بسم الله الرحمن الرحيم،
الإخوة الكرام في استشارات مجانين، السلام عليكم ورحمة الله، أكتب لكم بعد أن كنت أنا أيضا أقرأ لكم فقط، كما تقول الأخت ذات الأسلوب الجميل في رسالة: " على أبواب الخريف: تسقط أوراقنا الهشة"، والتي بدأت رسالتها بهجوم عنيف على الإخوة القائمين على استشارات مجانين أفقدهم توازنهم، (رغم أني لا أعارض توصيفها لهم)؛ لدرجة أن الأخ المجيب كان يعتذر أكثر مما كان يجيب، حتى إنه تشكك في صواب اختياره لتخصصه.
وقد أعجبت بالأخت الكريمة؛ لدرجة أني لو التقيت مثلها لما ترددت في الزواج منها.. غير أني -أختاه- لا أوافقك، ولا أوافق الأخ المجيب في أمور عدة، سأبدأ بها واحدة تلو الأخرى، رغم أني لا أتوفر على النص لعدم توفري على الإنترنت في البيت.
أختي الكريمة، لنبدأ القصة من أولها، يتعرف عليك زوجك الحبيب فيعجب بك وبأخلاقك.. ثم يتم الزواج ويأتي يوم اللقاء، فيخلو بك ويسقط في الامتحان؛ إذ بتعبيرك أنت أختاه أنه حاول الإيلاج لأيام دون أن يفلح ولم ير الدم، فتحكمين عليه هذا الحكم القاسي الذي لم يتغير رغم مرور سنوات وسنوات، ولم يشفع للرجل طول عشرته ولا عدم سؤاله عن الدم.
وما فكرتِ أختاه ما الذي جعل زوجك الحبيب يفشل في هذه المهمة الصعبة التي يستطيعها حتى السكارى والمعتوهون، ما السبب في ذلك، ألم تفكري يوما أن زوجك بكر لا تجربة له، وأنه ما رأى فيك الجسد بل الروح والإنسانة فلم يستطع أن يتغلب على تهيبه وحبه فسقط في امتحان مهين، ولكنك لو كنت منصفة في حكمك لربما رأيت رجلا محبا متهيبا من أول لقاء له بحبيبة القلب وقرة العين.
وإنك أختاه تجلدينه جلدا مؤلما تألمت له على بعد آلاف الأميال فكيف ألمه هو، وتستكثرين عليه أنه سألك ولعله في وقت غضب عن الدم وهو الذي كتم هذا السؤال لسنوات عدة ومن حقه أن يسأل، فبدل أن تعينيه أختاه بالحب والتقدير إذا أنت تفزعين من سؤاله وفي نفس الوقت تزدرينه ولا تنسين إخفاقه ليلتكما الأولى وتطالبينه هو بالنسيان.
هو أخفق إما لعدم تجربة أو عن تهيب من الإخفاق فلا تسامحينه بل تصفين إخفاقه وصفا يجعلني لو كنت مكانه لفارقتك، وهو غيرة ومحبة أخرست لسانه أن يسال سؤالا طبيعيا "أين الدم؟" ثم انفجر يوما، أفلم تفكري أختاه في عذابه النفساني طوال سنوات الصمت، ألم يشفع له هذا في أن تمنحيه مزيدا من الحب والاهتمام، وهو الذي كتم الأمر حتى عن أذنك فلم يسأل طوال هذه السنوات لحبه لك.
ثم إنك تقولين بأنه تركك تواجهين وحدك مرضك النفساني، فلما استشرته في أمر الطبيب النفساني وأجابك بما أجاب به لا جدوى من الذهاب إلى الطبيب النفساني، أخذت الأمر على أنه عدم اهتمام، وهذا مناف للواقع مما استنتجته من رسالتك؛ إذ إنك تتحدثين عن مزاولتك لأعمال خيرية تطوعية سمح هو لك بها؛ لأنها خير علاج لما كنت تمرين به، ولو كان لا يهتم لأمرك لمنعك من هذا أيضا؛ فهو منعك من الذهاب إلى الطبيب ثقة منه في قدرتك على تجاوز هذه المرحلة دون مساعدة أحد، وهذا دليل آخر أختاه على حب الرجل وتقديره لك.
