أختي تكرهني
أكتب إليكم بعد أن ضاقت علي الأرض بما رحبت عسى أن أجد لديكم ما يضمد جرحي ويطفئ لهيب قلبي. فأختي لا تكف عن البوح إليّ بأنها تكرهني ولا تتردد في أن تدعو علي بأشد الدعاوي مثل الموت, الشلل, الحزن الدائم,.....
وحتى لا أطيل عليكم سأضعكم في تسلسل المشكلة من البداية.
أنا فتاة أبلغ 21 عاماً من العمر أما أختي التي تليني والتي أتحدث عنها فهي في السادسة عشر، وبيننا أخ ذكر، وهناك عدة أخوة صغار. مرت مرحلة الطفولة بشكل عادي ولكن المشاكل بدأت تظهر منذ عدة سنوات مع تزايد سلوك أختي المخالف دائماً، ويمكنني أن أعزو سبب المشاكل إلى عاملين أساسيين:
أولاً: أن أختي سمراء البشرة ورغم أن أحداً في البيت لم يشعرها بأي نقص أو انتقاد إلا أنها كانت تسمع بعض التعليقات من الناس التي ربما أشعرتها بأنها أقل جمالاً وهو ما انعكس على اهتمامها الدائم بأناقتها وشكلها ووزنها.
ثانياً: أنني وأخي كنا متفوقين دراسياً بينما كان مستواها متوسطاً مما زاد من شعورها بالنقص.
وانعكس هذا على سلوكها الذي مازال وإلى الآن يرفض كل شيء.
فهي مثلاً لا تأكل معنا بل وحدها, تعترض على معظم أصناف الطعام, ترفض القيام بأي عمل يطلبه أي أحد منها باستثناء أمي, تعترض على مستوانا الاقتصادي.....
وبينما بدأت أختي تتصرف بهذه التصرفات مع بداية مرحلة المراهقة فقد توترت علاقتها مع جميع أفراد الأسرة الذين كانوا يوجهون لها الانتقادات دائماً باستثناء أمي التي غمرتها بالحب والحنان مما جعلها قريبة منها جداً, بينما أبي لم يكن ينتقدها بحدة وكنت أنا دائماً أشد المنتقدين.
أما أنا فشعرت أن الحل لمشكلتها يتمثل في أن تجد مجالاً تتميز فيه وتثبت فيه ذاتها فحاولت إقناعها بالالتحاق بالمخيمات الصيفية أو بدورة لتعليم الكمبيوتر, أو بمركز لتحفيظ القرآن الكريم، إلا أن كل محاولاتي باءت بالفشل.
حاولت التقرب منها وإبداء التفهم أو تقديم الهدايا، لكن ما إن كانت علاقتي بها تتحسن قليلاً حتى تسوء أكثر من الأول، وأعترف بأنني أتحمل جزءاً من المسؤولية لأنني لا أستطيع أن أرى موقفاً لا يعجبني دون أن أنتقده, كما أنها عندما كانت تسيء إليّ كنت أذكّرها بما فعلته من أجلها مما كان يشعرها بنوع من التمنن.
على كلٍ فإن حساسيتها تجاهي ازدادت جداً مؤخراً دون أن أعرف السبب. فهي كما تقول لم تعد تطيق أن تسمع صوتي أو أن تنظر في وجهي، وعندما أقوم بمحاولة تلطيف الأجواء بأن أمدحها عندما تقوم بشيء ما تصرخ بأنها لا تريد أن تسمع مني أي شيء. وعندما أسألها عن أي شيء عادي لا تجيبني وكأنها لم تسمع.
وبمجرد حدوث أي احتكاك بيننا تبدأ تصرخ في وجهي بأنها تكرهني جداً وتتمنى لي الموت وكل سوء رغم أنني لم أتمن لها يوماً إلا كل خير ولم أبخل عليها بالمساعدة عند الأزمات وعندما يتخلى عنها الجميع...
لم يقل لي شخص في حياتي بأنه يكرهني فكيف وأنا أسمعها من أقرب الناس, كما أنني أشعر بأنها تقول كل كلمة من أعماقها وليس من أجل المكابرة فقط وهو ما يدمي قلبي. أما مشكلتي فهي أنني لم أعد قادرة على احتمال هذا الوضع ولم أعد قادرة على المسايرة أكثر فأرجوكم أن تنصحوني ماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيراً
29/07/2005
رد المستشار
أختي الكريمة:
أعتذر إليك بداية على تأخري في الجواب، وقد كنت كلما راجعت واجباتي ووجدت مشكلتك دعوت لك، فأسأل الله أن يكون حالك أفضل مع أختك، سألتِ ماذا تفعلين؟
وأقول لك: قبلا دعينا نراجع معا القيم الراقية التي أشرت إليها في رسالتك، إذ تحدثت عن كون الجفاء الصادر من أختك يقلقك ويقض مضجعك كيف لا، و هي أقرب الناس لك، وقد ذكرني كلامك هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، فإذا أراد المرء أن يختبر حسن أخلاقه فلينظر إلى معاملته لأهله، فإن وجد نفسه مقصرا عن الخلق الكريم معهم، فليعلم أن تمثله ذلك الخلق الكريم أمام الناس سوى أهله فيه نوع تلبيس من النفس، وطلب للجاه في قلوب الناس، لا طلب الرضا من الحنان المنان، وإلا لما اختلف حاله مع القريب والبعيد بل كان مع القريب أشد مراعاة، و أكمل صلة..
