السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة في الـ25 من عمري، خريجة كلية العلوم الاقتصادية، وطالبة في السنة الأولى للماجستير.. أعمل في مؤسسة حكومية.. ملتزمة بشكل كبير.. أحب أن أكون دائما في مستوى رضا الله تعالى عليّ.. محبوبة جدا في وسط عائلتي والمفضلة والمتميزة دائما في مكتبي وبين أصدقائي.
مشكلتي أني تعرفت على شاب ذي أخلاق عالية، وذي عمل جيد وميسور الحال ومتدين.. دراسته في الهندسة الميكانيكية.. يكبرني بـ 15 سنة، برغم أن مظهره وتفكيره وطريقة معاملته لي لا يحسسني بوجود هذا الفرق.
تقدم إلى أخي لخطبتي، ولكن كان رد فعل أخي سلبيا وتم رفضه بحجة أنه يكبرني من جهة، وأن مستواه التعليمي أقل من مستواي.. مرت الأيام وبرغم جرحي الكبير فإني لم أواجه أحدا بحبي وتعلقي به، وذهب هو في شأنه وبرغم ذلك ظل حبه لي كبيرا.. ومرة أخرى بعث زوج أخته لأبي يخطبني منه.. رحب أبي بالفكرة وطلب منهم المجيء.. لكني أخاف أن يتحدث أبي لأخي، ومن ثم يقنعه أخي برفضه ولا أستطيع المواجهة.
أرجوكم أفيدوني كيف يمكن أن أقنع عائلتي -خاصة أبي وأخي- به وأنا لا أريد أن أخسر أي شخص لا عائلتي ولا من أحب.. أنا صليت صلاة الاستخارة وفي كل مرة يزداد تمسكي به، ودائما أقوم الليل وأدعو الله أن ييسر لي أمر هذا الزواج.
أرجووووكم أفيدوني جزاكم الله خيراااا، فأنا ليس لي من أتوجه إليه بعد ربي سبحانه وتعالى إلا بالكتابة لكم.
في أمان الله..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
3/7/2023
رد المستشار
الأخت الطيبة.. أهلا بك معنا، وندعو الله أن ييسر لك أمرك بما فيه الخير لك ولمن حولك.
أحيانا تمر النفس البشرية بحالة من العراك الداخلي لا ضجيج له، ولا سلاح فيه برغم أنه أخطر في نتائجه من المعارك التي تتناثر فيها الأشلاء، وتراق فيها الدماء، وتزهق الأنفس!!
وحين يكون هذا العراك بسبب حب نريده ولا يريده أحد ممن حولنا من أحبابنا، نكون حقا في "مأزق" والمأزق لا تجدي فيه المخاوف أوالاستخارة فقط دون عمل ناضج.. وقبل الخوض في العمل الناضج يحتّم عليّ اهتمامي بالاطمئنان على اختيارك أن أذكرك بعدة نقاط.. وهي:
- أنك لم تذكري عنه سوى مزايا وأخلاق رفيعة وفكر مستنير، فأين العيوب والسلبيات في شخصه لا في وضعه، هل تعرفينها أم تتصورين أنك تعرفينها؟ هل تعرفينها وتتحملينها أم تتوهمين أنك ستتحملينها وأنت لا طاقة لك بها؟
- فرق كبير بين المستوى الاجتماعي والفكري، وبين المستوى المادي والتعليمي، فإذا كان الفارق من النوع الأول فالأمر يحتاج لرويّة؛ لأنه يعني كيف يفكر؟ فيم يفكر؟ ما هو طموحه؟ كيف يمارس حياته؟ ما هي سلوكياته اليومية؟ أما إذا كان رأي أخيك السلبي في البداية قائمًا على النوع الثاني فلا بأس من وجود فارق مقبول مادام الفكر وممارسة الحياة متقاربين بينكما، خاصة أنني أعتقد أن دراسته مجال الهندسة الميكانيكية يجعل من مستواه التعليمي متقاربًا معك، حتى إن كنت طالبة ماجستير.
