تجربة للاستفادة والعبرة: أروع من رائعة
بسم الله الرحمن الرحيم، أريد أن أكتب مقتطفات من تجربتي مع العلاج النفسي؛ ليستفيد بها الجميع إن شاء الله. وسأكتبها على هيئة فصول (من المسرحية الكبرى-الواقعية- التي تحدث لأناس كثيرين)
الفصل الأول:
العمر:منذ الولادة حتى البلوغ.
لا أتذكر كل شيء، ولكن أمي تقص لي أنها كانت مشغولة في أعمال البيت، ولم تكن تحتضني وتحنو علي -مع تمنيها ذلك-، وفي هذه الفترة أيضا مرض والدي حفظه الله بسرطان الدم(اللوكيميا) واضطرت الوالدة إلى تركي أنا وأختي الوحيدة مع جيران نحبهم ويحبوننا.
الفصل الثاني:
العمر:من لحظة البلوغ حتى السادسة عشرة.
في هذه الفترة أو بعدها بقليل كانت خلافات والديّ (أمامنا) لا تنتهي، فوالدي قد عاد إلى العمل بعد أن مرض بالسرطان مرتين وشفي بفضل الله وحده. وكنت كذلك في بداية هذه المرحلة(غافلة) و(جاهلة) بكثير من أحكام الدين، ولكني كنت كلما علمت شيئا نفذته (حرفيا)، حتى زارنا أحد أصدقاء والدي الصالحين الطيبين -كما أحسبه-، وألقى علينا درسا بشكل محبب للغاية وكان عمري وقتها يقترب من الثانية عشرة.
وفي هذه الفترة تقبلت فورا والفضل لله وحده، ولكن حدث شيء آخر: كنت أدعو الله ألا يأتيني الحيض،حتى إني كنت أصلي مع وجود الحيض،والمبرر هو: أن الله يستجيب الدعاء وهذا دم استحاضة وليس دم حيض،حتى مع استمراره في إحدى المرات 25 يوما،ولم أفعل غير أني شربت العسل، وبالطبع كل هذا دون علم أي أحد من أفراد أسرتي الطيبة المتدينة (كما اصطلح الناس على هذه التسمية)، وفي هذه الفترة كان عندي وسوسة شديدة إلى حد ما، وكنت أُنهر (بالضمة) وأُزدرى أحيانا بسببها.
الفصل الثالث:
العمر:من السادسة عشرة حتى الآن (الواحدة والعشرين).
في إحدى الليالي وبعد فترة من النوم المضطرب حدث ما حدث من انهيار وصراخ على الوالد بطريقة (هم استغربوها)، وطلب لي الإسعاف وأجريت لي التحاليل ولم يكن بي أي شيء، فاضطروا إلى استشارة الطبيب النفسي، فأدخلني المستشفى لمدة أسبوعين مشخصا حالتي باضطراب ذهان قصير (وأنتم أعلم بالانجليزية)،وكانت فترة في غاية السعادة والعطاء والنشاط والسرور.
وطوال عمري وأنا من أوائل الأوائل بحمد الله، ولكن تلك كانت السنة الوحيدة التي لم أستطع فيها مذاكرة (كل) ما أخذته؛ فلذلك تأثرت النسبة بمعدل عشرة في المائة تقريبا، وبعدها عوضني ربي عن ذلك وعن سنة قضيتها في البيت بلا دراسة بأن رزقني مجموعا لم أحصل عليه من قبل وهو مجموع الثانوية العامة:99% ولله الحمد، وبعدها التحقت بالكلية التي (كنت) أخطط لها من قبل:دار العلوم التي أعدها منة عظيمة من الله تعالى لن أوفي شكرها مهما فعلت، ولم يقل تقديري عن جيد جدا مرتفع جدا ولله الحمد.
