بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو أن يتسع صدر سيادتكم لقراءة هذه المشكلة. تتلخص المشكلة في أنني شاب متدين وأرغب في تحصين نفسي بالزواج، وكنت أضع شروطا لفتاة أحلامي؛ أهمها أن تكون شديدة التدين، إلا أنني أثناء الدراسة الجامعية تعرفت على إحدى الفتيات كانت تستشيرني في أمور الدين وكذلك اللغة الإنجليزية.
ومن هنا وجدتها من خلال أسلوبها في الحديث شخصية جذابة قادرة أولا وقبل كل شيء على أن توفر لي ما افتقدته من حنان الأم والدفء الأسري بسبب المشاكل المنزلية المتواصلة. فأحببتها، ووجدتني منجذبا للحديث معها ووجدتها كذلك أيضا بالرغم من تحفظي في التعامل مع الجنس الآخر.
حاولت في بداية الأمر أن أرشدها لبعض المسائل المتعلقة بالمظهر الإسلامي، فاستجابت بصعوبة لتسلط والدتها عليها وعدم قدرتها على اتخاذ قرار بمفردها، بالرغم من تأكيدها على رغبتها الشديدة في تنفيذ تلك الأمور. فاتحتها في أمر الارتباط فوافقت متحفظة بسبب أنني كنت حينئذ لم أكمل دراستي بعد ولم ألتحق بعمل، إلا أنها وافقت في نهاية الأمر.
وبدأت أنا في محاولة تبين آرائها في مختلف القضايا؛ فوجدت تشابها بين أسلوب تفكيرنا فيما عدا بعض المسائل، وحاولت جهد استطاعتي أن أقنعها بارتداء الحجاب بشكله التام، وكذالك إقناعها بالاحتفال بالزواج في المستقبل من خلال الفرح الإسلامي الملتزم وكثير من القضايا المشابهة. ولاحظت في تلك الفترة بُعدي عن أعمال الدعوة وتأثري السلبي بدخولها حياتي من الناحية الدينية. أثناء العام الدراسي جاء أخوها ليقابلني في محاولة من أسرتها للتعرف على ذلك الشخص الجديد الذي بدأ يغزو قلب وعقل ابنتهم التي يرون فيها كثيرا من العقل.
وبعد انتهاء العام الدراسي استمررت في الاتصال بها بعلم أهلها وغضهم الطرف عن ذلك انتظارا لموقف رسمي مني... وبعد التحاقي بعمل مؤقت كمترجم جاء دوري غير المنتظر للخدمة العسكري لمدة عام. فعَرَضتُ عليها الحِل من الاتفاق نظرا لكبر سنها -25 عاما- وعدم استعدادي المادي بعد للزواج. فرفضت وأظهرت موقفا جيدا زاد من تمسكي بها. أثناء الخدمة العسكرية تقدمت لخطبتها فوافق أهلها وحددوا موعدا لتقديم الشبكة. وفي موعد شراء الشبكة حدث أن رفض أهلها المبلغ الذي اصطحبته لذلك، وبالرغم من تأكيدي علي عدم وجود أي مبالغ أخرى معي لاستكمال المبلغ الذي طلبوه إلا أنهم رفضوا ذلك بشدة وأمهلوني فترة لاستكماله.
وبالرغم من طلب أسرتي ألا أعاود التقدم لتلك الفتاه فإنني أصررت رغبة مني في عدم إيذاء مشاعرها بسبب تصرف أهلها. إلا أنني فوجئت بعد ذلك باقتناعها بوجهة نظر أهلها، وهو الأمر الذي فسرته حينئذ بطبيعتها المحافظة، ورغبتها في عدم إظهار خطأ أهلها أمام شخص لم يعد بعدُ زوجا لها، وكذلك الحب الأنثوي الدائم للتفاخر بالشبكة؛ باعتبارها تقييما للفتاة في نظرهم... وفعلا استكملت المبلغ، وتمت الشبكة في حفل أثار بعض المشاكل بسبب اعتراضي على طريقة الاحتفال غير الإسلامية بالشكل التام.
