الحمد لله رب البريات، والصلاة والسلام على من نزلت عليه الآيات، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد. فأرجو النظر في هذه المشكلة التي سأعرضها بين أيديكم، عسى أن أجد عندكم بعد الله عز وجل البلسم الشافي، والعلاج الناجع ومشكلتي كالتالي:
المقدمة.. بعد تخرجي في الجامعة وحصولي على وظيفة قررت إتمام نصف ديني، وذلك بالبحث عن الزوجة المناسبة من أحد الأسر الطيبة.. بحثت كثيرا حتى وقع الخيار على ابنة أحد الأقارب، الذي تبدو عليه سمات الصلاح أحسبه والله حسيبه.. استخرت ربي كثيرا، وعزمت على إتمام النظرة الشرعية.. ويوم النظرة الشرعية كنت إنسانًا افتقر إلى الخبرات النسائية فلم يسبق لي أن مررت بمثل هذا الموقف.. كنت مرتبكًا قليلا، دخلت علي وقد "استشورت" شعرها وتزينت لم تتجاوز النظرة بضع دقائق، حيث وافقت عليها في نفس الوقت الذي شاهدتها فيه؛ لأن شكلها العام كان يوحي بالجمال وكانت تلك هي النظرة الوحيدة قبل عقد القران وبعد بضعة أشهر تم عقد القران.
وفي ليلة الملكة وبعد عقد القران تم ما يسمى بحفل الملكة، والتي حصلت فيها بعض الأمور المنكرة مثل الزفة والدخول على النساء وشرب العصير مع الزوجة على ما يسمى بالكوشة، والتصوير وغيره، ويعلم الله أن كل ذلك خطط له من دون علمي، والذي لم أكن أرغبه ولكني تفاجأت به ليلة الملكة.. بعد أن تم الحفل خرجت متضايقا لما حدث، وذهبت إلى لبيت كنت أتأمل زوجتي والتي رأيتها بشكل أوضح عما كانت عليه ليلة الخطبة.. لا أنكر جمالها، ولكني أحسست بشيء منها في صدري لا أدري ما هو، حيث أصبحت يومها متضايقا جدا كنت أشعر بالكرب كاد يخنقني.. عزمت يومها على أن أذهب لأبيها لأعلن له عدم رغبتي في إتمام حفل الزواج، أو بالأصح رغبتي في الانفصال عن ابنته لكي أتخلص من هذا الصراع النفسي الأليم، وليتني فعلت، ولكن خوفي من أهلي وكلام الناس منعاني عن فعل ذلك.
بعد يومين ذهبت لزوجتي وجلست معها قليلا (وكانت هذه هي النظرة الثالثة والأخيرة قبل الزواج) وعندها رأيت أن ذاك الصراع النفسي قد انجلى، فرحت قليلا وقلت لعله عارض لا يلبث أن يزول بعد الزواج.. دام عقد القران أكثر من ثلاثة أشهر لم أجتمع معها قط لسببين؛ أولهما أن مقر عملي يقع في مدينة أخرى.. وثانيهما أني كنت غبيا عندما لم أفعل ذلك (تعرفون السبب لاحقا) كنت أكلمها قليلا وكانت رسائل الجوال بيننا أكثر.. لا أنكر أنه زاد تعلقي بها كثيرا خلال تلك الفترة وذلك لأني كنت مستعجلا في إتمام زواجي.. كان عمري 27 سنة وعمرها 14 سنة، عندما حان موعد زواجنا، كنت فرحا جدا لم أكن أدري ما كان يخبئه لي القدر.
ما أن تزوجتها حتى بدأت أشعر أن ذلك العارض النفسي الذي اجتاحني يوم الملكة قد عاد، بل فوق ذلك ازداد ضراوة وشراسة خصوصا مع الأيام الأولى من الزواج.. مضى على زواجنا قرابة خمسة أشهر، وحالتي بعد الزواج تزداد سوءا بعد سوء من أول يومٍ فيه.. وألخص لكم حياتي الزوجية والجو الأسري الذي أعيشه كالتالي:
1. زوجتي التي لا أعيب عليها خلقا ولا دينا متعلقة بي أشد التعلق وتحبني حبا جما، ولم تقصر في أي حق من حقوقي وهي تسعى لإرضائي بكل ما تستطيع.
2. أما أنا فكرهت زوجتي كرها شديدا من أول يومٍ في زواجنا، وأصبحت لا أحبها ولا أطيق النظر إليها ولا سماع صوتها.. ترتاح نفسي ويسعد قلبي وتزدان صحتي عندما أبعد عنها.. لم أعد قادرا على الانسجام معها، بل لا أطيق حتى النظر إلى وجهها.
