السلام عليكم
أنا أم لأربعة أطفال أتمنى أن أربيهم تربية صالحة إن شاء الله؛ ولكني مشكلتي اليومية تكمن في شجارهم المستمر فسنهم متقارب مع بعض (12-8-6-4) سنوات، أكبرهم بنت والباقي ذكور،
حاولت علاج شجارهم بعقابهم ولكن لا فائدة، حاولت بالتفاهم حسب قدراتي التربوية ولم أفلح، أرجوكم ساعدوني فالمشكلة تؤرقني وتؤرق الكثير من الأمهات
جزاكم الله خيراً .
12/4/2005
رد المستشار
أرسلت استشارتك إلى المستشارة أ. هداية الله التي لم يطل عملها معنا لظروف السفر، وهذا كان ردها
مرحباً بك أختي العزيزة وبارك الله لك في أطفالك وجعلهم قرة عين لك وللمسلمين، وأعانك على تربيتهم، ونشكر لك اهتمامك هذا بطلب التوعية التربوية، وهذا ما نتمناه دوماً من الأمهات والآباء.
إن شجار الأطفال يا عزيزتي يعدّ من الأمور الأكثر شيوعاً في الأُسر، والأكثر إزعاجاً للأم، ولا بد أن نقول أن الشجار إن كان بين الإخوة قد يكون سببه الغيرة أو بعض الأسباب التي سأذكرها لاحقاً، أما إذا كانت مع كل الأطفال من أشقاء أو أقران فإن السبب يكمن في الطفل نفسه والسبب الرئيس لديه هو نقص مهارة إدارة الخلاف؛ الذي قد تسببه جفاء العواطف أو تحجّر التفكير، فاختلاف الرغبات والآراء أمر طبيعي، ولكن نقص مهارة إدارة الخلاف تطوِّر هذا الخلاف -الناشئ عن الاختلاف الطبيعي- إلى شجار.
ولكن قبل أن أتحدث عن أسباب الشجار أذكر لك أختي الحبيبة بعض الحقائق العلمية حول شجار الأطفال:
* الطفل في عمر السنة يسمح بإعطاء أشيائه أو أدواته للغير، ولكنه في عمر السنتين يجري مبتعداً لكيلا تنزع منه، وفي سن السنتين والنصف يحاول أن يضرب من يعتدي عليه أو يأخذ من ألعابه، وعندما يكبر أكثر يستخدم الألفاظ كالسباب والسخرية للإغاظة بدلاً من الضرب.
*الأطفال المتقاربون في السن هم أكثر الأطفال ميلاً للشجار؛ لأن اهتماماتهم واحدة وألعابهم واحدة، وجماعة الأصدقاء واحدة، كذالك فإن الذكور ميّالون للعدوان والتسلط على البنات.
* إن الأطفال كلما كبروا زاد تخاصمهم، والأطفال الأكبر سناً أو الأقوى بنية يتصرفون بعنف في شجارهم اليدوي.
* من الظروف المساعدة على تشاجر الأشقاء وجود طفل أقل جمالاً أو تفوقاً بين إخوته، أو وجود بنت بين الذكور، أو وجود طفل ضعيف القدرات الذهنية بين إخوة أذكياء..
* يكتسب الطفل الميل للتشاجر إذا شعر بأنه غير مرغوب أو محبوب إلى حد كاف، أو يشعر بالنبذ والإحباط، وكلها تندرج تحت صفة ضعف الثقة بالنفس أو تقدير الذات، كذلك مما يدفع إلى الشجار جو الأسرة الدائم الشجار بين الإخوة الكبار أو بينهم وبين والديهم أو بين الأبوين أنفسهم!
* تشير الدراسات على أن التنافس والتشاجر يزيد بزيادة عمر الأطفال، وتزيد نسبة هذا التشاجر بين سن (8-12) سنة، وتزيد بين أبناء الجنس الواحد، وبين الأطفال المتقاربين في السن بفارق سنة أو سنتين.