وتقولين بأنك عرضت عليه الزواج من أخرى وهو القادر كما تقولين، فبم أختاه تفسرين هذا؟ لا أجد تفسيرا غير أن الرجل لا يرى عنك ولا لك بديلا في قلبه وفراشه، فتفرطين في هذا الكنز الثمين الذي تغبطك عليه جل النساء، فتخونينه مع أول من تختلين به من الرجال لا لشيء إلا لأنه يحسن الكلام، ولبعض أخلاق يمكن أن تكون حقيقية أو مصطنعة، فتعطين قلبك لمن لم تخبري؛ لأن بعض اللقاءات المكتبية وبعض المواقف يمكن أن تكون صورة معينة عن شخص ما ولكن يمكن أن تكون صورة خاطئة كل الخطأ، ونترك الصورة التي تكونت عبر سنوات من الحلو والمر لصورة وهم يمكن ألا تصمد عند أول اختبار، أليس عقاب من يسرق مالا محروزا في ديننا هو القطع، فما بالك بمن يسرق عرضا محروزا؛ فالله الله في الأمانة الملقاة على عاتقك أختاه أن تضيعيها لأوهام، وأين أنت من الزوجة الصالحة التي إن نظر إليها زوجها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله.
وتخبرينا أختاه أنك تلبين رغبة زوجك إذا زارك في غرفتك، فلا أعلم ماذا تقدمين لهذا الزوج أكثر مما يمكن لمومس أن تقدمه له ويمكن أن يجد عندها من فنون الجسد ما لا يجد عندك، ويمكن أن يجد عندها من الحب الصادق ما لا يجد عندك، منهن من دخلت الجنة لرحمتها لكلب يموت عطشا فكيف لا ترحم مؤمنا يموت عطشا أيضا.
هل البغايا أرحم من المحصنات الغافلات، كم مرة زرته أختاه في غرفته كما يزورك؟ كم مرة قلت له سامحني أخي وزوجي الحبيب؟ كم مرة قبلته بين عينيه وقلت لن أنام حتى تسامحني، لن يغفو لي جفن وأنت غضبان مني؟ كم مرة سألته عما يحب فتفعلينه وعما يكره فتجتنبينه؟ جربي أختاه أن يجمع بينكما كتاب الله تعلما وحفظا.
وسأحكي لك أختاه قصة طريفة وهي أن امرأة ذهبت لأحد الصالحين تطلب منه أن يصنع لها سحرا حتى يحبها زوجها؛ فطلب منها الرجل أن تحضر له شعيرات من صدر غوريلا (قرد كبير)، وبعد شهر جاءته المرأة بالشعيرات، فسألها من أين حصلت عليها، فأخبرته أنها كانت تذهب كل يوم إلى حديقة الحيوان فتقترب من الغوريلا وتطعمه مما تحمل معها حتى استأنس الوحش بها فصارت تلمسه ثم نتفت الشعيرات من صدره دون أن يصدها عن ذلك، فعجب الرجل لذلك، وقال لها أتطوعين قلب حيوان مفترس وتعجزين عن تطويع قلب رجل. فأقول لك أختاه هل عجزت حواء المؤمنة عن تطويع قلب رجل؟
وأخيرا أسأل إخواني وأخواتي المشرفين على هذا الباب أن يسامحوني على تطاولي عليهم،
ولكم التصرف فيما كتبت تعديلا أو محوا أو تغييرا، أو بالمرة ألا تنشروا هذا الكلام إن رأيتم أنه لا يستحق النشر، والسلام عليكم ورحمة الله.
19/2/2024
رد المستشار
ولماذا يا أخي تعتقد أننا سنعتبر ما كتبته تطاولا علينا فنمحو أو نغير أو نتردد في النشر؟!! لقد قلت مرارًا، ولعلك قرأت لي، أن هذه الصفحة، لا تتقدم إلا بسؤال صادق ـ وهذا ما فعلته الأخت السائلة ـ ومشاركة عميقة، وهذا ما فعلته أنت، وإجابة حاولت وأحاول أن تجمع بين الموضوعية والإنصاف، وعمق التحليل والتناول، وإخلاصي النصيحة إن كان لها من مكان.