- أنت تقولين إن خمسة عشر عاما ليست حجة، إلا أن الفارق كبير حقا قد لا تستشعرينه الآن إلا أنه سيطل برأسه عليك قريبا حين تبلغين قمة نضوجك العقلي والنفسي والحيوي في الخامسة والثلاثين مثلا، ويكون هو في الخمسين من عمره.. وفي الخمسين تتبدل الأحوال والأفكار والصحة والسلوك إلا القليل من الرجال المتميزين فكرا وعقلا وصحة، هذا طبعا بالإضافة إلى نضوج المرأة جنسيا والذي يزداد بمرور العمر والعكس صحيح عند الرجل بشكل عام.
- الحياة اختيارات، وقبل الاختيار نكون أحرارا تماما، لكن حين نختار نكون مسؤولين عن اختيارنا أيضا تماما.
- الحب ليس مشاعر وقربا فقط، ولكنه "قرار" يحتاج تنفيذه لجهد وعطاء وصبر وتحمل وتضحية ليثبت صحته وصموده، ويحتاج كذلك لاختبارات تختبر قوته، وأقوى تلك الاختبارات اختبار الوقت فهل أنت مستعدة للتنفيذ والاختبار؟
فلنعد الآن للعمل الناضج.. وهذا يتطلب أن نتصور أسوأ الاحتمالات، ألا وهي رفض والدك أيضا.. وهنا أذكرك بأنك إنسانة بلغت الرشد، فأنت لك الحق الشرعي والإنساني في اختيار من سيشاركك حياتك وتعطينه قلبك وحياتك القادمة عن وعي واقتناع، وإليك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال "لم يُر للمتحابين مثل النكاح" الذي لم يكن إلا توضيحا لهذا الحق.
وبرغم أن الحق لا يمنح ولا يكتسب وإنما يؤخذ، لكن الأهم أن يؤخذ تحت مظلة مباركة الأهل والبر والإصرار المهذب؛ لأنه لا سبيل له إلا ذلك.
والبر مع الإصرار المهذب طرقه كثيرة آخرها الحديث الصريح معهم بأنك تريدينه زوجا، فالأهل حين يجدون برا وإصرارا مهذبا تصل إليهم الرسالة بوضوح؛ فيفهمون أن المشاعر صادقة والرغبة أكيدة غير مهزوزة فيتفاوضون رويدا رويدا ماداموا لا ينكرون على محبوبك خلقا أو دينا.
واليك بعض الوسائل التي قد تضيفين لها أو تحذفين منها حسب ما تجدينه مناسبا لك ولأهلك:
1. عدم النقاش الصريح معهم حول الرغبة في الارتباط به.
2. الانزواء وإشعارهم بأنك حزينة ووحيدة وغير سعيدة لعدم ارتباطك بمحبوبك.
3. إدخال أحد العقلاء ومن لهم كلمة في العائلة للتوسط ومحاولة كسب مباركتهم "كل فترة".
4. توضيح قرارك -بالإصرار المهذب- بعدم الزواج بغيره في حالة إذا ما تم رفضه.
5. عدم المشاركة الاجتماعية المعتاد عليها معهم.
6. توضيح تمسك محبوبك بك حيث إنه يرفض الزواج بغيرك حتى الآن ويكرر طلبه.
7. توضيح خلق أسرة محبوبك حيث إنهم يريدون مباركة أهلك ورضاهم.
8. تذكيرهم بأن الله قال على لسان رسوله الكريم: "لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح" فالحياة شاقة، وتحتاج لمجهود وصبر وتحمل للمسؤوليات، والحب بين الزوجين هو المعين الرئيسي لسير دفة الزواج في سلام.
يبقى عليك شيئان أحدهما مهم والآخر أهم.. فالمهم هو تنفيذ ذلك في إطار البر والإصرار المهذب، ولكن بحسم.
أما الأهم فأن تخلي لنفسك وتسأليها بصدق هل هو حقا الشخص الذي يستحق ذلك دون مراوغة ودون خداع لنفسك أو عدم إدراك.
لم أقصد إخافتك أو شحذك لاختيار معين إطلاقا، فقط أضع كل الأمور نصب عينيك لتكوني مسؤولة عن اختيارك.
وفقك الله.