وأذكر هنا أسباب تشاجر الأطفال وبمعرفتها يمكننا معرفة أساليب الوقاية:
* اختلاف رغبات الأطفال، ورغبة بعضهم في إظهار القوة والتحكم، وعدم معرفة بعضهم بحدود الملكية العامة والخاصة، وهنا سيوجد معتدي، وسيدافع المعتدى عليه عن نفسه .. فيتطور الخلاف إلى شجار.
*رغبة الأبناء في الاستحواذ على حب الوالدين وانتباههم.
* مقارنة الوالدين بين الإخوة تدفع ذوي القدرات الأقل للتشاجر والعدوان.
* العنف في التعامل مع الطفل بالإكثار من عقابه أو نقده.
* عدم العدل بين الأبناء يكوّن شعور أحدهم بتفضيل إخوته عليه أو تخصيص أحدهم بالملاعبة والملاطفة والاهتمام ويدفعه لإثبات وتأكيد ذاته بالشجار والعنف.
* شعور الابن الأكبر بأن الأصغر حل محله، وسبب هذا الشعور عدم تأهيل الأكبر بقدوم أخ جديد، والتقليل من الاهتمام بالأكبر؛ والتساهل في إيذاء الأخ الأصغر للأكبر، والخطأ الشائع وهو الاهتمام بالأكبر في غياب أو أثناء نوم الأصغر؛ مما يُشعر الأكبر بأن الأصغر يأخذ الاهتمام والانتباه من الوالدين حال وجوده.
* التسامح مع أخطاء الصغير يدفع الأكبر للغيرة لأنه يرى أنه يعاقَب على كل خطأ.
*الرغبة في توجيه نظر وانتباه الوالدين، أو عدم شعوره بالحب والتقدير منهما؛ يدفعه للتشاجر لإثبات شخصيته ولتغطية فقدانه للثقة بنفسه.
* الاحتكاك الدائم بين الإخوة وعدم وجود مصارف للطاقة الهائلة والهوايات والنشاطات قد يكون سبباً في نزاعاتهم.
والآن يا عزيزتي بعد أن عرفت الأسباب الكامنة وراء الغيرة أو المعارك الأخوة؛ فهيا بنا نسوق طرق العلاج لمشكلتك:
* اعدلي بين أبناءك فهذا أهم مفتاح لحل المشكلة بل الوقاية منها، فقد كان رجلٌ جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بُني له فقبّله وأجلسه في حجره، ثم جاءت بنية فأخذها وأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"فما عدلت بينهما"، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: "اعدلوا بين أولادكم ، اعدلوا بين أولادكم" رواهما البيهقي.
*تجنبي المقارنة تماماً بين أبناءك من قريب أو بعيد، والأفضل مقارنة الطفل بنفسه كأن نقول له: "لقد كان أداؤك الدراسي هذا الشهر أفضل من الشهر الماضي، وهذا يسعدني حقاً"..
*أظهري حبك لكل طفل على حده وخصصي وقتاً يتفرد فيه كل واحد منهم بشيء من وقتك واهتمامك في جلسة أو نزهة أو زيارة لأحد وكأنه ابنك الوحيد، وأظهري حبك لكل منهم لفظياً وعملياً كالاحتضان والتقبيل والهدايا.
أشعري أنت وأبيهم كل الأبناء بتقديرك لهم ولقدراتهم مهما أخطئوا، ومهما كانت قدرات أحدهم ضعيفة – في نظرك – فتّشي وستجدي جوانب ومواقف عديدة لتثني عليها؛ وقللي النقد قدر الإمكان وكل ذلك سبيل لتدعيم ثقتهم بأنفسهم .
*شجّعي أبناءك على التعبير عن حبهم لبعضهم بالقول الصريح، وبالمواقف اللطيفة التي قد تخططي لحدوثها دون أن يشعروا بذلك.
* أكدي أنت وأبيهم من خلال المواقف على قيم الحب والعطاء والإيثار والتعاون والكرم والتسامح والواجب والعدل..
* أوجدي أوقاتاً للترويح عن النفس من خلال النزهات والرحلات تكويناً وتمتيناً للمشاعر الإيجابية بينهم، فالملل إن أخذ طريقه إليهم قد يدفع بعضهم للتحرش والشجار.
