الإخوة الأعزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد، أشكركم على هذا الموقع الرائع جدًّا جدًّا، وأسأل الله عز وجل أن يثبتكم على الطريق المستقيم، وأن يسدد خطاكم، وينفع بكم. أنا أعاني من مشكلة لم تخطر على ذهني أبدًا، فأنا شاب ملتزم ولله الحمد أحافظ على الصلوات في المسجد وأصوم وأقوم بالواجبات والنوافل التي فرضها الله عليّ ولله الحمد والشكر على ذلك، أعيش في قرية صغيرة في صحراء الجزائر وأنا من عمَّار مساجد الله، والحمد لله أيضًا لم أعرف طريق الفتيات ولا التحدث إليهن من قبل سواء عن طريق المسينجر أو غيره، ولكن عندما أدخلتُ الإنترنت إلى المنزل بدأت أدخل على ما يسمى بـ (الشات)، وقد دخلته في البداية من أجل التسلية فقط، ولم يكن يخطر على بالي أبدًا أن أتعرف أو أحب أو أتزوج عن طريق هذا الشيء لعلمي المسبق أن كل من يرتادون هذا المكان يأتونه للتسلية فقط.
مع العلم أنهم لا يتحدثون بصراحة والكذب هو شعارهم في هذا المكان. وقد تحدثت إلى فتيات كثيرات في هذا المكان، وتأكدت من أنهن يملكن حرية مفرطة زائدة عن الحد ولا يعرفن الصدق أبدًا، بل إني لن أخطئ لو قلت بأن دينهم ضعيف جدًّا جدًّا وإيمانهم كذلك، وإنهم يسارعن وراء الشهوات والغرائز، فكل صبي فيه يتكلم مع فتاة ليأخذ رقمها ويتحدث معها، ومن ثَم يقابلها والعكس كذلك، فولَّد هذا لدي كراهية كبيرة جدًّا لهذا المكان وقاطعته لفترة طويلة جدًّا، ولكن في مرة من المرات دخلته لأريد أن أرى هل ما زالوا على التفاهة والضياع، ولكي أستمع إلى الكلام وأرى ما يكتب.
وفي أثناء ذلك شد انتباهي اسم لم أره يتحدث أبدًا نظرت إلى الحوار كاملاً، ولكني لم أجده أيضًا، فتجرأت وتحدثت إليه، ولكنه لم يتجاوب أبدًا، ولكني بأسلوبي استفززته وأجبرته على الكلام، وإذا به فتاة فتحدثت إليها، وسألتها عن سبب مجيئها إلى هذا المكان، فأجابت بنفس أسباب مجيئي. وسألتها إن كان عندها أصدقاء من الأولاد فأجابتني بالنفي، وقالت: إن ذلك حرام ولا يجوز في الإسلام.
أعجبتني جدًّا فقررت الاستمرار معها، وأصبحنا نتفق على موعد محدد لكي نتحدث فيه (بالكتابة طبعًا وليس عن طريق الفيديو)، وقد استمر ذلك مدة ليست بالقصيرة، وأثناء هذه المدة كان إعجابي بها يزداد يومًا بعد يوم، لقد كانت دائمًا تذكرني بالله، وتعترف أن ما نفعله من تحدث في هذا المكان أمر محرم ولا يجوز، وأخبرتني أنه ماذا بعد هذا، فترددت قليلاً ثم قلت الزواج إن شاء الله، ولكن يجب أن نأخذ الوقت الكافي لكي أعرفك، وطلبت منها التحدث إليها عن طريق الهاتف؛ فغضبت أشد الغضب، وألمحت إليّ بأني مثل باقي الشباب، وأن هذا كان هدفي وأنني كذبت عليها، ولكني ولله الحمد استطعت أن أستدرك الموقف، وأقنعها بأن هدفي كان هو التعرف عليها أكثر، فأخبرتني أن هناك طرقًا أفضل وأحسن من ذلك.
