أود أن أشارك في مشكلة: عمي جامعني... فهل أنا عذراء؟
وأبدأ فأوجه كلامي إلى الدكتور أحمد عبد الله الذي قام بالرد على الأخت السائلة، فأشكره على كل جهد يقوم به، وأدعو الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته، وينفعه وينفع به.
ورغم إعجابي الشديد به فأرجو أن يسمح لي بنقده هذه المرة لعبارة وردت في الإجابة، وهي: "أعرف أنك لا تستطيعين مصارحة أهلك أو إبلاغ الشرطة أو حتى البوح بما حدث لك إلا في أضيق الحدود"، وهنا أسأل: يا دكتور أحمد ما دمت تريد أن تزول هذه الظاهرة القذرة من مجتمعنا، فلماذا هذه الجملة التي لن تكون إلا تشجيعًا للسائلة ومثيلاتها على السكوت؟!
والأغرب من ذلك قولك: "إن بعض البيئات والثقافات والأوساط الاجتماعية لا ترى في هذه الممارسة عيبًا كبيرًا أو أذى ثقيلا، بل تراه نوعًا من التجاوز في حدود المسموح به، وبخاصة إذا لم يصل إلى فض الغشاء. وقد أصبح الأمر معتادًا؛ نظرًا لشيوعه، ورغم فداحة الأمر من الناحية الشرعية فإن التساهل من طرف الأسرة، بل ومن طرف الفتاة المعتدى عليها لا يجعل أحيانًا من الممارسة شيئًا لا يتصف بالبشاعة التي يتصورها"؛ فهل هذا الأمر فادح فقط من الناحية الشرعية؟ أين الناحية الإنسانية في الموضوع؟ ألا تحرم الأديان كلها الزنى... فما بالك بزنى المحارم؟
ثم تقول: نظرا لشيوعه فأسأل: بما أن هذه الظاهرة الحقيرة شائعة كما تقول، فإلى متى تبقى طي المسكوت عنه؟ ثم تحدد: هذه البيئات والثقافات والأوساط الاجتماعية... فما هي هذه البيئات؟ ألا تستحق أن تبتر بأكملها من مجتمعنا؟ أليس من واجبنا جميعا أن نرجم هذه البيئات بصفات التخلف والجاهلية كما يرجم الزاني بالحجارة؟ وإلى متى يشجع بعضنا بعضا على السكوت؛ لأن الضحية لن تقدر أن تتكلم، بل عليها أن تدفع الثمن من صمتها... بل لا تتكلم بشيء سوى أن تدعو على نفسها بالموت العاجل، كما تفعل صاحبة المشكلة! وهي في الحقيقة إما أنها موافقة على فعل عمها معها، وإما أنها أعجز من أن تكون زوجة ومن ثم أما مسؤولة... فعمرها كان 15 سنة عندما بدأ عمها الفعل الدنيء معها، وهي تفتح له الباب… إلى آخر القصة!! يعني إما أن قصتها مختلقة -كما تقول أنت عادة-، أو أنها راضية، أو أنها عاجزة، وكلها احتمالات أسوأ من بعضها.
على كل حال سأكتب قصة امرأة أعرفها كي تتعلم منها صاحبة المشكلة وتتعلم مثيلاتها، وأبدأ بالقول الفرنسي الذي يقدس إرادة المرأة إلى الحد الذي يقول: "المرأة إذا أرادت شيئا أراده الله"، فأرجو أن تكون هذه القصة عبرة لمن يريد أن يعتبر، وسأكتبها بضمير المتكلم كما روتها لي صاحبتها:
" وعيت على الدنيا وخالي الذي يعيش معنا والذي يكبرني بـ 15 عاما يمارس معي الجنس، أقول: وعيت على الدنيا؛ أي منذ كان عمري 3 أو 4 سنوات، ولم أكن أدري ما يفعل بي سوى أنه كان يختلي بي بعيدا عن أهلي، وأذكر أنه كان يسألني إذا كنت مستمتعة! دعنا نصفه بالغبي، فكيف أستمتع وأنا في ذلك العمر؟!
