عندما وجدت نفسي عاجزة عن إيصال شكري وامتناني لمن يقدمون لي النصح والمشورة... لم أملك إلا أن أدعو لكم ربي أن يغفر لي ولكم.
مستشاري الفاضل، تقدم لطلب الزواج بي شاب يكبرني بسبع سنوات.. هو زميل لي بالعمل في إحدى الإدارات الحكومية.. عرض عليَّ مميزاته وعيوبه التي لم يضف فيها شيئا جديدا لم أكن أعرفه.. لا أخفيكم القول كنت وزميلة لنا بالعمل قد تمنينا زوجا بمواصفاته تلك ولا أعرف أكان من حسن أم من سوء حظي أن وقع اختياره عليَّ.
مميزاته كثيرة جدا وعيوبه تتلخص في عيب واحد، ولكنه يزن كفة المزايا وربما يزيد على الأقل من وجهة نظر أهلي... أما أنا ففي البداية لم ألتفت مطلقا لذلك العيب لكونه لا يمثل أهمية بالنسبة لي ولا يؤثر على قراري.. ثم وقعت في دائرة الحيرة بعد إجماع الأهل والأصدقاء أنه عيب لا يمكن إغفاله وليس من عادتي تجاهل رأي أهل الخبرة ممن هم أكبر سنا وتجربة مني.
لا تتشوقوا لمعرفة ذلك العيب فربما بعد أن تعرفوه وجدتم أنفسكم قد تمنيتم لو كانت هذه الرسالة بيد أي أحد آخر غير أيديكم... المشكلة أن ذلك الشاب تعرض للاعتقال ثماني سنوات بغير وجه حق على حد قوله فلم يكن له أي نشاط مطلقا إنما فقط كان وقت اعتقاله وقت تخبط واعتقال من له ومن ليس له نشاط تحقيقا للأمن والأمان!... فهو لا يعرف لماذا اعتقل ولا كيف تم الإفراج عنه كما هو حال الكثير ممن نسمع عنهم في بلادنا.
استعطفني وهو يحكي لي عن أيامه بالمعتقل واستعطفني أكثر وهو يحكي لي عن حاله بعد خروجه وموقف الأصدقاء منه ومن ثم موقف أهل الفتاة التي تقدم لخطبتها قبل عام... الكل بما فيهم أهلي يحاسبونه على ذنب لم يقترفه.
وجهة نظر أهلي ووجهة نظر الجميع أنه ربما لم يبرأ تماما من الاعتقال الذي سيؤثر عليه وعلى أولاده وعلى كل من هم حوله لو جد جديد في المجتمع حول هذه القضية... لما وجد أهلي إصراري عليه وعدم اهتمامي بمسألة اعتقاله أو بالأصح تفهمي لها... اتهموني أنني غير مدركة لتبعات المشكلة... وعندما صرخت أنني سأتحمل ثمن اختياري كان ردهم لن تتحمليه وحدك بل سنجبر جمعيا على دفع الثمن.
وكان آخر محاولاتي في استمالة أبي لكي يوافق أن تحدثت معه عن مميزات ذلك الشاب التي لا أظنها ستصادف أن يتقدم لي أحد يحمل كل تلك المميزات مجتمعة، وقلت له إنه قضاؤه وقدره فلم يفعل شيئا حتى يعتقل وإنما هو ابتلاء من رب العالمين، ومن يدري ربما كنت متزوجة من أحدهم واعتقل بعدها بنفس الظروف أو ربما كان أخي لا قدر الله في نفس موقف هذا الشاب فما عساه يكون رأيكم حينها.
لم ينكر أبي مميزاته بل أعرب عن أساه وحزنه الشديد على حال ذلك الشاب وأنه لا ذنب له، وأضاف أنه لا يستطيع أن يزوجني برجل لديه عيب ظاهر وضرب لي مثلا كي أفهم وجهة نظره وقال لن أزوجك برجل يده مقطوعة مثلا، ولكن إذا قطعت يده بعد الزواج فهذا قدركما وختم بقوله "يا بنتي دفع الضرر أولى من جلب الفائدة". أشعر أن هذه المشكلة ليست مشكلتي أنا بل مشكلة ذلك الشاب.. هل سيظل يدفع الثمن إلى الأبد سواء في مسألة الزواج أو غيره؟ فإذا كان هذا رأي الجميع حولي فمن سيتزوج هذا الشاب؟!!.
ملحوظة: تعلقي به ليس بالكبير إنما أرى فيه إلى حد بعيد أغلب المواصفات التي تمنيتها في شريك حياتي.. وهو يرى ذلك من حيث إنني لا أبادله نهر عواطفه المتدفق الذي لا أدري متى تكون بهذه السرعة.. أمام رومانسيته الشديدة وحساسيته المفرطة أشعر أنني أنا الرجل، وهذا لا يعني أنني غير رومانسية، إنما رومانسية بتعقل إن صح التعبير.
