استفسار عما إذا كانت هذه الحالة مرض أم لا؟؟
بداية أود التقدم بالشكر الجزيل لموقعكم الجميل المتنوع المواضيع.. في الحقيقة أرغب بطرح تساؤل ولكن على شكل مشكلة وقد لا أستطيع إعطاء الكثير من التفاصيل لأنني لست صاحبة المشكلة إنما أنا شعرت بوجود مشكلة ولهذا السبب ومن ثقتي بموقعكم وبخبرات الدكاترة والأساتذة الكرام قررت الإرسال للاستفسار.. منذ فترة ليست بالبسيطة(5 سنوات) تعرضت صديقة لي كانت تبلغ من العمر وقتها "18 عام" أي هي الآن"23 عام" لعملية جراحية سببها قطع أوتار اليد وكان من ضمن الجمل التي ذكرتها "أنني السبب بما حصل معها "وبالتأكيد المعنى المقصود ليس المعنى الحرفي للجملة،، وبعد ذلك بدأت سلسلة العمليات الجراحية أغلبها عمليات يومية أي لا تضطر إلى البقاء في المستشفى ولكن الغريب التشابه بطبيعة العمليات فأغلبها ((عمليات تقطيب جروح متوسطة " 5-7 " قطب وكبيرة كالتي ذكرتها بالبداية قطع أوتار اليد )).
بدأ شكي يزيد عندما كانت تعطي أسباب حصول هذه الجروح فالأسباب لأي شخص يعطي نفسه القليل من الوقت لتخيل المنظر بالتأكيد سيشعر بعدم منطقيتها.. أود ذكر نقطة أنا متأكدة من أهميتها في تحليل المشكلة صديقتي هذه ((تغار مني بشكل خاص ومن أي شخص يستحوذ على اهتمام الأشخاص الذين تحبهم)) وغيرتها ليست بالطبيعية إنما غيرة مبالغ فيها بشكل كبير فهي تكره أي شخص قريب بمعنى (صلة القرابة أو قريب بالمعنى المعنوي) ممن "تحب" وتحاول إيذائه بغض النظر عن الطريقة (بكلامها أو حتى جسدياً) هي عنيفة نوعاً ما.. قد يقرأ الكثيرون هذه القصة وبالنهاية يقولون: وأين هي المشكلة؟؟
أنا هنا بحاجة إلى رأي الدكاترة والأساتذة الكرام لمعاونتي على تأكيد شكوكي أو نفيها بأن صديقتي تعاني من مشكلة نفسية سببها الأساسي الغيرة والتي تتمثل بأنها تحاول إيذاء نفسها بين الفترة والأخرى لاستعادة اهتمام من تحب فيها وأرى أن ما يشجعها على ذلك أنها حقاً تحقق رغبتها بعد إيذاء نفسها فترى الاهتمام والاهتمام الزائد أيضاً.. فيا حبذا لو أن هذه فعلاً مشكلة نفسية ولها اسم علمي وطبي أن تفيدوني وتفيدوا الأشخاص المهتمين باسمه وأعراضه وكيفية التعامل مع صاحبه وما هو دور الأشخاص المحيطين به بعلاج هذه الحالة إن كانت فعلاً مرض..
شاكرة لكم تعاونكم
وأنا سأنتظر الرد على أحر من الجمر لأنني إحدى المتضررات من هذه الصديقة ومن غيرتها.... إلخ
21/04/2006
رد المستشار
أهلاً بك صديقتنا العزيزة في موقعنا اللي نفسي يتغير أسمه -بعد أن أكل الناس وجهي من أسمه - وليكن مثلاً:"مجانين وعقلاء" ولو كان الجنون فضيلة ونعمة، لم يكن الله عز وجل نفاه عنه صلى الله عليه وسلم، عندما وصف الله عز وجل رسولنا الكريم في سورة القلم بأنه على خلق عظيم فقال: "ما أنتَ بِنعمَةِ رَبِكَ بِمجنُون"، ولكن الأمر لله من قبل ومن بعد!!!!.
لقد قرأت أختي العزيزة مشكلة صديقتك باهتمام بالغ؛ وذلك لأنها من الاضطرابات النفسية النادرة والخطيرة في نفس الوقت!!!!.
