أنا شاب أبلغ من العمر 23 سنة، طموح ومسؤول، مستقل بنظرته، صبور، وذو قدرة على التحمل، وأظن أنني مؤمن بالله.
تعتريني بعض المشاكل، وذلك قبل القدوم إلى أمريكا، وذلك منذ ما يزيد على 5 سنوات، وأعاني من ألم شديد في الرأس، وتعب شديد، وتشوش في الذهن، وعسر في الهضم، وتشوش في النظر، وأحيانًا من سرعة في نبضات القلب، وأعاني من زيادة هذه الأعراض عند الاستيقاظ باكرًا وبعد تناول الطعام، وعند القيام بجهد بسيط كقراءة 5 صفحات أو المشي السريع لمدة 5 دقائق مثلاً.
لقد حاولت الانتصار على كل هذه الأعراض، وجاهدتها ردحًا من الزمن، لقد أفقدني مكابدة ذلك الثقة بنفسي بعد أن كان كثير من زملائي يهتمون بالتعرف عليّ؛ لأنني كما كانوا يقولون زائد الثقة بالنفس، لقد أصابتني بالاكتئاب حقيقة.
وكل ما سبق ذكره أستطيع تحمله، وقد تبدو هذه المشاكل سخيفة ويكابدها كل إنسان، ولكنها حقيقة تعيقني عن الدراسة والعمل أحدهما أو كليهما، وهذا ما أعجز عن تحمله، فأولاً أنا أحب العلم لدرجة كبيرة، وإذا لم أحصل مقدارًا من المعارف أرضى به عن نفسي فسأعيش كل حياتي متألمًا "لا بارك الله في يوم لم أزد فيه علمًا" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد كنت الأول في مدرستي ومنذ حوالي 5 سنوات أصبحت الأخير، لقد حصلت على شهادة الدبلوم "سنتين"، بعد مكابدة عظيمة، ولا أجد في نفسي القدرة على المكابدة أكثر لمتابعة دراستي، وقد أحارب لتحصيل العلم ولكني فاقد للثقة بنفسي.
والوضع الآن مختلف! فأنا من جهة أخرى أحتاج للعمل لكي أستطيع أن أدرس، وأستمر في الحياة في هذا البلد، وأحس أن هذه المشاكل تعيقني عن العمل، علاوة على تحصيل الكفاءات المطلوبة للعمل هنا وهي كفاءات قياسية تحتاج إلى اجتياز امتحانات كثيرة، وتحصيل خبرات، وذلك علاوة على الكفاءات الشخصية من طلاقة في الحديث، والفاعلية، والنشاط، والقدرة على المنافسة، طبعًا أستطيع تحصيل عمل لا يتطلب ذلك لكنني سأعمل أضعاف الوقت لأحصل لقمة عيشي.
وكل ما سبق ليس إلا جزءًا من المشكلة، فقد استشرت طبيبًا، وبعد إجراء الكثير من الفحوصات، لم تطف إلى السطح أي مشكلة، فقرر هذا الطبيب أن المشكلة نفسية، وأنا لا أملك الخيار، ورغم أن خلفيتي فيها مشاكل كثيرة وآلام كثيرة وهموم كثيرة، ورغم أنني أظن أنه من الممكن أن تكون المشكلة نفسية فعلاً، ورغم أنني لا أنكر أنني فعلاً أشعر باكتئاب.. فإن هذا الاكتئاب جاء نتيجة هذه الأعراض وتراكماتها، ولا أعتقد أن ألمًا ألم بي أشد من هذه الأعراض وتراكماتها.
كما أن طبيبًا في سوريا قال مثل هذا الطبيب ووصف لي دواءً كيميائيًا، وبعد 6 أشهر أصبت بالفعل بأعراض نفسية، وصرت عصبي المزاج وكسولا، وعانيت من الأرق، وقررت بنفسي أن أترك هذا الدواء، فتركته بالتدريج من خلال تخفيف جرعته شيئًا فشيئًا، حتى برئت منه بفضل الله. وبالمناسبة أنا لست أرفض أن تكون المشكلة نفسية، ولكني أريد أن أقف على الحقيقة، ولا أضيع المزيد من الوقت.
ليس هذا كل شيء، بل الأسوأ من كل هذا وذاك، أن أول ما أشار علي به هذا الطبيب أن أتخذ عشيقة، وأن الزواج شيء مبكر جدًا، وأنا لا أريد ارتكاب المحرمات؛ لأني لا أريد إدمان الأحزان. صحيح أن ممارستي للإسلام ترهلت كثيرًا، إن صح التعبير، ولكنني بفضل الله لا أزال على بقية من ديني، أسأل الله أن يحفظها لي فهي أهم ما بقي لي من خير الدنيا والآخرة، وأعتقد أن الانخراط في المشاغل أكثر سيؤدي إلى مزيد من "الترهل" في ظل الوضع الراهن، وهذا يشغل تفكيري أيضًا.
وأخيرًا في ضوء ما سبق، ماذا علي أن أفعل؟ وكيف أحقق أقل الخسائر؟ وكيف أتأكد فعلاً أن المشكلة نفسية؟ وهل تفعل المشاكل النفسية كل هذه الأعراض الجسمية؟ وإن كانت كذلك فماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
18/01/2024
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
ليس هناك في رسالتك معلومات شخصية تساعد المستشير لصياغة استشارتك. ما نعرفه بأنك مواطن عربي يدرس في أمريكا مادة ما وأنت الآن في مرحلة دراسة الماجستير. تشكو من آلام جسدية ولا يوجد تفسير طبي لهذه الآلام وتشعر بتعكر المزاج ولكنك لا توضح ما هو هدفك في الحياة سوى طلبك للعلم.
هناك الحاجة أولا إلى الصراحة حول مصدر وسبب هذا الألم. المصدر هو نفساني والسبب هو قلقك وعدم ثقتك بنفسك وانعدام التخطيط للمستقبل. إصرارك على ضرورة الاستمرار في طلب العلم يتناقض مع واقع الحياة. الإنسان في عمر ٢٦ عاما يجب أن يعمل والكفاح الحقيقي هو البحث عن العمل وتطوير الإنسان لشخصيّته، وعن طريق العمل يحصل الإنسان على علم أكبر وهذا ما نسميه الخبرة. الغالبية العظمى من خريجين الدراسة الجامعية يبحثون عن عمل وهم في نهاية السنة الأخيرة من التعليم ومع العمل يتم تدريبهم وتعليمهم ويحصل ذلك في بين عمر ٢١ و ٢٢ عاماً.
بعد ذلك يمكن الإنسان التفكير في دراسات عليا سوى أن قيمة الدراسات العليا والحصول على شهادات مثل الماجستير والدكتوراة، انخفض بصورة ملحوظة ومعظم مراكز العمل تمتحن من يقدم على عمل من خلال عدة مراحل ويتضمن ذلك ميزاته الشخصية والعقلية وثقافته وغير ذلك. لذلك يجب أن يكون هدفك الأول العمل مهما كان وربما ذلك سيساعدك عى تطوير تواصلك مع الآخرين. أما الاستمرار في التعليم دون عمل فهو الكسل بعينه بصراحة.
توقف عن مراجعة أطباء ولا تبحث عن هذا التشخيص وذاك. علاجك هو أن تعمل وتفتخر بذلك وتتواصل مع من هم حولك.
وفقك الله.