السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا التي أرسلت لكم (قصور الخدمات النفسية ومعاناة الأسر)، وأوجه شكري الجزيل للدكتور وائل على إجابته وجزاه الله عني كل الخير.
في البداية أريد أن أتحدث عن شخصية أبي التي وجدت وصفا لها في مقالة على موقع مجانين بعنوان فن اختيار شريك الحياة (3) والعنوان الفرعي الشخصية الوسواسية (المدقق – العنيد –البخيل) وصوته مرتفع جدا ومخيف.
فجميع أفراد أسرتنا يعانون من أبي من صغرنا بمن فيهم أمي، فهو لأي سبب تافه يقوم بالإهانة، مثلا لو كسر أي كوب يبدأ بالصراخ والحديث عن أنه فقير وأننا لا نستطيع فعل أي شيء صحيح، ولا يقبل أن يرمي الأشياء التالفة من المنزل لأنه اشتراها بثمن، ليس لديه أي مشاعر. لو مرض أحدنا يشكو من مصاريف العلاج، يقول إنه أفقر الناس علما أن حالتنا تعتبر متوسطة، ببساطة لا يخرج من جيبه نقودا إلا ويتحسر عليها ولا نجرؤ أن نطلب منه شيئا. دائما يعاير أمي لأنه تزوجها ويمن علينا أننا نعيش عنده ببلاش لأننا السبب في فقره ويقول إن الرجل لا يخطئ بل زوجته تحثه على الخطأ، بالإضافة إلى أنه يتعامل معنا على أساس أننا سنضعه في مأوى العجزة عند كبره وظنه دائما سيء.
بعد ستر الله أمي هي السبب في تماسك أسرتنا حتى الآن. أحيانا تضطر للكذب عليه وتخفي عنه بعض الأمور بالإضافة إلى مدافعتها عنه أمامنا وتذكيرنا بحسناته حتى لا نكرهه. علما أنه درجة تعليمه عالية ويحفظ أكثر من ثلثي القرآن، وعندما يتكلم في جلسة عن تفسير آية فإنه يفسرها بشكل منطقي وشيق وهو صاحب ثقافة عالية (يعني متناقض مع نفسه).
بالنسبة لتعليم أخي فقد كان مستواه في المدرسة جيدا، كان أقل من الجيد في المواد العلمية وكان ممتازا في المواد الأدبية فلديه قدرة جيدة على الحفظ مع أن بقيتنا معروفون بالذكاء، وقد أنهى الصف السابق لشهادة الثانوية العامة، في إحدى فترات مرضه حاول أن يتعلم لغة وكان يحفظ الكلمات بسرعة كبيرة ولكنه لم يستمر، أما معامل الذكاء فلا أعرف كيف يقدّر.
قبل مرضه بأقل من سنة أثناء تدربه في النادي بدأ سلوكه يتغير مثلا كان يطيل السجود في الصلاة ثم أصبح ينام في الجامع كل فترة واشترى ملابس جديدة كلها بيضاء ورمى القديم، حتى ذلك الوقت لم تكن لأمي الجرأة لتخبر أبي ولكن حالته زادت سوء، أحضر حجارة ليضعها في عيوننا على أنها كحل، وقال إنه يرانا طينا (بعدها بفترة قال لنا أحد الجيران إنه رآه يوقف السيارات ويقول لهم إنه المهدي) فأخبرنا أبي وأخذه للطبيب النفسي (الخاص) وأعطاه العلاج وهو (الهالدول) ومباشرة بدأ يطلب الزواج وكان يبكي لهذا وكان أهلي يخبرونه أنه صغير وهذا غير ممكن الآن وأبي بأسلوبه كان يحدثه عن متطلبات الزواج المادية غير المتوفرة لديه.
استقرت حالته قليلا وقام الدكتور بتقليل عيار الدواء فأصيب بعدها بانتكاسة وكان يقف عند باب مدرستي ويخطب البنات، إحدى الفتيات كانت تحدثه وتعطيه أملا كاذبا ويعود للبيت ليصرخ على أهلي حتى يخبطوها؛ لذلك ذهبت أمي لمنزل البنت وشرحت لهم الوضع واتفقوا على قول إنها مخطوبة بعدها أصيب بحالة اكتئاب.