* عوديهم على احترام ملكية بعضهم من خلال الاستئذان عند طلب أشياء لا تخصهم ، وأفهميهم أن من حق صاحب الشيء السماح أو الرفض، ولكن الله والوالدين يحبون الكريم والمعطاء، أما الأشياء ذات الملكية العامة في المنزل فلا يحق لأحد تملكها أو التحكم بها وإن اختلفوا عليها فالحكم هنا يكون بتناوبهم على استعمالها.
* تأكدي من إشباع الحاجات الجسدية والنفسية للأبناء؛ فشعور أحدهم بالنعاس أو الجوع أو الحر, أو الغضب أو الحزن قد يكون سبباً ومحركاً للشجار.
* خصصي بعض الأعمال المنزلية المناسبة لكل منهم بالعدل – والعدل لا يعني ليس وإنما إعطاء كل منهم ما يكفي وما يناسبه حسب سنه وقدراته - مع تشجيعك لتعاونهم وإنجازهم لمهامهم، وشجعيهم على القيام بأعمال جماعية بسيطة من مساعدتك في عمل الكعكة (الجاتوه) أو عندما تعودون من الخارج.."ضع يا أحمد البيض في المكان المخصص له في البرّاد (الثلاجة)، وأنت يا نور ضعي التفاح في..." ففي هذا تشجيع لهم على التعاون.
* تجنبي لوم الأكبر أو البنت الكبرى على أخطاء الأصغر ؛ فهذا يبغّضهم في التعاون، ولكن شجعيهم تدريجياً وبإقناع على التعاون "لأننا أسرة واحدة، وكل منا يحتاج للآخر ، ونحن أولى بالمصادقة من الأغراب..".
* شجعيهم على تفريغ الغضب أو العدوان بالتعبير عنه، أو بتناول حلوى محببة أو بالرسم والتلوين أو بممارسة الرياضة.
* كوني وزوجك قدوة طيبة في إدارة الخلافات، من خلال التعبير عن الغضب دون جرح لمشاعر الآخر ودون غليان.." أنت أزعجتني.. أنا غاضبة من..، ليس من حقك مخاطبتي.." .
* لا تسمحي لأحدهم بأن يسخر أحدهم من الآخر – وهذا متوقع من الابن أو البنت الكبرى -.
* شجعيهم كلما مرّ يوم - أو ساعة في بداية العلاج - دون مشكلات أو سخرية، وكوني دقيقة عندما تحددين وتشجعين انسجامهم في اللعب حتى يفهموا ما الذي تعنيه بالاتفاق بينهم: "إنه لأمر رائع أن تتشاركوا في وتلعبوا معاً بهدوء، وهذا ما يسمى الانسجام"، واستحسني وأني على كل حوار أو تلاطف بينهما، ووجّهي انتباههم إلى أن لعبهم الهادئ سيجعل اللعب أكثر متعة وأطول وقتاً وإتاحة الاستمتاع بلعبهم جميعاً، وهذا بدوره يسعد أمهم ويشجعها على اللعب معهم، كما أن تفاهمهم وتعاونهم يمكّنهم من إنجاز المهمات الجماعية بطريقة أفضل.
* تجاهلي الشكاية والوشاية على بعضهم، وإن استفدت منها المعلومة وبنيتِ عليها لا تشعري الواشي إلا بتجاهلها.
* بعد انتهاء العراك لا تذكريهم بأنهم كانوا أعداء في الحرب، ولكني استهلي صفحة جديدة.
* لا تتدخلي أنت أو الأب في شجار الأبناء لكي لا تكوني قاضياً تحددي المجني والمجني عليه والظالم والمظلوم، بل ابتعدي عن الأحداث وراقبي من بُعد؛ خاصة وأن الشجار يزيد ويتطور بوجود الجمهور والمتابعين؛ أما إذا تطور الموقف بحيث تسلّط الكبير على الصغير مما يؤذي أحدهم تدخّلي لتحييد الموقف وفصل الأطراف المتنازعة كل منهم في غرفة أو كرسي، ويمكنك لتشجيعهم على حل مشكلاتهم أن تخبريهم إن تنازعوا على شيء ما أنك ستحجزينه منهما، مما يدفعهم إلى التصالح وعدم الشكوى، وربما يكون لعبك معهم أنت أو أبيهم تدريباً لهم على حل الخلافات بالتصالح؛ ولكن ذلك سيكون بصفتكما احد أفراد الفريق وليس الحكم .
