السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد، هناك موضوع يشغل فكرى كثيرا, وهو الحسد, حيث أنني أخاف كثيرا من أن أحسد أحد, ولكنني عندما أتذكر أي شخص, فإنني أدعو له وأقول ما شاء الله وأدعو الله ألا يجعلني أحسد أو أحقد على أحد, وبالرغم عن ذلك فإنه عندما يحدث لأحد سوء فألوم نفسي أنني السبب, لدرجة أنه حين يموت أحد فإنني أفكر أنني السبب, حتى لو لم أحسده في الحقيقة, فأقنع نفسي أنني قد أكون حسدته دون أن أقصد وقد أدّى ذلك إلى موته فأظل أؤنب نفسي وأستغفر الله وأدعو الله ألا أكون السبب في موت أي شخص.
إنني أشعر أنّ نفسي سيئة جدا ولا أدري ماذا أفعل غير دعوة الله, وأشعر أنني قد لا أدخل الجنة وأن ربي غاضب علىّ, فماذا أفعل, ماذا أفعل, وهل من الممكن أن أكون قد تسببت في موت أحد، مع العلم أنني لا أتمنّى لأحد أبدا الموت, فهل من الممكن أن يؤدى الحسد إلى موت أحد.
سأقص عليكم بعض ما يحدث لي أحيانا: عندما أكون سعيدة أو لا أفكر في شيء, فإذ بي فجأة أفكر في شيء يؤدي إلى مضايقتي مثل (أقول لنفسي :لا أتذكر أنّ أحدا مات من بعض من أعرفهم, فأقول لنفسي أيضا لكني لا أحب أن يموت منهم أحد, فأطرد هذه الفكرة لأنها ضايقتني لأني لا أتمنى لأحد شرا أبدا ولا أعلم من أين جاءني هذا التفكير المفاجئ السيئ, فإذا مات بالفعل أحد بعد ذلك (ليس من الأشخاص الّذين فكرت فيهم قبل ذلك) فأقول لنفسي أنني السبب لأنني فكرت (في هذا التفكير الذي ذكرته من قبل)، وأحيانا أخرى عندما أعجب بأحد ويموت له قريب فأشعر إنني السبب أنّي قد أكون حسدت قريب الذي مات.
أنني أجاهد نفسي كثيرا لأتخلص من صفة الحسد إذا كانت في فعلا. ومما جعلني أفكر أنني قد أحسد هو أنني عندما أفكر في شيء (غير موت أي شخص) فأحيانا ما يحدث ما أفكر فيه.
أرجو الإجابة لأنني لا أعرف ماذا أفعل. هل من الممكن أنه عندما أفكر في أمر للحظه أن يحدث هذا الشيء بالرغم أنّي لا أتمنى حدوثه. إني حقيقة أعاني مما يدور في عقلي وتفسيري لآي شيء سيئ أنني السبب في حدوثه.
لا تنسونا في الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
23/7/2007
رد المستشار
الأخت السائلة؛ ما تعانين منه هو نوعٌ من أنواع الاضطرابات النفسية نسميه اضطراب الوسواس القهري، إضافةً إلى وجود درجةٍ من الاكتئاب لا أستطيع تقييم شدتها من خلال إفادتك فقد تكونُ خفيفةَ الشدة، وقد تكونُ متوسطة الشدة، معاناتك شديدةٌ ولكن فرج الله قادمٌ إن شاء الله.
تحتاجُ حالتك إلى نوعين من أنواع العلاج الطبنفسي أحدهما هو العلاج باستخدام أحد مثبطات استرجاع السيروتونين أو ماس أو بأحد مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية أو ماسا لكي يعالج الوسواس القهري والاكتئاب في نفس الوقت بإذن الله، وأما النوع الآخرُ من العلاج فهو العلاج النفسي السلوكي المعرفي الذي يقوم فيه المعالجُ بمساعدتك على تغيير طريقة السلوك والتفكير التي أوقعتك في شراك الوسواس.
وقبل أن أنتقل إلى شرح خصوصية حالتك، ولكي تعرفي كل شيء عن هذه العقاقير وعن اضطراب الوسواس القهري عليك أولاً قراءة
حكاية الماس والماسا؟ ضد الاكتئاب والوسوسة
أما ما هو بحاجةٍ إلى العلاج النفسي المعرفي والسلوكي فهو طريقتك في التفكير، وسلوكياتك القهرية التي تشبهُ الأفعال الدينية ولكنها قهرية أكثر من كونها دينية كما ستفهمين من قراءة ردنا السابق على الصفحة بعنوان الوسواس والحسد وحال اللغة العربية، والذي تناولنا في جزء منه حالةً تشبه حالتك.