ثم قام الطبيب بإعطائه دواء جديد باهظ الثمن وكانت النتيجة أفضل من السابق وأخذناه لأكثر من طبيب في بلدنا والبلدان المجاورة وعملنا له بعض الصور الطبقية، كان التشخيص يختلف من طبيب لآخر (ثنائي القطب، شوزفرينيا، الفصام، الوهم) ولكن اتفقوا على نفس العلاج.
بعد حالة الاستقرار هذه قام الطبيب بتقليل العيار فعادت الانتكاسة وقال إن هذا الدواء لم يعد ينفعه. كان يأخذ حقنا تسبب له تيبسا ولم يتوقف عن طلب الزواج. كان أبي يهزأ منه بكلامه، مثلا: من يرضى بتزويج ابنته لمريض نفسي؟ ويحدثه كما أنه إنسان طبيعي ولا يراعي مشاعره، وكان يبدو هادئا أمام أبي ويبدي استياءه لأمي. ثم في هذه الفترة وهي السنة الرابعة لمرضه زال منه الخوف من أبي وأصبح يصرخ عليه وكان يهددنا أنه سيخلع ثيابه ويخرج للشارع، ووقف عدة مرات على باب المنزل بالملابس الداخلية.
ثم بدأنا التعامل مع العيادة النفسية الحكومية التي كان رقمه فيها بالآلاف، وبدأ يجبر أمي المريضة على الخروج للسوق للبحث عن العروس، أعطاه الطبيب هالدول+ كارباتول ولم يهدأ بل تطور إلى مشاجرات مع أبي وكان يرمي ويكسر الأثاث، فقام الطبيب بزيادة حقنة الهالدول ولم يهدأ كثيرا واستمر الحال أكثر من ثمانية أشهر، وبدأ أبي بتحسين أسلوبه معه، ثم قرر الطبيب إعطاءه الليثيوم مع سابقيه وهدأ عليه.
وبعد 3 أشهر بدأت مشكلة الوسواس (من تجاعيد النساء والفروق بين النساء العربيات والأجنبيات) التي كانت تتزايد لعام كامل، فكان يسأل أمي سؤالا واحدا ويطلب منها إعادة الجواب عشرات المرات والويل لو أخطأت بحرف واحد. ولو تحدث أحد أمامه يفهم الكلام أنه عن الموضوع الذي في عقله، وكان يطردنا من المنزل حتى إنه كان يهدد أبي بالقتل، وضعناه في المستشفى لمدة أسبوعين فقطعوا عنه الليثيوم وبدأ بالعودة تدريجيا إلى حالة ما قبل الليثيوم، ثم أعطاه الطبيب عقار الكونفليكس، ازدادت لديه حالة الاكتئاب وهدد كثيرا بالانتحار وحاول حرق ثيابه وعندما يرى شرارة النار يستنجد بنا. ثم أعطاه الطبيب سبرام (ضد الوسواس)، وكان دائما يشكو من أي شيء ومن الحياة ويرى الناس طينا، وعاد الوسواس بعد 9 أشهر.
في هذه الفترة طلب أخي المغترب منا الزواج، كان الأمر حملا كبيرا علينا ولم نجرؤ على إخبار الصغير، كانت العروس زميلة لي في الجامعة وأخبرتها بمرض أخي مند البداية -كان أبي يطلب منا عدم الحديث عن هذا الأمر حتى لا يرفضوا- وعندما ذهبنا لمنزلهم بالغنا في وصف حالته وقلنا لهم إننا لا ننوي إخباره وعلى الرغم من ذلك أصروا على حفلات الخطبة والعقد والفرح وقالوا إنهم لن يغضبوا إذا لم نحضر.
والد الفتاة معروف جدا مما غاظ الكثير من أقاربنا الذين بدءوا بالتودد لأخي للتعرف على الرجل، المهم أن كل هذا حصل دون علم أخي الذي كان يشعر بحدوث شيء غريب، قبل الفرح بيومين لم نكن ندري ما نفعل فلم نجده إلا يطلب زيارة المرضى في المستشفى لعدة أيام وقال إن هذا هو الحل الوحيد، فوضعناه في المستشفى أسبوعين نال فيها ما نال من ضرب وحبس حتى إنه أصيب بجروح، عندما خرج رأينا الويل منه، وكان يتهمنا دائما بالكذب ويطردنا من البيت ويضربنا وأمضينا شهرين لا ينسيان لم نكن نذق طعم النوم فكنا دائما نجلس متحجبات عند باب المنزل، وكسر يد أمي، لم يستطع أبي أخذه للمستشفى لأنه بعيد ويمكن أن يفعل أي شيء لو عرف -خاصة أن عضلاته قوية جدا- فاضطررنا لاستخدام الشرطة الذين وضعوه لمدة يوم كامل مع المجرمين لحين عمل الإجراءات وعندما وصلوا للمستشفى رفض أبي إدخاله شفقة عليه، وكان هذا في العام الماضي، هدأ شهرين خوفا من الشرطة ولكن حالته للآن في تناوب ما بين الوسواس والاكتئاب، أحيانا لا ينام لأيام طويلة ويصبح كثير الكلام.
