مشاكل طلابية..
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا بعد قراءتي لبعض مشاكل الطلاب ووجدتهم يروون مشاكلهم بدون خوف لذا أردت أن أحكي لك مأساتي. ألا و هي: *المواقع الإباحية* فأنا أستغل وجودي وحدي في المنزل لأشاهدها على الانترنت وكل ما أحزن عليه هو أنني أتوب إلى الله ثم أرجع لمعصيته بصفة مستمرة..
فأنا أريد أن أقلع عن هذة العادة السيئة. والحمد لله أنني لا أفعل العادة السرية وحتى لا أعرف ما هي. فأنا في الثالث الإعدادي. وأيضا مستواي متدني في الدراسة بسبب اللعب المستمر في البيت. إني أخاف على نفسي فأنا في مرحلة البلوغ يعني كل ما أفعله سيترسخ علي في الكبر..
أرجو الاستجابة..
وعذرا على الإطالة..
11/11/2005
رد المستشار
أهلاً بك يا "علي"، كل عام وأنت بخير وأمتنا الاسلامية كلها بألف ألف خير..
كنت أود أن اجيب على مشكلتك في رمضان لأستفيد من طاقة وقوة رمضان الروحية، ولكن لم أتمكن من ذلك، وكله خير بإذن الله....
مشكلتك يا صغيري في جوهرها هي مشكلة قطاع واسع جدا من أمتنا العربية والإسلامية، وما الانشغال بالمواقع الاباحية كما في حالتك، وبالعادة السرية كما في حالات غيرك إلا تجلّي لهذه المشكلة العميقة جداً، وهي: الفراغ، الذي إذا ما أضفنا عليه ارتفاع قيم المتع الحسية وأولها الجنس - كما يروّج لنا إعلامنا-، نكون قد وصلنا وبجدارة إلى: إكسير الضياع، الذي هو حالنا الآن ..
هذا الضياع الذي تخطّى حالة الضياع الاجتماعي والأخلاقي والعلمي ليصل بنا إلى ضياع الأرض والبلد، الواحدة تلو الأخرى.... كما ترى الآن:لا أريد من كلماتي هذه أن تبث في نفسك الشعور باليأس والقنوط، بل أريدها أن تفتح عينيك على ما لم تره بعد، أريد من كلماتي هذه أن تكون محطة تستوقفك لتسأل نفسك:
من أنا ؟
ولماذا خُلقت في هذه الحياة ؟
وهل أنا راضٍ عما فعلته حتى الآن في حياتي ؟
وهل يليق ما أفعله بكرامتي كانسان عزيز كريم ؟
ماذا أضافت هذه المواقع لي ؟
وماذا أفقدتني ؟؟
أول ما تفقدك إياه هو "الحياء"، وهو ليس بالأمر الهيّن، لأن فقد الحياء =فقد الإيمان، فقد قال حبيبنا رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام : الحياء والإيمان قرناء جميعاً ، وإذا ذهب أحدهما يوشك ان يذهب الآخر...
أريدك أن تسأل نفسك :
هل أريد الاستمرار على هذا النحو إلى أن أموت؟
ثم ماذا بعد الموت؟
هل من حساب على ما فعلته وعلى ما عشت من أجله ؟؟
ثم هل من جزاء ؟
حين تجد الإجابات الشافية لهذه الأسئلة، وحين تملأ قلبك وعقلك، عندها فقط ستستطيع التحكم بحياتك وقيادة نفسك في الاتجاه الذي تريده أنت، وتنتهي حالة الضياع التي تقودك إليها نفسك وشهواتك إلى غير رجعة، فلا مواقع إباحية ولا أي شيء يمكنه أن يعرقل مسيرتك نحو أهدافك ويسيطر عليك من جديد ، لماذا ؟
لأنك أصبحت قوياً بأهدافك وإيمانك... ومن ثم بعملك وسعيك واجتهادك.
