إلى الدكتور وائل أبو الهندي أرجو توضيح هذا الأمر،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أنا شاب مغربي عمري 28 سنة ملتزم بالإسلام لكنني أعاني من الوسواس القهري، أنا متفق معك على أن التكرار في الوضوء والمبالغة في التنزه من البول وإعادة الصلاة الخ... أنا متفق معك أنها سخيفة ويجب أن لا نلقي لها بالا لكن أنا لدي سلوكيات وسواسية من نوع آخر سأعطيك أمثلة:
خبراء التغذية يقولون أن جميع المواد الغذائية المصنعة مضرة بالصحة وعندما تترسب في الجسم بكميات كبيرة قد تؤدي إلى السرطان ونحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى يقول(ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة) إذن يلزم علينا طاعة لله تعالى أن لا نشتري هذه المواد ولا نبيعها هذا عن الأغذية فما بالك بالأدوية المليئة بالمواد الكيماوية والتي ثبت أن ضررها خطير على الإنسان.
العلم يقول أن الدخان المنبعث من السيارات والمصانع يفتك بالإنسان والحيوان والنبات إذن يلزم علينا أن لا نستعمل البنزين وأن لا نساهم في تشغيل المصانع.
العلم يقول لا تستعملوا البلاستيك لأنه يسبب القلق وغيره، ويقول لا تستعملوا النظارات الشمسية لأنها تسمح بمرور الأشعة فوق البنفسجية إلى العين والأشياء التي يحذر العلم من استعمالها لا يمكن إحصاؤها. لا تحاول أن تشكك فيما أقوله فهو صحيح مائة بالمائة، الآن أتساءل يا أخي، ما هو الحل؟ لاسيما أن الضرر قائم سواء استعملت هذه الأشياء أو لم تستعملها إذا استعملتها فسوف يتحقق الضرر الذي يقول به العلماء وإذا حاولت عدم استعمال كل هذه الأشياء فسوف تتأزم وضعيتك الوسواسية إلى حد لا يطاق.
إذن أتساءل ما هو المنهج الذي يجب أن نلتزم به لكي نخوض أمواج هذه الحياة، ما هي الأخطار التي يجب تفاديها، وما هي الأخطار التي يجب أن لا نلقي لها بالا ونتصرف وكأنها غير موجودة، قل لي مثلا كيف تخاف من سيارة مسرعة ولا تقطع الطريق حتى تمر بينما يتوجب عليك إذا أردت أن لا تتأزم حالتك الوسواسية يتوجب عليك أن تذهب بلا خوف عند الحلاق لكي يمرر على رأسك أدوات حادة استعملها أشخاص كثيرون من قبلك إذا وجد الايدز فقط في واحد منهم فمبروك لك انتقال هذا المرض إليك.
هل هذا معقول كلاهما خطر لكنك تتجنب الأول وترتمي في أحضان الثاني أظن أنه إذا لم يستعمل المنطق في التعامل مع كل هذه الأخطار التي يستحيل حصرها فسأبقى في دوامة من الحيرة إلى الأبد وقد لا أستفيد بشكل أكيد من أي خطة علاجية، إني أطلب منك يا أخي أن تحاول أن تضعني عل الطريق الصحيح،
كما أرجو منك أثناء بحثك عن إجابات لاستفساراتي أن تستشير مع عالم رباني لأن هذه أمور يجب أن ينظر إليها من الناحية النفسية وأيضا من الناحية الشرعية فهذه الأخطار التي حدثك عنها أثبتها العلم وليست من اختراعات عقلي الموسوس،
وجزاك الله خيرا أخي في الله.
والسلام عليكم
13/1/2006
رد المستشار
أخي الطيب "الحسن" شكرا على ثقتك بالدكتور وائل وعلى ثقة الدكتور وائل بي.
مشكلتك يا صديقي أنت تعرف تشخيصها ولا تحتاج بل يضايقك أن تسمع أنك موسوس لأنك تدرى ذلك. إذن ما الجديد؟ الجديد أنك تقع في بحر بالغ الظلمة عندما تجادل وسواسك وعندما تحاول أن تمنطق كل الأمور، كما أنك تأخذ الفكرة وتبنى عليها قصة ونسيت أن هذه الفكرة إنما هي مجرد احتمالات قد تصح وقد يجانبها الصواب.
أنت قلت أن العلم أثبت أن المواد الحافظة وعوادم السيارات والأدوية تضر.. ونسيت أن الله لم يخلق شيئا على الأرض إلا وبه آية تنفى كماله وتثبته لله وحده، نسيت أيضا أننا نتعامل مع الأشياء بمنطق الكسب والخسارة والحاجة والاستغناء. فإذا كنا نأكل الطعام المحفوظ فنحن لا نأكله لنصاب بالسرطان ولكننا نأكله كي ينقذنا من الجوع وإذا وجدنا الطعام الطازج والمحفوظ فمن الغباء إذن ومن منطق قتل النفس إذا اخترنا المحفوظ بينما الطعام الطازج بين أيدينا.