طلبه للزواج كان يزداد بانتكاساته ويقل بهدوئه، طبيبه المعالج نصح أبي بعدم تزويجه خوفا من المشاكل، أبي هو أكبر عائق لزواجه فلن تتحمله أي فتاة، وكذلك من الصعب وجود فتاة محترمة ومناسبة تقبل العيش في هذه الدوامة. وهو كثيرا ما يقول إنه لا أحد يقبل به ويشعر أننا نكذب عليه وأن الزواج لا يتم هكذا ويعود ويطلب.
بالنسبة لبنت أخي التي مضى شهران على وجودها، تمكن أخي من إحضارها للمنزل وبحمد الله كان أخي الآخر نائما وقتها، وعاد أخي الكبير إلى غربته، والله يعلم كيف سيكون الحال عند الزيارة القادمة!.
بالنسبة للعقاقير، كان أبي يقول إنه لا يوجد أي دواء حديث في الصيدليات ولكنه اعترف لأمي مؤخرا أنه يوجد دواء بدون أعراض جانبية وباهظ الثمن، وأبي لا يمكن أن يفكر بإحضاره ويقول إن كثيرين يتلقون نفس علاج أخي وهو لا يستحق أن يدفع عليه لأنه بدون عمل ويستكثر عليه أي مبلغ بسيط من المال ليقضي حاجاته ولا يمكن إقناع أبي بشيء آخر. لا أحد يعلم سوى الله تعالى.
حتى دراستنا ننجح بها بفضل الله بدون دراسة حقيقية. منذ بداية علاجه في المركز الحكومي لم يره الطبيب إلا مرات معدودة، والمقابلة لا يوجد فيها إلا كتابة الروشتة.. هل هذا علاج؟.
الآن هو موعود بالزواج في 15 رمضان وننتظر الفرج من عند الله، وليس لدينا أي حجة. أحيانا ينتابنا شعور أنه ليس مريضا بل يفعل ذلك متعمدا، خاصة أنه يشعر بالحقائق المخفية عليه دون أن يشعره أحد بها.
أعتذر جدا على الإطالة وأتمنى ألا أكون مزعجة بكتابتي، ولكن في ظل هذه الظروف كيف نتصرف؟ هل يمكن أن يتزوج؟ كثيرون ممن يعرفون الحال موقنون أن أسلوبنا معه هو الأفضل (التحايل والإخفاء والاختباء).
هل يمكن أن تتحسن حالته بالنظر إلى أبي؟ يعني: ألا يوجد حل ليس فيه نقود؟ هل مرضه قابل للشفاء أم أنه مزمن؟ كيف يمكن أن تكون حياتنا بعد عدة سنوات؟ هل سنصبح جميعا من مراجعي العيادة النفسية؟
والله أعلم!..
والسلام عليكم ورحمة الله.
22/2/2006
رد المستشار
ابنتي العزيزة؛ أهلا بك، وجعل الله رمضان الحالي فاتحة خير على حالة أخيك..
لا شيء أهم من طلب الشفاء من الله لأخيك في رمضان، مرض أخيك قابل للعلاج، بشرط البقاء على العقاقير التي يكتب الله له التحسن عليها ودون تفكير في إيقافها قبل أكثر من خمس سنوات من السواء النفسي الاجتماعي لأخيك أو أفضل ما يمكن تحقيقه له، وأما الوصول للشفاء دون البقاء على عقاقير فأمر لا أستطيع توقعه في حالة أصبحت مزمنة.
