السلام عليكم،
إنني أتابع بشكل دوري موقعكم على النت الذي أعتبره من أفضل المواقع النفسية على الشبكة، خاصة صفحة استشارات مجانين. إنه في غاية الأهمية حيث إني تعلمت واستفدت الكثير من القيم والأخلاق الإسلامية من خلال ردودكم وإجاباتكم للأسئلة.
إن أفضل شيء في هذا الموقع أنه لا يفصل بين الإسلام والعصر الحديث، فديننا الحنيف بما فيه من قيم يناسب كل الأفراد في كل العصور.
وهنا أبدأ بطرح مشكلتي عليكم: فأنا فتاة أبلغ من العمر 19 عامًا، أقطن في دولة اسكندنافية التي ولدت وترعرعت فيها. والدي من أصل عربي ووالدتي اسكندنافية؛ ولذا أنا أعتبر نفسي نصف عربية.
لقد حاول والدي أن يربيني على العادات والتقاليد العربية الإسلامية على الرغم من أنه غير ملتزم أو متمسك دينيًّا، ولكنه كان يحاول بعض الشيء الالتزام بعاداتنا وتقاليدنا العربية. واعتاد أن يصحبني إلى المسجد عندما كنت صغيرة، وهناك تعلمت الشيء البسيط عن الإسلام، وتعلمت كيفية القراءة والكتابة باللغة العربية.
والدتي متمسكة بالتقاليد الأوروبية الغربية، وهي مهتمة جدًّا بثقافتها وعاداتها، تلك العادات التي تمر علينا بين الحين والآخر.
وهنا تبدأ مشكلتي. فدائمًا لديّ ازدواجية في الشخصية وفي الحياة. وفي كثير من الأوقات أرغب أن أكون مثل أي فتاة عربية في أي قطر عربي لديها الفهم العميق في الدين، من جهة أخرى لقد ولدت وتربيت في الغرب، ولا أستطيع أن أنكر في أني أوروبية في كثير من الأوقات بسلبياتها وإيجابياتها.
والدي دائم السفر إلى موطنه الأم ليقضي شهرين أو ثلاثة شهور هناك، وخلال تلك الفترة ينقلب كل شيء في منزلنا، فتتاح لنا الفرصة لعمل أي شيء تحت إشراف والدتي، وبالتالي أستطيع الخروج من المنزل بحريتي كما أشاء، وعمل حفلات الأصدقاء وحضورها والذهاب إلى الملاهي الليلية، وحضور احتفالات المدارس التي يباح فيها كل شيء من خمور أو ماريجوانا أو أي شيء يخطر على البال.
وأيضًا أستطيع اصطحاب أصدقاء شباب والخروج معهم، وليس للوالدة أي اعتراض على ذلك. ولكن يعود كل شيء على ما كان عليه من قبل عندما يأتي والدي من السفر مع أن والدي غير ملتزم دينيًّا، فيتركني أرتدي ما أشاء من ملابس ولا يعلق أبدًا على ذلك.
لكن الحقيقة أني سئمت من هذا الوضع، كل ما أريده هو أن أصبح فتاة مسلمة ملتزمة، مثل أي فتاة مسلمة. شعرت بالأسف واللوم على حالي، أريد أن أكون الأفضل، ولكن الظروف المحيطة بي لا تساعدني إطلاقًا.
كنت دائمًا مثابرة لتعلم الإسلام في حياتي، ولكن لم يمنعني هذا من اقتراف الذنوب في كثير من الأحيان.
نقطة تحولي كانت منذ عامين تقريبًا، ففي يوم من الأيام حضر زميل عربي إلى المدرسة، وقال لي: إن له صديقا رآني بينما كان يزوره في المدرسة منذ أيام قليلة وهو يريد الارتباط بي.
حقيقة كان شيئا غريبا بالنسبة لي، فهذا الشخص لم يتحدث إلي، ولكن أُعجبت به كثيرًا لأنه لا يريد التحدث معي حتى يكون هناك موافقة مبدئية شرعية للارتباط.
على أي حال: تحدثت معه في المدرسة ذات يوم، وخلال حديثنا لم ينظر نحوي بأي شكل من الأشكال، بل اكتفى بالتحدث عن نفسه، وأنا كذلك حدثته عن نفسي.
