزواج تكفي النظرة العقلانية؟ أم يحتاج الأمر إلى بعض من سعة الخيال والإيمان بالقسمة والنصيب وما إلى ذلك؟ يحضرني هنا أمر أمي فهي إنسانة واسعة الأفق فيما يخص القسمة والنصيب، حينما أخبرتها بأمره أشارت علي بصلاة الاستخارة.. فكيف يربط الإنسان بين كونه مسؤولا عن اختياراته وفي نفس الوقت كونه متوكلا على الله مؤمنا بالقدر؟ وما هي حدود التنازل عن مواصفات شريك الحياة في ضوء استحالة الحصول على المواصفات المطلوبة؟ وأريد أن أركز مرة أخرى على عدم تناولي لهذا الأمر من زاوية ضحايا الشات أو من زاوية زواج الثقافات المختلفة أو زواج عبر البحار كما أحب أن أسميه، فهذا الشخص أمره محسوم معي. كل ما هنالك أنه أثار داخلي العديد من التساؤلات والمخاوف؛ لذا يمكنكم القول بأني أريد تناول المسألة من ناحية مواصفات غير متاحة وعروض مستحيلة وتنازلات بينهما.
لي تعليق أخير على موضوع الشات الذي أخذ أكبر من حجمه الحقيقي.. ففي رأيي، الشات لم يخلق مشكلة لم تكن موجودة من قبل، لكنه مجرد باب آخر فُتح على شارع شهير هو شارع مشكلة ضوابط العلاقة بين الجنسين.. في رأيي أن تأثيره أتى من خلال أنه أدى إلى اتساع دائرة المشكلة لتشمل طائفة لم تكن تعاني من تلك المشكلات في ظل المجتمعات المغلقة المتحفظة في مسائل الاختلاط .. وهذا شيء قد يحسب للشات في رأيي؛ لأنه أتى بهذه المشكلات إلى دائرة الضوء ولفت النظر لوجودها؛ فلا داعي لأن نقول اهجروا غرف الدردشة وسيكون كل شيء على ما يرام بعدها؛ فجميعنا يعلم أن المشكلة ليست في غرف الدردشة.
وفي النهاية أود أن أعتذر عن الإطناب والإطالة، فكما يقولون لا أملك وقتا للإيجاز، وأرجو ألا يكون سؤالي قد تاه وسط كثير من التفاصيل والأفكار المهلهلة التي بعثرتها بين الكلمات. وجزاكم الله عني خيرا.
28/11/2022
رد المستشار
ابنتي وزميلتي الكريمة:
من المسلم به أنه لا توجد حياة تخلو من المشاكل؛ فإذا كان بحياتك الكثير من المشاكل فلست بدعا من البشر، وهنا أنتهز الفرصة لدعوتك إلى إرسال ما تودين من مشاكل، ولكن الأفضل أن ترسليها كلها باسم واحد؛ لأنه من المفيد تناول المشكلات في سياقها الأوسع. المهم أنني أحببت أن ألفت انتباهك لهذه الملحوظة وذلك قبل أن نعلق على تساؤلاتك الحالية.
ما فهمته من سؤالك الطويل أنك -بعيدا عن قصة الشاب الآسيوي- تريدين الاستفسار حول حجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها الفتاة في ظل ضعف الطلب على الزواج، وفي ظل تفشي ظاهرة تأخر سن الزواج؛ وذلك تحت دعوى أن الفتاة وأهلها يمكن أن يقبلوا بعد سنوات من كانوا سيرفضونه في البداية، وقد تكون إجابة هذا السؤال صعبة؛ لأنه لا يمكننا أن نصك معادلة تحتوي على ما يمكن التنازل عنه وما لا يجب التفريط فيه وتكون صالحة للتطبيق في كل الظروف وفي مختلف البيئات ومع كل الفتيات، فما يصلح لحالة قد لا يناسب غيرها، وما يصلح للتطبيق في سياقات معينة قد لا يناسب سياقات وبيئات أخرى.
ولكنني سأحاول أن أضع قاعدة عامة صالحة للتطبيق، هذه القاعدة يمكن تلخيصها في "النظرة الكلية أو المتكاملة"؛ فالمشكلة أن فتياتنا وأهلهم الآن ينظرون للصورة على أنها عناصر متفرقة وغير متراكبة، ومثلهم في هذا كمثل من وقف أمام لوحة تبدو جميلة ومتناسقة للناظر، ولكنه وقف ينظر للتفاصيل وتفاصيل التفاصيل بعيدا عن سياقها، ويقول لا يعجبني هذا اللون، ولا يعجبني هذا الخط... وهكذا.
وكان الأولى بالناظر أن يتناول الصورة كلها كلوحة متكاملة، وعند تطبيق هذه القاعدة في شأن الزواج يلزمنا أن ننوه إلى أهمية أن تنظر الفتاة للرجل على أنه كل متكامل فإذا قبلت به كوحدة متكاملة فلتتم الارتباط وإلا فالأفضل لها أن تنتظر. وأعتقد إذا اتبعت الفتاة هذه القواعد فإنها لن تقبل عريسا تجد أن صورته المتكاملة لا تتوافق مع ما ترتضيه لنفسها، ولكن الفتيات (والرجال أيضا يفعلون فعلهن) يبحثن عن الأكثر وسامة والأرقى تعليما والأفضل من حيث العمل والأكثر طموحا والأقوى شخصية والأكثر ذكاء، وكذلك الأعلى من حيث المستوى الاجتماعي والمادي، ولا بد أن يكون أعزب، لم يسبق له الزواج، ويتم إسقاط هذه المتطلبات على مكان وشكل ومساحة شقته ومستوى الأثاث الذي يستطيع أن يحضره وشكل وموديل سيارته هكذا.
ولكن الفتاة التي لا تنشغل بالتفاصيل وتهتم أكثر بالصورة الكلية، وهي هنا قد ترتضي زوجا في بداية حياته، ولكن من الواضح أن طموحه ودأبه سيرتقي به، وقد تجد هذه الصورة التي ترتضيها في مطلق أو أرمل، ولكن من الواضح للعيان جديته وقدرته على تحمل مسؤولية الأسرة، وخلاصة القول أن عليك أن ترسمي ملامح الصورة الكلية التي ترتضيها لنفسك وتحددي بالضبط ما يمكن التنازل عنه من هذه التفاصيل وما لا يمكن التنازل عنه تحت أي ظرف من الظروف.
أما بالنسبة لمسألة الشاب الآسيوي فخلاصة القول فيه هو أن تحددي بالضبط:
هل هو خيار مطروح ضمن خياراتك أم لا؟ فإذا كان خيارا مطروحا فالأمر يقتضي أن تنتقلي بعلاقتكما لأرض الواقع حتى تتعرفي عليه جيدا، وتتأكدي من صدق المعلومات التي تعرفينها عنه. وإن كان الأمر غير ذلك فواجبك أن تحسمي أمورك، وأن تقطعي علاقتك به فورا، ولا تستجيبي لتوسلاته.
وخلاصة القول أن حسم أمورك معه أمر لازم وضروري، ولا يحتمل التأجيل أو المماطلة والتسويف،
مع دعواتنا أن يرزقك الله بسعادة الدنيا والآخرة.