أوجعتني متابعتك التي كنت أنتظرها، لأنها في الواقع تذكرني بالتقصير الكبير الذي نتحمل المسئولية عنه جميعا لأن هناك كما قلت تقصيرا في الخدمات النفسية الاجتماعية، وهناك تقصير في إعلام الناس وتعليمهم كيف يعرفون علامات المرض النفسي وكيف يتعاملون معها، وكذلك تقصير من قبل الأطباء النفسيين وغيرهم من المعنيين بالبحث العلمي للوصول إلى أسباب وكيفية الحيلولة دون تدهور الحالات النفسية في مجتمعاتنا ذات الطبيعة الخاصة.
وسأناقش معك أيضا تأثير احتمال وجود بعض سمات الشخصية القسرية في والدك ولكنني لا أستطيع إعطاءه تشخيص اضطراب شخصية قسرية لأن ما بين صاحب الضمير الحي وصاحب الشخصية القسرية شعرة، والرجل يبدو قابلا للتغير ولو في بعض الأحيان، نعم قد تكون هناك علاقة بين تلك السمات -ومنها الحرص على المال- وبين ما آل إليه حال مرض أخيك المزمن من تدهور ولكن ذلك ليس بالتأكيد أيضا، لأنني أعرف أمثلة كثيرة من المرضى وصلوا لمآلات شبيهة بل بعضها والله أسوأ، ولم يكن لأحد منهم أبا ذا شخصية قسرية.
إفادتك أو متابعتك هذه تصلح أمثولة لحالات كثيرين من المرضى الذهانيين في مجتمعاتنا، وأخوك بالمناسبة غالبا ذو ذكاء عادي، ولم يصدق حدسي أنا حين شككت في معدل ذكائه، ولا في تفسير انتظاره عروس تشتريها له أمه من السوق، إلا أن يكون متفكها من شدة ألمه -كان الله معه-، أو أن يحدث ذلك في حالات تعتريه من الخلل الكبير في عمليات التفكير وغالبا ما تكون عابرة أو متغيرة الشدة، وهو مع الأسف يعلم على مستوى ما من وعيه بأنكم تكذبون عليه وتستخفون به ولكنه كثيرا ما يتجنب المشاكل بالصمت، وليس بالمداراة والتورية كما تفعلون أو كما قلت في إفادتك: "كثيرون ممن يعرفون الحال موقنون أن أسلوبنا معه هو الأفضل (التحايل والإخفاء والاختباء)"، الحقيقة أن هؤلاء الكثيرين الموقنين بأن أسلوبكم هذا معه هو الأفضل؟ كلهم على خطأ.
ولكن رأيهم مع الأسف شائع في مجتمعاتنا -رغم حرمانية الكذب- فكثيرا ما تكذب الأم أو الأب أو أحد الإخوة على المريض النفسي ويسرون في أذن الطبيب النفسي بذلك، فإذا أظهر الطبيب عدم رضاه سألوه: كيف نتعامل معه؟ والحقيقة أن الجواب هنا يعتمد على ملابسات كل حالة ولكننا دائما لا ننصح بالكذب ولا نظنه مباحا خاصة بصورة مستمرة مثلما هو رد فعلكم وقد أشرت إلى ذلك في ردي الأول عليك حين قلت: "لا يمكن أن تكون طريقتكم في التعامل معه بالاختفاء منه والإخفاء عليه بشكل يومي طريقة صحيحة، خاصة أننا لا نستطيع توقع رد فعله حين يكتشف أنكم كنتم تضللونه"، وما أقصده هو أن علينا أن نقربه من الواقع لا أن نزيده ابتعادا عنه ونلبسه عليه أكثر، وأما الخوف من رد فعله عندما يتم التعامل معه بشكل طبيعي ودون أن نجاريه في أفكاره أو أفعاله الخاطئة هي أن المواجهة التدريجية بالحقيقة الواقعة للأشياء في بدايتها أفضل من الانتظار حتى نجد أنفسنا مواجهين بما لا يمكن إخفاؤه.
تأخرتم كثيرا حتى اكتشفتم أن بالولد ما يستدعي إعلام أبيه وتحميله مسئولية الولد الذي "انجذب" كما نقول في مصر فأصبح يطيل الصلاة جدا وينام بالمساجد، ويغير الثياب إلا البياض كلها ويرمي القديم، ثم لما حاول أن يكحلكن بالحجارة لأنه يراكم طينا... لا بل أعلن في مواقف السيارات أنه "المهدي"، فقط هنا بدأ مرض أخيك في رأيك –وهذا غير صحيح- وفقط هنا أخبرتم الأب الذي أخذه للطبيب، أفلم يكن في كل ما قبل ادعائه أنه المهدي المنتظر ما يوضح بجلاء أن الولد خرج في سلوكه عن المألوف في أقرانه؟ تأخرتم إذن ومن الأبحاث ما يقول إنه في حالات الذهان بوجه عام كلما بدأنا العلاج مبكرا كان المآل أفضل، وهذا ما نرى في أغلب الحالات.
