الشكوى من قلة النوم
دكتوري العزيز منذ أكثر من العشرين السنة أشكو من القلة النوم وأصبحت في هذه الأيام لا أنام مطلقا إلا بعد تناول حبوب من نوع (اتيفان رقم 2) ثلاثة حبات جرعة واحدة وقد وصف لي ذلك طبيب اختصاصي
بدأت من حبة واحدة وكان ذلك قبل العشرين سنة أثناء حربنا مع إيران حيث كنت قائدا في أحد الجبهات فحين ذاك أصبح الليل نهارا والنهار ليلا والصبح مغربا والمغرب صبحا وعندما كنت أريد أن أنام أنهض على صوت رشقة المدفعية ومنذ ذلك حين وحالي هكذا.
أرشدني,علما ومع اعتذار كوني مسلما أنني عندما أتناول المشروبات الكحولية بمعدل نصف بطل ليليا تذهب عني الحالة ولكن عندما يأتي الصباح يتدهور صحتي كاملة ,
الإجابة رجاء.
ولك الشكر
2/6/2005
رد المستشار
أخي العزيز .....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النوم المريح نعمة من الله, وله وظائف هامة للجسد وللنفس حيث يعطى الجسد فرصة للراحة وفرصة للتخلص من المواد الكيماوية المتراكمة أثناء ساعات النشاط واليقظة كما تتم فيه عمليات بناء وتنشط فيه بعض الغدد الصمّاء لإفراز هرمونات ضرورية لصحة الجسم, أما من الناحية النفسية فالنوم مهم لأنه يعطى حالة من الاسترخاء والراحة ويمنح فرصة للنشاط المتجدد عند اليقظة في الصباح, كما أن النوم والأحلام لهما أثر هام جدا في وظائف الذاكرة والتعلم.
وحين يحرم أحد نعمة النوم المريح فإنه يعانى من اضطراب وعدم توازن في وظائف جسدية ونفسية متعددة. وأحيانا يكون الأرق (قلة النوم) مرضا أوليا بمعنى أنه ليس ناتجا عن اضطراب نفسي آخر وأحيانا أخرى (وهو الأغلب) يكون ثانويا بمعنى أنه ناتج عن اضطراب نفسي آخر مثل القلق أو الاكتئاب أو غيرها من الاضطرابات النفسية.
وقد بدأت معاناتك من اضطراب النوم إبان عملك كقائد عسكري أثناء الحرب حيث كنت تستيقظ على طلقات المدافع فاضطرب لديك نظام النوم أو ما نسميه بالساعة البيولوجية, تلك الساعة التي تضبط إيقاع المخ مع دورة الليل والنهار بحيث ينام الإنسان ليلا ويصحو نهارا, وحين تضطرب هذه الساعة ينقلب الوضع فيصحو الإنسان ليلا وينام نهارا.
وربما تكون تجربة الحرب قد أدت إلى نوع من القلق المزمن والذي يصل أحيانا إلى ما نسميه "كرب ما بعد الصدمة PTSD" أو اضطراب الكرب التالي للرضح Posttraumatic Stress Disorder تلك الحالة التي تتبع تعرض الإنسان لخبرات صدمية شديدة وتترك أثرا ربما يمتد لسنوات طويلة, وقد تم وصف هذا الاضطراب لأول مرة على الجنود الأمريكان العائدين من حرب فيتنام حيث كانت تنتابهم حالات من القلق مصحوبة بذكريات الحرب المؤلمة والتي كانت تراودهم في أحلامهم أو في صحوهم في صورة ذكريات أو مشاهد تطاردهم وتؤرقهم.
وأنت قد حاولت التغلب على المشكلة بتناول أقراص " أتيفان " 2 ملجم ووصلت إلى تعاطى 3 أقراص في اليوم, وهذه جرعة كبيرة لا يستحب الاستمرار عليها لما تحدثه من أثر على التوازن والتركيز والذاكرة.
وهذا الدواء وحده لا يعالج المشكلة بل يعالج العرض فقط ولذلك يسمى علاجا عرضيا, وأنت تحتاج لعلاج شامل للاضطراب أو الاضطرابات النفسية الكامنة خلف هذا العرض المزمن والتي قد تكون قلقا أو اكتئابا أو غيرها, وهناك علاجات فعالة لهذه الاضطرابات خاصة مجموعة مانعات استرداد السيروتونين النوعية (ماسا) (SSRIs) أو المجموعات القريبة منها مثل ال SNRIs , وحين يستعيد الجهاز النفسي توازنه فإن النوم يتحسن بشكل تلقائي, أما تعاطي الأتيفان وحده لفترة طويلة – كما حدث – فإنه يؤدى إلى حالة من الإدمان عليه أو على غيره مثل الكحوليات, وهذا وضع نتمنى أن لا تقع فيه, فضلا عن أن هذه الأشياء تفقد تأثيرها كمنومات بعد فترة وتحتاج لزيادة مضطردة في الجرعة, وبالتالي تدخل في دائرة مغلقة ليس لها نهاية.
لذلك أنصحك بزيارة طبيب نفسي قريب منك يقيم الحالة بالتفصيل ويصف لك علاجا شاملا ويواكب هذا تقليل تدريجي لجرعة الأتيفان وبالإضافة للجانب الدوائي أوصيك بتهيئة جو هادئ ومناسب قبل النوم حيث تبتعد عن سماع أو مشاهدة أي أشياء مثيرة للانفعالات, وأن يكون مكان النوم هادئا ومريحا, وأن تتوضأ وتصلى ما تيسر لك قبل النوم وتقرأ بعضا من القرآن, وتردد بعض الأدعية المأثورة, فكل هذا يهيئك لنوم هادئ إن شاء الله .