تحكم الآباء في مستقبل الأبناء..!؟
أنا أبلغ من العمر 23 عاما أحب شابا يبلغ من العمر 24. وهو متخرج من إحدى الكليات العسكرية وباقي عام ويصبح نقيبا، وأنا أحبه جدا وهو أيضا، وعندما تخرج طلب من والده الارتباط مني ولكنه رفض بشدة كبيرة إلى أبعد حد، والسبب الوحيد لهذا الرفض: أني ليسانس آداب وهو يطلب على الأقل دكتورة، ووالدة هذا الشاب تحبني هي وأخواته ولكنهم لا يستطيعون إقناع الأب فماذا أفعل؟
وهذه المشكلة مستمرة لأكثر من خمس سنوات أعمل إيه في هذا الشخص المعطل حياتنا رفضني وهو حتى لا يعرف اسمي وبيقول للولد: أنا حختار لك وحدة على ذوقي. هوه في كده في الزمن ده!!! إذا كانت البنت هي اللي بتختار مين حتتجوزه.... علما بأن أهلي غير طماعين مع أني وحيدتهم، وأنا أقف بجوار هذا الشاب لبناء مستقبله دون الاعتماد على والده المتسلط.
ونحن أسرة جيدة تربينا أحسن تربية والحمد لله... طيب الرجل ده عايز إيه وأعمل إيه؟؟
25/08/2005
رد المستشار
أهلاً يا مروة, أحب قبل أن أبدأ إجابتي على سؤالك أن أهنّئك برمضان: فرمضان مبارك بإذن الله عليك وعلينا وعلى الأمة الإسلامية كلها.. نسأل الله تعالى العون والقبول.
وسأل الله تعالى أن يلهمك الرشد والصواب وأنت تصنعين قرارك المصيري في الزواج الميمون بإذن الله.
أولاً أريدك أن تعرفي أن الزواج مسؤولية وتبعاته كبيرة, فالزواج سكن نفسي وشراكة طويلة الأمد بين الشاب والفتاة , ولهذا فهي المهد الذي سيولد في حضنه الأطفال, فيجب أن يكون مهداً صالحاً لاستقبال وتربية إنسان جديد ليتربى بطريقة سوية فيخرج للدنيا وهو قادر على إعمارها بالطريقة التي يحبها الله تعالى ويرضاها..
ولهذا فإن هذا الزواج إذا اكتنفته المشاكل منذ البداية, فإن سوء تعامل الزوجين معها سيكون كفيلاً بتدميره, ليس بالضرورة أن يكون دمار الزواج بالطلاق, فكم من حالات زواج مدمر ولا يزال الزوجان يعيشان معاً وفي بيت واحد, ولكن في حال يرثى لها, حيث فقد زواجهما أبسط مقومات الزواج, فغدا البيت مهداً سيئاً لا يفرز للمجتمع إلا ممسوخي الشخصية والنفسية الذين يخربون في المجتمع ولا يعمّرون, إلا من رحم ربك..
إذا كانت هذه الرؤية للزواج واضحة في ذهنك وفي ذهن شريك حياتك, عندها فقط تستطيعان أن تتعاملا مع العقبات التي تقف في طريق زواجكما فتتجاوزاها بدون أن تترك آثاراً سلبية تقوّض دعائم أسرتكما..
وأولى العقبات –ولن تكون آخرها- في حالتك: عدم موافقة الوالد على زواج ابنه بك,
أولاً:لا تنسي أنه والد من قد سيصبح زوجك, وبالتالي جد أولادك, العلاقة بهذا الرجل -الذي أنت غاضبة منه الآن وتكرهينه- وثيقة جداً, وليس من الممكن أن يستقر زواجك لو تحقق, إذا بقيت علاقتك به هكذا.. لا يغرّنك أن الشاب منزعج من والده, فهذا لا يبرر أن تتكلمي عنه بسوء, لأنه يظل والده, ويظل الشاب يحزن إذا رآك تتحدثين بسوء عنه, وهذا أول الشرخ في بيتك الذي لم يُبن بعد..
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحزن كثيراً إذا تكلم أحد الناس بسوء عن عمه أبي لهب رغم أنه بقي كافراً بل ومعادياً لرسالته. حتى انه كان يطلب من حسان بن ثابت رضي الله عنه حين يقول شعراً في هجاء قريش , أن ينتبه لئلا يدخل عائلة النبي وأقربائه في الهجاء..
ثم إن هذا الوالد يفعل ما يراه في مصلحة ابنه, وهذا ما ستقعين فيه أنت أيضاً حين تصبحين أماً, ستختلفين مع أولادك حول أشياء يريدونها ولا تريدينها, لماذا لا تريدينها؟ لأن خبرتك في الحياة علّمتك أن تختاري على نحو معين, هذه الخبرة التي لا يعرفها الأولاد, تماما مثل هذا الوالد الذي قد خبر الحياة ورأى احترام الناس للمهندس والدكتور والمستقبل المادي الجيد لهما دون غيرهما من الناس, ولهذا أراد لابنه الحياة الأفضل من وجهة نظره, لا يعرف هذا الوالد أن الأمور تتغير, ولهذا لازال يريد لابنه أن يحيا وفقاً للقيم التي كانت سائدة في عصره هو ..، يعني من الآخر, هذا الوالد لم يخطئ في إرادة الخير –من وجهة نظره– لابنه.. بل هو مشكور على هذا التوجيه وهذا النصح.