وبعد شهرين من ذلك أصابت خطيبتي مشكلة صحية دخلت على أثرها المستشفى، وأجرت عملية استئصال كيس مبيضي وكذلك المبيض الأيسر كله. وقفت بجانبها وحاولت قدر استطاعتي التخفيف من آلامها. وعندما صارحتني بعد الجراحة بطبيعتها حيث كنت أظن أنها لمجرد استئصال كيس مبيضي صغير، طلبت مني أن أتركها حتى لا أخاطر بإمكانية عدم الإنجاب. فرفضت ذلك وفي صدري شيء... حتى لا أطيل أكثر من ذلك سأعرض الأشياء التي تحيك في صدري تجاه خطيبتي في نقاط:
• الجراحة التي أجرتها إضافة إلى أن المبيض الآخر ظهر به كيس مبيضي قالت إنها شفيت منه مؤخرا.ً والنبي صلى الله عيه وسلم يقول: "تزوجوا الودود الولود"، وقال أيضا:"سوداء ولود خير من حسناء لا تلد".
• مصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، مثل الحساسية الأنفية والقولون العصبي وضعف الإبصار وانخفاض ضغط الدم. مما سيترتب عليه مشاكل صحية جمة في المستقبل وكذلك ضعف الذرية إن رزقنا بها الله.
• أسرتها غير ملتزمة إسلاميا بالشكل المرضي، ومن هنا تحدث أحيانا بعض الخلافات بيني وبينهم.
• هي ذاتها غير ملتزمة بالشكل المرضي، وتؤكد أن ذلك مؤقت؛ فهي لا تحفظ شيئا من القرآن مثلا.
• غير مثقفة وغير قادرة على إعانتي في عملي وهو الترجمة، وقدرتها على الاستيعاب متوسطة. وهذا يتعارض مع شخصيتي؛ حيث إنني أحب القراءة والبحث والاطلاع، وقد ألفت كتابا في قواعد اللغة الإنجليزية، وأنا ما زلت طالبا بالجامعة.
• سنها مساوية لسني. وعلى الرغم من ذلك أحبها وتحبني حبا شديدا، وأشعر بصدقها وحنانها، وطاعتها لي في المستقبل، وأخاف أن أتركها فيحاسبني الله تعالى على ذلك؛ فقد لا تجد من يتزوجها بسبب مشاكلها الصحية، وخصوصا بعد أن رضيت بهذه المشاكل طيلة سنة ماضية محتسبا الأجر عند الله. إنني أخاف على مشاعرها خوفا شديدا. أحيانا يأتي لي هاتف ويقول لي: اتركها، وبعد أن أصلي صلاة الاستخارة أتذكر أن تركها قد يغضب الله تعالى.
أعلم أنني ربما أخطأت الاختيار، ولكني أسأل الآن: هل يغضب ربي أن أتركها بعد عام ونصف من الخطوبة؟ أم أن ما ذكرت يعد مبررات كافية لتركها؟ إنني أخاف الله.
أرجو أن توافوني برد سيادتكم في أقرب فرص؛ فقد يكون ردكم هو الفيصل في حيرتي هذه.
وجزاكم الله خيرا.
26/2/2023
رد المستشار
الأخ الكريم، كلما قرأت رسالتك ازددت يقينا أنك ما راسلتنا إلا لتأخذ منا تصريحا لتترك خطيبتك؛ فعقلك وقناعاتك مع تركها والبحث عن غيرها، والسبب الواضح والبين هو ظروفها الصحية والعمليات الجراحية التي أجرتها في المبيضين، ولكنك لا تريد أن تظهر أمام نفسك وأمام الآخرين بمظهر الإنسان قليل المروءة والشهامة الذي يتخلى عن خطيبته بسبب ظروفها الصحية وبأسباب ليس لها يد فيها. ومن أجل ذلك جلست لتعدد مبررات كثيرة وغير منطقية عساها أن تكون أسبابا منطقية أمام نفسك لفسخ الارتباط بحيث لا تشعر بتأنيب ضميرك.
وسأحاول في السطور التالية أن أفند لك أسبابك، وأن نحللها سويا قبل أن نتحدث عن مدى منطقيتها...
أنت تذكر أن خطيبتك مريضة بمجموعة من الأمراض المزمنة؛ مما قد يؤثر على المستقبل ويؤدي إلى ضعف الذرية، وعندما ذكرت ذلك تخيلت أنك ستذكر أمراضا بالفعل مثل السكري أو أمراض القلب أو الكلى أو غير ذلك من الأمراض المؤثرة بالفعل على الصحة العامة وعلى الحمل والذرية! وإذا بي أفاجأ بك تذكر القولون العصبي وحساسية الجيوب الأنفة وضعف الإبصار وضغط الدم المنخفض. وهذه كلها ليست أمراضا بالمعنى المفهوم للمرض. فالقولون العصبي هو اضطراب في الحركة العصبية للقولون، ينتج عنه اضطراب في عمليات الهضم والامتصاص، ويرجع إلى التوتر العصبي، ويؤدي إلى انتفاخ وتقلصات وحساسية من بعض الأطعمة، وهذه الأعراض تشيع بكثرة في مجتمعاتنا، ولن تجد بيتا يخلو من مريض أو أكثر يعاني من هذه الأعراض بسبب انتشار الأميبا المعوية وكذلك بسبب كثرة تناول الأغذية البقولية والحريفة والمسبكات.