المريض في هذه الحالة يهتم بأن يكون محور اهتمام من حوله وبالذات من الأطباء وهيئات التمريض، ولو كان ثمن ذلك هو فقدان حياته بسبب ما يُحدِثُهُ المريض نفسه في جسده من إصابات، أو بسبب ما يتناوله من سموم وكيماويات كي يحدث في جسده بعض الأعراض المرضية تستدعي تنويمه بالمستشفى كي ينال الرعاية والحنان من الأطباء والممرضين والغريب أن المريض أو المريضة بهذه المتلازمة لا يُحدِث في جسده هذه الإصابات عن قصد ووعي برغبتهم في أن يكونوا محور اهتمام وعطف وحنان الأطباء والممرضات، ولكنهم كما قلتِ أنت تماما يبحثون عن الاهتمام والحنان من الآخرين وعلى مستوى اللاوعي.
فيُحدِثون الإصابات في أجسادهم عن عمد، ولكنهم لا يدركون سبب رغبتهم الجامحة في التنويم والحجز في المستشفيات. وهم بالطبع قد يكونون من المحرومين من الحنان والعطف في طفولتهم، ولديه كره شديد لكل من يمثل صورة الأب ولو كان الطبيب المعالج؛ وبعضهم لديه بغض شديد للأطباء وهيئات التمريض على العموم وإن أظهروا غير ذلك، وبعض علماء النفس يتصور أنه نوع من الانتحار الجزئي لدى هؤلاء الناس؛ فبدلا من أن يحطم الشخص كل جسده فهو يحطم جزء منه فقط ويستبقي الباقي من جسده.
وكثيراً ما يكون هؤلاء المرضى من ذوي الشخصيات العدوانية نحو المجتمع"منعدمة الضمير، الساعية نحو اللذة المُطلَقة ولو على رقاب الآخرين"، أو الشخصيات البينية "الشديدة التقلب"، أو النرجسية "الأنانية الحقودة الحسودة"، أو الشخصية الهستيرية "الاستعراضية".
ونظراً لأنني قد قمت بنشر حالة من هذه المتلازمة في إحدى دوريات الطب النفسي فلقد قرأت كثيراً عن هذا الموضوع ومن طريف ما أذكره عن تلك الحالات:
1- مريضة لديها تاريخ مرضي في التنويم بعديد من المستشفيات، ومن هذه المرات غيبوبة طويلة، والأخرى بصدمة وانخفاض شديد في ضغط الدم، ولدى هذه المريضة قيء مزمن لمدة عشر سنوات، وعلى أثره أخرجها أهلها من المدرسة في عمر العاشرة، وتم علاجها من هذا القيء بالعديد من الأدوية دون فائدة، وبعد تنويمها بالمستشفى الذي أعمل فيه لمدة عشرة أيام، أظهرت حالتها كثيراً من التحسن، لذا أخبرناها أنها ستخرج من المستشفى في غضون يومين على الأكثر، ولكن في صبيحة اليوم التالي وعلى أثر إخبارها بأنها ستخرج من المستشفى في أسرع وقت، ووسط دهشة الأطباء والممرضات، تم نقلها فجأة إلى العناية المركزة لانخفاض عنيف في ضغط دمها، وبعد عمل مزرعة للدم تبين أنها تحتوي على ميكروبات غير موجودة إلا في براز الإنسان، وبعد أن تم عمل معجزات لإنقاذها بأمر الله، وتحسنت حالتها تماماً بعد شهر من العلاج، قام الفريق المعالج بمواجهتها بالحقائق، فاعترفت أنها لوثت جهاز المحلول "الذرف الوريدي" بمياه المرحاض، وعندئذ تم إخراجها من المستشفى على الفور، مع التوصية بعدم تنويمها أبداً ألا في حالات الضرورة القصوى.
2- مريضة أخرى كانت تحقن نفسها بالإنسولين كي تدخل في غيبوبة نقص السكر؛ وبالتالي يقوم الأطباء بتنويمها في المستشفى، وعلى الفور، وعندما شك الأطباء في حالتها نظراً لكثرة تنويمها بالمستشفى؛ قامت إحدى الممرضات بمراقبتها فوجدتها تُخفِي زجاجة إنسولين داخل مخدتها "وسادتها"!. وكلما هم الأطباء المعالجون بإخراجها من المستشفى حقنت نفسها بجرعة زائدة من الإنسولين لكي يستمروا في تنويمها!!
