السلام عليكم
أشكركم على هذا الموقع الرائع المميز جدا.. وكل الشكر للدكتور وائل وجميع الفريق المشارك في هذا الموقع، أريد أن أستشيركم بخصوص ابنتي.... فهي عندما ولدت منذ 4 سنوات ونصف تقريبا.. احتاجت إلى الدخول إلى المستشفى.. حيث أنها عانت من الصفار مثل كثير من الأطفال... وسامحهن الله الممرضات رفضوا أن أبقى معها.. وفي أحد الأيام ذهبت للمستشفى في منتصف الليل بشكل مفاجئ فوجدت طفلتي في داخل الحاضنة وطبعا عارية تماما والكهرباء مقطوعة عن الجهاز وهي ترتعش من البرد حيث انه كان فصل الشتاء في ذلك الوقت...
كانت تصرخ بشدة والممرضات يجلسن في غرفة أخرى بدون اكتراث... صدقوني إن قلبي وأنا اكتب هذه الكلمات يدق بشدة لهول المنظر علي كأم.. صرخت وعملت مشكلة وجاء الطبيب والممرضات ووصفتهم بالمهملين... ولا أدري كيف قاموا بتهدئتي وكيف أقنعوني أن اذهب للمنزل!!!!! كلما أتذكر هذا احتقر نفسي أنني تركت طفلتي بعد ما شاهدته.... المهم أنها في اليوم التالي أخرجتها من المستشفى إلى مستشفى آخر وهناك اكتشفوا أن نسبة الصفار زادت سوء.. واشعر انه تعرضت أيضا للانتقام مني لأني صرخت عليهم في تلك الليلة التي تركتها بكل غباء...
هذا هو الموقف الأول الذي أريد أن أذكره... الموقف الثاني كانت طفلتي عمرها سنه ونصف وحصلت على وظيفة حينها وطرت من الفرحة أني توظفت لأني انتظرت خمس سنوات وأنا أبحث حتى أراد الله أن احصل على الوظيفة... تركت طفلتي في الحضانة التي بعد ذلك علمت أنها كانت تترك طوال النهار دون طعام وكانت تبقى طوال النهار بنفس الحفاضة وهذا مؤلم لها أنا اعلم أن طفلتي تتضايق كثير إن بقيت فضلاتها ملامسة لجسمها.... أيضا كانت تتعرض للنهر والزجر...
وقبل موعد وصولي ليس بأكثر من عشر دقائق يتم تجهيزها وتنظيفها لآخذها.. كانت في تلك الأيام طفلة شاردة حزينة تأكل أظافرها و تقوم فزعة ليلا تصرخ.... وكل هذا اختفى عندما نقلتها لحضانة أخرى جيدة حتى أني رأيتها تضحك وأثار استغرابي أنني لم أرها تضحك من شهور طويلة.... وبعد نقلها بفترة عملت من إحدى الحاضنات في الحضانة القديمة ما كانت تتعرض له.... وكلما أتذكر اشعر أن قلبي ينفطر....
الموقف الأخير الذي أود أن اذكره قبل أن اطرح سؤالي... هو أني منذ عملت.... وأنا قلت كثيرا فترات التي أجلسها مع طفلتي و قلت قبلاتي لها وأحضاني... وأبوها رجل سلبي ولا يحمل المسؤولية بشكل جيد... أي انه لا يعوضها ما تفقده مني.... أي أني لو تأخرت في عملي حتى الليل مثلا... تبقى معه طوال النهار يتغدى هو و ينام وهي تبقى بدون طعام حتى أعود أنا منهكة وعصبية فلا تجد مني سوى التعامل القاسي لأني أكون غاضبة من أبيها واصب غضبي فيها دون وعي.... وأنا محتاجة بشدة للوظيفة ولا تتحمل مادياتنا أن اترك الوظيفة أيضا تركيبي النفسي أنا لا استطيع أن اجلس في المنزل دون عمل.
سؤالي : هل كل ما حدث في الماضي البعيد قد ترك أثره في نفسية ابنتي فهي الآن بعد ما عالجت كل أمورها تبدو طفلة سعيدة ولكن أخاف أن يكون رواسب من الشعور بالألم في نفسها كيف اجعلها طفلة سعيدة جدا..؟؟ كيف أعوضها كيف أنسيها ما حدث معها في الماضي.