وعلى ذلك قس على السيارات وعوادمها وعلى الأدوية التي نتناولها لتوفر لنا الصحة وتحمينا من الألم بأمر الله بينما نحن ندرى أن لها من الأعراض الجانبية ما لها، وتبريرنا في ذلك أننا نبتغى الوسيلة ونأخذ بالأسباب ونطيع الله الذي أمرنا بالتداوي عندما أمر أيوب عليه السلام بشرب الدواء الرباني، وكان قادرا أن يشفيه بكن فيكون لكنه قال (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) سورة ص الآية 42، وإن كنت تتبع السنة المطهرة فقد قال صلى الله عليه وسلم تداووا عباد الله فان الله لم يجعل داء إلا جعل له دواء غير داء واحد.. الهرم.
إذن أنت مفروض عليك أخذ الدواء برغم أن له مضاعفات، بيد أنى أريد أن ألفت نظرك إلى حقيقة هامة وهي أن الأضرار التي تخشاها تحدث بنسب معينة فإذا قلت لك أن الدراسات تثبت أن التدخين يؤدى إلى السرطان فليس كل مدخن يموت بالسرطان ولكن المقصود أن نسبة حدوثه تزيد في المدخنين عمن سواهم وهذا لا ينفى حدوث السرطان في الغير مدخن.
يا صديقي، كل هذه أسباب حياتية متاحة بأمر الله لترفه عنك وتيسر حياتك وتقربك من الله بشرط أن تحسن استخدامها ولا تسرف فيها، فان السيارات التي نخشى عوادمها تحملنا إن أردنا لنحج بيت الله ونصلى بالحرم الشريف، وان الأدوية التي تقتل أحيانا تشفى أيضا بأمر الله.
وان كان الله سبحانه قال ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ({وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195) سورة البقرة) فقد قال أيضا (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).
إذن المشكلة ليست في اختيار أدوات حياتك من أكل ودواء ووسائل مواصلات ولكنها في الإمعان وراء التفكير فيها وعندها أقدر القول أن الوسواس قد زج بك في متاهات الفكر ولابد لك من وقفة علاجية لأننا لو تجادلنا إلى الصباح فلن تقتنع لأنك الآن تفكر بناحية من دماغك بينما الأغلب من الدماغ به خلل ما أريد أن أحدثك عنه يا صديقي؛
أنت تدري مشكلتك ولا تحتاج إلى تشخيص ولا يهمك كثيرا أن نسترسل في تفسير أسباب الوسواس، لكن ما يهمك فعلا أن تتعلم كيف الخلاص من تلك الأفكار الضالة. فلو حدثتك عن لماذا أنت موسوس؟ فهذا يجرنا إلى أمور متشعبة وعدة لكن ما يهمك أن شخصيتك مؤهلة للوسواس بحكم التكوين الوراثي ثم تحت ضغط الظروف المحيطة بك وخصوصا أن لديك الطبيعة المتدينة المولعة بطاعة الله في أكلها وشربها ومركبها... فقد حدث نوع من الخلل في الناقلات الكيميائية بالمخ المسئولة عن ملكية الفكر فمن هنا قد فقدت السيطرة على الفكر ومن هنا أخذك الوسواس في شطحاته إلى الخوف الوسواسي من عصيان الله سبحانه فأعملت العقيدة في كل شيء وهذا أمر نافع لكن الضرر هو إعمال المنطق في عالم غير منطقي.
يا صديقي، هون على نفسك:
أولا فأنت مريض، ولا بد أن تبتعد عن مجادلة الأفكار لأنها هي التي تنتصر في النهاية وتتركك حزين.
ثانيا ما دامت هذه الأفكار تعوق تقدمك وتضعف من إمكاناتك فلا بد من استشارة طبيب لتتناول بعض العقاقير التي ستصلح ما أفسده الوسواس من خلل بالمخ.
أما عن قهر الأفكار التي تراودك فلديك طريقتين:
* إما الهروب من الفكرة أصلا وهذا أفضل في البداية وذلك بشغل نفسك بأمر آخر أو تغير موضعك الذي يهاجمك به الوسواس، وأن تغلوش على الأفكار بشيء آخر كسماع القران مثلا أو ممارسة هواية أو سماع الموسيقى.
* أما الأمر الثاني فهو معادلة الأفكار بأن تحدث نفسك بعكس نص الفكرة الوسواسية، فإذا حدثك الوسواس بأن الدواء سيضرك وتكون ألقيت بنفسك إلى التهلكة فردد في نفسك أن هذا هو المتاح لنا في عصرنا مما علمنا الله به، وأنك تقصد صالح النفس والجسم بهذا الدواء وإنما الأعمال بالنبات.
وأخيرا أنصحك بأن تكثر وسائل القرب من الله بالقران وصالح الأعمال، ألا بذكر الله تطمئن القلوب. مع تمنياتي بالسعادة