السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
عزيزي الدكتور وائل أبو هندي، لقد أرسلت رسالتي مسبقا ولكن عن طريق المشاركات فنصحتني سيادتك بإعادة إرسالها عن طريق الباب وأشكرك على الاهتمام وأتمنى أن أجد لديك ما يبرد ناري، مشكلتي هي حياتي بأكملها ليس فيها ما يرضيني، كل شيء وحش أبي وأمي، البيت، الدراسة، البلد ليس ذلك عدم رضاء مني بالقدر فأنا مثقفة وأعرف ربي وأحمد الله ولكن كل إنسان يرغب لنفسه للأحسن خاصة إذا تحمل كل هذا القرف لمدة الثلاثين عاما وامتلأ بالعقد النفسية والأمراض، سأحاول أن أختصر هذه الأعوام.
أمي الابتلاء الأكبر في حياتي جاهلة وجهلها من النوع المؤذي التربية عندها ضرب وإهانة وطاعة عمياء وتفرقة بين الولد والبنات فالولد هو السيد والبنات خادمات، الولد يأخذ كل شيء والبنت تحمد ربنا على الفتات والبقايا وإلى آخره، أمي لديها عقدة نقص فظيعة لأنها تنحدر من أسرة فقيرة رأيي فيهم أنهم مش متربيين كويس هي وأخواتها الذي حرصت من زمان أن تبعدنا عنهم. عقدة النقص تجعلها تحتقر كل الناس لا تقدر أحدا وتسب في الناس عمال على بطال أمام الناس ودودة وحبوبة وفي بيتنا عقرب لسانها لا يقطر إلا سما.
كانت أعمال المنزل هي دائما العقاب فكرهتها وعمري ما عملت حاجة وأعجبتها أبدا فأصبح الآن الوضع إني لا أساعدها في شيء لسببين أولا أنه ما دمت لا أشكر بل وأهان وتأتيني المشاكل إذا أبديت تعاون فبناقص والسبب الثاني إني أصبحت لا أطيق رؤيتها ولا صوتها، وأحلم باليوم الذي سأفارقها فيه وقد لا أكلف نفسي حتى زيارتها ولو أني أعرف إني لن أفعل ذلك خوفا من الله.
نحن متخاصمتين تقريبا معظم أيام السنة هدية عيد الأم أجيبها وأنا مجبرة وبفكر ماجبلهاش حاجة تاني ففي أيام المناسبات تأتي لها الجنونة إياها وتقلب البيت على رأسنا سباب وزعيق وخناق وصوتها يجيب لأخر الشارع. أصبحت أفقد أعصابي وأرد عليها القول بالقول والضرب حتى بمثله ثم أتعذب نفسيا لذلك رزقنا الله بأخت مريضة من ذوي الاحتياجات الخاصة عمرها الآن عشرون عاما ساهم وجودها في إساءة الأوضاع وإتلاف ما بقى لدينا من أعصاب.
أبي شخصية غريبة متلونة لا أدري إن كان بخيلا أم كريما يشتري الطعام في البيت ببذخ والعزومات التي عملنا فيها خادمات لكل المعارف لا تعد ولكن أي شيء آخر لا لزوم له الملابس لا، الفسح لا، حاجة تتكسر في البيت أو حنفية تبوظ تظل سنيين لحد ما يحن عليها ده غير إنه غير منظم وغير نظيف بالمرة يقلب البيت إلى مزبلة بمجرد دخوله, و هو شخصية زي ما بيقولوا لا بيصد ولا بيرد, لا أذكر له أي موقف في حياتنا أثبت فيه رجولة أو رأي صائب أحترمه، عاداتهم في البيت سيئة من عدم نظافة ولا نظام ولا هدوء ولا أي وجه جمال البيت يمتلئ بالكراكيب لا أذكر أنهم رموا شيئا قديما ذات يوم شقتنا ضاقت علينا ونحتاج نفسيا لتغييرها ولدينا الإمكانيات ولا أدري لماذا لا يتم تغييرها.
