وطني المريض وطفلي العزيز.!؟
السلام عليكم، تحية ملؤها الحب والإعجاب لكم جميعاً،و تحية خاصة جداً إلى الدكتور أحمد عبد الله الذي عشقته من خلال مقالاته، وأسأل الله أن يجمعني به في الجنة، أنا أحبك إلى حد الجنون يا دكتور وهذه رشوة لأني أريد منك تحديداً الإجابة على رسالتي! قرأت على موقعكم مقالة بعنوان مصر عيانة (عافاها الله وإيانا) للأستاذ إبراهيم عيسى ولي عليها تعليق وسأصل من خلالها إلى مشكلة وتساؤل.
في البداية أنا أتفق مع السيد إبراهيم في أننا لا نمثل شيئاً بالنسبة لأمريكا حتى تحيك لنا المؤامرات، ولكني أختلف معه جداً في أن أمريكا تريد تخليصنا من حكام يجلدوننا، لأننا أيضاً لا نمثل شيئاً بالنسبة لها، وما يحدث في عالمنا لا يمكن أن يظهر أمريكا بهذه الصورة البريئة (الجار الذي يريد تخليص الطفل من ضرب أبيه له) وهذا يقودني إلى السؤال المحير: ما هو الموقف الذي يجب أن نتبناه حيال ما يجري، من نصدق، وماذا نفعل حتى لا نشعر أننا لا نهتم لأمر الأمة، وخصوصاً أننا نشاهد ولكن نشعر أننا عاجزين عن فعل أي شيء سوى البكاء والدعاء.
أعزائي مجانين: أنا مواطنة في هذا الوطن المريض أعرف أني أعيش على هامش العالم،وأنا أعتز بإسلامي و أما بالعروبة فلا وألف لا، بل إني أحني رأسي خجلاً من ذلك. أنا أعيش بلا أمل بلا طموحات، أستمع كثيراً إلى أحاديث التغيير على قناة سمارت وي
وأحلم وأتحفز، ثم أصحو على الواقع المرير، ما الفائدة من تغيير نفسي إذا كانت الأفضلية في وطني لأصحاب الواسطة فقط؟ ربما تظن أني من الناس الذين يلقون اللوم دائماً على الظروف ولا يحاولون؟ وأريد أن أخبرك أني درست وكنت الأولى على دفعتي
وبدأت بإكمال دراستي العليا ولكن صدمت بالواقع المخزي لجامعاتنا ،حيث ليس هناك سوى الأبحاث القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب، وليس هناك أي تعاون بين أساتذة الجامعة بل كل واحد يكيد للآخر.
ثم انجرفت في تيار الحياة الصعبة حيث الهم الأول هو لقمة العيش خصوصاً أن عندي طفل وأنا مسئولة عنه وعن نفسي لأني مطلقة وأسرتي أحوالها تعبانة مثل مصر العيانة، وهكذا ضاعت أحلامي مثل أي مواطن عربي، وزاد من ضياعها أني وجدت زملاء لي كان تحصيلهم عادي جداً ومع ذلك وظفوا في أماكن أفضل مني لأن الوساطة أقوى من كل شيء.
وهكذا أصبحت محبطة ويائسة، ويا ليت عندي عشر مرض التفاؤل الموجود عند الأستاذ عمرو خالد لكنت متفائلة جدا جدا، وأنا لم أعد أسأل عن نفشي عفوا نفسي ولكن أنا قلقة إلى حد الموت على طفلي الذي سيعيش المأساة من أولها: مأساة الابتدائية القاتلة والإعدادية المفجعة والثانوية المحبطة والكليات المضحكة المبكية.
أحياناً أقول لنفسي: ما ذنب هذا الطفل كي يولد في هذا الواقع التعيس؟ لماذا جلبته إلى هذه الحياة؟ علماً أني لم أتزوج إلا لأصبح أماً.
أعزائي المجانين:أريد أن أسأل ماذا أفعل كي أصنع من ابني إنساناً غير الذي تصنعه مدارسنا وكلياتنا علماً بأن أحوالي لا تسمح بتسجيل ابني في مدارس خاصة ولكن نحن أسرة مثقفة ويوجد عندنا مكتبة وكمبيوتر وإنترنت وأستطيع أن أشتري الكتب المفيدة، أرجو أن ترشدوني إلى عناوين لكتب يجب أن توجد في مكتبة الطفل
سؤال آخر عن ألعاب الطفل حيث قناة شباب المستقبل سبستون تعرض الكثير من الألعاب وأنا أعتقد أنه لا فائدة منها ولكنها تشد الطفل وأسعارها خيالية أنا أحب أن أجلب لطفلي الألعاب التركيبية التي تنمي التفكير فهل هي كافية وكيف أقنع طفلي أن ألعاب سبستون ليست بهذا السحر الذي يشاهده؟
والسؤال الأخير في هذه الرسالة (لأن هناك رسائل قادمة) أنا أعرف أنه يجب أن أغرس في طفلي المشاعر الوطنية والاعتزاز بالعروبة والتفاؤل (المعقول) فكيف أفعل ذلك وفاقد الشيء لا يعطيه؟
لا أريد أن أعتذر عن رسالتي الطويلة فأنتم أهل الكرم والنفس الطويل أرجو عدم إحالتي إلى مقالات على إسلام أون لاين لأنه محجوب عندنا و"بيشحتطوني" المخابرات إذا حاولت فك التشفير والدخول، تحية مرة أخرى لأستاذي الفاضل الدكتور أحمد ولكم جميعاً.
السلام عليكم
29/4/2005
رد المستشار
لم يكن في حسباني ولا من عادتي أن أحتفل بيوم ميلادي، ولكن الله شاء غير ذلك هذا العام تحديدا فمنذ الظهيرة بدأ وكأنني في عرض له فقرات متتابعة لم تنتهي إلا في الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وحكيت عن هذا الأمر في موضع آخر.
