جحيم وثوران الاكتئاب
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا يا سيدي الفاضل شاب أبلغ من العمر 26عاما حياتي إلى حد ما سعيدة أقصد كانت سعيدة أو على الأقل مستقرة نوعا ما فأنا ولله الحمد محبوب من الجميع سواء من الأهل أو الأصدقاء كنت دائم التبسم بمناسبة أو غير مناسبة فعند فرحي الشديد قوي أشعر بحالة اكتئاب تنتابني بطريقه غير طبيعيه حتى الأصدقاء لاحظوا ذالك وهذه الحالة من صغري معايا .
وأنا مصاب بإيدز الرهاب خصوصا من الجنس الآخر يعني لو افترضنا أن زميلة تحدثت معي في الجامعة أتصبب عرقا ولا استطيع الرد عليها وأصاب بارتباك شديد جدا فانا كنت استطيع أن أتكلم مع أي شخص في الجامعة أو أي مكان آخر وأتعامل معه بشكل جميل وايجابي وأصدقائي جميعا عندما يخرجون للتنزه كانوا لا يستطيعون الخروج بدوني لأني كنت بعمل بهجة عند خروجي معهم فأنا يا سيدي شخصية مرحة جدا جدا كل الناس تقول لي ذلك أما الآن أقسم لك بالله أني لا أستطيع حتى التبسم ولو تمثيلا عندي حالة اكتئاب شنيعة تفوق الوصف وتفوق الخيال لدرجة لا استطيع تحملها اكتئاب يوصل للكفر .....
علاقتي بوالدي نوعا ما مستقرة وكذلك مع إخوتي وإخواتي.. أبي يحبطني شوية بس هو كويس جدا يعني كل اللي بحتاجه منه بيدهولي وهو طيب جدا مشكلتي مع أبويا إنه مش عاوزني أعتمد على نفسي في أي حاجة أنا لدوقتي متخرج بقالي سنتين تقريبا ولا أعمل ..
كان نفسي أعمل مشروع والمشاريع اللي بأعرضها على أبي مربحة جدا جدا فأصدم بالرفض دائما وأبدأ فهو يريد لي أن أعمل بأي مكان في الحكومة وأنا أرفض ذالك لأني أحب العمل الحر.... ما علينا..منذ حوالي خمس سنوات تقريبا كنت مرتبط بفتاه تصغرني بـ 3 سنوات وكنت بحبها لدرجة الجنون فهذه الفتاة كانت تمثل لي الحياة بما فيها لدرجة إني كنت بحط أمي وأبويا والدنيا في كفة وحبيبتي في كفة تعرفت عليها في فرح أحد الأصدقاء وأعجبت بها جدا وإن كنت في هذا الوقت في السنة الأولى في الكلية وهي كانت ثالثة ثانوي كانت حياتي كلها مليئة بالسلبيات لا أذاكر أسهر كتيير خارج المنزل كنت بأرسب كتير في الكلية .
المهم في يوم من الأيام قال لي أحد الأصدقاء تعالى معي نحضر درس للأستاذ عمرو خالد وأنا طبعا ساعتها ما كنتش ملتزم تماما فابتديت أواظب على دروس الأستاذ عمرو وغيره من الشيوخ وللمرة الأولى حبيت ربنا وحسيت بلذة الإيمان بالمناسبة حبيبتي دخلت المعهد العالي للسينما فطبعا نظرتي للحياة اختلفت بل نظرتي لي حبيبتي اختلفت فعرضت عليها أنها تتحجب وألحيت عليها كثيرا بخصوص الحجاب في كل مرة أصدم بالرفض بحجة أننا لما نتخطب ها تلتزم وتتحجب طبعا الموضوع ده كان يضايقني جدا المهم حاولت كتير أني أصلح منها بس هيا بتحب تعيش حياتها على الآخر وأنا ما كنش ليا سيطرة عليها خالص طبعا ولبسها كان قمة في الاستفزاز.