3. والله إني أعيش جحيما لا يطاق ودوامة لا نهاية لها، فلا أنا بالمتزوج ولا العزب.. لواعج صدري أرهقتني، فأنا لم أحب زوجتي قط، ولم أشعر تجاهها بأي ميل.
4. حالتي النفسية ساءت كثيرا، وقل وزني وانتابتني الهموم التي لم أكن أشعر بها قبل زواجي، أصبحت أشعر كأني طائرا أسيرا في قفصه.
5. عدم خشوعي في صلاتي وانشغالي عن ذكر ربي زاد كثيرا.. وضعف إيماني كثيرا، على عكس الحال الذي كنت أعهده قبل زواجي، وذلك بسبب كثرة التفكير في نفسي المهمومة، وهذه الزوجة التي أشعر أني قد ابتليت بها.
6. أصبحت أمنح ابتسامتي للآخرين خارج بيتي وامنعها عن أقرب الناس مني، والذي أوصاني الرسول بحسن عشرتها بقوله: "خيركم خيركم لأهله" فليس ثمة أي انسجام بيني وبينها ولا أجد عفاف نفسي بها.. أعيش معها في بيت واحد، وتحت سقف واحد، وننام على فراش واحد، لكن بين قلبينا كما بين المشرق والمغرب.
7. لقد حاولت مرارا وتكرارا أن أحبها ودعوت الله أن يقربها من قلبي، وسعيت لكن دون جدوى فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.. حاولت كثيرا أن أصلح نفسي وأرغبّها فيها، ولكن لم تجد محاولاتي، بل إن كرهي لها يزيد، حتى والله إني أصبحت لا أرى فيها شيئا جميلا وأصبحت استحقر جميع تصرفاتها.
8. لم أجرؤ يوما أن أصارحها بحقيقة مشاعري نحوها، رأفة مني بحالها أتصنع الضحك تصنعا وافتعل الابتسامة افتعالا، أحيانا تبكي من حر ما في قلبها لأنها أحست بعدم حبي لها، وربما برغبتي في الانفصال عنها.. تلك المسكينة تبكي حسرة على حالها معي، أما أنا فأبكي نفورا منها لأن ضميري يؤنبني لأجلها فأنا أحس أني أعذبها باستمراري معها، وفي نفس الوقت أشفق عليها لأنني ليس فقط لم أعد قادرا أن أعطيها الحنان والعطف، بل حتى الابتسامة وهي أقل شيء قد يمنحه المسلم لأخيه المسلم فكيف بزوجتي.
9. رغبتي في تحقيق أهدافي الدينية والدنيوية قد تلاشت واضمحلت، فقد كنت أسعى أن أكوّن أسرة ناجحة في مجتمعي، وأن نكون من أفراد المجتمع الفاعلين ولكن يبدو أن حلمي قد تبخر مع هذا الزواج.. لم يحصل حمل إلى الآن وأصدقكم القول أني أصبحت استخدم كل وسائل منع الحمل لكرهي في وجود أي شيء يربطني بها.
حدثتني نفسي أن أطلقها، وكنت أستخير دائما، وكل مرة أرى أن استخارتي تريحني إلى الطلاق، وفي نفس الوقت أشفق عليها والله من الطلاق فما زالت صغيرة ولكن لا أستطيع الاستمرار معها لأني ألحظ أن ذلك أصبح محالا، حتى أنني عاهدت نفسي أن أدفع مبلغا من المال يقارب مهر زواجي وذلك عند طلاقها لأني لا أريد أن أخسر أباها، فهو من قرابتي والذي أكن له كل تقدير واحترام.. أعرف أن الصبر عليها مفتاح الجنة، وأعرف أن الله مع الصابرين، وأعرف أن مع العسر يسرا، وأعرف أن الصابرين يوفون أجرهم بغير حساب، لكنني بشر ولست ملاكًا ولم تبلغ درجة إيماني إيمان الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.. أريد أن أعيش حياة بسيطة هادئة مع إنسانة أحبها، لكنني لم أفلح مع زوجتي هذه؛ لأن عقلي الباطن يرفضها، فمهما عملت ومهما قالت لي من كلام الحب والود فأنا جماد أمام كل هذا.
معالجة مثل هذه الأمور لا ينظر إليها من زاوية عاطفية بحتة بل علينا أن نزنها بميزان الشرع والعقل والحكمة حتى نصل إلى أفضل النتائج.. وترديدي لقول الله تعالى في الآيات التالية:
• "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته"
• "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا"
لقد أدركت الآن حجم خطئي الفادح الذي وقعت فيه في عمري القصير الذي أعيشه في هذه الدنيا، ألا وهو تفريطي في استغلال فترة عقد القران والتي دامت أكثر من ثلاثة أشهر في الجلوس مع زوجتي أكبر وقت ممكن، وذلك لفهم الأمور النفسية بيننا ومدى تقاربها.. ديني العظيم أتاح لي فرصة عظيمة فرطت في استغلالها ووالله ما وعيت سرها إلا الآن "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" وفي نفس الوقت لن أقول فشلت فهذه الكلمة ليست من قواميس حياتي لأني قد استبدلتها بكلمة "لم أوفق" والحمد لله.