07/9/2006
رد المستشار
سيدتي الفاضلة؛ أهلاً بك على موقعك الثقافي المتميز المفيد، في الحقيقة لقد أثارت استشارتك في نفسي مشكلتين على قدر كبير من الأهمية في مصير أمتنا:
الأولى: انتشار الإهمال وعدم الإتقان بين الكثير من أبناء أمتنا الإسلامية إلا من رحم ربك، حتى أصبح الموروث لدينا من الأمثال يؤيد فكرة عدم الإتقان والصمت على الفساد: "على أد فلوسهم"، و"عُكْ وليِّس كُله كويس"، و"أربط الحمار مطرح ما يحب صاحبه"، و"كله عند العرب صابون"، و"مشي حالك حالك يمشي"، و"كبر دماغك"، "وطنش تعيش"، والمعروف أن الأمثال هي خلاصة تجربة الأمم والشعوب؛
وأقول هذا الكلام الصعب وأنا أتألم من الواقع المر الذي أعايشه وأعتقد أنكم تعايشونه جميعاً، ومنا هذه السيدة الفاضلة الذي طال إهمال الآخرين أغلى ما تملك ألا وهي ابنتها حديثة الولادة، وأين؟؟؟؟ في مكان لا يُحتمَل فيه الإهمال وهو حضانات الأطفال في وحدات الرعاية المركزة للأطفال حديثي الولادة!!!، فإذا كان الإهمال العلني قد طال وحدات العناية المركزة بالمستشفيات؟؟؟!! فما بالنا بالمصانع والمزارع والمدارس والجامعات والمصالح الحكومية والمؤسسات والهيئات؟!!؟؟.
حدثوا ولا حرج، حتى أصبح الإهمال والفساد هما القاعدة والاستثناء هما الإتقان والتزام النظام!!!، وتجد هناك من يدافع ويبرر الإهمال والفساد!!؛ فمن قائل بسبب قلة الرواتب، ومن قائل بانعدام القدوة؛ ومن قائل بانعدام الردع وفساد الأنظمة، ومن قائل بضعف الوازع الديني لدى الكثير من الناس؟؟!!؛ فهل أي أوكل هؤلاء مقبولين كعذر أو أعذار للإهمال والفساد عند قيامنا بأعمالنا، والتي من الواجب علينا القيام بها خير قيام؟!، والإجابة لا ؛ لأننا لو أجبنا بنعم، فهذا يعني أن مجتمعاتنا تنتحر!!!، ومعناه أيضاً أن نظل مُستضعفين في الأرض، وهذا ما لا يقبله من لديه بقية من عقل آدمي!!!
أحياناً أشعر بحالة من الفصام يعاني منها عدد كبير من الناس فمن ناحية تجده مصلياً مقيماً للشعائر الدينية الظاهرية كما أُنزِلت و في نفس الوقت مهملاً ومقصراً في قضاء مصالح الناس في عمله -حيث يعمل موظفاً كبيراً في هيئة التأمين والمعاشات مثلاً – وأتعجب كيف يتأتى ذلك؟؟!!، أو تجد سيدة محجبة تقيم شعائر الدين الظاهرة أمام العيان كأحسن ما يقوم به شخص ما، وتجدها في نفس الوقت قاسية غاية القسوة، بل وظالمة للأطفال الذين ترعاهم في دار الحضانة التي تعمل فيها!!؛ فكيف يتأتى ذلك؟ وكيف تبرر قسوتها وإهمالها للأطفال المفروض عليها أنهم أمانة لديها وأن عليها أن تعوضهم عن حنان أمهاتهم الغائبات لحين عودتهن من أعمالهن؟؟!!!.
هذا جزء من الواقع الذي نعيشه، فمن المسئول عنه؟؟ وكيف يمكننا أن نصلح من هذا الواقع الأليم؟؟؟، لقد فهم صحابة رسولنا الكريم أهمية الانشغال بشئون مجتمعاتهم، واعتبروا خدمة الناس أهم من نوافل العبادات، فيُروى عن ابن عباس أنه ترك الاعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليقضي حاجة محتاج من أمير المدينة، وعندما سُئل في ذلك قال:"لأن أقضي حاجة محتاج أفضل عند الله من اعتكاف سبعين سنة"، أو كما قال حبر الأمة رضي الله عنه وأرضاه، وقضاء حاجة محتاج أمر تطوعي فما بالنا بالعمل المفروض علينا ونتقاضى عليه أجراً، ألا يجدر بنا أن نتقنه؟!!.