ومن حكيم ما سطره العقاد قوله-ما معناه- أن المحك الحقيقي الذي يعرف معه الإنسان نفسه على وجه التحقيق هو التجارب ، التي يستبين معها منزلته من الخلق القويم.
فهذه يا أختي تجربة تمرين بها، ومع أقرب الناس إليك، فأري الله من نفسك خيرا، بالصبر على أختك، والترفق بها، ومداومة الإحسان إليها وإن صدت وأعرضت، وذكري نفسك دوما بأن ما تقدمينه لها من خير وإحسان، هو في حقيقته إحسان إلى نفسك، فكأنها هي المتفضلة لا أنت، ثم إنك قد أدركت أن تصرفاتك مع أختك كان لها دور كبير في نفورها عنك، وأريد أن أقف مع التصرفين اللذين ذكرتهما، وهما الانتقاد المستمر، والمن، وكل واحد من هذين التصرفين كفيل بتدمير أشد العلاقات قوة، بل كلاهما مذموم شرعا لما يؤديان إليه من فساد، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم الترفق بالمخطئ، ومراعاة أحوال الناس، ونفسياتهم، وأعمارهم، في الخطاب، بل ونص القرآن على النهي عن اتباع الصدقة بالمن والأذى، وإحسانك إلى أختك صدقة تتصدقين بها عليها ظاهرا وعلى نفسك حقيقة.
أقدر صدقا يا أختي أنك إنما كنت تفعلين ذلك بدافع الرغبة في تجنيبها الخطأ، وتذكيرها أنك فعلت كذا وكذا لأنك تحبينها، لكن الرسالة التي تصلها من تصرفك أنك إنما تفعلين ذلك لأنك ترين نفسك أفضل منها، كما تثيرين كوامن الشعور بالنقص فيها -لاسيما أنها في مرحلة المراهقة حيث تكون رؤيتها عن ذاتها مشوشة- وهذا يشعرها بالتضاؤل والوحشة منك.
كلنا نحتاج إلى مراجعة الرسائل التي نوصلها إلى من نحب، ولا نكتفي بحسن النوايا، ونراعي اختلاف الشخصيات، وتباين النفسيات، ودوما هناك أمل في الوصل، مادام الإنسان صادقا في طلبه، وكان الطرف الآخر طيب النفس وهكذا أختك وإن بدا لك منها غير ذلك، إذ أنك ذكرت أن علاقة والدتك بأختك جيدة، بل وأن علاقتك بأختك تتحسن أحيانا، مما يدل على أن التوتر الحالي عرض طارئ سيزول -إن شاء الله- بزوال أسبابه، فلا تستفزنك تصرفاتها، ولا يحبطك دعائها، واعلمي أن شعورك بالمرارة لما آل إليه الحال بينكما هو دلالة على يقظة قلب وفقك الله إليها، فاحمدي الله على ذلك، وأدي شكره بمجاهدة نفسك في التعامل الأكمل مع أختك، ولعل من المناسب أن تجعلي الفعل يعبر عن حبك لها وحده أولا، كأن تتحملي عنها بطيب نفس وصمت بعض أعباء المنزل، أو تتنازلي عن بعض حقوقك لأجلها، دعي فعلك يتحدث عنك، وثابري على ذلك، ثم إذا ما لمست تبدلا إيجابيا منها نحوك فحاولي أن تشرحي لها بهدوء أنك تدركين أنك قد أخطأت بحقها، وأن خطأك ليس مقصودا، وأنك تعتزين بها كأخت وأثني بصدق على جميل صفاتها، قد يأخذ الأمر منك شهورا طويلة لتصلي إلى هذه المرحلة، فلا تفتر همتك، وتقربي إلى الله عز وجل بذلك، فصلة الرحم من أعظم القربات دينيا، ومن أسمى الفعال إنسانيا، واستعيني بالدعاء في جوف الليل أن يهبك الله الحكمة، وأن يصلح ما تغير من حالكما، فلن يخيب الله مسعاك. أسأل الله تعالى أن يبدل ما بينكما من وحشة إلى أنس، ومن نفور إلى قرب، وأن يجمع قلبيكما على ما فيه رضاه. والله ولي التوفيق.