كم مرة ذهبت إلى المدرسة باكية كنت أسهر الليالي أبكي حتى تتورم عيناي وأواجه أسئلة البنات في المدرسة صباح كل يوم، وكم مرة رأيت البنات في مثل سني مبتهجات سعيدات فخورات بأهلهن وأنا لست كذلك، تولد لدي الشعور بالنقص أنا أعلم الآن أن الناس كلهم سواء ولكن غصبا عني دائما أشعر أن الناس أحسن مني وأسعد مني وأغنى مني وإني لا أستطيع المنافسة ولا المواجهة ومع أنهم ما بيعملوش يعني حاجة ماحصلتش بل هم أقل أب وأم عطاء لأبنائهم ولكنهم دائمي المن والتذكير بم يبذلونه من أجلنا واعتبار أي اعتراض من جانبنا قلة رباية ونكران جميل.
أبي عضو هيئة تدريس بإحدى جامعات مصر ولكن لم يسهم التعليم في تحسين طباعه الريفية السيئة فهو لا يحس بذاته إلا في وسط الناس الغلابة المنافقين اللي في قريته، أما في وسط الناس المحترمين فإني أخجل من تصرفاته......
كنت فتاة تمتلئ بالحيوية والنشاط فقهروني داخل المنزل فتحولت طاقتي إلى شيئين: المذاكرة وأنا الأن طبيبة ذاقت الأمرين في أيام الكلية من حمل المذاكرة وحمل التعاسة وعدم المساندة المادية ولا المعنوية بل والاتهام الدائم بالتقصير.......!!!!
وثاني الشيئين إني أصبحت عصبية جدا لا أحتمل الكلام معهم ولا حتى النظر إلى وجوههم البغيضة، وبعد كل ده يقولوا لي إحنا اللي عملناك دكتورة ومتخيلين أن لو حد فيهم تعب حاسهر الليالي من القلق والشفقة عليهم........
اكتشفت العادة السرية وأصبحت أمارسها منذ سبع سنوات أحاول أن أبتعد ولا أستطيع وأعاني من احتقاري لنفسي وغيرها من مشكلات العادة ولكني أبدا لا أقطع الصلاة وأحاول ألا أبتعد عن ربي قدر الإمكان وأعرف أنه سيغفر لي. لقد أصبحت إنسانة غير التي كنت أريدها لنفسي وحملت وزر عقوق والدين لا أطيق رؤيتهما فما بالك ببرهما، ابتليت بنتف الشعر حتى هلك شعر رأسي ونتف جلد الشفايف. الحزن المزمن ظهر على وجهي وملامحي حتى ضحكتي تخفي حزنا وأنا التي أحب الضحك والحياة ويحبني الأصدقاء ويحترمنني ولكني لا أشعر بسعادة ولو كان الانتحار حلالا لفعلتها.
لم أتزوج حتى الآن لحكمة يعلمها الله وحده. تعرفت على شاب يعيش في أمريكا وتحدثنا كثيرا عن طريق النت ونحن الآن مخطوبين والحمد لله هو ملتزم دينيا وأنا أريد أن أبتعد فقد أنسى ما عانيته في البيت وفي مصر كلها هذه البلد المتعبة لا أريد أن أربي أولادي هنا فهل تعتقد أني سأكون أفضل حالا لهذا التغيير؟ وهل بعد الزواج سأبتعد عن هذه العادة أم قد تستمر؟؟؟؟ وهل ستؤثر سلبا على علاقتي بزوجي؟؟؟؟؟
وأخيرا. لقد رآني أبي وأنا أمارس العادة في وضع مخجل الغريب أنه تصرف كأن لم يرى شيئا كما هي العادة في بيتنا.... دفن الرءوس في الرمال....... ولكني شعرت بألم نفسي كبير ولا أدري إن كنت سأنسى هذه الحادثة أبدا بعد ذلك، شكرا لسعة صدركم وشكرا مقدما لردكم.
26/05/2006
رد المستشار
الأخت الحبيبة والزميلة العزيزة: أهلا ومرحبا بك؛
معذرة لتأخري في الرد عليك ولكن عذري أنني في الفترة الماضية كنت على سفر معظم الوقت من بلد إلى بلد، وتزامن مع سفري إعدادي لدورة فن التواصل بين الزوجين وإدارتي لها وهو أمر كان يستهلكني تماما ولا يسمح لي بأي فرجة من الوقت أو الذهن.
