أما بعد، فأود أن أشكركم على ما تقدمونه من فائدة ونصح للشباب المسلم... أما بالنسبة لمشكلتي فهي كالآتي: أنا شاب أبلغ من العمر الآن 24 عامًا، أنهيت دراستي الجامعية في تخصص "علم الحاسب"، وأنا الآن أعمل بشركة براتب معقول إلى حد ما.
هناك عائلة تربطها علاقة صداقه حميمة مع عائلتي منذ سنين، ولكن في السنتين الأخيرتين زادت معرفتي بهم، وبالأخص بابنتهم التي تصغرني بسنتين، وهي الآن في السنة الأخيرة لها في الجامعة... وصدقًا إنني في البداية لم أفكر بهذه الفتاة بأي شكل من الأشكال، أقصد عاطفيًّا أو زواجيًّا، ولكن مع ازدياد معرفتي بعائلتها وبها؛ بدأت أعجب بها وبأخلاقها، ومع مرور الوقت قررت أنها الفتاة التي أبحث عنها، وهي التي تناسبني من جميع النواحي الأخلاقية والنفسية وغيرها من الأمور ، مثل علاقتها مع أهلها علاقة ممتازة وكذلك علاقة والدها بوالدتها علاقة جميلة جدا، حيث أعتقد أن علاقة الأب مع الأم بالمنزل لا بد أن تنعكس في المستقبل على علاقة أبنائهم وبناتهم بمن يرتبطون به.
بعد ذلك بدأت في محاولة معرفة مشاعر الفتاة من ناحيتي (بالعامية جس نبض) وقد وجدت أنها تميل لي كثيرا، وقد كانت ترفض العريس تلو الأخر وتلمح لي بذلك. ولذلك قررت أن أخطبها من أهلها، وفاتحت أمي بالموضوع، وفرحت كثيرًا، وطلبت منها أن تخبر والدي برغبتي هذه وبالفعل أخبرته، ولم يعلق على الموضوع، وقال: إن شاء الله خير، لكن أمي فهمت من ذلك أنه موافق؛ فتكلمت مع أم الفتاة، وأخبرتها برغبتنا ووجدت القبول المطلق من طرف والدة الفتاة ومن الفتاة نفسها.
ولكن ما حصل بعد ذلك أن والدي غضب غضبًا شديدا؛ لأن أمي فاتحتهم بالموضوع، وقال: إنه غير موافق على هذه الفتاة ، وكما تعلمون من الصعب أن أذهب لخطبه فتاة دون أن يكون معي والدي، وإلا فلا أعتقد أن هناك من يقبل أن يزوجني ابنته دون موافقة والدي.
وحجة والدي أن هذه الفتاه من عائلة صغيرة، وأنه لا يوجد لها أقارب كثيرون هنا في الأردن، وأن جميع أقاربها في فلسطين، وهو يريد أن يكون لأولادي في المستقبل أقارب كثيرون؛ حتى لا يحدث لهم ما حدث لنا؛ حيث إن أمي من مصر، وجميع أقاربي من طرف أمي في مصر، وأقاربي من طرف أبي قلة.
ومن الأسباب الأخرى التي لم أقتنع بها أنه يقول: إنها ليست جميلة (وأعتقد أن هذا أمر يخصني، ولا يخص أحدًا غيري، أنا مقتنع بالفتاة بغض النظر عن جمالها أو عائلتها). وقد أدت النقاشات بين والدي وأمي إلى خلاف بينهما، مع العلم أن أبي عصبي جدًّا ومن الصعب النقاش معه، وأنا حفظاً لعدم توسع المشكلة أنهيت الموضوع من طرفي، وقلت لهما: إنني لم أعد أرغب في الزواج، مع العلم أنني كنت ما زلت مصرا على هذه الفتاة.
وفي الحقيقة إنني كنت أتفق مع أبي في نقطة واحدة، وهي أنني في ذلك الوقت لم تكن لدي القدرة المادية، وكنت مقتنعا بذلك، لكنني كنت مقررا أن أعمل لمدة ثلاث سنوات وبعدها أتم عقد القران، وقد أعلمت أمي الفتاة ووالدتها بذلك، وقبلتا الفكرة، ولكن أبي أصر على رفضه للأسباب الأخرى، وما زلت أفكر في الفتاة كثيرا، وكلما رأيتها زاد إعجابي بها وبأهلها وأفكر في الموضوع ليلا ونهارا. وأنا بصراحة خائف أن تضيع مني، فتكلمت مع أمي عن الموضوع ثانية فوجدتها هي الأخرى ما زالت ترغب في هذه الفتاة كزوجة لي، وكذلك جميع إخوتي؛ حيث إنهم يحبون الفتاة وأهلها حبا كبيرا. وقررت أن أصارح الفتاة بأني ما زلت راغبا بها كزوجة لي، وأحدثها بكل صراحة عن المانع أمامي، وبالفعل انتظرت اللحظة المناسبة حيث إنهم كانوا في زيارة لنا، وتكلمت معها وشرحت لها وضعي المادي، وأنني بحاجة لسنتين حتى أستطيع تأمين التكاليف؛ فكان ردها إيجابيًّا جدا، وقالت: (نحن غير مستعجلين ما زلنا صغارا والعمر أمامنا).