ما هي الاستشارة التي أريدها؟؟
1. هل من المصلحة أبدا الاستمرار في هذا الزواج على هذه الحال القلقة المتوترة لأني أشعر بأني سوف أظلمها، وأظلم نفسي إن استمرت هذه العلاقة، وماذا سأقول لوالديها الذين أحباني وأكرماني واعتبراني فردا من أبنائهما و للناس الذين باركوا زواجي وهنئوني والمجتمع كله من حولي إن طلقتها؟ وكيف سأشرح لهم موقفي؟
2. قرأت عن أحكام الطلاق أنه يحرم إذا كان في حيض أو نفاس أو طهر جامع فيه الزوج ويكره الطلاق بلا حاجة ويباح للحاجة ويسن للمتضرر من النكاح، ولا يجب طاعة الأبوين فيه، وسؤالي هل حالتي تندرج تحت من يسن لهم الطلاق أم لا؟
3. وهل حالتي تحاكي قصة مغيث وبريرة أو حديث امرأة ثابت بن قيس بن شماس والتي قرأت في تفسيرها التالي: "أن في الحديث أن امرأة ثابت ابن قيس ابن شماس سألته الطلاق؛ لأنها لم تُحبّـه وفيه أنها ردّت عليه المهر؛ لأنها هي التي طلبت الطلاق. فهي لا تعيبه في خلق ولا دين ولكنها لا تُحبّه .قال ابن حجر رحمه الله: قولها: ولكني أكره الكفر في الإسلام: أي أكره إن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر(ككفر العشير). فهي تكرهه، ومعلوم أن الحب من الله لا يأتي بوصفه فبعض النساء من أول أيامها ربما لا تُطيق حتى النظر إلى زوجها والحب والمحبة من الله، فلا تأتي بالقوّة! قال عليه الصلاة والسلام: إن الـمِـقَـة من الله. رواه الإمام أحمد وغيره. والمقة هي المحبة".
هذا ما كان من أمري نثرته بين أيديكم.. وآسف على الإطالة لأن الواقع والحال كان يستلزم ذلك.
بارك الله في جهودكم وبلغكم خيري الدنيا والآخرة والصلاة على خير الأنام محمد النبي المختار صلى الله عليه وسلم.
02/04/2024
رد المستشار
شكرا على مراسلتك الموقع.
آخر ما يجب أن تفعله هو أن تتصرف بصورة اندفاعية وتطلق زوجك الفاضلة كما اندفعت وتزوجت منها وهي في عمر ١٤ عاماً. لا يوجد عيب فيها جمالاً وأخلاقاً ولكنها لم تكن مؤهلة للزواج معرفياً بل وحتى جسدياً. لكل مجتمع تقاليده، ولكن في نفس الوقت لا تعيش مجموعة بشرية معزولة عن بقية المجموعات البشرية في عالم اليوم مع الاتصالات والإعلام والهاتف الجوال.
إذا طلقتها الآن فستدمرها ثانية بعد أن أقدمت على الزواج منها ولا تزر وازرة وزر أخرى. كذلك يجب أن تتوجه داخليا نحو أعماق نفسك وتمارس النقد الذاتي العقلاني. لم تتأقلم إلى الآن على حياة جديدة وهي الحياة الزوجية وما هو واضح في رسالتك مشاعرك الوجدانية الاكتئابية وانعدام المرونة النفسانية في التعامل مع زوجك. لم تتعرف عليها كثيراً وتزوجت منها لغرض الزواج لا غير ولم تفكر في مشاعرها فقط. ربما قد تمت برمجتها للزواج في هذا العمر، ولكن مهمتك الآن أن تبرمجها لكي تكون شريكة حياتك.
تكثر من الحديث معها وتتنزه معها وتشاركها الحديث في مختلف الأمور وأنت خريج جامعي. لا تزال هي في مرحلة نضج عاطفي ومن الطبيعي لا تشعر بأنك مع امرأة بحق. تعاملها بالحسنى ولا تدمرها بالطلاق ومع الأيام ستنضج فكريا ومعرفيا وجسديا ويولد هذا التعلق بينك وبينها.
توقف عن الحديث عن حالتك النفسية مع أهلها وأنت رجل مثقف ولا تفسر ما حدث بمس وحسد وغير ذلك فالعيب فيك لا غير ولا تزال غير متأقلم مع الزواج.
هداك الله.