الوحدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
تعرفت علي شاب في السادسة والعشرين من عمره، تزوج من قبل، وأنجب طفلا، ولكنه فقده بعد شهور قليلة من ولادته، وطلق زوجته، وكان في سن صغيرة تسعة عشر عاما، وهو الآن يعيش وحده منذ انفصاله عنها، ورجوعه إلى بلده، بعيد عن أهله، وكان يرفض فكرة الحب مرة ثانية، والارتباط بوجه عام، وعندما تعرف بي كان عن طريق الصدفة، وبدأ الاهتمام مني تجاهه، برسائل أوف لاين على النت، وحيث أنه كان مفتقدا للاهتمام، فقد تعلق بي. وبعد فترة صرح لي بحبه. وقد احترمت حبه وقدَرته، ونحن نعيش قصة حب جميلة خالصة لوجه الله.
المشكلة الآن أني أشعر أحيانا أنه غير مهتم بي وقد قلت له ذلك فرد قائلا: أن سني الوحدة الطويلة التي عاشها جعلته غير معتادا على السؤال عن الآخرين كما أن أحدا لا يسأل عنه.
أنا أريد أن أجعله يتجاوز هذه النقطة، وأن يسأل عني كما أسأل عنه دائما. وهو عندما اتصل به يكلمني بطريقة جيدة وكذلك عندما نلتقي على النت، لكنه لا يتصل بي كمبادرة يتخذها هو مثلا لما يكون معه رصيد وأبعث له رسالة يرن عليّ. أرن يرن. لكن أنا التي تتصل دائما وليس هو، وهذا لا يناسبني لأني أريد أن أكون أنا المطلوبة لا الطالبة.
هو أثبت لي حبه بقوله أنه سيأتي ليكلم والدي قريبا خلال الأيام القادمة إن شاء الله.. هو يريد مقابلتي لنحضر النتيجة سويا، وستكون هذه هي أول مقابلة بيننا؟؟؟ وقد وافقت على مقابلته لكن بصراحة لن أستطيع فعل ما وعدته به لأني ملتزمة، وفي نفس الوقت أريد أن أقابله، إذ لم أره سوى في الصور والكاميرا فقط. وهو رآني صورة بس، هل من حقه يراني ونتكلم؟؟؟ أم أقول له يطلبني من والدي مباشرة؟؟؟
هو قال لي أنه في هذه المقابلة سنتفق على ما سنفعله الأيام القادمة، وموعد مقابلته لوالدي.
وجزاك الله خيرا.
14/7/2006
رد المستشار
أختي الحبيبة:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته؛
السؤال الذي اختتمت به رسالتك هل أقابله أم لا؟ وقد قلت من قبل أنك وافقت على مقابلته لكنك في داخلك تعلمين أنك لن تفعلين لأنك ملتزمة. وتحدثت أيضا عن علاقتكما التي نشأت في ظلال الدعم المعنوي من قبلك، وأن علاقتكما (خالصة لوجه الله)، وأضع العبارة الأخيرة بين قوسين، لأني اطلب إليك أن تراجعي معناها الذي وصفه هو التحرر من أهواء النفس، ورغباتها. والإخلاص عزيز، ونفسي أحث وإياك على تحرّيه.
تريدين أن تكوني طالبة لا مطلوبة، إذن افعلي ذلك، علميه أن يهتم ويسأل كما تفعلين، ما دمت تشعرين بحاجة إلى ذلك، لأن هذه الحاجة قد تتضخم لديك، وتؤلمك، وتنغص عليك حياتك فيما بعد، وإذا كان حريصا عليك فسيتعلم أن يهتم ويسأل. في المقابل لا تجعلي كائنا من كان محورا لحياتك، بل اجعلي إيمانك بالله وأهدافك العليا هي محور حياتك، وصادقي نفسك أولا، وتعلمي أن تكون لك مع ذاتك أوقات هي الأثيرة لديك.
سألتِ هل تقابلينه؟ الأمر معقد بقدر ما يبدو بسيطا، أنتما تقضيان أوقات طويلة مع بعضكما، وهذا نتيجة لوسائل اتصالات لم تكن ميسرة من قبل. فإذا اقترب الأمر من الواقع الحقيقي بدأت الحسابات تتغير وبدأت الأسئلة عن إمكانية اللقاء فيما يشبه التناقض بين علاقة بشرية متينة عبر عالم افتراضي، وذات العلاقة في العالم الحقيقي؟
حسنا، لو أخذنا أمر مقابلتك له بشكل مجرد عن الظروف التي أدت إلى هذه المقابلة، أنت ستتحدثين معه في مكان عام، عن أمر يخص حياتكما المستقبلية، وكل طرف منكما ملتزم بضوابط اللقاء شرعا، إذن ما المانع من مثل هذا اللقاء؟
لكن الأمر كما أسلفت أكثر تعقيدا، أنت قلقة من الالتقاء به لأن صورة الفتاة الملتزمة أخلاقيا ودينيا، وأعني بها الصورة النمطية، ستنالها خربشة إن التقيت به، خربشة تخشين من حدوثها داخله هو. فالأمر يتعدى مسألة الحلال والحرام إلى مسألة طبيعة الرجل في مجتمعاتنا، مهما يسرت وسائل الاتصالات انفتاحا افتراضيا تكون فيه نظرته للعلاقة بين الجنسين أكثر إنصافا من حيث التوازن في حقوق الطرفين.
في تقديري، أن تأجيل اللقاء المباشر لما بعد الخطبة أولى، والاتفاق على مسألة التقدم لك وتفصيلاتها، يمكن أن يتم من خلال الشات.
عزيزتي.. في تقديري إن كل الساعات الطويلة التي قضيتموها معا غير كافية بعد للحكم بأنكما تصلحان لبعضكما، ففترة الخطبة هي الحاضنة الحقيقية لاكتشافات أكثر عمقا لمواءمتكما لبعضكما، ولا تغفلي رأي الأهل وسؤالهم عن خطيبك، كبعد يضيف إلى دراستك لهذه العلاقة الحياتية المهمة التي أنت مقبلة عليها عمرك كله.
المشاعر مهمة بالطبع لكنها وحدها لا تكفي إن لم يرافقها توافق قيمي واجتماعي وحياتي. استخيري الله، واستمدي منه العون، واستشيري من تثقين بعقله وحكمته. بارك الله لك ووفقك لما يسعدك في الدارين.