إلا أن قدرة أسرنا على تحمل عضو مريض فائقة بشتى السبل هي قدرة عجيبة تستدعي الدراسة بصدق، فعبر إستراتيجية (التحايل والإخفاء والاختباء) نظل نرعى مستصغر الشرر حتى نجده نارا -حفظكم الله- واقرئي ما قلناه سابقا من أنه عند شعوبنا: الشرطي ولا الطبيب النفسي!.
مسألة اختلاف التشخيصات التي سمعتموها من الأطباء المتعاقبين مسألة كثيرا ما تحدث في ميدان الطب النفسي خاصة إذا اعتبر الطبيب النفسي نفسه مسئولا -أو مهتما فقط- بالصورة الإكلينيكية التي يراها أمامه ولم يستطع أن يلم بالتاريخ المرضي للحالة جيدا، ولا يشترط أن يكون القصور هنا في الطبيب، فأحيانا يكون تقصيرٌ في الإخبار من جانب الأهل، وأحيانا يكون ذلك بسبب اختلاف التصنيفات المتعقبة للأمراض النفسية خاصة في العقود الأخيرة، وأحيانا تكون الحالة أصلا ملتبسة مثلما هو الحال مع أخيك -على أغلب الظن- فقد بدأت الحالة بنوبةٍ ذهانية مختلطة الأعراض وإن بدا فيها وهام العظمة المتمثل في أنه المهدي المنتظر، ثم ظهرت أعراضٌ فصامية ثم أعراض الهوس مرات وأعراض الاكتئاب مرات واختلط ذلك كله بأعراض الوسوسة من حين لآخر، ولهذا السبب اختلفت العقاقير الطبية التي أعطيت له على مدار السنين لأنها في الأصل عقاقير تعالج أعراضا وليس اضطرابا وهذا حال العلاج في الطب النفسي سواء كانت العقاقير هي القديمة الرخيصة أو هي العقاقير الجديدة باهظة الثمن، وجدير بالذكر هنا أن عدم تحمس أبيك لشراء تلك العقاقير مبررٌ بما قلته لك سابقا من أن تلك العقاقير ذات تأثير يقارب تأثير العقار التقليدي إلى حد كبير.
ولهذا السبب أكرر نفس ما قلته لك في ردي السابق عليك: "أيا كانت الظروف يا ابنتي فلا بد من علاجه، وإذا انتظم على العلاج ولو لفترة بسيطة في المستشفى الخاص تحت إشراف طبيب نفسي متخصص فلا أحسبه -إن توفر له البقاء في المصحة النفسية الخاصة شهرا أو على الأكثر شهرين- سيكون مقاوما للتحسن، وحتى لو اضطررنا لتكرار ذلك فإن الوضع بوجه عام سيكون أفضل" ولكنني أعاود النصيحة بأنه لا بد من الاستمرار على ما يتحسن عليه من عقاقير، وأنوه هنا إلى أن الطبيب النفسي عندما يخفض جرعة العقار فإنه غالبا ما يكون مدفوعا لذلك دفعا بضغط من أفراد أسرة المريض لما في مفاهيمهم الخاطئة الشائعة من أن الأدوية النفسية ليست سوى مخدرات، أو هي تؤدي إلى الإدمان أو أن الأدوية النفسية هي مجرد مسكنات ومنومات.
وإذا استطعتم بالتعاون مع طبيبه المعالج أن تصلوا بأخيك إلى درجة مقبولة من السواء والاستقرار النفسي والاجتماعي فإن أمر زواجه ممكن لأنه حقه الذي كفلته له الشريعة بشرط أن يستمر في العلاج وألا تكون هناك إستراتيجية (التحايل والإخفاء والاختباء) مع العروس أو وليها؛ لأن عروسه لا بد أن تكون عضوا من أعضاء فريقه العلاجي، أتمنى أن يعينكم الله سبحانه وأن يعين مجتمعاتنا لتقبل المريض النفسي قبولا صحيحا وتقدم له ولأهله ما يلزم، وتابعيني بالتطورات.