واستمرت علاقتنا إلى الآن (ما يقارب 5 أشهر)، ودائمًا ما ندعو أن يوفقنا الله لبعض، وأن يكتب لنا الخير. مع العلم أنه – وخلال هذه المدة – لم نتحدث بأي كلام مخل بالأدب أو مثير للشهوة، ودائمًا يكون كلامنا كيف نجد طريقة لحل هذه المشكلة. أنا لا أستطيع أن أخبر أهلي ولا هي أيضًا؛ لأن ذلك ينافي تقاليدنا وعاداتنا؛ ولأن أهلي وأهلها قد وضعوا ثقتهم بنا، وأننا لن نستخدم الإنترنت هذا الاستخدام، بل إن أهلي لا يشكون بي ولو لـ 1% أنني سأتعرف على فتاة في يوم من الأيام؛ لأنني كما أسلفت قد تربيت تربية صالحة ودينية؛ ولأنهم يعلمون مبدئي في هذا الموضوع. كل يوم يمر وأنا أزداد تعلقًا بهذه الفتاة؛ لأنها دائمًا ما تدفعني إلى الخير وتنصحني، بل إنها تخبرني بوقت حلول الصلاة عندما أتحدث إليها، وأن عليّ الذهاب إلى المسجد. والله والله والله لم تدفعني يومًا إلى معصية، بل إنها دائمًا ما تأخذ بيدي للخير.
أنا كنت أتحدث إليها في الليل عندما ينام الجميع، وفي يوم من الأيام أخبرتني أنها لا تريد أن تكون علاقتنا سببًا في البعد عن الله؛ وذلك لأني أسهر الليل ولا أستطيع القيام في الليل ولا أستطيع أن أصلي الوتر، وكذلك لا أستطيع الاستيقاظ لصلاة الفجر، فأخبرتني أنه من الأفضل إن كنت أريد أن أتحدث معها فليكن في وقت مبكر. والآن أنا لا أتوقع أنني أريد الابتعاد عنها، بل أريد الزواج منها بالفعل، ولكن كيف أخبر أهلي؟ لا أستطيع إخبارهم بأني على علاقة بفتاة؛ لأنهم لن يفهموني أبدًا، ولن يقتنعوا برأيي وسيرفضون لا محالة.
لا أريد أن أترك هذه الفتاة أبدًا، فأنا أرى فيها الزوجة الصالحة المعينة لي على الخير.
أفيدوني ماذا أفعل؟! وجزاكم الله خيرًا
19/1/2025
رد المستشار
الأخ الكريم:
أرسلت إلينا رسالة أخرى تشكو فيها من إهمال رسالتك، ورددت عليك بإعطائك رقم هاتفي؛ لتتصل ولم تفعل… فما السبب؟!
يا أخي، مشكلتك أكثر تركيباً مما تظن، وأبسط مما تظن في آنٍ واحد!!
كيف هذا؟!!
علاقة الإنترنت بالعواطف والخيالات الرومانسية والجنسية هو موضوع اهتممت به– وما زلت– وكتبت فيه مقالاً– أشبه ما يكون بالدراسة – رصدت فيه التحولات التي حدثت في الرؤى الإنسانية تجاه الجنس والجسد من قرن مضى إلى قرن بدأ لتوِّه، ومع قفزة في عالم الاتصالات وحتى لا أطيل عليك– وإن كان الأمر يستحق – أقول: إن المشكلة لا تكمن في إخبار أهلك أو أهلها بالأمر، فهذه مسألة سهلة إذا ما قورنت بمسألة أخرى لم تلتفت أنت إليها غالباً.
الإنترنت كشبكة، والحاسوب كأداة أحدثا انقلابًا في المفاهيم والممارسات النفسية والاجتماعية التي كانت مستقرة في الأذهان والأوضاع، ومفهوم الذات والشخصية أصبح محتاجاً إلى مراجعة في ضوء هذه التغيرات الإلكترونية الجديدة!!
الإنترنت بحكم تحرره من كل قيد أو ضابط اجتماعي أو رقابي، وبحكم الخصوصية والاتساع اللذين يوفرهما يخلق حالة نفسية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، فهو يتيح للإنسان إطلاق رغباته الدفينة كلها، والتعبير عنها بصراحة مع من يرغب، والمشكلة الأكبر أنه يتيح ويوحي بتجريب - أو لنقل باصطناع– رغبات ليست نابعة من داخل النفس، ولكن من باب المحاكاة لآخرين، أو من باب استثمار ما هو متاح من تحرر، ولا أتحدث فقط عن الأدب وقلة الأدب، الأمر أوسع من هذا بكثير.
المقصود من هذا كله بالنسبة لحالتك أنك لا يصح من هذا بكثير أن تجزم بأنك تريد هذه الفتاة أو تحبها؛ لأن هناك مسافة تفصل بين حقيقة هذه الفتاة على أرض الواقع، والصورة التي تكونت في ذهنك عنها من خلال المحادثة عبر الإنترنت.