وبالفعل أنا أجد في هذه الفتاة ما تفتقده كثيرات هذه الأيام.. ألا وهو أنها ترضى بالقليل، وأنها على استعداد لتساعد زوجها بتحمل مشاق الحياة. واتفقنا على أن نسعى لتحقيق أحلامنا. خاصة أنني أخبرتها عن سبب رفض أبي وهو أنه يريد بنت من عائله كبيرة ، والجميل أنها قالت لي: ألا أغضب والدي لأنه لا يفكر إلا بمصلحتي.
أعرف أنني أطلت كثيرا، لكن بالفعل أنا بحاجة لمن يسمع مني، ويشاركني في مشكلتي، قررت أنا وأمي أن لا نفتح الموضوع مع والدي، حتى يتحسن وضعي المادي، وأنا متأكد أنه سوف يرفض وهو من النوع العنيد جدا وأنا خائف جدا من رفضه؛ لأنني لن أستطيع الزواج دون موافقته؛ حيث إن أهلها لن يقبلوا بذلك، أرجو منكم أن تدلوني على طريقة مناسبة حتى أقنع والدي بها.
ولكم جزيل الشكر، وأعتذر لإطالتي،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
24/3/2024
رد المستشار
الأخ المرسل، ما أوصيك به أن يكون اقتناعك بهذه الفتاة وثباتك عليها كاملاً، فهذا الاقتناع سينعكس بدوره على أبيك، وإذا لمس هذا الوالد إصرارا منك على هذه الفتاة فإنه حتمًا سيلين بعد حين.
أما حيثيات رفض هذه الفتاة من قبل والدك بما في ذلك في جمالها؛ فعليك أن تنظر إليها بحياد وموضوعية، وأنت أقدر على النظر في هذه الأسباب، هل هي مقبولة أم لا؟ لكنني من سياق ما ذكرت أقول: إنها بكل تأكيد ليست مقبولة، ولكننا نتخوف دائمًا من التسرع الذي يكون عليه الأبناء بما يضيع معه تركيزهم المطلوب في دراسة عيوب الشريك، وأنت بالمناسبة لم تتحدث عن عيوبها!!.
وعلاج هذا الأمر:
أولاً: عليك أن تعلم أنه ليس من حق والدك من الناحية الشرعية أن يحدد لك الزوجة أو يمنعك الزواج من فتاة بعينها، إلا إن كان هناك سبب مقبول لهذا الرفض كأن يذكر عيبًا في سلوكها، أو في سلوك أهلها. أما بقية المظاهر والشكليات، فيكون في هذه الحالة رأيه استشاريًا لا ملزمًا، وعليك أن تدرسه مرة ومرات وأن تأخذه بعين الاعتبار وصدقت فتاتك حين قالت: إنه لا يفكر إلا بمصلحتك.
إذن فقولك: إنك لا تستطيع الزواج دون موافقته قول مرفوض، وعليه أن يلمس منك عزمك على إمضاء هذا الموضوع بإصرارك الهادئ المؤدب، ولتعلم أنه لن يستمر على هذا الرفض والعناد طويلاً، إذا وجدك تصر عليه وتتمسك به، ونرجوك أن يكون إصرارك هذا مبنيًا على حسابات العقل، ومشاعر القلب بتوازن.
ثانيًا: عليك أن تسعى للاستقلال عن والدك من الناحية المادية في كل الأحوال، والاستقلال المادي هام في موقف أهل فتاتك من زواجكما، ولو بموافقة مضطرة من الوالد، وهو هام أيضًا في حسابات الوالد ومنطق تفكيره وهو يعيد التأمل والتفكير في الموضوع، ولعلك في نقاشك معه تسأله ذات مرة لعله يرفض هذه الفتاة؛ لأن في ذهنه فتاة أخرى يرشحها لك!! ومع ذلك نقول لك: لو شعر والدك بأنك قادر على إتمام الزواج ماديًا دون مساعدته؛ فحتمًا لن يتشبث برأيه، وسيلين بعد فترة من الإصرار والحوار، وربما تحتاج إلى وساطة بمن لهم تأثير على الوالد.
هذه بعض التوصيات نرجو أن تسهم في إرشادك، وحبذا لو راجعت إجابات سابقة لنا عن الزواج مع رفض الأهل، ومنها :
رفض الأهل: منطق الاحتلال!
رفض الأهل ليس أهم الجوانب
مراهقة بعد العشرين: هل المشكلة رفض الأهل؟
وتابعنا بالرد لما تصل، ونكرر قبل أن نتركك أن الأهم هو مراجعة اختيارك، والتأكد من صحته وتوازنه؛ لأنه رهان العمر يا أخي، وأنت الذي ستتحمل مسؤوليته وعيوبه، ولا يخلو اختيار من سلبيات فادرسها جيدًا، أما موافقة الوالد فتهون مع بعض العزم والحكمة والتصميم.