ومع كل ما كتبت فمازال الطبيب يكتب لي أدوية للذهان، والفصام والهوس(هكذا قرأت في النشرة) وهذا ما دعاني إلى زيارة أحد الأطباء الآخرين بعد مرور أربع سنوات ونصف من العلاج بأدوية الذهان والوسوسة، التي ساعدتني كثيرا،لكن أضرارها الجانبية آلمتني كثيرا أيضا! وكان التشخيص (وسواس قهري)
ذهبت للطبيب (الآخر) وطمأنني كثيرا بأن الذهان لن يعود ثانية إن شاء الله،وشخص حالتي وسواسا واكتئابا فقط!.......... وحدثت بعد ذلك أشياء لا أريد الإطالة بذكرها، ولكن النتيجة أن الدواء الوحيد الذي أراح نفسيتي وجعل الوساوس تختفي وكذلك الاكتئاب هو الكالميبام وحده، ولكن والديّ عفا الله عنهما وهداهما يصران على استماع كلام الطبيب (الأول)؛ لظهور بعض الأعراض التي (أفزعتهما) عند إيقاف الأدوية الأخرى كصعوبة التنفس واضطراب ضغط الدم والزغللة واضطراب النوم، واضطراب الأكل لمدة ساعتين تقريبا (والله) فقد قامت الدنيا ولم تقعد عندما كانت شهيتي للطعام غير مفتوحة بعد الصيام،ولم آكل لمدة ساعتين تقريبا،وبعدها انصلحت الشهية وأكلت.
الحمد لله على ما وهبني من فضله الذي ليس له حدود، ووالله لو خيرت بين ألا يمر بي شيء وألا أصل إلى ما وصلت إليه من حلاوة الإيمان (إن شاء الله) لطلبت الزيادة من البلاء حتى تزيد الحلاوة، لكني أسأل الله العافية والمغفرة والرحمة والهداية وأن يمنحني ولا يمتحنني.
الحالة الآن:
رجعت الوساوس وبعض الأعراض الاكتئابية بعد إعادة دواء الذهان، ولكن أملي في الشفاء قائم وسأظل أدعو الله تعالى إن اشتد الكرب:
اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيرا لي لأني في الحالين سأسعد إن شاء الله، وجزاكم الله كل خير وحفظكم، وكم أتمنى أن آخذ شهادة في علم النفس لأستطيع المساهمة في تخفيف آلام الآخرين بفضل الله، ولو تطوعا ولو كنت في مكان قصي(بعيد).
طرفة: أختي مريضة الآن بشيء لا يعرف له أبواي حلا حتى الآن، فاضطررت إلى الذهاب إلى الطبيب النفسي (الثاني) دون علمهما، وشخص الحالة بأنها (قلق مزمن) وكتب لها دواء، والطرفة هي أن أمي قالت ذات مرة عندما اشتد بها الكرب- بما معناه: صلوا جيدا حتى لا يعاقبنا الله، تلمح إلى أني لا أصلي جيدا.
وأنا أعلم أن ربي سيعذرني لأن الوسواس قوي، وأنا لست متهاونة بل مريضة أفعل ما أستطيع!
شكرا
29/10/2006
رد المستشار
أختي العزيزة؛ أعتذر لك شديد الاعتذار عن تأخري في التعليق وليس الرد على رسالتك الجميلة.
أختي المؤمنة (ولا أزكي على الله أحداً، أحسبك كذلك):
كلامك جميل ومتناسق وأعطاني فكرة لا بأس بها عن حالتك، وإن كنت اختصرت واختزلت الكثير الكثير، وهذا ما يجعلني مُعجباً بأسلوب كتابتك، ويدل أيضا على قدراتك اللغوية وبلاغتك، والحمد لله أنني مازلت أقرأ لمن هم أمثالك، وإن قل عددهم كالياقوت.
أختي الفاضلة؛
أعتقد أن من فضل الله عليك أنك كنت تتابعين مع طبيب ماهر في الطب النفسي بدليل أنك تحسنت معه كثيراً، وحصلت على مجموع 99% في الثانوية مع حصولك كل عام على تقدير جيد جداً مرتفع في جميع سنوات دراستك الجامعية، وهذا إنجاز عظيم لأي مريض نفسي يتناول عقاقير للذهان والفصام والوسواس كما تقولين، ولكن لي مأخذ عليك أختي الفاضلة: ألا وهو محاولتك التقليل من علاج الوسواس من نفسك وبدون الرجوع إلى طبيبك المعالج، ولا أخفي عليك أن الاستمرار على "الكالميبام" وحده في علاج الوسواس ليس بالعلاج الجيد ولا الكافي، وهذا هو غالباً السبب في رجوع بعض أعراض الوسوسة والقلق والاكتئاب مرة أخرى إليك بعد شفائك منهم.
أختي الطيبة
دعيني أقتبس من رسالتك بعض السطور الجميلة المعاني وأهديها لكل المرضى؛ طالباً أن يتأملوا فيها المعاني الإيمانية الراقية، والتي اختص الله بهم المرضى من عباده، فالله عز وجل وملائكته يكونون أقرب ما يكونون من العبد المريض المؤمن:
"الحمد لله على ما وهبني من فضله الذي ليس له حدود، ووالله لو خيرت بين ألا يمر بي شيء وألا أصل إلى ما وصلت إليه من حلاوة الإيمان لطلبت الزيادة من البلاء حتى تزيد الحلاوة. وأملي في الشفاء قائم وسأظل أدعو الله تعالى إن اشتد الكرب: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيرا لي لأني في الحالين سأسعد إن شاء الله. وأسأل الله العافية والمغفرة والرحمة والهداية وأن يمنحني ولا يمتحنني".
وبعد هذه الكلمات الإيمانية الطيبة؛ أجد أنه من المفيد أن تدرسي علم النفس بعد حصولك على شهادة تخرجك من دار العلوم، كهواية وزيادة فائدة، ولكي تصبحي أكثر قدرة على فهم الناس والحياة، وقبل ذلك فهم أغوار ذاتك، وأنا أرى في قدراتك اللغوية والعقلية مبادئ كاتبة ومؤلفة عبقرية، ولكن بشرط زيادة القراءة والاطلاع في مختلف العلوم يا بنية دار العلوم. أما العمل مع مرضى نفسيين – ولو تطوعاً -فلا أنصحك ولا أنصح غيرك من مرضانا النفسيين بالعمل فيه؛ لأنه عمل مجهد للعقل والنفس، وذلك بالنسبة للشخص العادي فما بالك بالمريض النفساني!!
بالنسبة لأختك أرى أن تصرفك كان صائباً، وعليها الالتزام والمتابعة مع هذا الطبيب النفسي الحاذق، ومن الواضح أن والديك وأمك بالذات لديها درجة عالية من القلق، ومن الواضح أن ذلك القلق مؤثر وبفاعلية على أحوال الأسرة بأكملها، ولكن لا تخبريها بذلك لأنها لن تتقبله، وقد تكون عنيفة في ردها عليك وأنت حساسة جداً وشاعرية كما هو واضح من رسالتك، ولكن أقول لك ذلك حتى تكوني حذرة –قدر الإمكان- من أن ينتقل إليك وإلى أختك قلق والدتكما عافاها وعافانا الله من القلق، وصلاتك ممتازة بفضل الله عليك ومنته، ونسأل الله لك ولنا بتقبل صلواتنا وعباداتنا، ولا تلتفتي إلى كلام الوالدة في هذا الأمر، ولا توسوسي فيه أبداً أبداً.
وكما قلت أنت: "أنا مريضة، وأعلم أن ربي سيعذرني لأن الوسواس قوي، وأنا لست متهاونة بل مريضة أفعل ما أستطيع!" وأنا كطبيب معالج أشعر وأحس بمعاناتك وأقول لك: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها". وفي النهاية أكرر لك شكري الخاص على رسالتك الرقيقة والمفيدة.