إلا في البيت.. جريئة ومرحة ورائعة مشاركة
علاقتي بوالدتي وحكايتي مع الكسل...!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. هذه متابعتي للمشاركة السابقة: "إلا في البيت.. جريئة ومرحة ورائعة"... وبعد أن اكتشفت أصل المشكلة.. للكسل حكاية! لقد عرفت أين تكمن المشكلة في علاقتي بوالدتي وحكايتي مع الكسل...!
عندما بدأت أختي دراستها الجامعية وجب عليها أن تنضم لسكني الجامعي حيث تذهب بداية الأسبوع ولا تعود إلا نهاية الأسبوع، وبما أنها كانت تقوم معنا بأعمال المنزل فقد أصبح العمل مضاعفا، لكني كنت أقوم بالأعمال ولا أبالي بعد صلاة الفجر مباشرة: غسل الملابس ثم طبخ الفطور، صحيح أنني كنت أتذمر قليلا، وكنت أهون على نفسي، فأقول: عندما أذهب للجامعة بعد ثلاث سنوات إن شاء الله سأرتاح من أعمال المنزل، مثل أختي التي تذهب للسكن لمدة خمسة أيام، ثم بشكل طبيعي تكون مشتاقة لأعمال المنزل فتعمل مهما كان صعبا، نعم سأشتاق مثلها إن شاء الله وسأعمل بجد أيضا.. وما المانع إذا كان العمل يوما أو يومين بالأسبوع؟
ولكن بعد مضي ثلاث سنوات حدث ما لم يكن محسوبا؛ فليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وصلت للثانوية العامة وأنهيتها بنجاح والحمد لله، ولكن المصيبة أن مجموعي لا يسمح لي بدخول الجامعة مع أختي!!
يعني لا يوجد سكن داخلي، ولا صداقات من مناطق مختلفة، ولا راحة خمسة أيام من أعمال المنزل؟!
بلعت النتيجة والمجموع وذهبت أتجهز لأستقبل جموع المهنئين بالنجاح، وكلما قال أحد "ماذا ستفعلين بهذا المجموع؟"، أرد بكل ثقة: سأسجل في الكلية القريبة من منزلنا.. 15 دقيقة بالسيارة!! وليس هناك مشكلة.
لم أكن قد اقتنعت بعد بما يقولونه عن تلك الكلية وسمعة طالباتها المشتبه بها، وشهادتها المتواضعة التي لا ترقى لمستوى الشهادة التي ستحصل عليها أختي إلا إذا أكملت الدبلوم العالي؛ فإنه يساوي البكالوريوس وهو اختياري وليس إجباريا، وإنه إذا رسبت في مادة فعلي أن أعيد جميع المساقات (المقررات)، ولمدة سنة كاملة، والكثير الكثير من الكلام والشائعات منها الصحيح المعقول ومنها الباطل.
فأصبحت بين مهنئ سعيد ومشجع ينصح وآخر ينعى دخولي لهذه الكلية، بحزن وكأنها نهاية العالم، وأولهم والديّ العزيزان، وكنت قد نسيت أمر أعمال المنزل أو ربما تناسيت..
كنت أسمع الجميع يقول: اعتزلتِ أعمال المنزل للمذاكرة وتحصلين على هذا المجموع القليل؟؟
فاقتنع الجميع بأنه لا توجد علاقة بين أعمال المنزل وزيادة التحصيل العلمي..
علمت أنني على خطأ، كانت تقول لي أمي: "اذهبي وحضري الغداء"، فأقول: إني تعبة -ويكون نهاية الأسبوع- فأقول: لماذا لا تذهب أختي؛ فأنا التي فعلت أمس كذا وكذا، فتقول أمي: لكن أختك تعبة من الطريق 3 ساعات وأنت ماذا عندك؟ أقول: نحن ندرس ونتنقل من مبنى لآخر من الثامنة صباحاً وحتى الثانية مساءً، وأحيانا أنتظر الموصلات حتى 4:30 -وفي الانتظار تعب أيضا- فأعود للمنزل 5 تقريبا.. أليس من حقي أن أرتاح قليلا؟
لكن لم يقتنع أحد، وبدأ الجميع بإلصاق صفة الكسل بي؟ ومنهم من يعايرني بأني ملتزمة لكني ممن "يقولون ما لا يفعلون"..
ولكي أهرب من معايرتهم وتعليقاتهم، بدأت أتأخر في الكلية فلا أطلب من أحد أن يأخذني بالسيارة فأنتظر ساعتين أو ثلاثا حتى 4:30، أتجول خلالها في ممرات الكلية أو المطعم، ولكن معظم الوقت أمام الحاسوب وعلى النت؛ فكان الوقت حينها يمر بسرعة وهو ممتع كذلك..
وعندما أعود أنام ساعتين، ثم أبحث عن شيء يؤكل..
