بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وبعد،،،
أنا شاب مسلم عمري تخطى الخمسة عشر عاماً وأدرس في الأزهر الشريف، تربيت تربية إسلامية، كل عائلتي من المتدينين، ولي أصدقاء متدينين وعلى خلق يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ولا يخشون إلا الله.
من هذه البيئة نشأت وفي قلبي حب عمل كل ما هو إسلامي، يهمني بشدة رضا والدي عني. مشكلتي تكمن في غضب أمي علي بسبب وبدون سبب وقد زاد ذلك بعد سفر أبي للعمل بدولة الكويت منذ حوالي السنتين تقريبًا فصارت أمي تصرخ في وجهي لأتفه الأسباب ولا تحتمل أن أتحرك أمامها، ولهذا فقد بدؤوا يتحدون ضدي ويعيرونني بغضب أمي علي.
أرجو حل مشكلتي سريعاً.
ولكم كل الشكر
22/8/2006
رد المستشار
أهلا بك يا ولدي، أحبُّ بدايةً أن أحييك على التزامك بأخلاق الشاب المسلم، واختيارك للصحبة الصالحة.
السائل العزيز، الحقيقة أن إفادتك جاءت أقصر مما ينبغي لأنك لم تحطنا علمًا بأفراد أسرتك فكل ما عرفناه هو أن أباك سافر للعمل في الكويت، وأن أمك تحملت المسؤولية في غيابه، لكننا لم نعرف هل لك أخوة أم لا وكم عددهم؟
ولم نعرف كم يغيب والدك عنكم؟ هل هو غائبٌ منذ سنتين أم أنهُ يعود إلى مصر كل ستة أشهر أو كل سنة؟ ولم تبين أيضًا هل بدأت الزيادةُ في توتر والدتك مباشرةً بعد سفر الوالد أم أنها بدأت بعدما طال غيابه؟ وهل يزيد توترها مع مرور الأسابيع أو الشهور أم أنه ثابت؟
الواضح من إفادتك هو أنك ضحية معاناة والدتك، فيبدو أن حقيقة الأمرِ هيَ أن والدتك في الغالب تعاني من اضطرابٍ نفسي قد يكونُ اضطراب القلق المتعمم وقد يكونُ اضطراب الاكتئاب، وأغلبُ الظن أيضًا هو أن زيادة العبء النفسي عليها بعد سفر شريكها قد أدى إلى أحد هذين الاضطرابين أو ربما لخلطةٍ منهما أي لقلق واكتئاب، فأحد أعراض هذين الاضطرابين هو أن تزيد قابلية الإنسان للاستثارة والعصبية الزائدة دون سببٍ أو لأتفه الأسباب كما ذكرت، كما تقل قدرته على تحمل أحداث الحياة العادية وتصبح ردود أفعاله مبالغًا فيها، بل إن الحالات الشديدة يصل الأمر فيها إلى عدم القدرة على تحمل وجود الآخرين، وليس في كل ذلك ما يشيرُ أو يدل على أن أمك تكرهك أو أنها غاضبة عليك، فهيَ قلقةٌ وخائفةٌ عليك أكثر من كونها غاضبة عليك، وأنا أريدك أن تفهم هذه النقطة جيدًا.
ومن المحتمل أن يكونَ هناك اضطراب في نومها في صورة الأرق إما في بداية النوم (أي صعوبة الدخول في النوم)، وإما في نهاية الليل أي أنها تصحو مبكرًا عن الطبيعي بالنسبة لها أو ربما جاء الأرق في صورة الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل (أي النوم المتقطع)، وقد يكونُ هناك أيضًا تغير في شهيتها للطعام، وربما تغير في وزنها كل هذه أعراض لم تذكر أنت لنا شيئا منها، ولكن المشكلة الحقيقة تكمنُ في أنك لن تستطيع مفاتحة والدتك في هذا الأمر، وربما لو فاتحتها لاستنكرت ذلك وهذه مشكلة كثيرٍ من الاضطرابات النفسية خاصةً تلك الخفيفة أو المتوسطة الشدة والتي لا تبتعد بالمريض كثيرًا عن نفسه الأولى فكثيرًا ما تكونُ الأعراض مجرد تضخيمٍ لصفاته القديمة إضافةً إلى التوتر وسهولة الاستثارة كما بينا من قبل، ولكن المريض في أغلب الأحوال لا يدرك أن الأمر يستدعي استشارة الطبيب النفسي وربما لو شعر بذلك لخجل وخاف من الإقدام على مثل تلك الخطوة.
وتكونُ النتيجة أن تزيد معاناة المريض، ثم تضاف إليها معاناة المقربين منه وهم الأبناء وشريك الحياة، وتختلف معاناة الأبناء في حالة اضطراب الأب نفسيا عن معاناتهم في حالة اضطراب الأم، فتكونُ المعاناة شديدةً خاصةً في حالة الأم لأنها أكثر التصاقًا وأهميةً من خلال احتكاكها اليومي بأبنائها.
وأما ما أقترحه عليك فهو أن تتكلم في أمر التغير الذي طرأ على والدتك مع أبيك من خلال وسيلة اتصالك به أو مع أحد أفراد أسرتها القريبين منها على سبيل المثال مع خالتك أو جدتك لأمك، فهؤلاء قد يرون فيها بعض التغير ولكنهم لا يفاتحونها فيه، وربما لو بينت لهم أنت ذلك لشجعتهم على مطالبتها بالعرض على الطبيب النفسي.
في النهاية أؤكد لك أن المشكلة ليست فيك، وأنني على استعداد لمساعدتك وتقديم المشورة لوالدتك إذا أخبرتك هيَ بما لاحظته في نفسها من تغيرات، وأنا في انتظار متابعتك.
ويتبع >>>>>>>>: معاناة الابن .. لأن الأم تعاني!! م