إني تائهة
السلام عليكم ورحمته وبركاته، مشكلتي أني تائهة لا أعرف أنا ملتزمة أم لا؟
لا أفعل إلا قليل من الطاعات رغم أني شكلي ملتزمة ولكنه شكل فقط.
.لقد وضعت لنفسي هدف وهو حفظ القرآن ولكن لم أنجز فيه إلا قليلا، وأحاول
أحاسب نفسي وأعمل ورد ولكن أغلب خانات الورد لم أعملها رغم أني لم أحمل نفسي فوق طاقتها
أنا من المفروض كنت ملتزمة من 6 سنوات فلا أستطيع ألتزم بالأذكار ولا السنن على سيبل المثال مش عارفة يكون لي ثوابت في حياتي وليس من المعقول هذا فتور فأنا أغلب الأوقات واقعة؛
هل ما حدث لي من 6 سنوات الالتزام أم ماذا؟ أرجوكم قولوا لي هل أنا من الملتزمين أم أضحك على نفسي والناس أني ملتزمة؟
ساعدوني؛وماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرا
24-3-2005
رد المستشار
أرسلت استشارتك إلى المستشارة أ. شيماء شفيق التي لم يطل عملها معنا لظروف السفر، وهذا كان ردها
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى الأخت التائهة أهلا ومرحبا بك في موقع مجانين العقلاء وعقلاء المجانين وأتمنى أن يكون مٌرحبا بي أنا أيضا فهذه أولى مشاركاتي في الموقع عسى ألا تكون آخرها والله الموفق..
لا أدري هل من حسن حظك أن يقدر لكِ الله أن أكون مجيبتك على سؤالك أم هو غير ذلك؟
فإن أحسنت فقد وفقني الله من أجلك وإن لم أحسن فإنما هو ابتلاء من الله لكِ فلا تحزني واحتسبي أجرك عند مولاك وتحمليني .
الأخت العزيزة بادئ ذي بدء جزاك الله عني خيراً فلقد بعثك الله لي كرسالة "ربانية" أكثر منها استشارة إيمانية أو نفسية
أيا كانت فلقد أٌصبت بحالة من الشرود حين قرأتها لأول مرة وظللت أفكر للحظات من منا يحتاج إلى جواب شافي, وأحسب أيضاً أني بصدد مهمة مزدوجة الأطراف أحدهما أنت والآخر أنا فهل تقبلين هذه الشراكة...؟
لا باس أشعر أن لديك الاستعداد.....
لقد اختصرت عليّ نصف الطريق فقد وضعت يدك على بيت القصيد ولست وحدك يا صديقتي من يشكو "فكلنا في التقصير شركاء"
فإن الطاقة الإيمانية في القلب والروح تقوى أحيانا وتضعف أحيانا أخرى وهي بمثابة "جهاز المناعة" ضد الفتور وغيرها من أمراض القلب أمثال العجب والرياء والكبر عافانا الله وإياك وحين يضعف جهاز المناعة يعلو القلب شيء من الرَّنا – والرََّنا أو الرين ما يشبه طبقات البخار والأتربة التي تلعو سطح المرآة فتفسد -مما يؤثر على النفس ويجعلها تفقد الإحساس بأهمية بعض الطاعات خاصة السنن والنوافل والأذكار, والحل الأمثل في هذه الحالة ألا تضيعي الوقت في التفكير والتساؤل بل أسرعي معي في التو واللحظة إلى أعتاب طبيب النفوس ومداوي القلوب، فلحظة الإنابة الصادقة تزيل كل ما علا القلب من أتربة تراكمت مع مرور الأيام واعتياد الطاعة بلا تفكر. ولتتجنبي الوقوع في براثن الزلل والفتور استشعري في كل لحظة مدى احتياجك لخالقنا ومولانا وتعالي معي نجدد له التوبة يوما بعد يوم، يقول الله سبحانه وتعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (النور : 31) هل لاحظت معي أن أمر التوبة اختص الله به في هذه الآية المؤمنين؟! ألا يدل ذلك على شيء ما ؟
ويقول أيضا (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) (التحريم:8) ألا تلاحظين أن النداء للمؤمنين؟ قال سعيد بن المسيب: أنزل قوله تعالى: (إنه كان للأوابين غفورا) (الإسراء: 25) في الرجل يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ويقصد هنا الرجل المؤمن فهو ليس بمعصوم يا صديقتي ولوكان كذلك فلماذا أوجب الله عليه التوبة؟
وما من فرد منا إلا وله نصيب وافر من صغائر الذنوب والتي هي أشد فتكا بالقلب والروح من الكبائر والموبقات لأننا مع الأسف نغض الطرف عنها ولا ندري أنها تتراكم مكونة حاجزا سميكا يقول الله سبحانه وتعالى "....وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم" (النور : 15).