أمر آخر أحب أن أعرف رأيكم فيه، وهو أنه طالبني أن أضغط على أهلي لكي يوافقوا، وقال لي أعرف طبعا أن موقفي صعب ولن يرحب به أغلب الأسر، ولكن اتكالي على الله وعليك.
الآن أسأل أنا هل يستحق فعلا هذا العيب أن يرفض من أجله؟ ومن جهة أخرى هل يستحق فعلا أن أضحي وأخوض التجربة معه طبعا لا فصال أن ذلك بعد إقناع أهلي؛ فهو وأنا مصران على موافقة الأهل والحمد لله؟ ماذا عليَّ أن أفعل في حالة كان الرفض هو نهاية المطاف، أقصد كيف لا أكون سببا لألم جديد لهذا الشاب؟
21/3/2024
رد المستشار
الأخت الفاضلة..
بما أنك تكتبين لنا بأسلوب تشويق الدراما فتوقعي أن يكون ردي بنفس الأسلوب؛ فالجزاء من جنس العمل... (أبتسم) رسالتك فرصة ذهبية لمفاجأة أرجو أن تفيدك، وأن تكون معلمة لغيرك لأنها تتعلق بخطأ شائع نتورط فيه!!.
ما جعلته أنت متنا لرسالتك ليس هو الأهم، بل الأسطر الأخيرة هي الأهم والأخطر ولكن أكثر الناس لا يعلمون!! القصة أننا حين نتحدث أو نفكر في العيوب نضع لها قائمة أولويات نتصور أنها الأكثر نفعا بينما هي ليست كذلك.
وأعطيك مثالا: شاب يتقدم لفتاة أو يعتزم ذلك، ولكنه يتراجع حين يعرف أنها فقط حاصلة على دبلوم وليس مؤهلا جامعيا، وهي تبالغ في إخفاء هذا الأمر وتبكي بحرقة والأهل يتذمرون ويضربون أخماسا في أسداس بينما هذا ليس عيبا خارقا وبخاصة في بلد لا معنى فيه ولا محتوى حقيقي للتعليم أصلا بمستوياته، وستجدين الكل يتغافل عن عيوب أخطر وأعمق تأثيرا ولكنهم ينشغلون بما يعتقدون أنه الأهم.
أذهب إلى حالتك ما معنى أن هذا الشاب كان معتقلا في بلد يذهب فيه الناس إلى السجون بمحض الصدفة أحيانا أو بتشابه في الاسم أو تلو مشادة مع ضابط أو وكيل نيابة، أو ما نعرفه من قائمة أسباب الاعتقال غير المنطقية في منظومة حياتنا العربية الفوضوية وفي مصر المحروسة!!.
إن اعتقال هذا الشاب لا يعني شيئا بالمرة يتعلق بماضيه أو حاضره أو مستقبله، ربما هو مثل إصابته بالحصبة يمكن أو غالبا سيعطيه مناعة ما أو خبرة تجعله أحرص على عدم إغضاب أية سلطة لأي سبب!!.
أي ربط بين حادث الاعتقال وبين ظروف أو تكوين أو مستقبل هذا الشاب بالسلب أو بالإيجاب هو ربط متعسف وغير منطقي للأسف؛ لأن الاعتقال في بلادنا مثل الغرق في عبارة أو السقوط في بالوعة مفتوحة؛ فالمسائل هنا تتعلق بالبيئة المحيطة وعبثيتها وليس بالفرد الضحية، والنتائج أيضا ليست محسومة؛ لأنها تتعلق بنفس العبثية وبعشرات المقدمات والمتغيرات الأخرى!!.
الأهم عندي أن تضعي هذا العبث مؤقتا في جانب وتنظري إلى هذا الشاب بمعزل عنه؛ فهو ربما لا يناسبك عاطفيا أو اجتماعيا أو شخصيا. انظري إلى بقية عيوبه أكثر قبل مميزاته -كما أدعو في كل اختيار الزواج-ربما لا تشعرين تجاهه بالانسجام المطلوب لترضي به زوجا وربما لا تعجبك رومانسيته الزائدة أو غير ذلك من صفاته الشخصية أو ظروفه الخاصة أو العامة!!.
أما سؤال من يقبل به إذا رفضته أنت فليست هذه مسألة ينبغي أن تشغلك؛ لأن ما يروق لك سيروق لغيرك وما يرفضه أهلك سيقبله آخرون مما يرون من مميزات في هذا الشاب، كما تذكرين!!.
إذن ضعي مسألة الاعتقال جانبا وتأملي بحياد وعمق أولا في غيرها، واستخيري واستشعري واسألي مشاعرك كما تحققين وتحللين معلوماتك عنه، ولا تتزوجي مجاملة لأحد أو إشفاقا عليه؛ فالمجاملة والشفقة مشاعر قصيرة الأجل بعدها سوء المآل وانقطاع الأمل. تمهلي وتجردي من جاذبية القبول أو الرفض للاعتقال، وفكري بموضوعية في بقية الصورة؛ فهي أهم، وتحاوري مع أهلك كذلك، ثم عودي إلينا بالنتيجة،
والله معك ومعه ومعنا.