عواطفي تجاهه لم تتغير..
السلام عليكم، هل يحاسب الإنسان على مشاعره؟ مادامت المشاعر والأحاسيس داخلية لا نتحكم فيها، هل ستحاسب الزوجة على حب غير زوجها؟
أرجوكم ساعدوني انصحوني أرشدوني ادعوا معي الله كثيراً جزاكم الله كل خير، لقد تعلقت عاطفياً بشاب أعجبت بأخلاقه الكريمة وحبه للخير.. وصفات تكاد تكون مفقودة، شاءت الصدفة أن اعترفت له بمشاعري، احترم صراحتي وأخبرني أن ظروفه تحتم عليه التريث.
فكرت كثيراً كثيراً فلم أجد سوى أن أطلب منه أن يودعني الوداع الأخير حتى لا أبقي على أمل، كنت أدعو الله دائماً أن يجعله زوجاً لي، طلبت منه وداعي وأنا جد حزينة ومحطمة، لكنه رفض لأنه لا يستطيع، غير أني ألححت عليه كي لا يتركني أعيش في الوهم.
اعترف لي أنه يحبني هو أيضاً وأنه يرغب أيضاً في الزواج بي.. ولقد منحني أمل فرحت كثيراً لكلامه وتفاءلت خيراً، أصبحنا ندعو الله أن ييسر لنا أمورنا، وعن غير قصد حدث سوء تفاهم بيننا أنهى علاقتنا، ليس من جانبي أنا أبدآ فقد أحببته أكثر من نفسي ومازلت كذلك إلى هذه اللحظة فكري مشغول به، قلبي ولساني يهتف باسمه، والله أني أسهر الليالي أبكي على فقدانه شاء القدر أن يرسل إليَّ زوج قبلت به دون تفكير في العواقب.
حاولت أن أحبه لكن مازلت أفكر في حبي الأول، أصبحت أدعو الله أن يخلصني من هذا الزوج لأني لا أحبه، لا أفكر فيه ولا أتمنى أن أبني معه حياة زوجية، أكره أن يقترب مني.. أنا لا أتحدث معه إلا إذا اتصل بي ولا أجيبه في بعض الأحيان وأدعو الله أن لا أراه مجدداً، هو لم يمضي معي سوى أيام قليلة لأنه يعمل في الخارج.
حاولت أن أنسى حبي الأول لكني لم استطع أصبحت حزينة كئيبة، والله لا أعرف ما أفعل أصبحت شاردة الذهن والحزن والتفكير يقتلني أحس بالضياع بالندم.. أنا جد حزينة أرجوكم لا تبخلوا علي بنصائحكم ماذا افعل؟
أنا أحاول جاهدة أن أنسى ذلك الإنسان وأقنع نفسي أني متزوجة لكن صورته لا تفارق خيالي مهما حاولت استرجع الماضي وأبكي على حبي المستحيل مضى ثلاثة أشهر على زواجي وحالتي النفسية لم تتغير، في كل حين تراودني أفكار بأني يوماً ما سأتزوج به بعد طلاقي أو موت زوجي أو...