3- وقرأت عن حالة رجل كان يضع على بوله مادة الفينول فيثالين كي يحمر بوله ويظن الأطباء أن لديه دم بالبول فيقومون بتنويمه بالمستشفى، لمعرفة سبب وجود هذا الدم، وباقي القصة معروفة.
4- وهناك من يدعي أن لديه أعراض الزائدة الدودية، ليقوم الأطباء بتنويمه بالمستشفى ولو أجروا له عملية جراحية بالفعل. وغيرهم الكثير والكثير من الحالات الغريبة المدهشة، لدرجة أن أحد علماء الطب النفسي منذ عدة سنوات قد أحصى حوالي الألف حالة بهذه المتلازمة منشورة بالدوريات العالمية في مختلف فروع الطب!!!.
ومن هنا يُطلِق بعض الأطباء عليهم "هواة التنويم بالمستشفيات"، أو "هواة العمليات الجراحية"، أو "مدمني المستشفيات"، أو "متلازمة مُنْشَوسَن"، وهناك بعض الأمهات قد يُحدِثن أو يدعين مشكلة صحية لدى أطفالهن كي يتم تنويمهن معهم بالمستشفيات، كامرأة تعطي طفلها طعاما يسبب حساسية للطفل وهي تعلم ذلك تماماً كي ينومهما الطبيب المناوب بالمستشفى.
وهؤلاء المرضى من الحرفية لدرجة أنهم غالباً ما يذهبون للمستشفيات أثناء الليل وفي أثناء العطلات الرسمية وعطلات نهاية الأسبوع، حيث يكون الطبيب الموجود من حديثي التخرج"وقليل الخبرة"؛ وبالتالي يتم تنويمهم في المستشفى بسهولة.
وغالباً ما يبدأ التشخيص الصحيح لهؤلاء المرضى بالشك في أنهم يتعمدون إحداث الضرر بأجسادهم، كي يتم تنويمهم بالمستشفى، ثم يكون التحقق من ذلك باستئذان الشئون القانونية بالمستشفى ومديرها بالطبع في مراقبة ذلك المريض، وأحياناً يتم رصد تحركاتهم بكاميرات خفية بعد أخذ الإذن في ذلك من المسئولين بالمستشفى؛ و كل ذلك لأنهم قد يُحدِثون أضراراً بأجسادهم قد تؤدي إلى حتوفهم أحياناً.
وقد يسأل البعض لماذا سُمي المرضى بهذه الزُمْلة من الأعراض باسم "مُنْشَوسَن"؟؛ إن ذلك الاسم يُنسَب إلى أحد البارونات الأوربيين في القرن الثامن عشر، والذي طاف بكثير من دول العالم، ثم عاد إلى موطنه في أوروبا، ليحكي لأقاربه ومعارفه قصصا خيالية تشبه الأساطير في غرابتها، وهي مثل الأوهام المرضية التي يدعيها أو يُحدِثُها هؤلاء المرضى في أنفسهم، والآن هل هناك علاج لمثل تلك الحالات؟
والإجابة هي: إن العلاج في غاية الصعوبة، وقد نستعين معهم ببعض مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان بجرعات بسيطة، وتحت إشراف طبي وعائلي دقيق، بالإضافة إلى جلسات العلاج النفسي، كي يفهم المريض دوافعه إلى ادعاء المرض وجلبه إلى جسده، وأن يحاول جذب الانتباه إليه بطرق أكثر نضجاً.
ولكن المشكلة في هؤلاء المرضى أنهم يختفون من المستشفى بمجرد كشفهم وفضح أمرهم، ليذهبوا إلى مستشفيات أخرى وأطباء آخرين يُوقِعُون بهم ويجعلون هؤلاء الأطباء أحياناً من المُعانين المُعذبين لأيامٍ أشد من السواد حلكة. لدرجة أنهم في بعض دول الغرب يسجلون أسماء هؤلاء المرضى على الكومبيوتر بالصور فيما يسمى "بالكتاب الأسود للمرضى"، وذلك كي لا يقع في حبائلهم الأطباء، ولكن هيهات هيهات فبعض هؤلاء المرضى يُغيِّرون أسماءهم ويتنكرون بحيل مختلفة عند الذهاب لمستشفى جديد عليهم وذلك للتحايل بأي وسيلة كي ينومهم الأطباء في هذا المستشفى!!!!.