بسم الله الرحمن الرحيم
إلى السادة المسؤولين -على موقع مجانين- المحترمين، السلام عليكم، وشكرا جزيلا على المجهودات الجبارة التي تبذلونها في سبيل خدمة الناس والإنسانية.
أنا شاب من الجزائر أبلغ من العمر 23 سنة من مدينة في الجنوب الجزائري، حيث الأصالة والدين مازالا -والحمد لله- هما أسلوب حياة أغلبية الناس. وقد أعجبتني طريقة طرحكم وطريقة الإجابة على مشاكل الشباب وتساؤلاتهم، كي لا أطيل أريد أن أطرح عليكم مشكلاتي أو بالأحرى تساؤلاتي لعلي ألقى عندكم الجواب الشافي والكافي إن شاء الله تعالى. والتي تتمثل في تساؤلين:
الأول يتمثل في أنني حاليا أعمل في متجر والدي، والذي يتمثل في مكتبة نبيع فيها كتبا وأشرطة وأقراصا مضغوطة، وكما تعلمون فإن 80 بالمائة من الأقراص المتواجدة بالجزائر غير أصلية ومنسوخة سواء من طرف شركات أو أشخاص، ونحن نبيع هذه الأقراص في محلنا، وأريد أن أعرف ما حكم الشرع في بيع هذه الأقراص، واستعمالها، وإعادة نسخها! علما بأن هذه الأقراص تتمثل في الأناشيد الدينية والمحاضرات والأشرطة العلمية والأفلام الدينية، يتم جمعها من الإنترنت أو من القنوات الفضائية، ووضعها على أقراص من نوع mp3 أو vcd. وكذلك الألعاب المختلفة، والموسوعات العربية والأجنبية، وبرامج مثل windows. word والتي يتم نسخها مباشرة من النسخة الأصلية.
وأود أن أشير إلى أن النسخ الأصلية غير متوفرة تماما على التراب الوطني، وإن توفرت فهي بأسعار خيالية لا يمكن للمواطن الميسور الحال اقتناؤها، فما بالنا بالشباب والأساتذة والطلبة والمواطنين البسطاء. في حين أن أقراص الأفلام الأمريكية والأوروبية والأغاني متوفرة بكميات وأسعار مغرية جدا وبعناوين تصل إلى الآلاف في أغلفة عصرية.. أرجو أن تجيبوا على تساؤلي هذا وسأفيد به الكثير من الشباب أمثالي علما بأن هذا الميدان لا يمارسه تقريبا سوى الشباب.
أما التساؤل الثاني فهو شخصي وحساس جدا أرجو أن تعيروه اهتماما خاصا فهو يتعلق بمستقبلي بالكامل. لكنى أريد أن أقدم لكم بعض المقدمات لتفهموا القضية جيدا، فنحن في منطقتنا نلتزم بتعاليم الإسلام، وخاصة في علاقة الرجل بالمرأة، ولدينا مدارس خاصة بالشباب، وأخرى خاصة بالفتيات يعني أن التقاء الشاب بالفتاة نادر جدا. والفتاة في منطقتنا تلبس الحجاب مبكرا في سن يصل أقصاه 13 سنة. والشباب يتزوجون مبكرا، في معدل سن 22 سنة. وتخطب الفتاة عادة من طرف الوالدين.
أما المشكلة فتتمثل في أنني خطبت فتاة ليست لدي أية رغبة في الزواج منها، وكلما فكرت فيها أصاب بالاكتئاب والفشل، والأدهى والأمر أنه مضت 3 سنوات على خطبة هذه الفتاة، ولم يبق لي على الزواج سوى عام واحد على الأكثر ووالديّ يريدان أن أحدد لهم يوم الزفاف، علما بأننا ميسورو الحال والماديات ليست مشكلة بالنسبة إلينا، وأكملت دراستي الجامعية، وأنا حاليا أتحجج لعدم تحديد يوم الزفاف بالانتظار بتسوية حالتي مع الخدمة الوطنية، التي هي إجبارية في الجزائر.