وأفضل برنامج علاجي للوقاية من كل ذلك ما ذكره الرسول صلوات الله عليه وسلامه حيث قال ((اتق الله حيث كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها)).
بالإضافة لذلك فنحن بحاجة لتجديد العهد والتوبة لأننا مقصرون لا محالة وإن أحسنا فنعم الله تستحق دهوراً وأزمنة ولن نستوفي حقها علينا في الشكر والحمد، يقول أحد العارفين من السلف الصالح: "إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين".
هناك موعظة قدمها أحد علماء الدين لعمر بن عبد العزيز وهو يعظه فقال له:"واعلم أن من حاسب نفسه ربح, ومن غفل عنها خسر, ومن نظر في العواقب نجا, ومن أطاع هواه ضل, ومن حلم غنم, ومن خاف أمن, ومن أمن اعتبر, ومن اعتبر أبصر, ومن أبصر فهم, ومن فهم علم, فإذا زللت فارجع, وإذا ندمت فاقلع".
فهذا عمر بن عبد العزيز يسأل أحد أئمة عصره أن يعظه فيقول له فإن زللت فارجع أي أنه ليس بمعصوم من الزلل فماذا عنا نحن يا صديقتي؟وعليك أن تعلمي أن من يضحك الناس لا يتوقف يوما ليسال نفسه هذا السؤال فهو أعلم فرد بالإجابة وإحساس الوجل من المفترض أن يكون ملازم للمؤمن الصادق فهو دائم الخوف والندم ليس فقط لاستشعاره التقصير بل إنه يسمو لدرجة أعلى وهي هل ستقبل طاعته أم لا ؟ بل عليك أن تسجدي لله شكراً أن منّ عليك بتلك النفس اللوامة التي يفتقدها الكثير فكما يقولون في العامية "الإحساس نعمة"
صديقتي الكريمة:
جميل منك أن تعترفي لنفسك أنك لا تكلفيها ما لا تطيق ولكن هل بحثت بداخلها عما تٌطيق وتحب؟
"خير العمل ما وافق الشرع والهوى" أي ما هو طاعة ورغبة في بلوغ القرب من رب العالمين وفي نفس الوقت ما يكون محببا للنفس ومقربا للروح والقلب، فعلى سبيل المثال أنا أحب القراءة وأعشق الكتابة والتفكر وأجد لذة ومتعة في النظر في المشاكل وتحليلها وأهوى مساعدة الآخرين وخاصة حين أجد من تملّكه القلق وأصابته الحيرة لذلك أحاول جاهدة أن أجدد نيتي أن يكون ذلك خالصاً لوجه الله الكريم وابتغاء مرضاته فليس لي غنى عن فضله وأحاول أن أتقرب إليه بكل ما أملك حتى وإن كنت أملك لا شيء.....
فابحثي في ذاتك عما تحبين وأخلصي نيتك واجتهدي في تنمية ما ستجدين واستعمليه في طاعة الله وفي القرب منه, وابدئي من جديد وأنا أيضا سأجتهد معك وتذكري أن المؤمن الحق لا يجد يوماً إجابة على سؤالك "هل أن ملتزم أم لا؟" لأنه لو أجاب بنعم وهو في حياته فقد خطا أول طريق فساد القلب والروح.
وأعتقد أنك حين تعيدين ترتيب الأوراق ستكونين أقدر مني ومن أي فرد في تحديد "ثوابت حياتك" فمن الطبيعي جدا حين نتغرب عن أنفسنا بعض الوقت ألا نستطيع تحديد أي الطرق سنمضي فيه وماذا علينا وماذا نريد....
أحس أن في عينيك الآن إيماءة الاقتناع بعض الشيء وان كان إحساسي في غير محله فاكتمي الأمر سترنا الله وإياك وأتمنى ألا أكون قد أثقلت عليك بكلماتي.
فسددي وقاربي كما نصحنا الرسول صلى الله عليه وسلام أما عن هدفك النبيل فأحسب أنك وضعته لنفسك ولم تضعي له خطة زمنية ولقد فهمت من بياناتك أنك طالبة ولم تذكر ما هي طبيعة دراستك عملية أم نظرية ومن المؤكد أن لذلك تأثيرا على أدائك، ولفت نظري أنكِ تنظرين لما حققته في هذا الطريق بعين التشاؤم فلماذا؟
تفاءلي وابدئي بتنظيم الوقت قدر المستطاع ومن المفيد جدا أن تحددي لنفسك ولو ساعة أسبوعيا بعد صلاة الفجر فهو وقت البركة ويكون التركيز فيه كأعلى ما يكون وابدئي أولا بمراجعة ما حفظت بشكل دوري وأضيفي في كل مرة ولو بضع آيات جديدة ولا تتعجلي واستعيني بالدعاء على ذلك فالعلم فضل من الله يؤتيه من يشاء وادعِ الله معي "اللهم مثبت القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.