المهم بقيت الأمور هكذا حتى أصبح عمري 10 سنوات، وبالطبع أدركت مع تقدم سني أن الفعل بما أنه يتم سرا فهو فعل شائن، فبدأت أهدده؛ لأنني إذا لم أفعل هذا كنت سأقوم بالانتحار، فقد بدأت أكره نفسي، ولك أن تتصور طفلة بعمر 10 سنوات تفكر في الانتحار!!
سافر بعدها إلى بلد آخر للعمل، وعاد بعد سنة وقد أصبح يصلي، ولكنه في ليلة عاد مخمورا، وكان أبي وأمي يسمران مع بعض الضيوف وقت عودته، فدخل إلى غرفة البنات، واقترب مني ورفع الغطاء عني، وشعرت أنه ليس طبيعيا وشممت رائحة الخمر منه، فسخرت منه، وقلت له: تصلي وتسكر، اذهب من هنا، فتركني وذهب إلى أختي الكبرى التي تجاوزت سن البلوغ، واندس بجانبها، وسمعت نحيبها بصوت منخفض، فما كان مني إلا أن قلت له: سأنادي أمي، وخرجت من الغرفة وناديتها، فجاءت خائفة، وكان خالي قد هرب إلى غرفته، فأخبرتها ما حدث، ورأت أختي تبكي، لكن أمي لم تصدق أن أخاها يفعل هذا، فقلت لها: هو سكران، انظري هنا... لقد نسي بنطاله اذهبي إلى غرفته فسترينه عريانا، فطلبت مني أمي السكوت خشية الفضيحة؛ لأن أبي لو عرف فسيذبحه، فسكت على مضض، متوعدة أنه إذا تكرر هذا الأمر فلن أسكت، وعندها فقط سعت أمي بالبحث عن زوجة له، وتم المراد، وتزوج".
والقصة لها تتمة، لكن هذا ما يهم، فعرضته هنا، وما أقصده أنه إذا كانت ابنة العاشرة تستطيع تهديد المجرم، فلماذا تسكت هذه الأخت السائلة كل هذه الفترة؟ إذا كانت فعلا عاجزة عن دفع اعتدائه، فأخشى أنها ستكون أعجز عن رد أي اعتداء آخر.
لذلك لست معك يا دكتور أحمد في أنها لا تستطيع أن تبوح لأحد إلا في أضيق الحدود، وربما لم تنصحها بهذا إلا لأنه قد فات أوان الكلام في نظرك، ولكن إذا لم يكن لها موقف في حالة كهذه، فهل سيكون لها موقف أفضل إذا تعرضت لأي مشكلة أخرى في حياتها؟ على الأقل أرجو أن تتعلم من تجربتها المرة هذه ألا تكون عاجزة، وأنصحها بأحد حلين:
الحل الأول: كما تفضلت أنت بأن تضع ما حدث وراء ظهرها، ولكن إياها والسكوت عن الظلم والجرم مرة أخرى؛ فهي بذلك تساعد الظالم والمجرم على نفسها، ولن يكون وحده الملوم.
والحل الآخر: أن تفعل كما فعلت صاحبة القصة التي ذكرتها، فهي في الحقيقة زوجتي، وقد تعرفت عليها بعد أن أصبح عمري 40 سنة، وقد كنت وصلت وقتها إلى حافة اليأس بأنني لن أجد التي تناسبني، ثم شاء الله أن أتعرف عليها في العمل هنا حيث أقيم، ولا أستطيع أن أقول ما الذي أعجبني فيها سوى أنني وجدت إنسانة بكل معنى الكلمة. والمشكلة أنها كانت رافضة لفكرة الزواج رغم علاقة الحب التي نمت بيننا، وصارحتني أنها تعرضت لحادث اغتصاب في طفولتها، وأنها ليست عذراء في الأغلب. ولا أخفي عليك أنني لو كنت بين أهلي وفي مجتمعي حيث تحاصر الإنسان التقاليد التافهة لترددت بعض الشيء، خاصة أن أهلي من الأرياف أساسًا، وقد يطلبون العلامة الحمراء كدليل الشرف والعفة، حتى لو لم يكن للفتاة أي ذنب في فقدها لعذريتها فهي التي ستحمل العار وتنوء به.
