الإحساس بعدم الاستقرار....
بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا طالبة في كلية الطب عندي 19سنة، من عائلة محترمة جدا، مشكلتي هي إن لسة أمامي 4سنين علشان أخلص دراسة فى الكلية وأقدر أتخطب بعدها(مع العلم إن بابا رافض أي ارتباط وأنا بأدرس علشان ما يشغلنيش عن المذاكرة) فيه واحد يحبني وأنا كمان، لكنى أرفض تماما أن أعبر له عن حبي له كأن كثيرا ما يحاول أن يكلمني ولكنى لا أعطيه الفرصة(أنا لا أتحدث مع أي شاب في الكلية أو فى أي مكان لأني مقتنعة أن كده غلط وحرام)كان يحاول يبين لي حبه حبه ونظراته واهتمامه كانت حولي في كل مكان، وأنا كنت بحب أشوفه دائما مشغول بي(أراه شخص مناسب جدا لي مع العلم أنه طالب ومازال يدرس) كلما كنت أراه أعمل نفسي مش شايفاه أتجاهله ولا أبادله حتى النظرات كنت أشعر إنه بيتعذب من ذلك فهو لا يعرف أني أحبه ودام ذلك لمدة سنتين والآن أشعر أن اهتمامه بي قل عن الأول وأصبح ذلك يعذبني أنا فأنا أحبه ولا أريد أن أخسره ولكني في نفس الوقت لا أستطيع أن أعبر له عن حبي له وأخشى أن يتركني..
أمي تعلم كل شيء عني فهي صاحبتي وهي صاحبة والدته ووالدته تعرف حبه لي فهي تحبني كثيراً..
أنا أحب دراستي جدا ومتفوقة فيها ولكن التفكير فيه يشغل جزء كبير من تفكيري وأخاف أن يؤثر ذلك على دراستي 0فماذا أفعل؟
09/04/2005
رد المستشار
أرسلت استشارتك إلى المستشارة أ. شيماء شفيق التي لم يطل عملها معنا لظروف السفر، وهذا كان ردها:
الصديقة العزيزة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أعتذر لك أولا عن تأخري الشديد جدا في الرد على الرسالة وأرجو منك كل الرجاء أن تسامحيني على ذلك فلقد مررت بظروف لا يعلمها الله وأدعوه أن يسامحني على تقصيري...
لا أخفيك سرا يا عزيزتي فلقد تعجبت جدا فلقد حددت لنفسك المشكلة وبيّنت أيضا أين يكمن السر وأحسب أنك بحاجة "للفت النظر" وليس لعلاج مشكلة أو دعينا نقول "إعادة صياغة"....
إن ما تبحثين عنه ليس الحب ولكن أنت تبحثين عن "الاهتمام" وخاصة ذاك الاهتمام الذي يخفي وراءه عالما حالما مليء بالأمنيات والمشاعر البريئة حديثة السن لينة العود....
إن ما تشعرين به طبيعي وفطري وهو الميل للجنس الآخر والبحث في عالم محموم عن الفارس المغوار الذي يرسل النظرات ويهيم بالحب وبالطبع يزده وقارا أن يتحلى بالصمت....
أريد منك أن تتفحصي هذه العبارة جيدا "مشكلتي هي أن لسة أمامي 4 سنين علشان أخلص دراسة في الكلية واقدر أتخطب بعدها"................. ما رأيك الآن؟
هل لاحظت أن وّقفت حياتك عند حدث بالطبع هام وحيوي ولكن هل هو الغاية التي ليس بعدها شيء آخر؟
في حين أن الخطوبة ما هي إلا فترة تعارف بين شخصين قد يتفقا وقد لا يكون هناك وفاق..
وأراك تتحدثين عن الدراسة والتي ذكرت أنك متفوقة فيها وكأنها "عائق" في طريق سعادتك والتي قمت ببلورتها في أنها الخطوبة وهل تكمن السعادة في ذلك فقط أو دعينا نصرح أكثر...
قد قصدت بالخطوبة يا عزيزتي معايشة قصة حب وارتباط وتواصل نعم فأنت بحاجة ماسة لذلك لا أنكر فهذه الفطرة وأنت تقولين أنك "تحبين" هذا الشخص وهو كذلك ولكن دعينا نقف أمام هذه العبارة .."أنا كنت بحب أشوفه دائما مشغول بي(أراه شخص مناسب جدا لي)"
يا صديقتي الصغيرة أنت تحبين حالة الحب ولا أظن أن الشخصية التي تتحدثين عنها قد ملكت عليك فؤادك والدليل على ذلك انك تحدثني عن مدى مناسبة هذا الشاب لكِ بشكل عابر والأصل أن يكون ذلك محور الأمر وليس هامشيا بالإضافة إلى ذلك قد ذكرت أن المشكلة أن والدك يرفض أي مشروع ارتباط أثناء دراستك وله مبرراته المنطقية وتقولين أن هذا الشاب "يتعذب" ويبادلك الشعور وحاول أكثر من مرة أن يتحدث إليك فلماذا إذن لم يحاول التقدم لكِ حتى ولو كان والدك رافضا لماذا لم يحاول طالما "يتعذب" بهذا الحب وأنت لم تبادليه يوما الكلام؟ إن كان جادا في مشاعره فسيحاول مع والدك بشتى الطرق ليدافع عن هذه المشاعر ومن حسن الحظ أن والدته صديقة والدتك أي أّن الأمر ليس بمستحيل؟
ولكنه من الأصل لم يحاول فلماذا قل اهتمام إذن في رأيك.؟
كل ذلك قد بنيته على افتراض أنه شخص مناسب أي أنه على الأقل شاخص ناضج إلى حد ما وأنت لم تذكري معلومات كافية عنه وهذا بالطبع أضفى شيئا من الغموض لديّ ولكنه أكد تخميني بأنك تفتقدين الشعور بالحب وترغبين في معايشته وأظن أنه لو ظهر في الأفق من يبدي الاهتمام بصورة أخرى فلن تستطيعي مقاومة التفكير فيه.