وأما ما يتعلقُ بخصوصية حالتك فهو ذلك النوع من التفكير الشائع في بعض مرضى الوسواس القهري والمسمى بالتفكير الخيالي أو السحري Magical Thinking وهيَ طريقةُ تفكيرٍ يتسمُ بها بالفعل الكثيرُ من الموسوسين حيثُ تراهم يبالغونَ في توجسهم من عواقب أفكارهم كما يضفونَ قوةً سحريةً على الأفكار وعلى الكلمات وكأنها تقوم بالفعل: فهناك من مرضاي مثلاً:
-1- من كانت تواتيه فكرة اقتحامية (أي تقتحمُ عليه وعيه دون رغبة منه)، مفادها أنهُ سيطلقُ زوجته أو سيقول لها روحي وأنت طالق، ورغم أنهُ لم يلفظ الكلمة مطلقًا إلا أنهُ كان يطلبُ الفتوى من الفقهاء لأنهُ كان يفكرُ هكذا: مادمت قد فكرت في أنها طالق فقد تكونُ أصبحت طالقًا بالفعل ! وكان يطلبُ من الفقيه أن يسمعَ سؤاله ثلاث مرات وأن يكررَ الإجابةَ عليه بأن زوجته غير طالق وما تزال زوجته وحلاله ثلاث مرات أيضًا ، فهنا نراه يضفي قوةً سحريةً على أفكاره ، كما نرى الأفعال القهرية المتمثلة في السؤال وتكراره وطلب تكرار الرد أكثر من مرة.
-2- تلك الأم المسكينة التي كانت تقتحمُ وعيها فكرةُ أن أحد أولادها قد أصابه مكروهٌ وهو نائم في سريره وتتسلط عليها هذه الفكرة فترميها في حالة من التوتر الشديد الذي لا تجدُ الخلاص منه إلا بأن تقوم للاطمئنان على الولد في سريره وهذا هو الفعل القهري لتتحقق من أن مكروهًا لم يصب ولدها، فإذا ما قامت بالتحقق وعادت إلى فراشها داهمتها فكرةُ أنها قد تكونُ تسببت خنق ابنها وهي تقبله أو وهيَ تغطي وجهه! فتقوم من فراشها للتحقق مرة أخرى من أنه يتنفس، ثم تطعنها الفكرةُ السوداء التالية: مادمت فكرتُ في أنني قد خنقت ابني إذن فمن الممكن أن يحدثَ ذلك!
-3- ذلك الأب المسكين الذي بعد زواج ابنته الوحيدة، وبعد أول مكالمة تليفونية بينها وبينه والتي اطمئن فيها عليها داهمته فكرةُ أنهُ قد يمارسُ الجنس مع ابنته! ولم يستطع التخلص من هذه الفكرة رغم إيلامها الشديد له فهذه فكرة اقتحامية تسلطية، ولكن أشد ما كان يعذبه عندما جاء لطلب العلاج كان هو "أنهُ مادام تخيل نفسه يمارس الجنس مع ابنته إذن فمن الممكن أن يحدثَ ذلك" ورغم أنهُ لم يكن لديه أي تصورٍ لكيفية حدوث ذلك غير ما حكاه لي من المذكور في التوراة افتراءً على نبي الله لوط عليه السلام من أن ابنتيه سقتاه خمرًا واضطجعتا معه على ليلتين متتاليتين وأنجبتا منه مؤاب وبني عمي (سفر التكوين، الإصحاح التاسع عشر) فمن الممكن إذن أن يفعل ذلك وهو مخمور، المهم هو أنه مادام فكر فإن ذلك قد يحدث أو كأنه حدث!
وهناك من المرضى أيضًا من يبالغون في عواقب عدم استجابتهم لأفعالهم القهرية، أو تراهم يفسرونَ الرابطةَ بينَ ما يفعلون من طقوس وبينَ ما هي مفعولةٌ لأجله بطريقةٍ مخالفةٍ للمنطق، وأذكر طفلاً في العاشرةِ من عمره كانَ يقومُ برمي كل أقلامه من الشباك ليلةَ الجمعة لأنهُ بذلك يكونُ قد تخلصَ من كل الأخطاء التي ارتكبها طوال الأسبوع ومحا أثر كل المواقف التي تصرفَ فيها بغباء!!
فإذا رجعت إليك فإن فكرةَ أنك قد تحسدين أو أنك قد حسدت أحدًا هيَ فكرةٌ اقتحاميةٌ تسلطيةٌ، تتبعها أفكارٌ اجتراريةٌ، تتوالدُ وتتكاثرُ في رأسك وكلها تحوم حول الشعور المتضخم بالمسؤولية والنزوع إلى لوم الذات إضافةً إلى إضفاء قوة غير موجودةٍ أصلاً على أفكارك وتخيلاتك!
ثم هل معنى أنك أحيانا عندما تفكرين في شيء فإن ذلك الشيء أحيانًا يحدث هل معنى ذلك منطقيا هو أنك تحسدين؟ فأنت تقولين في إفادتك: "ومما جعلني أفكر أنني قد أحسد هو أنني عندما أفكر في شيء (غير موت أي شخص) فأحيانا ما يحدث ما أفكر فيه." إن كل بني البشر يمرون بهذه الخبرة وهيَ أن أشياءً من التي يفكرون فيها قد تحدث أحيانًا، وخيالات من التي يتخيلونها وأحلاما من التي يحلمون بها يمكنُ أن تتحول إلى حقائق واقعية، فهل معنى ذلك هو أنهم مسئولون عن ذلك؟
نحن يا أختي مسئولون فقط عن أفعالنا الإرادية أي التي نفعلها ونحن بكامل وعينا وقدرتنا على فعلها وعلى عدم فعلها، ولكننا لا مسؤولية تقع علينا في غير ذلك، عليك إذن أن تلجئي إلى أقرب طبيب نفسي متخصص لكي تبدئي علاجك وأتمنى أن يهيأ الله لك كل خير،
وتابعينا بأخبارك.