الحمد لله تزوجنا، وأنا أعتبر نفسي من أسعد الناس مع زوجتي، وبعد الزواج حكت لي القصة التي أوردتها لك، وأرجو أن يكون فيها الفائدة.
وبالمناسبة أسألك بما أنك أعلم مني بالمجتمع العربي فقد قضيت فترة طويلة من حياتي بالخارج، والسبب غالبا هو أنني كنت لا أشعر بغربتي في الغرب الكافر كما أشعر بها في بيئتي العربية المنافقة: من أين دخل هذا المفهوم على العقل العربي، وهو تمجيد غشاء البكارة حتى أصبح كالطوطم بالنسبة للقبيلة العربية المبعثرة من المحيط إلى الخليج؟ هل هو من بقايا الجاهلية التي كانت تئد البنات خشية العار، أم هو بسبب عصور الانحطاط التي أفرغت كل قيمة للمرأة من محتواها إلا قيمتها كأداة للمتعة الجنسية؟ هل يعني هذا أن إسلامنا ببساطة ضاع بين الجاهلية والانحطاط؟
وهنا ربما يحق لي أن أسأل: إلى متى يبقى شرفنا -نحن العرب-مقرونا بمكان خروج البول؟ هل لهذا السبب تم تغييب شرف أمة بكاملها وعلى مدى سنوات طويلة.... فلم تعد تعرف للشرف مكانا إلا في السرجدال وتحديدا بين الأفخاذ؟ وهل لنفس السبب ينكح شرف هذه الأمة وتسحق كرامتها ليلا ونهارا... سرا وجهارا؟ إلى متى يبقى ما يشغلنا هو أسافل الأمور وأحقرها؟ إلى متى ننحدر إلى أسفل السافلين بانشغالنا بسفاسف الأمور؟! .
إلى متى يا أمة العرب والإسلام؟ يا من حملت خير رسالة، أبكيك، أيتها الأمة، أبكي رجالك الذين يهمهم دم البكارة أكثر مما يهمهم دم الشهادة! أبكي نساءك اللواتي خضعن لآلهة التقاليد أكثر مما خضعن لدينهن المجيد! اعذرني يا أخي فأنا أبكي كالنساء شرفا لم نحافظ عليه كالرجال!
إلى الإخوة الأفاضل في فريق استشارات مجانين: اعتبروها نصيحة من أخ لكم في الله أرجو أن تتذكروا أن كل كلمة تقولونها ستُسألون عنها يوم القيامة، فمن أين عرفتم أن إحسان عبد القدوس كاتب كبير؟ والله إنه غير ذلك! هل قرأتم قصصه: "لا أنام"، "شفتاه"، "في بيتنا رجل"… وغيرها، اقرؤوها أولا ثم احكموا إن كان مثله كبيرا أم....!!
|
أرجو أن تعلموا أنه واحد ممن مهدوا للفاحشة بين الشباب والفتيات...
فهلا سمعتم نصيحتى يرحمكم الله.
30/6/2025
رد المستشار
الأخ الكريم، قلنا قبل ذلك بأن صفحتنا وصفحتكم تتطلع دومًا إلى عون الله سبحانه، وإلى المشاركة منكم بالتسديد والمتابعة، ولولا فضل الله تعالى وصورتنا التي نراها في عيونكم لما حققنا ما جعلنا متفردين بين المواقع بهذه الخدمة غير المسبوقة، ويمكن أن نظل الأهم برغم المنافسة المتزايدة من مواقع أخرى، ولكن هذا لن يحدث إلا بمشاركة أوسع من طرفكم، وتعميق أكبر في الفهم والتحليل، ووصف سبل المعالجة من جانبنا نحن، فشكرا لك على تفاعلك...
لعلك قرأت إجابة نزلت بعد أيام قليلة من إرسالك مشاركتك، وكانت بعنوان: التحرش بالمحارم.... السكوت أخطر من الفعل، وستلاحظ أن خط تلك الإجابة -التي قمت أنا بمراجعتها، ووضع عنوانها-قد يبدو متناقضا في بعض جوانبه مع الإجابة التي ستناقشها أنت في رسالتك؛ فعلى حين نتفهم ونوصي السائلة هنا بالكتمان إلا في أضيق الحدود ننصحها بالتصريح والمكاشفة هنا في حالة أخرى، ولكن لعلك لاحظت السر وراء هذا التناقض الظاهري؛ ألا وهو: اختلاف البيئات... فما يصلح في تونس مثلا قد يضر في سلطنة عمان، وما ينبغي في الكويت قد يفشل في المغرب وهكذا.