تقول إنك حتى الآن لم تمارس العادة السرية ، وتقتصر على دخول المواقع الإباحية، وأنا أقول لك : هذا أول الطريق فقط، الوصول إلى الهاوية يبدأ بالانزلاق خطوة خطوة وليس دفعة واحدة، وهذا من طريقة الشيطان معنا ليهوّن في أعيننا أمر المعصية، حتى إذا فعلناها أخذ يعمل على تهوين الخطوة التالية... وهكذا إلى أن ينتهي بنا في القاع تماما... هل تعرف ما هو القاع الذي يعمل الشيطان على أن يوصلنا إليه؟ إنه الكفر، لا تستبعد الوصول إلى هذا القاع، فلن تصل إليه من أول خطوة، بل بخطوات وخطوات... ولكن في النهاية ستصل والعياذ بالله إن بقيت تتبع خطوات الشيطان.
ألم تر كيف أن الله تبارك وتعالى نبّهنا على ان لا نتبع خطوات الشيطان في أكثر من موضع في القرآن، فقال :
"يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين*إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون" البقرة 168-169
"يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" البقرة 208
"يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتّبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر" النور 21
ومع ذلك فإذا بنا ننخدع بتزيينه لهذه الخطوات فنسير وراءه على دربه، وهل سيوصلنا طريق الشيطان إلى أي خير ؟؟!!
أنت لا زلت في مقتبل عمرك، ولازالت أمامك حياتك لتصنعها كيف تشاء، فلا تهدر وقتك وحياتك، وإلا فسيأتي اليوم الذي تفيق فيه لنفسك ولكن: ولات ساعة مندم، وأعيذك بالله أن تكون ساعة الندم هذه بعد الموت حين لا ينفع الندم، بل الحمد لله أنك تندم من الآن على توبتك المنتهكة بالعودة إلى المعصية، والحمد لله أن فطرتك لازالت سليمة تصرخ مستنجدة كلما لوّثتها برؤيتك لهذه المواقع الخبيثة، ولكن إلى متى ستظل فطرتك تقاوم وتصرخ ؟
أما تخاف من ذلك اليوم الذي تُنكّس فيه الفطرة بسبب استمرارك على العودة إلى الذنب فلا تعود تصرخ ولا تعود تحس أصلاً بأن المعصية تلوثها ؟
أما سمعت قول الله تبارك وتعالى في وصف أولئك الذين لم يعودوا يستطيعون رؤية الحق أو الإحساس به: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"... بسبب أعمالهم التي اقترفوها ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم...
بل إن النبي وصف لنا هذه الحالة بالتفصيل في قوله "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}" (رواه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه).
أما تخشى أن تصل إلى هذه الحالة ؟
ماذا لو مت وأنت على هذه الحالة ؟
بماذا ستجيب حين يسألك الله عن عمرك فيم افنيته ؟
هل ستقول : بالنظر إلى عورات الناس على المواقع الإباحية ؟
الله عز وجل يقبل التوبة عن عبده ولا يمل من المغفرة حتى يمل العبد من الاستغفار، ولكن إذا وجد الانسان نفسه يذنب ويعود للذنب عشرات المرات فليعلم أن هذه التوبة التي تابها ليست توبة نصوحاً، لأنها لم تنهه ولم تردعه عن الذنب، ولم تحمله على الوفاء بما عاهد الله عليه من عدم العودة للذنب، وبالتالي عليه أن يبحث في نفسه عن أسباب عدم الوفاء، هل هي : غش واستهتار بالله عز وجل واغترار به جل وعلا ؟ وهذا من الشيطان "وغرهم بالله الغرور" – عدنا إلى خطوات الشيطان.
أم هل السبب هو أن الانسان لم يدعّم توبته بالعوامل التي تساعده على الوفاء بها ؟
فمثلاً : مدمن الواقع الإباحية، إذا أراد التوبة عليه أن يفلتر هذه المواقع على جهازه، وإن لم يستطع فليلغ النت كله من حياته ، وإن لم يستطع فليلغ الكمبيوتر أصلا.... وهكذا إلى أن يصل إلى الصيغة التي تعينه على الوفاء بهذه التوبة.