* حدّثيهم عن مواقف واجهتك في طفولتك مع إخوتك وكيف تعاملتم برفق فيها، انسجي القصص التي تتحدث عن الحب والتعاون والتسامح..
* ضعي قواعد واضحة ومؤكدة لحل الخلافات:"ممنوع بأي حال من الأحوال أن يهين أحدهم للآخرين لفظياً أو يدوياً؛ وأخبريهم أنك لن تتسامحي مع أي إهانة أو سخرية، لا يسمح لأحد أن يقوم مقام الوالدين في إعطاء الأوامر والتعليمات إلا إذا كان ذلك برضا الآخر، لا يسمح لأحد أن يقول لأحد "لا أحبك، أو أكرهك"، وكافئي من يُدفع للشجار ولا يتشاجر لأنه يتمتع بضبط النفس ورسول الله =554; يقول "ليس الشديد بالصَرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه ثَم الغضب" رواه مسلم، ولكن حذار من مطالبة المتأذي بالصمت والسكوت على المطالبة بحقوقه.
* شكّلا مجلساً أسبوعياً يعبّر فيه كل منهم عن الأمور التي تزعجه إن وجهتْ إليه، ويمكن أن يكتب كل منهم في جدول مخصص قائمة "أحب" وأخرى "لا أحب" ويعلّق على الحائط، ويمكن في هذا اليوم مكافأة المتراضين والذين قل تشاجرهم مع إخوانهم.
* اسألي كل منهم على انفراد ما الذي يعجبه في كل واحد من إخوته وما الذي لا يعجبه، ويمكنك عند التنازع أن تريه الورقة التي عبّر فيها أحدهم عن حبه ووقّع عليها فتكون فرصة لطيفة للمصالحة .
* اسألي كلاً منهم إن كان لديه اقتراحات أو أفكار تطّور تعاملهم مع بعضهم وتجنّبهم التشاجر ودونيها ونفذوها.
* أخبري الأبناء بأن عليهم ألا يسيئوا الظن في نية الآخرين، فلكل واحد تصّور ورؤية من زاويته مختلفة من زاوية أخرى، ويمكنك أن تسألي كل منهم عن دافعه في موقف اشتركوا فيه وما الذي كان يظن فيه عن نية الآخر.. وسيذهل الجميع من نتائج التسرع وإساءة الظن ببعضهم، ويمكن أن تحيكي قصة بهذا الإطار .
* بيني للأبناء أن من حق كل منهم القصاص من المعتدي إن تأكدنا من ذلك أو مسامحة المعتدى عليه، وكما أن لهم حقوق فإن لهم واجبات، وهنا علينا ألا نقدم الحماية الزائدة لأصغرهم حتى يتعلّم حدود حريته وملكيته، ونعلّمه وأخوته كيف يحمون أنفسهم من إيذاء الآخرين، وهنا نقول إن اندماج الطفل في مجموعة الإخوة أو الرفاق يحميه من اعتداء الآخرين.
* أخبري الأبناء أن الله مطّلع على سرهم وجهرهم، وأنه يثيب المتسامح والمتعاون..
* ابحثي بجدية مع زوجك عن الأسباب الكامنة وراء التشاجر أو الغيرة.
* لنمنع الغيرة من الابن الأصغر علينا ترك فترة بين الولادات، مع تهيئة جميع الأبناء لقدوم الأخ الجديد، وكيف سيكونون جماعة سعيدة..
* لا تنسي من اهتمامك الأبناء الذين يقعون بين قمتين الأكبر والأصغر، وإلا شعروا بالظلم والإحباط.
* اعزلي الأطفال عن بعضهم كلما تشاجروا خاصة إذا كانوا في شجار دائم ولم تفلح معهم الطرق الأخرى، واحجزي ما تنازعوا عليه.
وختاماً يا عزيزتي.. أرجو أن أكون قد وفيّت كل الجوانب من المشكلة التي تؤرقك، ولا تؤاخذيني على الإطالة، وتابعينا بأخبارك.