وانطلاقا من هذا فقد تفهمت أنا تكتّم الأخت التي تشتكي من تحرش عمها بها؛ لأنني أعرف أنها يمكن أن تفقد حياتها أو على الأقل سمعتها بسهولة إذا حاولت مصارحة أهلها، ناهيك عن إبلاغ الشرطة أو ما شابه، وكنت أتمنى من كل قلبي أن تكون لدينا الأوضاع القانونية، والهياكل الاجتماعية، والاستعداد النفسي والثقافي لدى الأسرة والمحيط العائلي، والمجتمع العام للتعامل مع هذه الظاهرة الشائعة، ولكن غياب كل هذا يضطرنا لتركيب الحل المناسب لكل حالة على حدة، بحسب الظرف المحيط بها.
ومن نفس منطلق التفهم والتعريف كنت أشير إلى شيوع ثقافة التواطؤ والتمرير لهذه الاعتداءات في طبقات اجتماعية أو ثقافات وأنماط عيش معينة، وفي هذه الدوائر فإن الآثار النفسية -وسبب هذا المناخ المتساهل-تكون أقل فداحة بما لا يقلل من حرمتها الشرعية؛ ولذلك أشرت إلى هذا، والغالب أن الضحية تجتمع عليها عوامل عدة ترشحها للسكوت والمعاناة في حالات، أو التناسي والتمرير في حالات أخرى. وليس الأمر هنا يكون مرده إلى العجز فقط، ولا حتى الموافقة أو التساهل يحدث أن يكون كاملا، وكأن ما يحدث طبيعي، ولكن هناك خليطًا من الجهل بحقائق الجنس وخريطة الجسد، ولذلك تظل الضحية -وبخاصة صغيرة السن- غير عارفة بحقيقة ما يحدث لها، وهل هو إيذاء أم ملاعبة حتى تعرف المعلومات يوما ما ، وتبدأ في اكتشاف أبعاد الكارثة!!
والضحية تخاف من تأثير ما حدث على سمعتها، وعلى مستقبل زواجها، وهي تجهل ما يحدث وآثاره... وتجهل ما يمكن عمله لوقفه، وإضافة إلى الجهل فإننا نعيش نوعا من ثقافة الإنكار التي تتوارى تحت شعارات وكلمات نبيلة، مثل: الستر، وعدم الفضيحة، وتغليب مصلحة الأسرة أو العشيرة أو الجماعة على حساب نفسية الأفراد… وإلى جانب الإنكار والتواطؤ هناك تجاهل أو عدم مناسبة القوانين لجريمة التحرش، ناهيك عن غياب المؤسسات الاجتماعية، والوعي الإعلامي.... إلخ من أدوات وعي وممارسة أي مجتمع حديث أو حتى تقليدي صحي في تعامله مع مشكلاته. وفي هذا السياق المتوتر تسكت الضحية مرتبكة؛ لأنه يغلب على ظنها أن السكوت أسلم، وأنت تقول بأن البوح واجب، وأنا أقول بأن السياق المحيط بالحالة هو الحاكم في ترتيب خطة المعالجة الفردية، أما التصدي للظاهرة فهو مستوى آخر أرجو أن أناقشه معك اليوم أيضا.
إذن تحميل الضحية مسؤولية تقاعس الآخرين، وتخلفهم عن القيام بواجبهم، والإصرار على أن العلاج يبدأ بالبوح أو الفضح.... هذا النهج لا أراه عمليا، وإنما ينبغي تكامل عدة خطوط إضافة إلى الإبلاغ، مع إدراك أهمية حساب العواقب المتوقعة التي قد لا توقف الفاعل بل قد تودي بالضحية في بعض الحالات!!
ولعلك تراجع إجاباتنا السابقة على مشكلات التحرش والاعتداء الجنسي لترى هذا التفريق في التوصية النهائية بحسب البيئة والثقافة.
