الأحكام الشرعية
السلام عليكم؛
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع... وسؤالي موجه إلى الأستاذ مسعود صبري، كلنا نعلم أن الإسلام نظم أمور الناس وتعاملاتهم على نحو شامل، وإذا نظرنا إلى الأحكام الشرعية ضمن السياق المتكامل الذي وجدت فيه فإننا لن نجد فيها ظلما أو ما شابه.. لكن الذي حدث هو أن الكثير من الأمور تتغير بحيث لم تعد الحكمة من الأحكام كما كانت سابقا....
وأحب أن أقول من البداية: أعرف أن تطبيق الأحكام الشرعية هو تعبد لله فنحن نطبقها حتى لو لم نفهم الحكمة منها. ولكن عدم وجود السياق العام الذي كان يجب أن تطبق الأحكام ضمنه يجعل المرء يشعر داخلا ربما بشيء من الظلم.
كمثال:
كلنا نعلم أن للذكر مثل حظ الأنثيين، والسبب في ذلك أن الذكر هو المسئول عن المرأة والإنفاق عليها حتى لو كانت ميسورة الحال. لكن الآن نجد الكثير من النساء مسئولة مسؤولية تامة على نفسها وأحيانا أطفالها ولا يوجد من ينفق عليها قرشا واحدا بل تكون هي تنفق على أخوتها ربما من الذكور، ومع ذلك عند الميراث تعامل كأي امرأة لا تتحمل أية مسؤولية....فأين العدل في ذلك؟
ومثال آخر عن حضانة الطفل:
هناك فترة حضانة من حق الأم، وعندما تنتهي يحق للأب أن يأخذ طفله قانونا وشرعا، حتى لو كان هذا الأب لم يسأل عن طفله طيلة فترة وجوده عند أمه ولم ينفق عليه، حتى لو كانت الحياة عنده أقل مستوى بكثير من حياته عند أمه، حتى لو كان الأب ليس على قدر المسؤولية...حتى لو كان الطفل سيعيش عند زوجة أب تضطهده وتسيء إليه.. حتى لو كانت الأم قد رهنت حياتها لطفلها ورفضت الزواج من أجله... وحتى في فترة الحضانة هناك شرط أن لا تتزوج المرأة...
وهذا الحكم ينظر لكل الحالات نظرة واحدة..فهل المرأة الواعية والمستقلة ماديا والتي تستطيع أن تختار زوجا لا يظلم ابنها بل يكون بمثابة أب وتضع ذلك شرطا لزواجها.... هل هذه المرأة هي كتلك التي تتزوج أيا كان وتعيش تحت رحمته وهي غير مستقلة ماديا؟ لماذا يعامل الجميع معاملة واحدة؟ إذا كانت مصلحة الابن هي بالعيش عند أمه فلماذا لا ينظر القاضي إلى مصلحة الطفل وينظر إلى ظروف كل حالة على حدة.
شكرا لكم ودمتم بخير.
07/07/2006
رد المستشار
أختي الفاضلة، أحب أن أشكرك على طرحك الذي ينم عن عقلية ناضجة، وإحساس بالمسؤولية تجاه من حولها، سواء أكان هذا الطرح لك أم لغيرك، وأنت تتوبين عنها. وجوابي على سؤالك يتطلب التركيز على نقطتين منهجيتين:
الأولى: تحرير الأحكام الشرعية بحيث تفهم على وجهها الصحيح.
الثاني: التفرقة بين ما فرضه الله على الناس، وما فرضه الناس على أنفسهم، ثم هم يحاكمون الشرع على ما ليس فيه. ثم بعد ذلك كيف نحل المشكلة ونحلل الإشكالية؟
بداية أرفض دائما من يقول على وجه العموم: إن الشرع أعطى المرأة نصف الرجل، فهذا كلام غير صحيح، ويجب علينا ألا نفهم مدلول النص الخاص بشكل عام، فحين يقول الله تعالى:" يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين"، فإنه يجب علينا أن نفهم أن أخذ الرجل ضعف ما تأخذه المرأة إنما هو في حالة الأولاد الذكور والإناث، يعني في حالة الإخوة فقط، وليست أيضا على الإطلاق، ففي حالة الإخوة لأم تأخذ المرأة مثل الرجل، وفي بعض الأحيان تكون المرأة آخذة أكثر من الرجل، فالأم مثلا قد تأخذ أكثر من بعض الورثة دون أصحاب الفروض وبعض العصبات، وقد يحدث أن تكون المرأة ممنوعة من الميراث حسب قواعده، ولكن لوجود أخ لها ترتفع من الحجب إلى أن تكون أحد الوارثين. إن الشارع الحكيم لم ينظر إلى الجنس في تقسيم الميراث، ولكنه نظر إلى اعتبارات اجتماعية أخرى.
