الرجوع إلى الوراء
أنا سيدة متزوجة من 3 سنوات ولدي طفل، في الحقيقة لا أستطيع القول أني سعيدة ولا أشعر أني أتعس امرأة في الوجود، لأني حين أفكر بموضوعية أجد حتما من هو أتعس مني.
نشأت في أسرة مترابطة محبة، لم تقصر أمي تجاهي أو تجاه أحد من أخوتي، لا أنكر أنني أختلف معها في بعض الأحيان بسبب طريقة معالجتها لبعض المشكلات: فهي مثلا ربتنا جميعا بنفس الأسلوب بغض النظر عن شخصية كل منا.
أكثر ما ضايقني في طفولتي أنني كنت تقريبا شخصية مثالية كما تقول أمي إلا أنها لم تشعرني يوما آنذاك بأنني مجتهدة مثلا أو تقول لي كلمة مديح لأنني كنت الطالبة المثالية في المدرسة، كنت أسمع دائما كلمات الشكر والمديح من معلماتي وأقربائي، وكنت مستعدة أن أتفوق أكثر حتى أنال ولو كلمة مديح واحدة منها إلا أنها دائما كانت تشعرني أنني أصبحت كذلك لأنها ربتني جيدا وليس لأني أختلف عن بقية إخوتي بأني كنت الفتاة المطيعة المثالية.
ولهذا كانت مطمئنة تجاهي فأهملتني كثيرا فأتذكر مثلا أني كنت أقضي معظم وقتي مع الخادمة حتى أحسست أنها أمي، بينما يقضي أخواتي أوقاتهم مع أمي فأختي الكبرى كانت عنيدة متعبة، وأخي كان يعتمد الاعتماد الأكبر على أمي في مذاكرته، فأحسست بأن لي عالما مختلفا عن إخوتي وأما مختلفة.
فانطويت على نفسي كثيرا معتبرة أن الخادمة لي وحدي دون أخوتي، وحين دخلت مرحلة المراهقة لم تصبر علي أمي محاولة أن تفهم حساسية هذه المرحلة، بل كانت تضربني كلما اختلفت معها، كنت أقول لها: أنني أمر بمرحلة صعبة حاولي أن تفهميني أن تتخذيني صديقة أن تسمعيني وإن أخطأت لا تعنفيني، فكانت تسخر مني كثيرا وتقول لي: أنني تأثرت بالكتب والأفلام التي كنت أشاهدها، كنت في الحقيقة أشعر أنها بعيدة عني كثيرا وأني بسفر الخادمة لم يعد لدي أم حنونة.
فاصطدمت مع أمي كثيرا لأني لم أكن أفهمها، وهي كانت تبالغ في السخرية مني ومن مشاعري، وهكذا كلما حاولت أن يكون هناك حوار مع أمي كان ينتهي بالصراخ والسخرية مني حتى صرت أفضل أن أفضفض لصديقاتي، وأنا والله لست سيئة حتى تهملني أمي.
ومرت فترة مراهقتي بسلام بدون أخطاء، بالرغم أنني أحببت كثيرا ولكن دائما كان حبا صامتا فلا أسمح لأحد أن يجرني إلى شيء أستحي أن أظهره ولم أسمح لنفسي أن أتعرف إلى شاب من وراء أهلي، ولكني لم أشعر يوما أنها سعيدة من تصرفاتي، بل لم تحاول حتى أن تتحاور معي حتى في أيام الامتحانات لم تكن تسألني ماذا عملت بل كانت تسأل أخي لأني كما تقول (ما بينخاف عليكي) نعم أعرف ذلك، ولكني موجودة أحب أن أشعر بالاهتمام بالسؤال ليس لأن عقلي كبير وليس لدي تصرفات أخجل منها أن يقل اهتمامها بي وتهتم بإخوتي الذين يشغلون تفكيرها وبالها.
لماذا لن ينتبه الناس للفئة قليلة المشاكل الخجولة المهذبة؟ ربما أكثرت من الحديث عن الماضي ولكن أشعر أنه يتعلق بحاضري وبشخصيتي الحالية، فلقد تغيرت كثيرا أصبحت أكثر قوة وصرت فعلا عبدة بكل معنى الكلمة، أشعر بأني وحيدة وهادئة ومطيعة فأكره نفسي و أحاول أن أكون أكثر صخبا وحياة، أشعر أني منسية بالرغم من أن أمي تغيرت وأصبحت أكثر اهتماما بي، ولكن الماضي مازال متشبثا بي.
لدي مشاكل لا حصر لها مع زوجي، وحين قررت أن أكتب لكم كنت سأكتب مشكلتي معه، فوجدتني أكتب عن طفولتي البعيدة.
فما رأيكم هل الماضي يؤثر في حياتي إلى الآن مع أني أحب أمي كثيرا، ولكن لا أستطيع أن أجلس معها لوحدي أظل قلقة طوال الوقت ولا أستطيع أن أضمها إلا نادرا، ولا أستطيع أن أظهر لها حبي، أشعر أن بيننا حاجزا كبيرا، حتى أسراري لا أحكيها إلا لرفيقاتي ولدي دائما عقدة ذنب أنني لا أستطيع مصاحبتها....