أما المشكلة الثانية فهي انشغال الكثير من الآباء والأمهات عن رعاية الأبناء، وذلك الأمر الخطير قد ازداد مع دوامة السعي وراء لقمة العيش، وازدياد معدلات الاستهلاك لدى أبناء مجتمعاتنا، فبعد أن كان غاية المراد من رب العباد لطفل أو مراهق أو شاب صغير طقم شتوي أو صيفي من الملابس يلبسونه أمام الناس أصبحوا الآن يطلبون بلاي ستيشن وجيم بوي ودراجة بخارية وموبيل وسيارة وبطاقة ائتمان بنكية –لزوم الصرف والمصروف- للفتى أو الفتاة على السواء!!!، والأهل ضعفاء دائماً أمام مطالب أبنائهم وبالذات عندما يقوم الأبناء بعقد المقارنات مع أبناء الأقارب والجيران، وفي خضم الانشغال والصراع بين أبناء هذا المجتمع المادي المتلاطم –وهذا تقليد للمادية الغربية الأصل والنزعة، والقادمة مع الغزو الفكري والعولمة لأبناء أمتنا- تضيع القيم النبيلة والمعاني الجميلة، ولا يجد الوالدان وقتاً لدعم الأخلاقيات الطيبة وبث معاني الحنان والمحبة بين أبناء المجتمع الواحد، فلم يعد لدى الأم -بعد عودتها من عملها الخشن الذي قد تناطح فيه الرجال أحياناً لساعات طويلة- الصبر في الاستماع لأبنائها ومشاكلهم التي حدثت وهي غائبة في عملها، ولم يعد هناك -لدى الكثير من الأمهات العاملات– القدرة على إعطاء الحنان الكافي لأولادهن، وبالطبع فإن كل ذلك يؤثر في أخلاقيات وشخصيات وسلوكيات هؤلاء الأطفال واتزانهم النفسي فيما بعد وهذا ما يؤكده علماء النفس على مختلف نظرياتهم وآرائهم.
وما أقوله لك أختي الفاضلة –وأنصح به من يعانون معاناتك– هو عدم التفريط في رعاية أبنائنا قدر الاستطاعة –وما لا يُدرك كله لا يُترك كُله- بأن: نستمع إليهم، ونناقش مشاكلهم، ونعطيهم بعض الحنان الذي يفتقدون إليه، مع التوجيه الذكي دائماً لفعل الصواب، ونظهر لهم امتعاضنا من فعل الخطأ، ونخصص لهم وقتاً لكل ذلك ولو دقائق يومياً، وأن لا نحمل مشاكل أعمالنا معنا إلى البيت، وألا نزيح عيوب الأزواج ومشاكلنا معهم كزوجات على رؤوس أبنائنا، فليس لأبنائنا ذنب في ذلك، وهم في نفس الوقت عطية غالية، ومنة كبرى امتن بها رب العالمين على كل أبوين، ومن لا يدرك هذا المعنى من الآباء أو الأمهات أسأله متابعة حالات ومشكلات العقم وعدم الإنجاب على صفحات الإنترنت والجرائد والمجلات.
من المهم أيضاً أن نقرأ عن طرق التربية السليمة للأبناء، ومن لا يعرف أو لا يحب القراءة فعليه بالاستماع إلى طرق التربية السليمة، وكيفية إشباع الحاجات العاطفية والفكرية والأخلاقية لأبنائنا، وألا تكون طريقتنا في التربية هي كما فعل بنا ومعنا والدينا سواء كانت طرقهم التربوية صحيحة أم خاطئة، ويوجد على موقعنا هذا صفحة عن تنشئة الأبناء وتربيتهم التربية الصحيحة أنصحك بالاطلاع عليها.
نقطة أخيرة أيتها الأخت الطيبة هي عدم لوم نفسك أبداً على ما صدر منك في حق ابنتك من أي تقصير في الماضي، ولكن افتحي صفحة جديدة معها يكون هدفك فيها الأساسي هو: "مشروع بناء سيدة ناضجة متزنة صالحة تفيد نفسها ومجتمعها"، وإذا أعطى كل منا مجتمعه من الخير أكثر مما أخذ منه فهو مواطن صالح أو مواطنة صالحة، والله الموفق للخير والصلاح..