في البداية أجد أنه من الضروري أن نحدد بوضوح وبدقة مشكلاتك الأساسية، من الواضح بداية أنه توجد مشكلة كبيرة مع نفسك.. فأنت غير راضية عن كل ما في حياتك وتمارسين بعض الحركات التي لا تستطيعين التحكم فيها مثل نتف الشعر والشفاه، وكل هذا يدل على انك بالفعل بحاجة لمساعدة متخصص نفسي ليباشرك عن قرب ويشخص ما تعانين منه بعد الفحص الإكلينيكي، فلا تترددي في طلب هذا العون فأنت طبيبة وتعلمين جيدا أهمية المناظرة الإكلينيكية من أجل الوصول لتشخيص دقيق وعلاج سليم.
ومشاكلك الأخرى تتلخص في رفضك لوالديك ولحياتك العائلية، وممارستك للعادة وكذلك تأخر زواجك وحيرتك في أمر الزواج وسؤالك عن إمكانية أن يحل الزواج مشاكلك المختلفة؟.
ولنبدأ بوالديك.. وقبل أن نتحدث سويا بشأن هذا الأمر أحب أن أوضح أنني أقدر تماما معاناتك مع والدين يختلفان معك تماما كما يبدو من حديثك عنهما، ولكن تعالي نناقش الأمر بصورة مختلفة... من المسلم به أننا لا نختار والدينا، ولا نختار أولادنا، نعم يمكننا أن نختار أزواجنا وأصدقاءنا، ولأننا لا نختار والدينا فعلينا أن نحاول أن نتقبلهما على ما هما عليه، نتقبلهما بكل ما فيهما... بالمحاسن والعيوب، ومما يساعدنا على الوصول لهذا التقبل أن نكف عن التركيز على ما فيهما من عيوب، فابحثي حبيبتي عن مزايا والديك وأنا متأكدة أن نظرتك الموضوعية للأمور ستعينك على اكتشاف هذه المزايا، ويكفي أنهما يتحملان مسئولية فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ومع التركيز على مزاياهما عليك أن تغضي الطرف بعض الشيء عن عيوبهما، فكلنا لا نخلو من عيوب وعيوب والديك قد تكون أهون بكثير من عيوب غيرهما، ومن المؤكد أن عيوبهما هي الأنسب لك وأنك الأقدر على تحملها لأن الله اختارها لك... ولعلك سمعت القصة الرمزية التي تحكي أن أحدهم حمل كيس همومه على ظهره وسار به فوجده ثقيل جدا... ثم قابل رجل عجوز عرض عليه أن يستبدل همومه بهموم أحد غيره وأخذه لمكان به كل هموم البشر موزعة في أكياس... وضع صاحبنا كيس همومه.. وبدأ يبحث عن كيس أخف حملا.. وفي النهاية اختار الحمل المناسب له والذي وجد أنه أخف حمل... ليكتشف في النهاية أنه أختار همومه هو.
القصة كما قلت لك رمزية ولكن تحمل مغزى شديد الأهمية وهو أن الله سبحانه يختار لنا من الهموم والابتلاءات ما يناسبنا وما نطيقه.. فانظري للأمر من هذه الزاوية وكوني على يقين أن بإمكانك التعامل مع والديك بصورة أفضل لو نظرت لعيوبهما على أنها ابتلاءات يمكن تحملها ويمكن التعايش معها ويمكن تخفيف لآثارها الضارة على نفسيتك.
وهمسة أخيرة في أذنيك.. وأنت الفتاة الناضجة العاقلة... لا يوجد حب أعمق من حب الوالدين للأبناء.. قد يسيئا التعبير.. وقد نختلف معهما ولكن في النهاية لا خلاف على أن حبهما حب مختلف.
أما بالنسبة لأمر زواجك من الشاب الذي تعرفت عليه عبر الانترنت فمهم بداية إدراك أن الانترنت لا تصلح وحدها لتعارف ينبني عليه علاقة زواج.. فتعرفي عليه أولا على أرض الواقع قبل الإقدام على خطوة ارتباط حقيقي، وأسأل الله أن يجعله لك نعم الزوج الصالح الذي يعينك على طاعة الله.. لا تقلقي بشأن العادة .. فالحوار المستمر مع زوج المستقبل سيعينك كثيرا على التخلص منها.
أختي الكريمة: في النهاية أدعو الله أن يربط على قلبك وأن يعينك ويصلح لك أحوالك وأن يرزقك الرضا ويقدر لك الخير حيث كان ونحن معك ونريد أن نطمئن عليك فأعلمينا بأخبارك.