المهم أنا فكرت إني انهي علاقتي بيها وقولت لها هذا الكلام فكانت دموعها بتغلبني وتستمر العلاقة مرة أخرى بالمناسبة أنا مارست معاها الجنس واتجوزتها عرفي كمان بس ما كنتش أعرف إن الجواز العرفي حرام المهم أنا قررت إني أنهي العلاقة دية بأي طريقة فغيرت أرقام تليفوناتي وبعت الموبايل بالخط ومن هنا ابتديت ألتزم بجد وبعد حوالي شهرين من انفصالي عنها ابتدى الاكتئاب يلازمني منذ خمس سنوات وأنا مكتئب ومن قمة الالتزام اللي وصلت له وصلت لي قمة الانحراف لأن الاكتئاب فعلا يوصل للكفر ساعات بحس إني مجنون إذا قابلت صديق لي في الشارع أحاول أني أتجنب الكلام معاه سعات مش بأعرف أتكلم مع أصحابي خالص الحاجات اللي كانت بتسعديني جدا ما بقتش تسعدني على الإطلاق حتى أصحابي اللي كنت بحب أخرج معاهم مبقتش أحب أخرج معاهم لأني حاسس إني ها جبلهم اكتئاب حالتي النفسية زفت في حاجة تانية كتير بحس برعشة تحت عنيا......
ويا ريت لو في عقار لاكتئاب تقولي عليه وجزاء الله خيرا وآسف على الإطالة
وأتمنى الرد سريعا جدا جدا جدا لأني أنا في أشد الحاجة لمساعدتكم
03/02/2006
رد المستشار
الأخ العزيز "عبد العزيز"
من بداية رسالتك، وأنا أشعر أنك تحاول الهروب من إثم ارتكبته، لكنني صدمت به في نهايتها، أنت ببساطة إنسان عاطفي تعود أن يحلم ويمشي وراء أحلامه ويحب كثيرا أن يتقمص أدوار البطولة في قصص الحب والغرام التي يروقه قراءتها في دواوين الشعر، كل هذا جميل، جميل أن نرتقي بأحاسيسنا بالشعر والرومانسية، فالشعر يعلمنا التسامي وهو أيضا ينقى النفوس من شوائب الطينة البشرية متمثلة في المادية وحب الامتلاك وغرائز الشر والعنف. لكن الشعر قد خلق بداخلك روحا حالمة عاشقة بينما الأحداث لم تمكنك من بلوغ حلمك، فكان لأبيك من الضغط على قراراتك ما له، وكان نصيبك أن تقع في شباك حب ليس على مستوى الالتزام الذي بلغته مؤخرا فكنت سعيدا أيام كنت هوائيا لأن نفسك الهوائية العاطفية الحالمة كانت تتوافق مع من أحببت، وكانت تبرر الأخطاء وتعتبر الزنا زواجا شرعيا.
ومرت بك الأحداث وأنت تحاول نسيان أنك خجول لدرجة الرهاب، وأعتقد أن هذه العقدة وحدها تكفى أن تزج بك في طريق العبث باسم الحب لأنك أولا ساخط على نفسك من الخجل المفرط في التعامل مع الجنس الآخر وتحاول أن تهرب من هذا الإحساس أو تنساه أو تتخلص منه، لذا اندفعت وراء تكذيب إحساسك بضعف الثقة أمام البنات فأحببت بنتا طاوعتك حداثة سنها وطيشها وقلة تدينها فكنت، آنذاك تداوى نفسك بالتي كانت هي الداء!!. ثانيا: إن أحداث الحب بما فيها من دفء وسكينة كانت تتوافق مع طبيعة نفسك الاندفاعية الهوائية المنطلقة وعشت هذه الأيام سعيدا ناسيا أن هناك ربا أو مجتمعا أو أمرا واقعا.