وأصل المشكلة يعود إلى خجلي واحترامي المفرط لمشاعر الناس إلى درجة عادت علي بالسلب. إذ أنه عندما توجهت والدتي لطلب الفتاة طلب والداها أن أقوم برؤية الفتاة، وكنت في الجامعة، التي تبعد مسافة 600 كم عن مدينتي، وطلب مني والدي الحضور، وفي اليوم التالي لليوم الذي وصلت فيه ذهبت لرؤية الفتاة، وتم ذلك ولكن بطريقة سريعة وارتجالية، وطلب مني والدي أن أخبره عن موافقتي أو عدمها مباشرة بعد الخروج من منزل الفتاة، ليخبر والدها عن ذلك، أي لم تكن أية فرصة أو مدة للتفكير فكان وقت القرار قصيرا جدا لم يتعد الدقائق.
لما رأيت الفتاة وهي في سن 14، وقد كانت متبرجة وهي لم تعتد أن يراها شخص أجنبي كذلك كانت خجولة جدا ومحمرة الوجه، ولم أفهم من وجهها أي شيء، وقلت في نفسي لعل الفتاة جميلة، ولم أرها جيدا، وقلت في نفسي أيضا بسبب احترامي لمشاعر الناس كيف لا أقبل بها وقد دخلت إلى منزلها ورأيتها أمام أبيها؟ وخاصة لما انصرفت سمعتها تبكي فأحسست وكأنها قد جرحت مشاعرها فوافقت عليها من أجل والدي، ومن أجل الحفاظ على مشاعر الفتاة.
ولكن الفتاة لم تعجبني قط وأنا أصادفها أحيانا في طريقها للمدرسة فتأكدت من أنها لم ولن تعجبني أبدا وهذا القرار اتخذته بعد مرور 3 سنوات من التفكير ومطالعة كتب علم النفس، والكتب الدينية، أنا الآن في إحراج لا أستطيع أن أصفه لكم وإذا ما فهمتم قصتي جيدا فستستشعرون بمدى إحراج الموقف الذي أنا فيه.
فهل أستمر في هذه الخطبة وأتزوج من هذه الفتاة لعل الله يجعل لي بعد الزواج فرجا أم أفسخ الخطبة وأخبر الجميع بالحقيقة؟ فإذا كان الحل هكذا فكيف أقوم بهذا بطريقة أرضي بها الجميع، وهل يجوز لي أن أختلق عذرا كاذبا لإرضائهم إذ يقولون بأن المرء يستطيع الكذب من أجل إصلاح ذات البين؟ وطلبي يتمثل في إعطائي حلا لهذه المشكلة العويصة والتي لم أجد لها أي حل وسأكون ممتنا لكم على مساعدتي.
وأريد أن أخبركم في النهاية بأن هذه القضية قد أثرت علي كثيرا، حيث أصبحت متوترا وعصبيا لأتفه الأسباب، وأصبت بالاكتئاب واسودت الدنيا أمامي فقد كنت حيويا ونشيطا وحالما أن أكون متفوقا في كل المجالات وخاصة كان أكبر أمنياتي أن أتزوج فتاة متدينة وجميلة –الجمال المقبول- تنسيني كل مغريات الجنس التي تنتشر في كل مكان.
وفي الختام سامحوني على الإطالة
والسلام عليكم.
19/6/2023
رد المستشار
الأخ الكريم..
أهلا ومرحبا بك على صفحات موقع مجانين، كما أشكر لك هذه الكلمات التي تنم من مشاعر جياشة حميدة. أما فيما يخص الأمرين اللذين سألت عنهما، من طبيعة بيع الأسطوانات المنسوخة، وقضية الزواج، فدعني بدءا أقل: إني سأفكر معك، ولكن عليك أن تدرك أنك صاحب القرار، ولكن سأحاول أن أفتح لك بعض ما عندي، سعيا أن يكون نافعا لك، ففعلي هو مقام الشورى لك، والتنفيذ قرار فردي ينبع من شخصك الكريم، بنوع من القناعة.
أما عن الحكم الشرعي فيما يخص نسخ الأسطوانات من خلال مواقع الإنترنت والفضائيات، فإنه يجب التفرقة بين طبيعة المادة المأخوذة، سواء أكانت مكتوبة أم مسموعة أم مرئية، من جانبين:
الأول: النفع والضر، أو الإباحة والحرمة، فإنه لا يجوز نسخ ما اشتمل على حرام أو كان فيه ضرر على الدين أو العقل أو النفس.
