مجتمع ذكوري..!؟
بسم الله...
شكرا لك وللموقع على الاهتمام برسائلنا, مشكلتي هي:
أنى أحس أن المجتمع الذي نعيش فيه مجتمع لا يهتم إلا بالذكور فقط أما البنت فلا يوجد لها سوى شيء قليل, لا .. ضئيل جدا حتى أكثر المساجد لرجال كأن النساء لا صلاة لهن بالمسجد,
في بلدي التي أعيش فيها لا يوجد إلا مكان ضيق واحد لصلاه النساء, دي مثال فقط, أما لو عددت الأمثال سوف أجهد من كثره الكتابة يأتي لي وقت أكره كل الرجال وعلى الرغم أن أخواتي بنات فقط أنا كنت ماشية مرة في الشارع وجدت امرأة تنضرب ليه علشان خلفت بنتين توأم دة مش حرام؟
وخاصة أنى أعيش في بيئة زراعية الولد لا يعاقب من أحد أما البنت فهي دائما غلط..
شكرا لك وسلام عليكم..
1/4/2005
رد المستشار
أهلا بك على موقعنا, وأسأل الله أن تجدي على صفحاتنا ما يزيل حيرتك ويعيد لك التوازن لتعرفي ليس فقط كيف تتعاملين مع هذه الحياة, بل وكيف تكونين مؤثرة فيها أيضاً..
ما تحسينه من أن للذكر في مجتمعاتنا أكثر بكثير مما للأنثى صحيح, وكلّما توغلنا في الطبقات الأقل تعليماً من مجتمعاتنا ازدادت هذه الفكرة بروزا ووضوحا, ولكن هذا لا يعني أن الطبقات الأكثر تعليماً في المجتمع قد حلّت هذه المشكلة, صحيح أنها قد حلّتها ولكن جزئيا, وفي كثير من الأحيان بشكل خاطئ, حيث أنهم شعروا بالظلم الواقع على الأنثى في المجتمع فأرادوا أن لا يقعوا هم فيه حين يربون بناتهم فسمحوا لهن –وللذكور أيضا– بكل شيء, فهربوا من أقصى الطرف إلى أقصى الطرف الآخر, فوقعوا في مشاكل من نوع آخر..
وكلا الأمرين كما ترين خطأ..
والأدهى والأمرّ أننا حين نلجأ للدين نلتمس العدالة والإنصاف في تعاليمه, نجدها قد حُملت على أن تسوّغ هذا التمييز وهذا الظلم الواقع على الفتاة..
ما تشعرين به صحيح يا صغيرتي, وهذا هو الواقع فعلا.. والسؤال المهم الآن: هل هذا فعلا هو الوضع الطبيعي للفتاة الذي يرضاه الله عز وجل؟
من صفات الله تعالى أنه عدل, وأنه رحيم وأنه ودود, فهل يعقل أن يخلق نصف البشرية لتتعذّب بتحكّم النصف الثاني بها ؟ وهل يعقل أن يخلق نصف البشرية لتتلظى بألم الحرمان بينما نصفها الآخر يسرح ويمرح دون محاسب أو رقيب ؟ وهل يُعقل أنه خلق نصف البشرية لتكون مظلومة لحساب نصفها الآخر؟؟
إذا كان سبحانه وتعالى يثيب على الإكرام والنفع الذي نقدمه لكل كائن حي حتى للحيوانات, فكيف بالإكرام الذي نقدّمه للإنسان العاقل؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " في كل كبد رطبة أجر ".. أي في كل إحسان تقدمينه لمخلوق ذو روح وحياة ثوابٌ عند الله عز وجل.
الله سبحانه وتعالى لا يرضى بالظلم أبدا, أليس هو القائل في الحديث القدسي:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"؟
الدين بريء من كل ما يُلحق به من ظلم للمرأة.. وإنما هي موروثات اجتماعية أُلبست ثوب التدين لتلقى قبولاً لدى الناس, فالناس لا يزالون على الفطرة التي فطرهم الله عليها: يحبون الدين ويحبون الله جلّ وعلا.. وهذه نقطة قوّة إذا عرفنا كيف نستفيد منها حين نفهم الدين على حقيقته الناصعة, ولكنها في نفس الوقت نقطة ضعف عرف النفعيون كيف يستغلونها لصالحهم فلبّسوا على الناس البسطاء دينهم..
إذاً.. ما العمل؟
لا أحب أن نركز على الماضي وعلى آلامه لأن هذا لن يزيدنا إلا إحساساً بالمرارة في حلوقنا والكراهية للمجتمع ولمن فيه في قلوبنا, ولكن نركز على: كيف نغير ونعدّل ونصحح طبقا لما يريده الله عز وجل لأننا في النهاية عباده.. ونركز على التماس العذر لأهالينا ليس لتبرير ما يفعلون وإسباغ صفة من الشرعية العرفية أو الدينية على ظلمهم, بل لنحرر قلوبنا من أثقال الحزن والإحباط, ولننطلق بقوة نحو بناء المستقبل, متسلحين بقواعد النجاح في هذا البناء المبارك بإذن الله.