وعموما هذه الأعراض يمكن التعامل معها بضبط الطعام، وتجنب التوتر، وتناول بعض الإنزيمات الهاضمة، ونفس الأمر ينطبق على حساسية الجيوب الأنفية؛ فهي عرض ضمن مجموعة أعراض الحساسية المعروفة والمنتشرة بشكل واسع، وقد تظهر في صورة حساسية جلدية أو في العينين أو في الأنف.
أما بالنسبة لانخفاض ضغط الدم فهو أيضا عرض شائع وخصوصا بين الفتيات. وضعف الإبصار أيضا له أنواعه ودرجاته، ولا أعتقد أنه من الشدة بحيث يعيقها عن ممارسة دورها في الحياة، وغالبا أنها ترتدي نظارة طبية أو عدسات لاصقة، وهذا بالنسبة للمشاكل الصحية التي اعتبرتها مشاكل مزمنة قد تكون عائقا لكما عن الحياة بشكل طبيعي.
أما بالنسبة لالتزامها والتزام أسرتها وسنها وكذلك مستوى ثقافتها؛ فقد كانت هذه الأمور واضحة أمامك وضوح الشمس منذ البداية، ولم تخف عنك الفتاة شيئا منها، وحبك لها -وربما إعجابك بجمالها وشخصيتها- قد جعلك تقبل بكل هذه الأمور في البداية، وأرجو -إذا قررت الزواج منها- أن تكون مدركا لهذه العيوب؛ بحيث لا تظل تندب حظك الذي أوقعك في فتاة غير ملتزمة هي وأهلها وغير مثقفة ومن سنك، وتذكر أنك أنت الذي اخترتها وأنت تعلم علم اليقين هذه الأمور عنها، ولم يضربك أحد على يدك لتقبل بها زوجة، وكن بها رفيقا حتى وأنت تحاول أن تغير بعضا مما ترفضه فيها، ولا تتعجل التغيير.
المهم أنك استدعيت هذه المبررات إلى السطح لتبرر بها أمام نفسك وأمام الناس تركك لها عندما جد في الأمور جديد، وهو عملية استئصال أحد المبيضين.. فهل هذه العملية تجعل هذه الفتاة عقيما؟!
في الواقع إن الله خلق لكل فتاة مبيضين بهما الكثير من البويضات؛ بحيث يتناوب المبيضان التبييض فيما بينهما شهريا، واستئصال أحد المبيضين يجعل المبيض الآخر يقوم بدوره تلقائيا بحيث يحدث التبييض شهريا من هذا المبيض، وحدوث الحمل يحتاج لبويضة واحدة من هذه البويضات الكثيرة؛ ففتاتك من هذا المنطلق ليست عقيما، وقد تتزوجها أو تتزوج من غيرك إن تركتها وتنجب، وقد تتزوج أنت من فتاة غيرها ولا تنجب لأسباب لا تكون ظاهرة من البداية. والمشكلة الوحيدة قد تكمن في تكرار حدوث الأكياس في المبيض الآخر وإمكانية أن يضطر الجراح لاستئصاله، وفي هذا يمكنك أن تسأل طبيبها عن طبيعة هذه الأكياس وعن احتمالات تأثيرها على القدرة الإنجابية.
الأخ الكريم، أرجو ألا تفهم من حديثي هذا أنني ضد أن تترك خطيبتك، وكل ما أحاول أن أفعله معك هو أن تواجه نفسك بصراحة بدون أن تستدعي هذه المبررات الواهية للانفصال؛ فإن وجدت في نفسك المقدرة والاستعداد والرغبة في مواصلة مشوار حياتكما معا أيا كانت النتائج فتوكل على الله واستخره في أمرك، وإن وجدت أنك لن تصبر على الاستمرار معها فلا تتردد في إنهاء الارتباط الآن، ولا تقبل على الزواج منها شفقة بها أو رغبة في ارتداء لباس الشهامة في غير محله؛ فخير لها أن تتركها الآن من أن تظلمها بزواجك بها وأنت غير مقتنع بها.
مع دعواتنا لك ولها أن يقدر لكما الله الخير حيث كان. وتابعنا بالتطورات.