الثاني: حقوق الغير، فهناك من المشايخ والدعاة ما يجعل كل ما ينتجه حسبة لله، ويأذن للناس في نشره والتكسب منه إن شاءوا، فمثل هذا النوع يجوز للإنسان فيه النسخ والبيع والتربح، وهذا قليل نادر.
والثاني وهو الأكثر أنهم لا يجيزون التصرف في حقوقهم المعنوية أو المادية، فيحرم على الإنسان أن ينسخ حقوق قناة فضائية أو موقع إلكتروني، وأن يأخذ جهده وتعبه بسهولة ويسر عن طريق النسخ، وكأنه صاحب الشيء، فيبيعه للناس.
فهو من باب أكل أموال الناس بالباطل، وفيه اعتداء على حقوق الآخرين، بل فيه ضرب للاقتصاد، إذ لو اتبع كل الناس تلك الطريقة غير الشريفة لانسدت أبواب من الخير، فلن يفكر الناس في صنع منتج متقن يساهم في نفع المسلمين والإنسانية في بعض جوانب الحياة، فكان من الواجب علينا أن نحترم حقوق الناس، وألا نعتدي عليها.
والأولى هو الاتجاه إلى الطريقة الطبيعية في السوق، وهو أن التجار يشترون بخصومات عن الغير، وهذه الخصومات لها شكلان : الشكل الأول : وهو الخصم الذي تقدمه الشركة الأم المنتجة، وخصم في شكل سعر السلعة من بلد الاستيراد، فمثلا ما يشترى من مصر يكون أرخص من غيره، فحين تشتريه أنت من مصر، وتبيعه بسعر الجزائر فسيحصل لك خصومات كبيرة، يمكن لك أن تتكسب منها.
إنه واجب على المسلمين أن يحفظوا حقوق الناس، وألا يسطوا على حق الغير، وألا ننظر إلى الكسب الصغير الذي تحققه أنت، فالقضية لا تتوقف عليك وحدك، ولكنها تتوقف على الاقتصاد القومي للدول، واحترام جهد الغير، سواء أكان فضائيا أم إلكترونيا.
ولم يبح الفقهاء في هذا المقام إلا ما كان لطلبة العلم غير القادرين على شراء الأسطوانة، بشرط استعمالها الشخصي، يعني ألا تكون للبيع أو الشراء، بالإضافة إلى ما يأذن فيه أصحابه.
وفي هذا المقام يجب على الشركات المنتجة أن تتقي الله تعالى في تسعير المنتج، وألا يغالوا في الأسعار، حتى لا نساعد الناس على ترك الحلال، ونجبرهم على الذهاب إلى الحرام، فتكون الشركة ساهمت في الحرام، ووقعت هي في الظلم.
وأحب أن أقول لك: إن الإسلام أوسع طرق الكسب، وما ضيق على الناس معاشهم، بل طلب منهم السعي في الأرض "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"، ويدعو أن يكون المسلمون أغنياء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واليد العليا خير من اليد السفلى".
وطمأن المسلم أن رزقه لن يأخذه غيره، وأنه لن ينال شيئا من الدنيا إلا بما كتب الله تعالى له من الرزق، وأوجب عليه السعي الحلال، وأن كل شيء يأخذه من حرام إنما هو من رزقه، ولكن تعجله بطريق الحرام يحاسب عليه، بدلا من أن يكافأ بسعيه ونيله من رزق الله عن طريق الحلال.
ولهذا، فإن الإنسان المسلم لا يسأل عن المال مرة، كما هو الشأن في باقي الأمور، ولكنه يسأل مرتين: "من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟" ولهذا، فإن العقيدة تلعب دورا هاما في النشاط التجاري والاقتصادي، فلا تجعل هم المسلم أن يتكسب وحسب، ولكنه يتكسب بما أحل الله تعالى له، فتطمئن نفسه، ليحقق العبودية لله، بدلا من أن يكون عبد الدينار والدرهم والدولار والجنيه وغير ذلك.