مع الشكر الجزيل لكم
ولكم كل المحبة والاحترام
25/08/2005
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، أرسلنا استشارتك إلى مستشارتنا أ. مانيفال أحمد وهذا ردها :
لا شك يا حبيبتي أن الماضي يؤثر على الحاضر وأن الحاضر يؤثر على المستقبل..
ولهذا وجب عليك الاستفادة من تجارب الماضي عند التعامل مع المستقبل..
قلت أنك لطالما كنت ناجحة، وأنك كنت تسمعين المديح ممكن حولك ولكنك لا تسمعينه من أمك..
أنا معك في أن هذا بالتأكيد له أثر نفسي سلبي عليك، لكن تأكدي من أن والدتك لم تكن لتقصد هذا، فعادة ما يقال: الناجح ما يتخافش عليه، وهذا ما كانت تقوله هي لك، لهذا قد تجدينها أكثر اهتماما بأخوتك منك، وربما هذا يفسر لك شعورك بأن والدتك كانت تتجاهلك، ولكن هذا ربما كان ثقة زائدة في أنك أهل لأن تتحملي مسؤولية نفسك مبكرا، غالبا ما يحدث هذا إن كنت الكبرى، أو أنك ذات شخصية قوية ومسؤولة –لم تذكري لنا ترتيبك بين إخوتك-.
طبيعي جدا أن يشعر الإنسان بالحاجة إلى سماع المدح والتشجيع والشعور بأنه محل اهتمام ممن حوله خاصة المقربين له، لاسيما الوالدين.. وهذه فطرة فلا تنزعجي منها.. ولكن ألا تعتبرين قولها عنك أنك كنت مثالية وأيضا ثقتها فيك وفي أدائك بقولها إنك (ما بينخاف عليك) مدحا في حد ذاته؟
شيء آخر....
غالبا ما تختلف نظرة الأم لأبنائها وكيفية علاقتها بهم مع اختلاف أعمارهم وأحوالهم، فتعاملها معهم ونظرتها لهم وهم صغار يختلف عنه وهم في مرحلة المراهقة التي تكثر فيها المشاكل والنزاعات، لتبدأ بمصاحبتهم في مرحلة الجامعة مثلا، لتختلف المعاملة تماما عند الزواج ووجود أحفاد.. هذا ما يحدث غالبا.. وهذا ما يؤكده أيضا كلامك
لن أتحدث عن الماضي أكثر من هذا.. ليس تجاهلا مني ولكن....
أصبحت الآن أكثر قوة كما تقولين، فلماذا لا تشعرين بقوتك؟ لا تستهيني بنفسك واكتشفي القوة التي بداخلك، وتعلمي كيف توقظيها، لا تتجاهلي نفسك وأحبيها، فأنت من سيمدها بالقوة والثبات والأمل..
تحدثي إلى نفسك بشكل أكثر إيجابية.. فإذا ما شعرت مثلا أنك عديمة الثقة في وقت ما فليس معنى ذلك بالطبع أن الآخرين يعرفون ذلك ويشعرون به.
تأكدي أن رؤيتك لنفسك وحديثك الداخلي لها سيؤثر على أدائك لا تحدثي نفسك أو تتحدثي عنها بسلبية، فالمشاعر السلبية تضخم الأمور.
فالهدوء والطاعة التي تشتكين منهما صفات أنت من يسخرها ويستفيد منها أو لا يستفيد....
لا تقارني نفسك بغيرك، فأنت لست مثلهم، وقد حباك الله بأشياء ونعم وصفات وطاقات كثيرة فابحثي عنها وأخرجيها إلى النور
للأسف لازلنا نفتقر إلى الثقافة التربوية الصحيحة.. فلا تلومي والدتك كثيرا، وإنما انتبهي لنفسك ولمعاملتك لأبنائك ولا تسمحي للماضي بأن ينسج خيوطه حولك فيمنعك من تحقيق الكثير
اقلبي الصفحة التي بداخلك وابدئي من جديد:
خططي لنفسك ولطفلك –اسأل الله أن يبارك لك فيه ويرزقك بره- كيف ستعاملينه وكيف ستقومين بتربيته وتنشئته والتعامل معه، وتقربي من والدتك فلا تعرفي كم بقي في العمر لأي منكما، والتمسي لها العذر على ما كان وادعي لها بالمغفرة، فهي طريقك إلى الجنة، ولا تستسلمي لشعورك بأنك منسية، فإن لم تسعي لإثبات نفسك وإظهارها فلن يراها أحد ولن يقوم غيرك بهذا لك..
هيا قومي ووابدأي رحلة التغيير وتابعينا بأخبارك..
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، ونعتذرُ لتأخرنا عليك، ليست لدي إضافة بعد ما تفضلت به الأستاذة مانيفال أحمد، غير أن أخبرك أننا في انتظار ما كنت قد نويت كتابته لنا عن الحاضر، لكن أخذك منه الماضي، فكنت موضوعية لكن انزلقت في الماضي، نحن فعلا في انتظار مشكلتك الحاضرة -إن كانت ما تزال-، ونحييك على كثيرٍ من التوازن ظاهرٌ بين سطورك، ونسأل الله أن ينعم عليك بالرضا عن كلٍّ وبالطموح لإرضائه سبحانه كل المستقبل، وسامحينا على التأخير ولا تنسينا من دعائك الطيب.