اعترفت أنا سابقًا، ولا أرى داعيًا للتكرار، أن قصة أختنا كما ترويها تتضمن من الألم والتعقيدات قدرًا أعتقد أنه واضح للجميع، وليست هذه أول رسالة، ولن تكون الأخيرة، على هذا النمط. وينبغي أن يدرك القارئ ـ فهذا يفيد الجميع ـ أن فريق المستشارين ليسوا أجهزة صماء، إنما علاوة على تكوينهم العلمي والمهني والخبراتي، فهم بشر من لحم ودم وأعصاب، يتألمون، وينفعلون، وتتحرك قلوبهم وعقولهم مع أو ضد، وإنما يعينهم تخصصهم بعد توفيق الله سبحانه ألا تخرجهم مشاعرهم ومواقفهم النفسانية الشخصية عن الموضوعية والحياد اللازم للإرشاد.
ونقطة أخرى إضافية لعلها تساهم في فهم أسلوبي في الإجابة، وهي أنني لا أحب أن تتحول ردودي إلى حلقات جلد بسياط الكلمات تنزل على ظهور من أخطئوا فتزيد آلامهم دون كثير جدوى، وقد شعرت أحيانًا أنني قد حاصرت أختنا، وكشفت لها عن نفسها ما قد يزيد من جرعة الألم أكثر مما يلفت إلى مواطن الخلل في إدراكها وسلوكها، فقمت بإضافة بعض عبارات الاعتذار هنا وهناك، لعل ذلك يكون مدعاة لكي تواصل هي حوارها معنا، ودفاعها عن نفسها أو تفسيرها لموقفها فنفهم جميعًا، ونتعلم ونتطور إلى الأفضل ولا أدري كيف استقبلت هي إجابتي، ولا كيف تفاعلت معها؟!!
أعود لمشاركتك الجيدة لأقول إن النساء عندنا جاهلات –غالبًا- بمشاعر الرجال وهواجسهم، كما يجهل الرجال مشاعر النساء، وربما ضاعت حياتنا الأسرية والعاطفية بين الجهل والتجاهل!! لا تعرف المرأة عندنا كم هي ثقيلة "ليلة الزفاف" على الرجل!! وما هي مخاوفه وهواجسه ومن أين تنبع؟؟
وليس في نيتي أن أخوض في هذا الموضوع تفصيلا، ولكنني ألتقط فقط الخيط الذي أشرت أنت إليه من طرف خفي. في ليلة الزفاف يكون مطلوبًا من الرجل -المنهك ذهنيًا، وبدنيا غالبًا أن ينتصب ويلج زوجته التي لم يعرفها بشكل كافٍ غالبًا- وأن يمتعها محققًا لها كل ما حلمت به وتمنته من أساطير الجنس وعالمه الغامض السحري، وأن يتأكد من سلامة بكارتها، كونها عنوان الشرف في مجتمعاتنا، ويكون مطلوبًا من الرجل -الجاهل جنسيًّا، كما النساء- أن يثبت فحولته، والفحولة عندنا انتصاب وتمزيق، وأن يثبت رومانسيته، ولا أعرف ما هي الرومانسية في أذهان نسائنا ـ بالضبط، وقد يخفق الرجل ـ وهو مرشح لذلك بحكم خلفيته ـ في إثبات هذه أو تلك أو كلتاهما، وغالبا فإن زوجته ـ الجاهلة مثله بالجنس بحكم خلفيتها البائسة ـ لا تفهم ما يحدث، ولا ترى نفسها جزءًا مشاركًا فيه، ولا تعرف كيف تتعارف معه لتخرج هذه الليلة على النحو المرجو، إنما هي تلوذ بالصمت "النبيل" والعجز "الجميل"، وتعتقد يقينا أن كل دورها أن تسترخي، والرجل عليه بقية الليلة.
نساؤنا يتحدثن عن الرومانسية، وعن الحرمان العاطفي، وعن جفاف المشاعر، وعندهن ألف حق، ولكنهن في براءة شديدة وربما جهل فاضح، يعتقدن أن الرومانسية تنزل من السماء أو تخرج من الماء، وأن دور المرأة فيها أن تجلس وتنتظر أو تشكو وتتذمر، أو في أحسن الأحوال تقول كلمة، أو توقد شمعة، أو تهدي زهرة، والمطلوب أن ينهمر فوقها -بعد ذلك- سيل مشاعر من زوجها، الجاهل أصلا علاوة على إنهاكه والضغوط المحيطة به أو لنقل بهما، وبنا جميعًا، وتلك قصة تطول.