والواجب عليك هو التخلص من كل الأسطوانات التي جاءت عن طريق غير شرعي، أو فيها اعتداء على حقوق الغير، ومن ترك شيئا لله؛ عوضه الله خيرا منه.
وبخصوص المسألة الثانية المتعلقة بخطبة الوالدين، أحب في البدء أن أنوه إلى أنه يجب التفرقة بين الواجبات الدينية، والاختيارات الاجتماعية، فقيام الوالدين بالذهاب لبيت المخطوبة هذا اختيار اجتماعي ما أوجبه الشرع وما حرمه، وعلى الناس أن تختار لنفسها ما تراه مناسبا لها، ولكن هذا الاختيار غير ملزم، ولا يمكن أن يتسمى باسم الدين.
بل الذي نلحظه من خلال النصوص الشرعية هو أن الشرع يخاطب الإنسان في اختياره، لأنه هو الذي سيعيش مع من يختار، لكن يمكن للغير الترشيح له، إن لم يكن عالما، أو ليس عنده وقت لانشغاله أو ما شابه هذا، لكن ما يحدث في بعض البيئات من الاختيار شبه الإجباري، وخاصة للابن، فهو مرفوض شكلا ومضمونا، وإن كنا ننادي الفتيات أن يقمن بـ"العصيان المدني" إن رأين أن آباءهن يريدون إجبارهن على الزواج، فمن باب أولى أن يكون العصيان المدني للولد، وأن يتمرد على هذا التسلط الأبوي، وأن يرفضه بكل قوة، إن لم يجد الأمر مناسبا له.
إنه ليس من الحكمة أن نرفع الحياء الكاذب، وأن نمرر مثل هذه الأمور الخطيرة في حياتنا، ونحن نوقن أننا لن نكون سعداء، لأن معنى هذا أننا نجلب التعاسة لأنفسنا بأيدينا، ونتهم فيها الآخرين –آباء أو غيرهم- والحق أنه يجب علينا أن نتهم أنفسنا.
أرى أخي الفاضل أنك فاتتك بعض الأمور، وهذا لا يعني أن نبكي على الأطلال، ولكن علينا أن نتدارك ما يمكن تداركه، من ذلك: أن الطريقة التي ذهبت بها للخطبة، وإن كانت قد تكون مقبولة في وسطك الاجتماعي، فإنه ليس من الحكمة إبداء موافقة دون أن تجمع رأيا، أو أن تكون رؤية واضحة. ولم يكن مطلوبا منك أن تراعي شعور أبويك، لأنك لم تخطئ فيهما، ولا أن تراعي شعور الفتاة، لأنها مازالت صغيرة السن، وبكاء ساعة خير من بكاء العمر كله.
كما فاتك أنك شعرت بأحاسيسك تجاهها وأنك لا ترغب فيها، وتأكد لك هذا الإحساس، فكان من الواجب أن تنظر إلى مآلات استمرارك، وأنك بحيائك الزائد تزيد المشكلة ولا تحلها، فمازالت الفتاة تحلم بأنك ستكون زوجها، ومازالت الفجوة بينكما تزيد. إن مثل هذه المشكلة لا بد فيها من جراح ماهر، يعالج المرض ويستأصل الداء الذي لا بد فيه من إحساس بالألم، لأصل البقاء على باقي الجسد، ولكن بنوع من الحكمة والقبول.
ولا بأس في هذا المقام أن تكذب حتى تتخلص مما أنت فيه، فلا تتعس نفسك ولا تتعس الآخرين، والكذب هنا أعده محمودا، لأنه يحافظ على مشاعر الآخرين، ويدفع الضرر عن الجميع، وهذا دورك وما ستقوله أنت أدرى به، بما تعلم من حال الوالدين وحال الأخت المخطوبة ووالديها.
وفقك الله، وأعانك على الحق والخير، ولعلها تجربة تنتفع بها فيما بعد في حياتك.
فإن الزواج احتياج لرغبات معلومة عند كل إنسان، فابحث عن احتياجاتك، وأحب نفسك، ولا تهنها، بل متعها بما أحل الله، حتى تسير على نهج الله، ولا تضع ثغرة للشيطان أن يتخلل منها إليك. ولا تنسنا من دعائك.