هذه المسافة قد تكون بسيطة، وقد تكون كبيرة، ولكنها في كل الأحوال فيها بعض الواقع، والكثير من الخيال، ولا يصلح هذا– أو لا يكفي– كي يكون أساساً متيناً لزواج ناجح. فإذا كنت جادًّا في رغبة الارتباط بها ستحتاجان إلى اللقاء المباشر مرة، وربما عدة مرات لتتعارفا واقعيًّا - ويكون اللقاء مع ذي محرم بالطبع، وتنتهي تلك الفجوة بين الحقيقة، والتصورات الذهنية التي بناها كل طرف عن الآخر، وينبغي أن يكون مفهوماً ومقبولاً لديكما أن هذا اللقاء قد ينتج عنه عدم الارتباط إذا اكتشف أحد الطرفين أو كلاهما أن ما كان يتصوره عن الآخر لم يجده متحققاً في الواقع.
المسألة إذن تبقى هزلية أو بسيطة طالما كانت في عالم الإنترنت، وعلى شبكته التي تخلط الوهم بالحقائق، ولكن حين ينتقل الأمر إلى "رغبة في ارتباط حقيقي وجاد"، فنحن عند ذلك نكون أمام شيء آخر تماماً، ومجتمعاتنا وشبابنا في أزمة حقيقية بشأن الإنترنت، ليس فقط لأن غرف "الدردشة" عبر الإنترنت مملوءة بالتفاهات واللغو، ولكن لأننا حتى الآن لا نعرف طبيعة الإنترنت، والفارق بين عالمه، وعالم الواقع الحقيقي... وبالتالي تنشأ علاقات على الشبكة لا تصمد لحظة حين تحاول أن تتحقق في عالم الواقع بسبب الجهل بطبيعة الأداء التي نلهو بها كالصغار عندما يلعبون ببندقية، وهم لا يعرفون أنها يمكن أن تصيب وتقتل!!
هكذا الإنترنت يمكن أن يصيب ويقتل، وينقلب فيه الهزل إلى جد، واللهو إلى ألم وندم.. والله المستعان. إذن لا تعتمد على الانطباع الذي تَكَوَّن لديك طوال الأشهر الخمسة التي استمرت فيها المحادثة بينك وبين الفتاة، واجعل همَّك– في حالة قرارك بالسعي للارتباط بها– أن تراها؛ لتستكشف الفروق بين الواقع و"الخيال" الذي رسمته عنها، فقد لا تجدها جميلة شكلاً، وقد لا تجدها بنفس الالتزام الأخلاقي أو السلوكي، وقد تجد عيوباً أخرى، الأمر الذي يقتضي "منكما" دراسة الآخر على حقيقته، بعيداً عن مقدمة التعارف التي شاء الله أن تكون عبر الإنترنت.
فإذا قررتما المضي قدماً في هذا الأمر فاختر من الأقارب أو الأصدقاء حكيماً أو حكيمة، وكنّا سابقاً نفضل امرأة كبيرة في السن من أهلك: عمة، خالة... إلخ وتقص عليها الحكاية، وتنقل رغبتك في الارتباط بهذه الفتاة.
وتستطيع هذه المرأة بحكمتها أن تقوم بدور الوسيط أو الخاطبة للفتاة، وكأن الترشيح قد جاء منها، أو من امرأة أخرى لها... وهكذا. فإذا تعذر ذلك تستطيع أنت أن تفتعل موقفاً تتعرف به على أحد أقارب هذه الفتاة "يفضل" الأب أو الأخ، وبعد فترة من العلاقة تنقل له رغبتك في أن تتزوج من الأسرة لما رأيت فيه من كريم الأخلاق، وحميد المسلك، وسيتيح لك هذا الخيار– أو الخيار السابق– الجلوس إلى الفتاة ورؤيتها، والحديث معها... وهناك- وعند ذلك فقط- ستبدأ المسألة في عالم الواقع!!
لاحظ أنك تعتقد أن المشكلة تكمن في نقل رغبتك إلى أهلك أو أهلها، وتعتبر أن المسألة تنحل وتنتهي حين تستطيع نقل هذه الرغبة، ونحن نرى أن الأمر هكذا فقط سيبدأ، وسيصبح أمامك مهمة أن تتعارفا "من جديد" تقريباً، وتقررا هل يدعم الواقع الخيال، ويغري بتحقيقه، أم أن الخيال كان شيئاً غير الواقع، وعندها ينبغي ألا يستحي أحدكما أو كلاكما من المفارقة بإحسان.
الخلاصة: أقول لك: تدبر أمرك يا أخي؛ لتعرف واقع هذه الفتاة كما أسلفنا؛ لأنك حتى الآن لم تعرفها!! وأدعو لكما بالتوفيق على كل حال.
واقرأ أيضا:
نفسي عاطفي: حب إليكتروني Electronic Love