المهم.. أختنا السائلة مثل أخواتها الأخريات.. لم يلجها زوجها في أول ليلة، وعليه فهو الملوم المتهم بالعجز، وربما بعد ذلك بالغباء العاطفي، وهو الذي دفعها -وأنا هنا، لا أدافع عنه فأغلب الظن أنه جاهل وغبي جنسيا وعاطفيا مثل الأغلبية الساحقة من الرجال.. والنساء- وبقسوته وتجاهله فقد دفعها إلى المرض النفساني ثم إلى الخيانة على النحو الذي ترويه، وبالمقابل فهي وقعت في فخ المقارنة بين الزوج وزميل العمل، وهي مقارنة مختلة، ولكنها شائعة يمكن أن تتغير حياتنا جذريًّا لو أن كل طرف حاول أن يفهم قبل أن يغضب أو يتألم أو يخون، والفهم المطلوب مرهون بسؤال غائب ومسكوت عنه في حياتنا كلها وهو سؤال لماذا؟! لماذا يفعل الزوج هذا؟! وهل كل خطأ تفسيره الوحيد أن المخطئ شرير؟! لماذا عجز عن الإيلاج، رغم أنه فحل كما تبين فيما بعد؟ لماذا أهملها ونبذها تعاني، رغم أنه لا يعتبرها حيوانًا أو مجرد شيء حقير، بل هي تستكمل دراستها وتعمل وتنشط مثل أي إنسان طبيعي. فهي تركته وأهملته من أول ليلة، ولسان حالها قال له: عندك مشاكل، تعالج منها، ثم تعالَ لتتزوج بنات الناس؟!!
على كل حال.. ليس في نيتي أيضًا أن أدافع عن زوج استسلم لمنطق رد الفعل ـ في أحسن الأحوال ـ وسمح لمناخ التجاهل المتبادل، والبرود والخرس الزوجي أن يسيطر على بيته، ولا يبرر عجز أحد الطرفين أو قصوره أن تتعطل إرادة الطرف الثاني، أو أن يبحث عن حلوله خارج دائرة الأسرة.
نقطة أخيرة ألفت النظر إليها، وهي أنني أحب في إجاباتي أن أفترض الأسوأ في الطرف الغائب، وألا أبدد وقتي أو جهدي في الهجوم عليه، ولا الدفاع عنه، ولكنني أشغل نفسي أكثر بالطرف الذي أرسل يستفسر ويروي لأنه بالنسبة لكونه السائل طالب الإرشاد يكون بذلك عندي الحلقة الأهم في المشكلة وكذلك الحل.
ومسألة أخرى وأخيرة وهي أنني سأكف تدريجيًّا عن كتابة إجابات تبدو خالية من الثغرات أو النواقص، بل سأحاول ترك بعض المساحات دون تغطية كاملة، وهدفي من هذا عدم الإطالة أولا وإغراء أكبر لصاحب السؤال أن يرسل متابعة، وللقراء أن يشاركوا؛ لأننا نشكو من ندرة المتابعات، وقلة المشاركات وقلت لعل هذا التكيتك الجديد يكون مقدمة لمتابعات ومشاركات أكثر، وتعالوا نجرب.
أخي.. أعجبتني مشاركتك، ولعلك تتفق معي أن نقدك للزوجة لا يعني تبرئة الزوج، كما لم يكن تبريرها لموقفها مسوغًا لإسقاط المسؤولية عنها فيما يخصها تجاه نفسها وبيتها. أحسب أن المدخل الصحيح أن نعترف بالجهل الجنسي، والغباء العاطفي، وضعف الدافعية الدينية أو الجاهزية النفسانية للتعبير والتعلم علاوة على محدودية التقوى والكوابح التي تعصمنا من الاستسلام لمصير ترسم آفاقه أخطاء الأطراف الأخرى وعيبنا أن صبرنا ينفد سريعًا، وعزمنا يتبدد ويتلاشى فنصبح مجرد أصداء لكلمات الشريك إمعات في العلاقة به "إن أحسن هو أحسنا، وإن أساء فعلنا مثله وزيادة!!" تحياتي ودعواتي.
وللمشاركة برأيك.
ويتبع>>>>>: على أبواب الخريف: فتنة الزوج المستحيل مشاركة2