هو من أصل عربي من نفس موطن والدي، عمره 25 عامًا، لديه عمل مناسب، ولقد تربى وترعرع هنا مثلي، ولكنه متدين وملتزم جدًّا، فلم يعرف فتاة قط في حياته هنا، فهو مقتنع بأنه سيقابل إنسانة يتعرف عليها يرتبط بها وتصبح زوجته، ويجب أن تكون مسلمة.
لقد شرحت له تفاصيل حياتي، وكل أخطائي من قبل، ولكنه سامحني على كل شيء، وقال: إن الماضي لا يعني شيئا بالنسبة له، ولم يذكر شيئا عنه أبدًا أو حتى لم يسألني بأسئلة أخرى عما مضى منذ أن تحدثت معه في ذلك اليوم.
وبعد أيام قليلة جاء إلى منزلنا مع عائلته، وطلبني من والدي الذي كان سعيدًا جدًّا به، لقد خطبني وبعد عدة شهور قليلة تم عقد الزواج. لقد تغيرت بالفعل منذ أن عرفته. تعلمت الكثير عن الإسلام. بدأت أصلي وأقرأ القرآن الكريم.
المشكلة ببساطة أني سوف أتزوج بعد نهاية الفصل الدراسي، يعني بعد حوالي 3 أشهر. الشيء الوحيد الذي ينقص سعادتي هو أنني أشعر بأني لست مناسبة لدرجة كافية لخطيبي، أشعر بالنقص من زواجي لشخص ملتزم ومتدين؛ وذلك لكل ما اقترفته من ذنوب في حياتي، أشعر أن هذا ليس عدلاً.
فهو شخص ممتاز لأبعد حد، لم يقترف أي ذنب في حياته، فهو متدين، وعلى خلق، وملتزم بالدين الإسلامي الحنيف طوال حياته رغم تربيته هنا في الغرب. إني خائفة بألا أكون الزوجة الصالحة التي يتوقعها ويتمناها.
إني خائفة وقلقة من العادات الأوروبية التي هي جزء من حياتي وثقافتي، وأخاف أن تصبح حائلاً بيني وبين خطيبي بعد زواجنا.
لقد تغيرت بالفعل، ولكني على علم بأن ذلك ليس كافيًا.. فهو صبور علي وغير متهور يساعدني كثيرًا، ودائمًا يقول لي: إننا سوف نرتب كل شيء بعد الزواج، وسوف نحج لله تعالى إن شاء الله، وهذا سيكون أول بداية صحيحة لحياتنا الجديدة.
ولذا أخبرته بكل تفاصيل حياتي، ويقول بأنه غير مهتم بالماضي، وهو يحبني على أي حال ويقول: علينا أن نترك الماضي خلف ظهورنا، ولم يتطرق لتلك المواضيع نهائيًّا بكل أمانة. وهو يثق بي لدرجة لا أستطيع تخيلها بعدما عرف كل شيء عني، وإن كل ما قلته له من ماض قد نساه بالكامل. فهو كريم معي جدًّا، وأنا خائفة أن أخذله.
كل ما أريده في الحياة هو أن أكون زوجة وفية متدينة ملتزمة حتى أستطيع تربية أبنائي بشكل سليم، ولكني قلقة بشأن عدم مقدرتي أن أنهي تقاليدي الغربية المؤثرة من جهة والدتي. زفافي قد قرب، وإني في غاية القلق من هذه النقطة بالذات.
أردت أن أستشيركم، حيث إنكم أهل للثقة، ولذا كتبت إليكم. وأيضًا أردت لو تفيدوني ببعض من النصائح حول كيفية إسعاد الزوج، وكيف أصبح زوجة مسلمة ملتزمة... إلخ. وجزاكم الله خيرًا.
14/11/2023
رد المستشار
نشكرك على تحيتك الرقيقة التي صدّرت بها رسالتك، وندعو الله أن يجعلنا عند حسن ظنك بنا، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم. حين تأملت في كلمات رسالتك التي تعكس بصدق ما في داخلك: وجدت أنها توضح أنك تحملين نفسًا رقيقة ولوامة.