الأمر الثاني: هو أن الله سبحانه وتعالى حين يضع منظومة معينة فيجب الالتزام بها، أما اعوجاج الناس عنها ، فإنهم محاسبون عليها أمام الله تعالى، فعند الطلاق تأخذ المرأة مؤخر الصداق وهي تستحق المهر من قبله، ولها النفقة والمتعة والسكنى في حال الطلاق الرجعي، والبعض يرى أنه أيضا في حالة الطلاق البائن.
ثم إن الإسلام أوجب وجوبا شرعيا على الوالد أن ينفق على ابنته بعد الطلاق وقبل الزواج ، وكذلك أوجبه على إخوتها الذكور، وأوجبه على بيت المال والحكومة المسئولة، كما أنها لو كانت فقيرة أوجب على المجتمع أن يخرج لها من مال الأغنياء ما تسد به حاجتها، وأن يسعى إليها.
ولكن حين لا يطبق الناس ذلك، وحين تنفق المرأة على إخوتها الذكورة، فهي شقلبة للأوضاع والأحكام، الإسلام منها براء، فلا يجب على المرأة أن تنفق حتى على ولدها، بل الوالد ينفق عليها، فضلا عن إنفاقها على إخوتها، ولهذا فليس من الحكمة أن نتهم الشريعة بالظلم، بل نتهم الذين غيروا الشريعة بعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، أولئك هم الظالمون، إنه يجب علينا ألا يلبس علينا الشيطان، وأن ندرك من المخطئ فنحاسبه على خطئه، إن الذين بدلوا شرع الله أخطؤا مرتين، مرة في حق دين الله، ومرة في حق من تضرر بسبب تغيير الشرع، لأن الله تعالى ما شرع شيئا إلا لمقاصد تحقق مصالح الناس ولا تضرهم.
شيء هام جدا أحب أن أذكره هنا، وهو أن الأحكام تناط بالعلل لا بالحكمة، فالحكمة وصف استنباطي غير منضبط، بخلاف العلة، فليست العلة في تغيير الميراث في بعض الأحوال هي الإنفاق، ربما كون حكمة مستنبطة ليس فيها دليل، ولكن الحكم هنا مأخوذ من نصه الصريح، ولهذا فلا يمكن لنا أن نجتهد بخلاف النص، وواجب على العلماء وطلاب العلم الشرعي أن يكونوا حراسا على دين الله، فلا يهدمون الثوابت، ويجعلون الاجتهاد في المتغيرات، وقواعد الميراث من الثوابت لا من المتغيرات، لأن الله تعالى تولى تقسيمها بذاته سبحانه وتعالى.
أما فيما يخص مسألة الحضانة، فإنه بعد انتهاء الحضانة لا يأخذ الوالد ولده، بل يخير بين أمه وأبيه، لأنه لما شب عن الطوق، وجعلناه مع أمه فترة الحضانة لحاجته إليها، فإن الله تعالى جعل الناس مختارين وما أجبرهم على الإيمان به، وإن طالبهم بهذا وسيعاقبهم على عدم الاستجابة لأمره سبحانه وتعالى، ولكن يتخير، وربما يحكم القاضي لما فيه مصلحة الولد، وهذا ما هو مقرر في أقوال الفقهاء.
أما عدم إنفاقه عليه، فإنه يجب عليه، ويجب على القاضي أن يلزمه بهذا، وللمرأة إن قصر طليقها أن ترفع دعوى بالإنفاق وجميع الحقوق. ثم إن المرأة أن اختارت زوجا صالحا لها، فإن الحضانة تنتقل لأمها، وليس للزوج، فإن لم تكن فهناك خلاف، والمختار الأصلح للولد، كما أنه يمكن أن يتنازل الوالد عن حضانة الولد مع زواج الأم، يعني الأمر ليس كما تصورينه أختي العزيزة.
وكل الأحكام الفقهية في مسألة الحضانة منصبة على تحقيق مصلحة الولد، ومن الحكمة أن يكون هناك حوار جامع لمن تم الانفصال بينهما من أجل الولد، وكما قال ربنا سبحانه في معرض الحديث عن الطلاق:"ولا تنسوا الفضل بينكم".
إن جور الناس وظلمهم بعضهم البعض يحاسبون عليه عند الله، فكيف نحاسب نحن الشرع على أنه شرع وأحسن الشرعة، ثم هو يعاقب من خالف الشرع؟!!
شتان في أشياء كثيرة في حياتنا بين شرع الله، وبين عادات الناس وتقاليدهم واختياراتهم وقوانينهم، فلا تظلموا شرع الله، وحاكموا الظالمين في الدنيا، فإنهم سيحاكمون من الله في الآخرة بلا شك، وربما يكون في الدنيا أيضا.
ولتحتسب الأخت صاحبة الحالة ما تفعله في ميزان حسناتها عند الله، عسى الله تعالى أن يعوضها بزوج خيرا من زوجها، يجعل ولدها ولده، تماما بتمام. ولا تنسنا من صالح دعائك. وفي انتظار تواصلك.