أحيانا كنت أجهز العشاء للجميع وأحيانا لنفسي فقط، وبعدها أجلس على النت حتى 11 أو 12 ليلا.. تتذمر أمي وبدأت تصفني بالكسولة، هذه الكلمة تثير جنوني..
بدأت أبحث عن متنفس آخر نشاطات اجتماعية، أو صداقات أخرى؛ فأنا أملك الكثير من الزميلات، وفي كل مكان؛ أعني في كل مكان تقريباً من الدولة، وهذا أفضل شيء فعلته وما زلت أفعله في حياتي، ولكن ما يحزنني أني لا أملك سوى صديقة قريبة واحدة فقط وعندي غيرها اثنتان، ولكن الفرق بينها وبين هاتين أني وهي نتبادل المشاكل والهموم، أما هاتان فإنهما تفرغان بمشاكلهما عندي في أي وقت ودون مراعاة مشاعري أو حالتي النفسية، كما لاحظت أن صديقتي لا تكف عن السؤال عن سبب ضيقي حتى تعرف وتخفف عني.. وأنا أيضاً أعاملها كما تعاملني، أما الاثنتان فإني لا أرى منهما اهتماما يذكر.. حتى اتصالاتهما لا تكون إلا وقت الحاجة (مبدأ الصديق وقت الضيق)، وهذا المبدأ على رأسي، ولكن أنا موجودة إذا أرادوني، ولكن أين هما إن أردتهما؟
صديقتي الأولى اقترحت علي الالتقاء بالماسينجر على النت، ففعلت.
عندما انخرطت في الأنشطة الاجتماعية والتطوعية التي تقام في مدينتنا بواسطة الكم الهائل من الزميلات والمعارف، كانت أمي ترفض ذلك وتقول بأن علي التطوع لأعمال المنزل خير من التطوع لخدمة الناس..
ولكن أرى أن أعمال المنزل شاقة ومتعبة وغير ممتعة، ولكن خارج المنزل العمل ممتع، وله طابع خاص، وأحبه ولا أمل منه أبدا مهما كانت ساعات العمل.. فهي ليست كنشر الغسيل وتنظيف الأواني وكنس المنزل وطبخ..
عندها تقول أمي -لم أتوقع-: لو كنت حصلت على مجموع جيد لكنت الآن في السكن الداخلي، ولن تقومي بأي عمل من أعمال المنزل، مع العلم بأن أمي طيبة القلب ومحبوبة من قبل الجميع، ولكنها لكونها أمية القراءة والكتابة فإنها ترى أن الكبار لا يحتاجون لكلمات الحنان مثل: "بنيتي حبيبتي" وغيرها من الكلمات التي نحبها، وترى أن الأمومة هي تربية في الصغر وتوفير المسكن والملبس والأمان، ثم إعداد البنت للزواج من خلال تعلم أعمال المنزل فقط.
لا أعرف ماذا أفعل؛ فأنا أغار من أختي كثيرا فهي تمدحها أمامي، أحاول أن أكون مثلها ولا أريد التعب.
وأغار من إخوتي الذكور؛ لأنها تحبهم؛ بمعنى إذا نام أحدهم في حضنها فإنها لا ترفض دوما، في حين إن تقربت منها تتعلل بأنها مريضة ولا تستحمل حرارة جسم أحد!! فبعدد المرات التي تستقبلهم تصدني.. والسبب أن عددنا نحن الإناث ضعف عدد الذكور، في حين أنها فقدت أحدهم في حادث سير، وتقول أحيانا: لقد أبقى الله لي هؤلاء الذكور؛ فلماذا لا أدلعهم وأحن عليهم أكثر؟... فأسكت ولا أرد!!
أرى أنها تساوي بيننا في العطية وتلبية المطالب، ولكن هم يزيدون علينا بأنها تلطف لهم الكلام،
ولا تنس –أستاذي- أنها تراني تلك الكسولة التي تثير الغيظ ولكنها لا تكرهني أبدا...
18/9/2025
رد المستشار
السلام عليكم ابنتنا المجتهدة...
سعيدة أنا برغم ما عاينته للوصول إلى المشاركات السابقة؛ فمشاركتك تعطيني الإحساس بأننا نكسب أبناء بالفعل.
لِمَ تغارين يا بنيتي من أختك وقد علمت أن الله سبحانه مقسم الأرزاق؟ فلك رزقك، وأختك لها رزقها، وما يزيد لديها لا ينقص مما لديك، والعكس صحيح.
لا تلقي بالا لكل ما يقال عن مستوى الجامعة حيث تدرسين؛ فالأيام تثبت أن الشخص المتميز هو كذلك، بغض النظر عن مكان تخرجه؛ فلم لا توجهين طاقتك بالفعل كي تتخرجي بامتياز، وأنا معك فيما تفعله نتائج الثانوية فينا، ولكنها في الحقيقة لا تتجاوز أقدار رب العالمين وأرزاقنا؛ فدعي عنك القشور وركزي على لب الأمور؛ فالمتفوق هو كذلك في كل مكان، وأي تخصص يختاره أو تختاره له الأقدار، وإن لم تتميزي في الثانوية لا يعني هذا تخليك عن الطموح فيما يليها من مراحل.