والنفس اللوامة هي التي تدفع صاحبها بلومها الدائم له كلما أخطأ أو أصاب ذنبًا: إلى الإسراع بالتوبة، وهذه هي النفس التي ذكرها الله سبحانه في قوله: (لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة)، وهي نفس تقية متيقظة تحاسب نفسها على الدوام، وهي نفس كريمة على الله ومن كرامتها أنها قرنت بيوم القيامة. ولقد كنت تحملين هذه النفس الرائعة حتى وأنت تعيشين الحياة الأوروبية بكل معاصيها، وعلى الدوام كنت تطمحين أن تكوني الفتاة المسلمة بحق. ولأن الله سبحانه وتعالى عليم بالسرائر فقد أراد بك الخير وأنعم عليك بهذا الشاب الذي تفهّم ظروفك، وتغاضى عن كل ما كان في الماضي، فلا تسمحي للشيطان أن يفسد عليك سعادتك بهذا الشاب الرائع، وتأكدي أنك أهلٌ له لأن توبتك وندمك على ما فات كانتا إيذانًا بميلاد فتاة مسلمة جديدة، تخلو صحيفتها من السيئات والذنوب وتمتلئ بالحسنات؛ فكل معصية اقترفتها جوارحك في سابق الأيام قد تحولت بكرمه ورحمته إلى حسنة سوف تجدينها في صحيفتك يوم العرض على رب العزة، وحياتك السابقة بما فيها من معاصٍ ومن ألم وعذاب للضمير تجعلك أكثر تذوقًا لنعمة الطاعة؛ فنحن نشعر بالأشياء أكثر وضوحًا إذا شعرنا بضدها، ولا يدرك قيمة ضوء الفجر إلا من عايش ظلام ليل طويل وكئيب. فلا تفكري بعد الآن في أنك لست أهلاً لهذا الشاب، وعليك بالاستعاذة من الشيطان الرجيم كلما راودك هذا الهاجس، واشغلي نفسك بكيف تكونين أهلاً له في مستقبل الأيام.
ويصعب الإجابة على الشق الثاني من تساؤلك (والخاص بكيفية أن تكوني زوجة جيدة وأُما تحسن تربية الأبناء) في هذه العجالة، لأن هذا أمر يحتاج إلى كتب ومراجع، ولكن دعينا نتفق على المحاور الأساسية:
اكتشاف احتياجات طرفي العلاقة أمر لازم وضروري في بداية الزواج، فمن المسلّم به أن تصوراتنا عن الزواج واحتياجات كل طرف منا تختلف عن الآخر، وأهمية فترة العقد والفترة الأولى من الزواج تكمن في تعرف كل طرف على احتياجات الطرف الآخر، والعمل على تلبية هذه الاحتياجات، واطلاعك على الكتب المختلفة ومواقع الإنترنت التي تتحدث عن مناجزة العلاقة بين الزوجين، والكثير منها موجود على موقعنا في باب ملفات زوجية، يفيدك كثيرًا.
ضروري أن تدركي أن زوجك ليس ملاكًا، ولكنه من البشر، وككل البشر له محاسنه وله عيوبه، وهذه العيوب قد لا تدركينها الآن، ولكن العشرة المستمرة تمكنك من الاطلاع عليها، ودورك هنا أن تتجنبي التركيز وتسليط الضوء وتضخيم هذه العيوب، وعليك بتحديد العيوب التي لا يمكن احتمالها، ووضع خطة طويلة المدى للتغيير، وهذه الخطة لا بد أن تعتمد أسلوب التشجيع والتحفيز، وتتجنب أسلوب اللوم والتقريع. أما العيوب التي يمكنك احتمالها فعليك أن تعتادي التأقلم والتعايش معها.
· تعانين من أنك نشأت في بيئة أوروبية دفعتك لارتكاب الكثير من المعاصي.
وبالرغم من ذلك فلهذه البيئة ميزات قد لا تتوافر في بيئاتنا العربية، ومنها احترام قيمة العمل وقيمة الوقت والجدية والابتكار والإبداع، فلا تجعلي نفورك من معاصيك السابقة يدفعك لرفض كل ما هو غربي، ولكن تعودي على استعمال العقل للحكم على الأشياء، فالمسلم كالنحلة تمتص الرحيق من كل الأزهار.
ويبقى بعد ذلك إدراكنا أن التوفيق في كل شئون حياتنا من الله سبحانه؛ فاسأليه العون والتوفيق، وتذكري أن لك هنا في هذه الصفحة أصدقاء يسعدهم الاطمئنان عليك فلا تترددي في أن تتابعينا بالتطورات.