ثانياً:الزواج نصيب, ولكن هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي بانتظار الظروف والأحداث , بل نبذل كل جهدنا للحصول على ما نريد ولكن بعد الاستشارة والاستخارة , وعندها إذا تعسّر حصولنا على ما نريد فهذا يعني أن هذا هو الخير.. أنالا أقول بأن تستسلمي وترضخي لرغبة الوالد الذي لازال متأثراً بأسطورة "دكتور ومهندس" كما هو شأن مجتمعاتنا.. ولكن ابذلي كل ما بوسعك لإقناعه , طبعاً ليس أنت بل الشاب وأمه وأخواته, وأعتقد أن الوالد حين يرى هذا الإصرار من كل أسرته سيرضخ في النهاية حتى لو لم يغير رأيه , أي حتى لو بقي يرى أن الأصلح لابنه هي الدكتورة..
أعتقد أنك تتوقين لتعيشي حياة مستقرة هادئة لا تعصف بها أعاصير المشاكل التي قد تدمرها, وهذا كله يحتاج منك حنكة وحكمة في إدارتها بدءاً من الوالد المعارض , إذا حصل نصيب وتزوجت فاحذري أن تعامليه كما لو كنت أنت القائد المظفر المنتصر , نحن لسنا في معركة, والبيت المستقر الذي تغشاه المودة والرحمة لا يمكن أن يُبنى على أشلاء الكرامة الممزقة.. بل توددي له وارفقي به, فمهما كان سيبقى هذا الرجل هو جد أولادك, وهو رجل مسن والله تعالى تعهّد لمن أكرم شيبة إنسان أن يكرم هو أيضا شيبته..
بل مطلوب منك ما هو أكثر من ذلك: أن تعيني زوجك على بر والده رغم أن هذا الوالد لا يريدك. أمر صعب أليس كذلك؟
ولكن هذا الأمر الصعب لن يجر عليك وعلى بيتك وعلى زوجك وأولادك إلا كل خير.. فهذا بر والدين يا عزيزتي.. وما أدراك ما بر الوالدين؟؟
وسأقص عليك الآن قصة واقعية تثبت هذا المعنى..
أعرف رجلاً من أقاربي, تزوج منذ سنة 1990, وبقي سنوات ولم يُرزق بأولاد, حتى أن أهله أرادوا تزويجه امرأة أخرى ليُرزق منها بالولد, بل إن والده كان يقول كلمة صارت شهيرة في العائلة: لو لم يبق في عمري إلا يوم واحد, فإنني سأزوجك حتى ولو غصباً عنك, ولكن الابن يرفض الزواج من أخرى رغم أن كلام الأطباء أن امرأته عاقر ولا أمل لها في الإنجاب, ورغم كل المحاولات الفاشلة في اتباع طرق التخصيب الصناعي و...... الخ.
ولكن الرجل ثابت, ولا يقول إلا كلمة واحدة: لو أن الله تعالى سيرزقني بالولد, فمن زوجتي هذه..
وقد رزقه الله تعالى فعلاً بعبد الرحمن, وعمره الآن شهران.. ولكن بعد أن أثبت هذا الابن براً منقطع النظير بوالده.. فمنذ عام 2000 وقع الوالد طريح الفراش بشلل رباعي, ومنذ وقوعه وحتى هذه اللحظة بقي ابنه هذا مداوماً وملاصقاً له, لا أحد يطعمه غيره, ولا أحد يعطيه أدويته غيره, بل لا أحد يدخله الحمام ليقضي حاجته غيره, ولا أحد ينظفه غيره. وبكل ود وحب ورحمة ومزاح وملاطفة لهذا ا لوالد الذي فقد نصف وعيه مع فقده لقدرته على الحركة..
انبهرت فعلاً عندما رأيت بره بوالده الذي كان مصراً على التفريق بينه وبين زوجته التي يحبها, حين وقع هذا الوالد أسير المرض والعجز.. وانبهرت أكثر حين كنت أرى طيبة زوجته ومعاملتها الرائعة مع أحمائها الذين يريدون تزويج زوجها!!
البر يا عزيزتي يصنع المعجزات وحملت الزوجة, وولدت ابناً انتظرته هي وزوجها خمسة عشر عاماً!!
فالحمد لله على هذه الهدية الربانية, وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا الصبي قرة عين لوالديه في الدنيا والآخرة.. آمين..
وأسأل الله تعالى أن يلهمك الرشد والصواب في بناء مستقبلك وفي الاختيارات الهامة والمصيرية في حياتك, ولا تنسي اللجوء لله تعالى واستخارته وطلب المعونة منه في ذلك, خصوصاً وأننا في أيام مباركة فضيلة الدعاء فيها مجاب بإذن الله..
رمضان مبارك إن شاء الله, وبانتظار سماع أخبارك الطيبة..