أستطيع أن أقول لك بأن رفع الظلم الواقع على المرأة وباسم الدين يحتاج جهوداً جبارة, وأول من تقع على عاتقهم هذه المسؤولية هم النساء أنفسهم, وبرأيي فإن النجاح لن يكتب إلا للجهود المخلصة الدءوبة, ومن سيكون أكثر إخلاصاً ودأباً من المظلوم نفسه؟؟
تغيير واقعنا نحن النساء يبدأ من عندنا.. كيف؟
لا أقول لك الأمر في غاية السهولة, وطريقه مفروش بالورود, بل هو صعب, ومفروش بالأشواك.. ولكن طريق الحق دائماً كذلك.. هل سمعت بنبي واحد في تاريخ البشرية كلها تلقاه قومه بالورود والرياحين؟
أما أنا فسمعت عمّن تلقاهم أقوامهم بالتكذيب والإيذاء الذي وصل إلى درجة القتل..
ولكن, نحتاج الكثير من الحكمة والصبر في المواجهة, فنحن في النهاية لا نواجه أعداءً في ساحة حرب, بل هم أهالينا وآباؤنا وأمهاتنا وإخوتنا وأخواتنا.. وقد يكونون في المستقبل أزواجنا وأولادنا!
هل أدلّك على طريقة تستطيعين أن تملئي بها قلبك رحمة حتى لمن ظلمك؟
طريقة النبي صلى الله عليه وسلم, حيث كان يعتبر أن تكذيب قومه له وإيذائهم له ما هو إلا بسبب أنهم لم يفقهوا الدين كما يجب, ولهذا تجدينه يقول: "اللهمّ اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون", وكانت صورة عاقبة المكذبين من قومه وهي إهلاكهم في نار جهنم لا تفارق مخيلته, فتملأ قلبه رحمة بهم وشفقة عليهم, وبالتالي عزيمة وإصرارا على بذل المزيد من الجهود لدعوتهم وهدايتهم, لدرجة أن الله عز وجل علّق على هذا بقوله "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً" (الكهف6)
ومعنى الآية: هل ستهلك نفسك يا محمد حزنا وكمداً إن بقي قومك كافرين؟؟
هل تستطيعين أن تتمتعي بنفسية "حنونة" كتلك التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟
حاولي, وجرّبي, ولا تبخسي نفسك حقها من التجربة والمحاولة بأن تقولي: لا, لا أقدر..
وأذكّرك وأذكّر نفسي بهذه المقولة:"ما كان الرفق في شيء إلا زانه –زيّنه– وما نزع من شيء إلا شانه – قبّحه –"..
هناك أيضاً في هذه الأمة الكثير من الرجال ممّن يؤلمهم حال المرأة المظلومة, لأنهم لا يستطيعون تحمّل الظلم الاجتماعي الواقع على أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وزوجاتهم, أليست هذه هي المرأة: (الأم, والبنت, والزوجة, والأخت؟) وبتضافر جهودهم مع جهود النساء ستتحقق بإذن الله الحرية, ولكن تحتاج: الجهد, والوقت, والصبر والمثابرة.., ولكن جهد الرجال وحدهم لا يؤتي أي ثمرة ما لم تقتنع المرأة أنها يجب أن تتغير وهذا ما يراه الدكتور أحمد عبد الله وما وجدتُ أنه الحق فعلا.. ..ولهذا قلت أن تغيير واقعنا يبدأ منا نحن.
لا أريدك أن تنتظري الإنصاف ممن حولك, فسيطول انتظارك ولن تحصلي في النهاية على شيء, أنت بنفسك ستسعين لاستعادة حقوقك, ولا تنسي: برفق, فأهلك في النهاية يفعلون ما يرون أنه صحيح, علينا أن نلتمس لهم العذر فيما يفعلونه, ليس لنبرر الخطأ, بل لنجعل قلوبنا ترق ولا تثقل بالحقد والكره, لأن هذا الكره سينعكس على تعاملنا معهم وسنخسر بالتالي أكثر بكثير مما سنربح, يكفي أننا سنخسر أهالينا..
وتذكري في النهاية: ما ضاع حق وراءه مطالب..
وإذا ما ضاق صدرك بما ترينه من ممارسات فيها الكثير من الظلم, كمشهد تلك المرأة – أم البنتين التوأمين - التي تتحمّل العقوبة على شيء لم تفعله هي, بل فعله الله عز وجل, فتكلمي إلى من تثقين في أخلاقها ودينها لـ" تفضفضي" ولتخففي من أعباء قلبك المنهك بالمشاهد المؤلمة, لا لتزداد نيران ألمك اضطراماً.. وبعدها فكري كيف تتجاوزين ما أنت فيه أو ما غيرك فيه بإيجابية وبأقل الخسائر الممكنة..
دعواتي لك.. وإن شاء الله سترين من واقع أمتك ما يسرّك..