أما نقطة التحول فكانت هي اللحظة التي عرفت حلاوة الإيمان طريق قلبك الذي شعر بجرم ما فعلت، وحاولت وقتها أن تجمع بين السعادتين: الدنيوية متمثلة في حبك وموطوءتك والسعادة الأخروية متمثلة في تدينك.
لكن القصة لم تمض على طريقة الدراما السعيدة، فمحبوبتك هي أيضا لها طموح ودوافع تشبعها ويساعدها السفور في أن تمضى بالوسط السينمائي وما أدراك ما هو؟! فكان من المنطقي أن ترفض ذلك وتحتم عليك تخييرها بينك وبين الحجاب وتعقد الأمر أكثر بعدما باعدت نفسك عنها وغيرت حتى تليفوناتك.
وعندها ولد الصراع بين الحب والطاعة وغلبك الإحساس بالوحدة في طريق الالتزام الذي لم تكن قدماك قد تعودت عليه بمعنى التدين المطلق الذي تغنيك حلاوته عن حلاوة العشق النسائي. ونشبت نيران الشبهة في الوقوع بمعصية الزنا وكبائره بعد أن أكدت لك دروس الفقهاء أن الزواج العرفي حرام، وقد بات سؤال يطرح نفسه على مستوى لا شعورك كيف: تكون متدينا حقا وهناك شبهة في الزنا تتذكرها كلما تذكرت الحب وكلما رن تليفونك الجديد الذي لا تعلمه حبيبتك التي بعتها ولم تصلح ما أفسدته بزواجكما العرفي؟
يا صديقي اكتئابك يدل أن لديك الروح المؤمنة التي تندم على الآثام. إذن الخلاص ليس في الهروب من الأخطاء بل مواجهتها، أنت تزوجت عرفيا وبنيتك أنك تتزوج ولا تزني فهذه النقطة يمكنك استشارة أحد الفقهاء فيها عن حكم الشرع فيك فأنا لا أتحمل حمل الفتوى. لكنني أرى أن تبدأ في حل القيود التي لفتها الظروف حول رقبتك.
فأولا: تأخذ برأي الدين وتكفر عما ارتكبت وان الله يغفر الذنوب جميعا.
ثانيا: إن هذه الفتاة لا تليق بتدينك فانسها واسأل الله أن يعوضك عنها ما يتناسب مع شخصيتك المتدينة.
ثالثا: لا بد أن توازن بين التدين والسعادة من ناحية وبينه وبين الاعتماد على النفس من ناحية أخرى بحيث تبدأ في البحث عن عمل تثبت نفسك فيه بغض النظر عن رغبة والدك، فليس شرطا أن تبدأ بمشروع كبير فقد تبدأ في العمل الحر محاولا أن تكتسب ثقة أبيك ومساعدته ما دام ميسورا ويستطيع مساعدتك.
رابعا: من بعد ما حدث لك أعتقد أن الخجل لم يعد متمكنا منك مع الجنس الآخر فأنت قد مارست الحب بطريقة تقتل أي خجل!!، أما ما تبقى من تعسر في علاقاتك الاجتماعية فهذا ليس خجلا لكنه انعدام ثقة وعدم رضي وإحساس بالذنب تستطيع أن تتغلب عليه بالقرب من الله وبالعمل والتعب في درب حياتك الذي ما يزال طويلا أمامك.
خامسا: إن موهبتك في الشعر لا بد لها أن تعود، ولكن بطريقة بناءة بحيث ترفه عن نفسك وتخرج الكبت وتزيد من ثقتك بنفسك ولكن بشرط أن تروض شطحات الحب و الأحلام فتحلم بما ليس حراما ولا شاذا.
وأخيرا أنصحك أيضا باستشارة الطبيب النفسي قبل أن ينال الاكتئاب من تدينك ثانية ويفقدك الاطمئنان والسكينة ولو فقدت تدينك بعد أن فقدت الحب فستعود لا دينا ولا قلبا وهذا هو ما أخشاه عليك.
تابعنا بأخبارك وعسى ربك أن يهيأ لك من أمرك رشدا.
مع تحياتي