الأمر يا "علي" خطير، خطير فعلاً، فلا أخطر من الاستهانة بعهودنا مع الله عز وجل، ولا أخطر من الاستهتار بحياتنا وأوقاتنا وقدراتنا، ولا أخطر من حالة الضياع التي يعيشها شبابنا... وسنظل نفقد بلادنا الواحدة تلو الأخرى ما دمنا سكارى بخمر المتع واللذات... إلى أن يأتي اليوم الذي لا يبقى لنا فيه مكان على وجه الأرض، وعندها ستكون الإبادة ولن يسأل عنا أحد : لا المجتمع الدولي ولا حقوق الانسان ولا أي شيء، كيف سيهتمون لأمرنا إن كنا نحن أهملنا أنفسنا ولم نهتم لها ؟؟
وما أمر مجزرة سربرنيتزا ببعيد.. بل ومنذ سنوات قليلة فقط !
أين كانت العدالة الدولية ؟
أين حقوق هؤلاء البشر الذين ذبحوا والذين لا يعلم إلا الله عددهم ؟؟؟
نسمع صرخات هنا وهناك، فقط من باب فض العتب، ولكن هل هناك كرامة حقيقية وحرمة حقيقية لدمائهم؟
لا... لماذا ؟
لأننا كمسلمين هنّا على أنفسنا فكنا على غيرنا أهون...
ضيعنا أنفسنا، فكان غيرنا لنا أضيع....
هذه هي القصة، المواقع الإباحية = ضياع، والضياع = الضياع بكل معنى الكلمة وعلى كل الأصعدة، وها قد وصلنا إلى آخر فصول هذا الضياع: ضياع دمائنا وبلادنا...
أرأيت كيف أن مشكلتك ليست بالبسيطة؟
اعذرني، فلربما بدت لهجتي قاسية قليلاً، ولكن هذا طبيعي في ظل الأوضاع الراهنة، بل إن من غير الطبيعي أن أظل على هدوئي المعتاد وأنا أنتظر أن تدكّ بلدي بعد قليل.... وأنا أرى سكين المقصلة تشحذ لتجتز بها رؤوسنا.... بعد أن اجتزت بها وكخطوة مبدئية : كرامتنا وعزتنا.... وما كان أعداؤنا ليتجرؤوا علينا بهذا الشكل لولا أننا أعطيناهم الضوء الأخضر حين أحببنا الدنيا وكرهنا البذل والعمل والتضحية لله عز وجل، فنُزعت مهابتنا من قلوبهم، وكشفوا عن وجههم الحقيقي في التعامل معنا: وجه الاستعباد والاحتقار.
ماذا الآن؟
عليك أن تتخذ قراراك وعلى وجه السرعة: إما أن تظل على ما أنت عليه، تذنب وتتوب ثم تنقض التوبة بالعودة للذنب من جديد... وحينها لا تنتظر حياة طيبة، فالحياة الطيبة هي للذين يعملون الصالحات فقط "من عمل منكم صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة"
وإما أن تعدّل من مسيرة حياتك، وتلتزم بعهودك وأولها عهودك مع الله عز وجل...
وعندها فقط تستطيع أن تنتظر العزة والكرامة والحياة الطيبة...
الأمر بيدك : خلاصك وخلاص أمتك بيدك، وشقاؤك وشقاء أمتك بيدك
ولا تقل وماذا أفعل وأنا فرد ؟
لا تنس : "رب همّة أحيت أمّة"... وكثيرة هي النماذج الفردية في تاريخنا المشرّف والتي فعلت الأعاجيب وأحيت أمتها بعلو همتها...
ثم على الأقل تكون جهودك في إصلاح نفسك على سبيل المعذرة إلى ربك... حين سيسألك يوم القيامة : ماذا فعلت لتنصر ديني ؟؟
ساعتها فقط ستجد جواباً مشرفاً ترفع به رأسك عالياً فيباهي بك الله عز وجل ملائكته الأطهار...
أطلت عليك، ولكنها زفرات من قلب مكظوم أنهكته الخطوب... أعاذنا الله منها ومن خزي الدنيا والآخرة...
السلام عليك، ولا تنس أن تتابعنا بأخبارك .