ومن هذه الإجابات:
الاغتصاب كظاهرة... نحو خطوات فعالة
صديقتي والاغتصاب المتكرر في الطفولة
كيف تقين نفسك من التحرش الجنسي(1-2)
ولا أجد تعليقا على روايتك عما حدث مع زوجتك إلا أن المجرم لم يأخذ عقابه، ولكن تم وقف الاعتداء بالضغط على الأم التي قامت بتزويجه.
ودعني أقل بأن جانب النجاح هنا ليس متعلقا بالضحية فقط، بل بحكمة الأم التي لم تنهَر، ولم تتجاهل، ولكن تفهمت الأمر وعالجته من جذوره، ولاحظ أن غياب مثل هذه الأم الحكيمة من ناحية، إضافة إلى غياب الحد الأدنى من الوعي بما يحدث عند الضحية من ناحية أخرى سيقودنا حتما إلى مسارات مختلفة.
وقلنا قبل ذلك مرارا بأن التصدي لظاهرة كهذه يحتاج إلى جهد تتضافر فيه روافد التعليم والتدريب على اكتشاف حقائق الجنس، والتعامل مع المشكلات المشابهة حين تقع، ودور الأسرة عامة، والأم خاصة يبدو مهما فيما يخص التحرش بالإناث. ويمكن أن يكون هناك دور مهم أيضا للمرشدة الاجتماعية والنفسية، وللزميلة أو الصديقة التي من نفس عمر الضحية، والبوح مثل السكوت هو مجرد جزء من عبوة ثقافية متكاملة يعيش عليها المجتمع ويدير بها أمورا، والتغيير الثقافي لا يجد من يتصدى له عندنا... ربما لأنه يحتاج إلى جهود أكبر في تأصيل المفاهيم، واكتشاف جذور العلل، وتركيب الأدوية، وتنفيذ العلاج، بينما المعارضة السياسية للأنظمة القائمة مهمة تبدو أسهل من ناحية وضوح الخلل، وتعاطف الناس وإدراكهم لنواحي القصور.
فهل تعرف من رواد الإصلاح ومريديه من يصب جهده، وينتدب نفسه لتفجير قاعدة اجتماعية فاسدة، أو بؤرة التباس وتخلف وتشويش في المفاهيم المستقرة عما بين الفخذين أو الصدغين؟!! وكم من هؤلاء الدعاة والمصلحين بقادر على تجاوز العرف الفاسد المستقر الذي تقول أنت صادقا: إنك لولا المحيط الاجتماعي، أو بالأحرى غياب ضغطه في حالتك كان هو السياق الطبيعي والموضوعي لاتخاذ هذا القرار الشجاع الذي أحييك عليه، وأدعو لك ولزوجتك بدوام السعادة والتوفيق.
نأتي إلى الجد: أولا ليست مهمة هذه الصفحة أن تدين أو تصفق فلا هي منبر خطابة، ولا هي ثكنة عسكرية، وليست سلطة من أي نوع... أو هكذا نعتقد.
وبدلا من الإدانة نبحث عن الفهم، ونسأل لماذا يحدث الخطأ؟ وكيف نوقفه؟! وأنت في غمرة غيرتك وحرصك وغضبك وثورتك تريد أن تبتر وترجم، ونحن نريد أن نفهم ونعالج، ونذكرك بأن آخر الدواء الكي، وليس أوله، وأذكرك بقولة المسيح حين سيقت له العاهرة وكان الاختيار إما أن يرجمها على الشريعة الرومانية السائدة حينذاك أو يسامحها كما يأمر أتباعه؛ فتحاكمه السلطة لخروجه عليها، فقال للناس: "من كان منكم بلا خطيئة فليضربها بحجر"، والمهاتما غاندي يقول: "لو طبقنا مبدأ العين بالعين لصرنا جميعا من العميان"!!