ولا تحسبي أن ذلك يشينك أو يعيبك في أدنى شيء إنما هي الفطرة التي فطرنا الله عليها والحب شعور جميل ورقيق يملأ الروح دفئا ونشوة..
يقول إبن القيم عن الحب:
هو ذاك الميل الدائم بالقلب الهائم وقد قال البعض في وصفه:هو أن تهب كلك لمن تحب فلا يبقى لك منه شيء
يقول الشاعر:
ومن كان من طول الهوى ذاق سلوة
فإني من ليلى لها غير ذائق
وأكثر شيء نلته من وصالها
أماني لم تصدق كلمعة بارق
ونحن أيضا مع قد لا نملك التحكم فيها وقد ورد في صحيح البخاري في قصة بريرة أن زوجها كان يمشي خلفها بعد فراقها له وقد صارت أجنبية عنه ودموعه تسيل على خديه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا....؟ ثم قال لها "لو راجعته؟" قالت "أتأمرني ؟" قال" إنما جئت شافع "قالت" لا حاجة لي به"
ولم ينهى مغيث عن العشق حيث أن ذلك شيء لا يملك ولا يدخل تحت السيطرة.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الله تجاوز عن أمتي عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل"
وبالطبع محاولة التحدث مع الطرف الآخر والتواصل معه في غير الإطار الشرعي ليس بمقبول
والحل الأمثل حين تفيض نفسك بمشاعر وليدة أن تتوجهي لله وتستخيريه وتطلبي من أن يحفظك ويقدر لك الخير
وإن كان الخير مقدرا في شخص ما وقد كتبه الله لكِ فلن تتزوجه غيرك وسينتظرك مهما طال الزمن لأنه مقدّر لكِ وأنت مقدّره له...
ولكن يا عزيزتي أعني هنا الحب الحقيقي أو المشاعر الحقيقية ولكن كيف يمكنك ويمكنني أن نحكم على المشاعر بأنها حقيقية أم لا...؟
المشاعر الحقيقية ليست تلك المشاعر التي تنتاب الإنسان وهو في بداية تفتح أزهاره حيث يكون التفكير ليس بالعمق المطلوب ويغلب القلب على العقل ولا تتزن نظرته للأمور وهو ما يسمونه البعض بالحب الأول ومع ذلك فالحب يكون حقيقي بكل ما تحوي كلمة حب من معنى حين يتمثل بجميع جوانبه فالحب ليس تلك المشاعر فقط إنما هذا الجانب العاطفي وحينما يدرك الإنسان جميع الجوانب وأهمها جانب المسئولية والمتمثل في الجدية في تناول العاطفة أي تتويجها بالزواج وهو بدوره يتطلب من الإنسان أن يضع في اعتباره معايير هامة بناءا عليها يحدد مدى صلاحية الشخص الذي يكن له المشاعر في مشاركته مشوار الحياة أم لا هنا تكون المشاعر بالفعل حقيقة والحب في أنضج صوره.
فيجب علينا حين نختار شريك العمر أن نكون على قناعة تامة به ورضا فليس بالعاطفة وحدها يحيا الإنسان فلابد أن يجد كلا الطرفين ضآلته في النصف الأخر من حيث الدين والخلق والالتزام والتوافق العقلي والتقارب الاجتماعي والتفاهم هنا يكتمل الشقين مكونا كيان واحد وهو الأسرة والتي تحوي بين جنبيها السكينة والود والراحة التي تحدث عنها القرآن حين ذكر الزواج يقول الله سبحانه وتعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)
ما رأيك الآن هل اتضحت الصورة بعض الشيء أم أنها ازدادت غموضا؟
أنت الآن في أهم مراحل حياتك وهي مرحلة بناء النفس فأتقني الأمر وتحصني بزاد وافر من الخلق والدين والالتزام واجتهدي في دراستك فسوف تصبحين يوما طبيبة قلوب أو ربما تشاركينا وتصطفين مع في فريق المستشارين يوما ما ولكن لا تنسيني من صالح دعائك أنا ومن معي من الجيل "القديم" من المستشارين وأدعو الله لكِ من كل قلبي بالتوفيق والصلاح وأن يقر عينك بالزوج الصالح والحب الدائم والحياة المستقرة....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته......