ضد العقل والدين:المشهد البائس... مشاركة
إلى الدكتور الفاضل أحمد عبد الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛ فعلا يا دكتور موضوع اختيار شريك الحياة موضوع ليس سهلا أبدا خاصة مع انتشار ظاهرة النفاق الاجتماعي، ولكن دكتور ألا ترى أنه حتى في حالة المجال الاجتماعي الجماعي العام يصعب هذا الأمر بسبب ظاهرة النفاق الاجتماعي هذه فإذا كان الإنسان مع صديقه الحميم يكتشف بعد سنين أمورا لم يكن يتوقعها منه فبالله عليك ماذا سيفعل مع زميلة له لا يعرف عن حياتها الخاصة إلا القليل، ولا يقابلها إلا في إطار المجموعة ولا يتكلم معها إلا في موضوعات عامة.
برأيي أن هذا الأسلوب كسابقيه ولا مفر من الزواج التقليدي مع أخذ الأسباب من سؤال عن الفتاة من خلال أهلها وجيرانها وصديقاتها –وإن كنت أظن أن الناس يميلون غالبا إلى المجاملة الشديدة في هذه الأمور– ومن ثم الاستخارة وكان الله في عون الشاب الذي لا يجد سوى سويعات قليلة يقضيها مع الفتاة في فترة الخطوبة ليحدد اختياره.
29/3/2007
رد المستشار
أشكرك على مشاركتك، وقد أكدت أننا نعتز بالمشاركات أحياناً، أكثر من الأسئلة، لأنها تزيد وضوح الأفكار وتعميق المفاهيم، والمقترحات التي نطرحها تبقى نظرية حتى تتلاقى مع التعليقات منكم، وأهم من ذلك خبرات التطبيق، وتجارب التفاعل العملي، وعندئذ فقط تصبح المعاني حية وعملية!!
الحقيقة يا أخي الكريم أنني أدعو إلى نسق متكامل ومغاير للمألوف السائد في بعض جوانبه، وهذا من أسباب التميز، ومقدمات ما ألاقيه من بعض البشر، الله الموفق.
أنا ضد النفاق الاجتماعي الذي نتربى عليه بامتياز في دنيا القمع والقهر والكذب، وخشية كلام الناس أكثر من وخز الضمير الحي الذي يبدو غالباً، قليلاً!!
وليس النفق الاجتماعي إلا حصاداً طبيعياً، ومكوناً متسقاً مع بقية منظومة حياتنا، وفيها تتبع العورات، والتدخل في شئون الناس الخاصة، وتقمص أدوار الإلهية في محاسبة الناس والرقابة على حركاتهم واختياراتهم!!
النفاق الاجتماعي ثمرة من ثمار التطبيق الخاطئ للضبط الاجتماعي، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي صار تلصصاً وتصنتاً، وأفعالاً مشينة يتبرأ منها الدين السليم، والعقل الصحيح!!
وفي واقعنا تتدرج أشكال ومستويات التعامل بين الجنسين بين المنع والفصل تماماً إلى الفوضى والتفريط، واختلاط الحابل بالنابل تماماً وأنا أدعو ضد السائد المألوف في هذا الطرف أو ذلك، ببساطة إلى مقاصد وفهم الصدر الأول من المسلمين الأوائل، وهو أفضل ما وصلت إليه الإنسانية عبر تجاربها!!
مجال عام يتلاقي فيه الجميع، ولكن أيضاً بلا نفاق اجتماعي، ولكن درجة من درجات التجمل والمجاملة بين الناس، هي من طبيعة الإنسان، وحركة البشر. حرية الحركة والتفاعل في الصدر الأول للإسلام تضمنت بعض الانحرافات الإنسانية الواردة من زنا وغيره، ولكن حياة الناس وقتها لم تتوقف، ولا صدرت أوامر بعمليات بتر وتشويه للجميع لأن أحدهم زنا أو إحداهن!!
وأنا أدعو إلى مجتمع إنساني إسلامي طبيعي يعرف الحرية الفطرية ويمارسها ضمن منظومة من التفكير السليم، وهذا المناخ لا مفر منه لإصلاح عيوب صارت مزمنة في تكويننا العقلي والروحي. ومن ضمن عيوب المنظومة الحالية، ويتعلق بمشاركتك، ما يبدو من أننا نرى الخلق إما ملائكة أو شياطين، إما أخيار أو أشرار، وهذا وهم باطل، ومقدمة من مقدمات النفاق حيث يتبارى الناس في إثبات أنهم الأخيار، وأن المختلفين عنهم أو معهم أشرار!! بينما فهم طبيعة الإنسان المركبة تعين على التخلص من مقدمات النفاق!!
إذن إن كنت تقصد أنك تريد معرفة تصنيف زوجة المستقبل: في الأخيار هي أم في الأشرار، فهذا الاعتقاد باطل، لأنها مثلك ومثلي ومثل كل البشر ليست شيطاناً ولا ملاكاً. وجزء آخر من المنظومة القائمة وهو ما يتعلق بالخلط بين ما يمكن وينبغي معرفته من صفات وطباع وأخلاق كل إنسان لمن يريد أن نرتبط به بعلاقة صداقة، أو ترتبط بها بعلاقة زواج، وهذا يمكن معرفته عبر التعامل المفتوح الذي أدعو له في مناخ طبيعي إنساني محترم، إضافة إلى ما تدعو إليه أنت من سؤال عن الفتاة وأهلها من خلال الجيران والمعارف والأصدقاء والأقارب.
التعامل المباشر إضافة إلى السؤال يمكنها توفير القدر المعقول من المعلومات المطلوبة، ولكن أيضاً ستبقى للحياة مفاجآت، والبشر يتغيرون، وطبيعة علاقة الزوج مركبة، وضمن تركيبها أنها تتحرك وتنمو، وقد تتطور أو تتعثر، وتستمر أو تنتهي طبقاً لمتغيرات كثيرة، ولا يمكن التنبؤ بكثير من مستقبل أي علاقة مهما توافر من معلومات في لحظة البدء!!
محتاجون كما ترى لتغيير كبير في فهمنا وموقفنا من الإنسان، والخطأ البشري، ومن إدارة الاختلاف بيننا وبين من هم غيرنا في السلوك أو المعتقد، كما نحتاج إلى الحرية، ومن قبل ومن بعد نحتاج إلى الإسلام بمعانيه وأهدافه التي أرى أنها صارت ضائعة تائهة وسط غموضي وتشويش وتشويهات كثيرة في أفهام وتصرفات أغلب المسلمين!!
وسيحتاج هذا كله إلى إرادات وتدريب، ولن تتغيرَّ حيلتنا بضغطة زر، ولن نتحول من الإفراط أو التفريط إلى الاعتدال والتوازن إلا بجهد ووقت. وحتى يحصل هذا أو بعضه ليس أمام من يختار فتاة للزواج إلا الاجتهاد والتحري، والاستشارة والاستخارة، والله معه، ومعنا في كل ما يواجهنا يومياً!!!