14/04/2006
رد المستشار
لا يجوز لنا أن نحل مشاكلنا بظلم غيرنا
أختي العزيزة، بعد التحية
لقد قرأت رسالتك وأشعر بمدى معاناتك، ولكن هناك جوانب كثيرة احتاج للتعرف عليها مثل:
كم المدة التي انتظرتي فيها من تحبين حتى فقدت الأمل في أن يتقدم لأهلك رسمياً ويتزوجك؟ هل أخبرتي الرجل الذي تزوجينه بالفعل، وقمت بحمل اسمه، عن تعلقك بآخر لم يتخذ خطوات إيجابية في التقدم لأهلك كي يتزوجك؟ ما هي طبيعة سوء التفاهم الذي فرق بينكما وأوغر صدريكما؟ لم تعطنا فكرة عن طبيعة الموانع التي أعاقت من أحببت كي يتقدم لأهلك ويتزوجك؟ هل تضمنين مائة في المائة أنك إذا طُلقتِ من زوجك الحالي المسافر أو أنه مات – لا قدر الله – أن يتقدم الحبيب الأول للاقتران بك؟
في الواقع يا عزيزتي لقد حاولتِ أنت حل مشكلتك، وهي تخلي من يحبك عنك رغم صبرك عليه، وانتظارك له فترة طويلة، وذلك عن طريق ارتباطك بشخص آخر مسافر دائماً ليجمع المال من أجلك ومن أجل أبنائه الذين سيأتون في الطريق منك بإذن الله، لكي تقوما معاً بتكوين أسرة مستقرة تنهض بأمتنا المتأخرة عن ركب الأمم، وكان الحل من جانبك هو أن ترتبطي بأي رجل يتقدم إليك ويستطيع أن يتحمل أعباء بيت وأسرة، وعلى رأي المثل: "ظل رجل ولا ظل حائط"، وكما قال الشاعر "وداوني بالتي كانت هي الداء"، وأنا كطبيب نفسي لا أستنكر هذا الحل بشرط: "أن أنسى من نسيني، وأبيع من باعني، وأتخلى عمن تخلى عني، وألا أتعلق بمن باعني عند حدوث سوء تفاهم، أياً كان مقداره، ولا أدخل أبداً مع رجل آخر في علاقة جديدة إلا بعد أن أتأكد أن الأول قد انتهى تماماً من حياتي، وأنني سأكون في غاية الإخلاص لمن أخذ بيدي من كبوتي، وكان البلسم الشافي ممن جرح قلبي من قبل، وتخلى عني عند أول مشكلة وسوء تفاهم بيننا، ولم يستجيب لتوسلاتي في أن يأخذ بيدي ليخرجني من الهوة العميقة التي سقطت فيها".
لقد ذكرتني رسالتك ببيتين لنزار قباني ينطبقان تماماً على حالتك:
الحبُ ليس روايةً شرقيةً بختامها يتزوج الأبطال لكنه الإبحارُ دون سفينةٍ وشعورنا أن الوصولَ محال
أختي العزيزة : "إنني أعتقد تمام الاعتقاد أن من لا يضحي من أجلي لا يستحق أبداً أن أضحي من أجله"، وأن الرجل الذي يحب امرأة لا يحاول أبداً أن يطلب منها أن تخون زوجها من أجل رغباته ونزواته، وخصوصاً أنها كانت أمامه لفترة طويلة، وقد ألحت عليه كثيراً أن يتقدم لأهلها ليخطبها ثم يتزوجها ولكنه لم يفعل، بحجة سوء تفاهم لم يحدث من جانبك، لذا فعلاجك هو أن تنسي هذا الشخص ولو عانيتي الأمرين من ذلك "الحب الضائع"، حتى وإن لجأت إلى طبيب نفساني في هذه المرحلة ليصف لك بعض المهدئات ومضادات الاكتئاب لفترة ما حتى تتمكني من اجتياز هذه الأزمة بإذن الله ثم تتوقفين عن تعاطيها، وأنني في الحقيقة أشك في صدق حب هذا الرجل لك، لأن من يحب يسامح ويتسامح مع من يحب، لا أن يتهرب منها عند حدوث أول سوء تفاهم بينهما.
أختي العزيزة: حاولي أن تنسي من أصابك بالإحباط وتخلى عنك عندما كنت في أمس الحاجة إليه، ولا تنساقي وراء نزواتك ورغباتك، أما الشخص الذي تقولين عنه: "شاب أعجبت بأخلاقه الكريمة وحبه للخير وصفات تكاد تكون مفقودة"، فأنا في الحقيقة أشك أنه لديه أي صفة واحدة من تلك الصفات الجميلة، وهذا بالطبع من تأثير "مرآة الحب العمياء" عليك، لأن الشخص الذي لا يعفو عن هفوات من يحبونه كل هذا الحب من جانبك لا يستحق أبداً أن نصفه بأنه كريم الأخلاق.