فقط أردت أن أقول هنا أن رسالتك وصلتني ضمن فقرات هذا اليوم، وأسعدتني بما تحمله من مودة وأدعو الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم أما سؤالك فهو مثير ولا أحسب أنني الوحيد القادر على الاجتهاد في الجواب عليه، فتعالي نحاول :
ما الفائدة من وراء جهاد النفس وتغييرها طالما الوساطة تقتل التكافؤ المفترض وجوده في الفرص المتاحة للجميع، والواقع ينتهي إلى أنه لا تكافؤ ولا فرص ولا وجود ولا جميع!!!
تخيلي معي أن الله سبحانه وتعالى غير موجود، وأنه لا آخرة هناك ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار، ولا إحياء للموتى، ولا صراط، ولا ميزان، ولا حشر، ولا يوم للعرض الأكبر...الخ
تخيلي أن العروض هي فقط ما نراه من أفلام ومسلسلات وأغاني مصورة، وجرائم دموية تملأ النشرات والقنوات، تخيلي أن من يرتشي أو يفسد في الأرض من أية وجهة سيمر بهذا دون سؤال أو مراجعة، إذا كان الوضع هكذا فأنا لا أتصور نفسي هنا معك ومع بقية الأحباب معنا، ربما كنت سأختار صحبة أخرى، أو حتى مهنة ومهام أخرى، ربما كنت سأختار لذة السلطة أو الجنس أو المال على لذة المعرفة، والتعاون على الخير وتنوير العقول، وتغيير العالم.
لكن حقيقة وجود الله سبحانه التي تملأ كيان كل مؤمن بحق ترسم له الأمور على نحو خاص، وتجعله هو الآخر يرسم خطة وخريطة حياته على النحو الذي يستلهم التجاوب مع هذه الحقائق الكبرى.
وجود الله سبحانه والخجل من رسوله الكريم حين نلقاه يوم القيامة على خير بإذن المولى عز وجل هو منبع الأمل، ودافع الطموح، ووقود التغيير والسير في تلك الدروب الصعبة بأشواكها. بل نحمد الله أن هدانا فعرفناه، وهدانا فعلمنا كيف نعبده ونرضيه.
وإلى الله ننتسب يا سيدتي، وغير ذلك فروع من هذا الأصل في الانتماء، فنحن عباد الله، وهذا قمة الشرف، ثم نحن ننتمي إلى أمة رفعها الله من حضيض الجاهلية إلى صدارة الدنيا بهذا الدين، نحن ننتمي عربا فلا نشعر أننا من مصر أو عدنان، ولا من طوائف الخيانة، ولا جماعات وعصابات البغي المتسلطة على رقاب العالمين في أوطاننا، لا ننتمي إلى الفاسدين المفسدين الظالمين، أو المتواطئين معهم، وإنما ننتمي عربا لكل متواضع عزيز، مرفوع الرأس، موفور الكرامة يحترم نفسه وعقله وأمته ودينه، وهم والله كثير، ولكنهم شتات في أرض الله، نشرهم ظلام البغي والتنكيل، وأدعو الله أن يجمعهم.
صبح الحرية والعدل، عسى أن يكون قريبا.
المهم: من أين نبدأ؟! وكيف؟! أليس هذا سؤالك؟!!
أعتقد أن تغيير التفكير، وأسلوب قضاء الوقت، وجماعة الأصدقاء كلها بدايات لازمة ومتكاملة.
لا قيمة للمادة التي ننشرها هنا على مجانين أو على صفحة "مشاكل وحلول" أو في جريدة "الدستور" القاهرية، أو غير ذلك من المنابر، لا قيمة للخبر على الورق، أو الوميض على شاشة حاسوب، إلا أن يكون جزءا من عملية حوار مجتمعي ونقاش عام في دوائر صغيرة –على الأقل- وإلا فإنك ستشعرين دائما أنك وحدك، غريبة، ضعيفة، بلا حول ولا قوة.
إذا أردت أن تسلكي دروب العاشقين للحقيقة فهذه هي:-
تعلمي واعرضي وانفتحي على مصادر الحكمة عبر النت وغيرها، ثم مجموعة من حولك حتى لا تكوني وحدك أبدا، وانقلي إليهم بكل لطف ومودة ما تسميه أختنا "نفين عبد الله" "فيروس التعلم"، أي عدوى الرغبة في الحصول على لذة المعرفة، في بلدك بدايات كثيرة مشجعة، وبشر كثيرون محترمون، ولديهم استعدادات جيدة للارتقاء بأنفسهم وذويهم.
لا قيمة لأية فكرة جميلة إلا أن يتم إدراجها في حياة الناس اليومية، في سلوكنا وتفكيرنا وتصرفنا مع من حولنا، فإذا لم نكن أوسع صدرا، وأعمق تحليلا، وأكثر تسامحا، وأصدق حديثا، فما قيمة ما نحمله ونتداوله معكم من أفكار؟! ألا نصبح إذا لم نتفاعل مع أفكارنا مجرد ملفات تحفظ مادة معلومات ما؟!
أو كالحمار يحمل أسفارا؟!!
هو إذن الأمل والتفاؤل سيأتي فقط من حركتنا وثقتنا بأنفسنا وبقيمة ما نحمله وتفاعلنا به بشكل تدريجي ومنظم مع الدوائر التي نتحرك فيها، ولعلك تتواصلين مع باب "تربية مجانين" فيما يخص طفلك، وفي انتظار رسائلك.
ويتبع>>>>>>>: الحب في الله: العام والخاص وطني المريض... مشاركات