وأعرف أنك تدرك أننا في الأصل هداة ولسنا جلادين، والحبيب المصطفى إنما أقام الحد على المجاهرين المعترفين بوقوع ما يستوجب إقامته، ولا يعني ما تقدم أن نسكت أو نتواطأ كما يفهم البعض، ولكن يعني أن نتفهم ونرفق لنتعاون مع المخطئ أو الجاهل أو المجرم المتخلف، فإذا أخذ فرصته كاملة في أن يتعلم، ويعف نفسه، ويتعالج إذا استدعت حالته ذلك، ورغم ذلك يستمر بعضهم "على علم"، مستهينين بالجرم، ضاربين بعرض الحائط كل حد وقيمة... وهؤلاء ينبغي أن تكون لدينا خطة واضحة للتعامل معهم.
ثانيا: التقطت أنت بذكاء أن الضحية الشابة العاجزة عن دفع مثل هذا الضرر ستكون عن رد أي اعتداء آخر أعجز وأعجز، وأنا أقول بناء على ذلك بأن المطلوب هنا يكون التغيير في طريقة تربيتنا للأنثى - وليس فقط تعليمها أحكام جسدها- بحيث تنضج شخصيتها، وتعتبر نفسها مسؤولة وتمتلك القدرة على حماية عرضها، والوعي بالأخطار التي يمكن أن تواجهها، وامتلاك الخبرة أو المعرفة بكيفية المواجهة... فهل ترى تربيتنا لبناتنا تسير في هذا الاتجاه، أم أننا نزرع في البيت أن الصمت والاعتمادية، وطاعة الرجل أو السير وراءه هو الخير... فتظل دوما تبحث عن هذا الرجل الذي لا تطمئن إلا في جواره أو تحت ظله؟
كيف ستنشب الضحية أظفارها أو ترفع صوتها، وقد خلعنا نحن أظافرها، وقطعنا بعض أحبالها الصوتية لتكون صامتة وجميلة؟!! كيف ستدافع عن إنسانيتها، ونحن لم نتعهد فيها ولم نوقظ أو نشجع سوى أنوثتها؟!
كيف ستقول لا، ونحن لم نعلمها غير كلمة "نعم" عندما تحصل الفتاة على حقها في الحرية والكرامة والمعرفة والمسؤولية؟ فكن متأكدا أنها ستدافع عن نفسها العزيزة الغالية، أما إذا هانت عليها إنسانيتها، ولم تجد غاليا أو نفيسا تدافع عنه بداخلها؛ فستكون آخر من يقاوم الظلم والانتهاك؛ لأنها تأقلمت مع أشكال أخرى منه، تحدث لها يوميا، ومن أقرب الناس إليها.
كيف سنطلب من فتاة أن تدافع عن بعض كرامة وحرمة جسد تنتهك يوميا بالإيذاء البدني، أو بالضرب عقابا أو عنفا من الأهل؟!!
ثالثا: لماذا لا تبدأ أنت وزوجتك في الاهتمام بالبحث والمتابعة، وبلورة أفكار محددة لاستئصال هذه الظاهرة. والمطلوب هنا قد يكون سلسلة من الدورات والتشريعات والإجراءات الكفيلة بمحاصرة هذا الجرم الذي يحدث يوميا للضحايا نساء أو رجالا.
لماذا لا نبدأ معا "مجموعة عمل" تضم المهتمين بهذه المسألة، وربما نستطيع بهذه البؤرة الصغيرة من الضوء أن نكشف ونعالج، ونتعاون مع غيرنا هنا هناك؟!
إن مستواك العلمي من ناحية، وتجربة زوجتك القديمة، وحُرقتكما في الشعور بهذه المأساة، ومنبر مثل صفحتكم هذه هي نقاط بداية لا بأس بها لانطلاق عمل مثل هذا.
وأنا مثلك يا أخي أبكى وأتألم على أحوالنا، ومعي الكثيرون والكثيرات ممن تحرقهم قلوبهم غيظا على ما نحن فيه جميعا من تخلف وهوان، ولكن الغضب وحده لا ينسف إلا راحة صاحبه، والدموع لا تغسل سوى مآقيها... ونحن نرجو من خلال أعمالنا أن ندفع لهم بالعمل، ونقاوم اليأس بالأمل؛ فكونوا معنا، أو دعونا نعمل معًا.
ويتبع>>>>: عمي جامعني... فهل أنا عذراء؟ م