التمييز في المعاملة بين الأولاد موضوع مؤلم للجميع للأم وللأولاد؛ فالأم تشعر بعدم التقدير عندما يتهمها أحد أولادها بأنها تسيء معاملته بدرجة أعلى مما يشعر بها الابن، ولأكون صادقة معك أقول لك: نعم هناك تمييز في المعاملة بين الأولاد، وليس فقط على الصعيد المادي وهو غير الموجود في حالتك، ولكنه يطال الصعيد العاطفي، وفي بحث رصد الباحث أحد عشر سببا للتمييز في المعاملة بين الأولاد، تخيلي!! فهي ظاهرة ملموسة ومدروسة، وبالتالي فأنت لست وحدك في المعاناة، ولكن معظم هذه الأسباب يمكن للابن أن يوقفها؛ فمثلا نرى من تشتكي معايرة أمها لها بتدني تحصيلها، فيكون على مثل هذه الابنة أن تظهر اجتهادها في الدراسة بعيدا عن درجة التحصيل.
ومن بين أكثر أسباب الحصول على أو فقدان الدعم الوالدي كان الانصياع للأوامر بسلاسة ودون نقاش، وعليه فمن أراد أن يحصل على دعم الوالدين فليختر هل يريد أن يعبر عن نفسه دون اعتبار لموقف الأهل أم يستطيع أن ينتظر الوقت المناسب لمناقشة أهله فيما هو مطلوب منه؟.
عزيزتي إن الطريقة التي نعامل بها الآخرين تؤثر على الطريقة التي يتجاوب فيها الآخرون معنا، حتى والديك. من قال: إن أختك المغتربة عن المنزل تأتي مشتاقة فعلا للعمل المنزلي؟! هل نسيت أن عليها القيام بأمور حياتها كاملة طوال الأسبوع؛ بحيث إن لم تطبخ فلن تجد ما تأكله؟ وإن لم تنظف غرفتها فلن تتبرع والدة أو أخت نشيطة بهذا العمل عنها؟ ولكنها القيمة التي تعطى لعمل المنزل هي الفرق بينك وبين أختك؛ فبينما تنظرين له أنت على أنه مهمة سيئة ومملة لعلها تراه بابا من أبواب بر أمها وعونها على أمرها.
هلا فكرت عزيزتي في كل مرة تتقاعسين فيها عن مساعدة والدتك بمن سيقوم بهذا العمل!! هل تحبين نفسك أكثر من أمك؟ إذا كان الجواب نعم فلا تستغربي تفضيل أمك من يراعي مشاعرها على من لا يهتم إلا بنفسه، وإن كان الجواب لا، أريها عزيزتي اهتمامك بها وأعينيها في أمرها، حتى وإن كانت أعمال المنزل المملة.
أما عن كون عمل المنزل مملا فهو كذلك، نوعا ما، ولكن من قال: إن حياتنا يجب أن تكون مقصورة فقط على ما نحب؟ وهل إذا جاء يوم رأيت فيه أن في صلاة الفجر ثقلا عليك ستتملصين منها؟ أم أنك ستجاهدين نفسك للقيام بما هو مطلوب منك مرة بحب ومرة من منطلق الالتزام؟.
اجعلي لعمل المنزل قيمة بأنه طريق لبر أمك، عندها سترين أنه طريق سهل للجنة، انظري لإعداد العشاء لإخوتك على أنه رحمة منك لهم، والمؤمنون رحماء بينهم.
عندما تنضجك السنون ستعرفين كم هي قليلة مساحة ما نقوم به؛ لأنه نشاط ممتع، وكإنسانة راشدة فأنت قادرة على تنظيم وقتك بين الأنشطة الممتعة وغير الممتعة؛ فيكون اليوم صورة من الحياة فيها عطاء مقابل الأخذ.
أنا مثلك لا أحب الألقاب، بغض النظر سلبية كانت أم إيجابية؛ فهي تحصر الإنسان في داخلها، ولكن هناك مقولة ترى أن التغيير يأتي من الداخل، إذن غيري من نفسك كي تتخلصي من التسمية المزعجة.
أما عن الصديقات.. فاحمدي الله أن هناك من هي مقربة منك وتبادلك نفس درجة الاهتمام؛ فلا نستطيع مهما حرصنا على أن ننجح جميع علاقتنا بنفس الدرجة، ولعلك ترجعين إلى استشارة: "كيف تكسب الأصدقاء؟"، فمن المفيد أن يراجع الإنسان نفسه من وقت لآخر ليطورها ويصل بها إلى مستوى أحلامه.
تحياتي عزيزتي، وتابعينا بأخبارك.