والحل المناسب لوضعك هو أن تعطي نفسك فرصة كي تحبي من ارتبطت به، حاولي أن تري مميزاته، ولا تبحثي عن عيوبه أو تضخميها، حاولي أن تتقربي من زوجك وأن تهاتفيه باستمرار وبانتظام بود وحب من جانبك حتى تزداد المودة بينكما، ولا مانع من أن تذهبين إليه في البلد الذي يعمل فيه إن أمكنك ذلك، لماذا يبحث بعض البشر عن الحرام ويسعى إليه بينما الحلال أمام عينيه وبين يديه؟ والإجابة هي: لا أدري!!.
وفي النهاية أكرر لأختي العزيزة أن البيوت لا تُبنى على الحب فقط بل هناك أمور أخرى أهم بكثير مما نسميه حباً و هو لا يزيد في الحقيقة عن نزوة و رغبة، ويعجبني في ذلك رأي لمفكر له الكثير من الآراء الإصلاحية هو الشيخ الدمشقي علي الطنطاوي، والذي يناقش فيه العلاقة بين الحب و الزواج فيقول:
"تكون الرغبة الجنسية موجودة والجنس الآخر مفقوداً، فيكون عندك من التفكير فيه مثل تفكير الجائع في الطعام، وهذا هو الذي نسميه الحب، وهو أشد من تفكير الجائع بالطعام، لأنه حين يطلبه لا يفكر في لونه ولا في جنسه، والجائع الجنسي قد تستقر رغبته في امرأة بعينها تنحصر دنياه كلها فيها. إنه يطلب أن ينظر إليها ويحدثها، فهل ترونه يكتفي إن رآها بالنظر؟ هل تظنون أنه إن حدثها قنع بالحديث؟ إنه كالجائع، فهل يكفي الجائع أن يرى الطعام ويشمه وينظم في وصفه الأشعار ويصوغ القوافي؟ لا أنه لا يريد جمالها لعينه ولا حديثها لأذنه، ولكنه يريد قفلها لمفتاحه، إنها غريزة النوع لا يرويها إلا ما يتم به النسل.
وما الحب (مهما زخرفه الشعراء وزوقه الأدباء) إلا رغبة في الاتصال الجنسي لم تجد طريقها. إن الحب العذري الشريف حديث خرافة لا تروج سوقه إلا على المجانين والشباب. هذه حقيقة من أنكرها وجد الرد عليه في نفسه. إن في كل نفس الدليل على أنها حقيقة لا سبيل إلى إنكارها، فهل يصلح الحب وحده أساساً للزواج؟.
إن الحب جوع نفسي، فهل يستطيع الجوعان أن يحكم على جودة الطعام؟ ألا يزين له جوعه الفول المدمس حتى يتذوقه بلسانه كأنه الخروف المشوي اللذيذ؟ فإذا زالت لذعة الجوع عاد الفول فولاً وتبين له أنه لم يكن خروفاً إلا في أوهام الجوع. كذلك المحب، إنه يسبغ من حبه على المحبوب ثوباً براقاً يراه به أجمل الناس، فإذا تزوجها لهذا الثوب الذي يغريه بها، ثم زال عنها لمّا زال الحب، لم يبق بينهما زواج، لأنه ما تزوج بها ولكن تزوج الثوب الذي أسبغه خياله عليها، وما دام الحب في حقيقته اشتهاء للقاء الجنسي، فلا بد أن يزول إن زالت هذه الشهوة، ولا بد أن يعقل المجنون فتعود ليلى في نظره امرأة كسائر النساء فلا تبقى له فيها رغبة. كما تذهب رغبة الجائع في الطعام إذا ملأ معدته منه. إنه رباط مؤقت ينقطع من الملامسة الأولى، والزواج صلة دائمة تحتاج إلى رباط دائم يقوى بالملامسة ويشتد ولا يزداد على الأيام إلا قوة و إحكاماً.
ولا يصح أن يُبنى الزواج على الحب وحده إلا إن صح أن تٌبنى العمارة الضخمة على أساس من الملح في مجرى الماء، "إنما يتم الزواج على التوافق في التفكير والسلوك والوضع الاجتماعي والحالة المالية، وبعد هذا كله تأتي العاطفة فينظر إليها وتنظر إليه".