الوسواس القهري متخفيا..!؟
تحصل لي أو تواجهني أمور قد لا أعرف حكمها في أي شيء كان ويخيل لي أن هذا الأمر واجب فعله أو محرم فعله أو أي شيء على هذا النمط ثم يتبين لي أن هذا الشيء ليس كما يخيل لي فقد يكون مثلاً سنة أو مباح، فأرشدوني كيف أتخلص من هذا الشيطان هل لا أرد عليه؟
ولا أسأل عن حكم هذا الشيء أبداً حتى أشغل نفسي بهذه الأمور ولا أفعل ما يطلبه مني، وجزاكم الله خير.
ملاحظات:
برجاء أن يجيب على مشكلتي د.وائل أبو هندي
23/7/2007
رد المستشار
الابنة العزيزة "مي " أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على مشاركتك الطيبة الصادقة التي نسأل الله أن تواسي صاحبة المشكلة الأصلية
أهلا بك أيها الأخ السائل وشكرا على ثقتك التي ندعو الله تعالى أن نكونَ بقدرها، وأن نوفق في إزالة همومك بفضل الله، برغم إفادتك المقتضبة وغير الواضحة، فأنت تكلمنا في الحقيقة باعتبار أننا نعرف مشكلتك مسبقًا، أو أننا يجب أن نستنتج، والحمد لله الذي وهبنا القدرة على الاستنتاج والاستنباط من النص المكتوب، رغم ما يحمله ذلك من مخاطرة !
يفهم من إفادتك يا أخي أنك توسوس في مسائل متعلقةٍ بالحلال والحرام والفروض والسنن في ديننا وهو الإسلام الحنيف، والأمر هنا قد يبدو وكأنه يتعلق بأحد مفاهيم الوسوسة في ثقافتنا الإسلامية وهي الوسوسة بمعنى الغلو والتشدد في الأمور الدينية، وهذه هي الحالة التي تصف من يشددون على أنفسهم في طقوسهم الدينية أو استعدادهم لأداء هذه الطقوس، والحقيقةُ أن نسبةً غيرُ معروفةٍ من المسلمين يتصفونَ بهذه الصفة ويسميهم الناسُ موسوسين ومن المهم أن أبينَ أن بعض هؤلاء فقط قد يقع تحتَ عباءة اضطراب الوسواس القهري أو اضطراب الشخصية القسرية لكنَّ الوصف يستخدم كثيرًا للتعبير عن شيءٍ آخرَ هو التشدد في الدين وأحيانًا في الفتوى والحقيقةُ أن الإسلام الحق بريءٌ من التشدد؛
وقد قام شيخُ الإسلام موفق الدين ابن قدامةَ المقدسي (541– 620 هجرية) بكتابة رسالة في ذم الموسوسين، وصحيحٌ أن بينَ من وصفهم الشيخُ في رسالته تلك من يتشددون في الدين لأنهم أناسٌ عاديون فيهم بعضُ سمات الشخصية القسرية Compulsive Personality Traits الطبيعية بل والصِّحِّيـَّـةِ أحياناً، وبينهم من يتشددون في الدين لأنهم أصحابُ شخصيةٍ قسرية طبيعيةٍ أيضًا Compulsive Personality، وبينهم من يتشددون في الدين لأنهم مرضى باضطراب الشخصية القسرية Compulsive Personality Disorder وهي مرضٌ نفسي منتشرٌ بين الناس، وبينهم أيضًا من يتشددون في الدين ويوسوسون في أحكامه وفي فروضه ونوافله لا لشيءَ إلا لأنهم يعانون من اضطراب الوسواس القهري Obsessive Compulsive Disorder, ولكن الشيخ كانَ يواجهُ الموسوسين بكل ما هو متيسرٌ من العلم في زمنهِ؛
وربما كانت قسوته على الموسوسين ناتجةً عن ربطه الوسواس بالشيطان، ولعل في ذلك بعضًا من أسباب الخلط الحادث في مجتمعاتنا بينَ ما هوَ مرضٌ نفسي وما هوَ سمةٌ من سمات الناس وما هوَ متعلقٌ بالدينِ فقد وصف الشيخُ الجليلُ في القرن السادس أو السابع الهجري وصفًا دقيقًا لحال الموسوسين وقامَ بالرد على حُجَجِهم بما يجبُّ أن يردَّ به الطبيبُ النفسي المسلمُ حينَ يطبقُ مع مريضه العلاج المعرفي الإسلامي حتى اليوم مع استثناءٍ واحدٍ لا لوم على الشيخ فيه لمناسبته لعلوم عصره الدنيوية وهو نسبتهُ جميعَ أنواع الوساوس إلى الشيطان، وإنما العيبُ في رأيي يقعُ على الذين يعيشون في أيامنا هذه ولا يعرفونَ أن الوسواس القهري شيءٌ والوسواس الخناس شيءٌ آخر كما بينَّا من قبل، وكم يؤلم الموسوسين في مجتمعاتنا العربية اجتهاد بعض طلبة العلوم الدينية بالاستشهاد بالأحاديث التي تنهي عن التنطع والغلو في الدين في حق الموسوسين مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فتشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار: رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم" صدقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولو وقفنا مع كلمة واحدة من هذا الحديث (لا تشددوا) لربما بان لنا الفرق بين التشدد في الدين وبين اضطراب الوسواس القهري، فالتشدد هو الغلو والتنطع في الدين النابع من ذات الفرد وبإرادته وتقرباً منه إلى الله، بل ويستنقص غيره ممن لا يفعلون فعله مثلما كان من أولئك النفر الثلاثة الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم أنه يصوم ولا يفطر وقال الآخر أنه يصلي ولا ينام وقال الثالث بأنه لا يتزوج النساء فأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ أما الموسوس فأمره مختلف تماماً، فهو يشكو لكل أحد من وسواسه، ويتألم منه، ويستفتي أهل العلم الديني في حاله، ويتردد على الأطباء، ويدعو الله أن يخلصه منها، ويقاومها فيفرح أشد الفرح إذا تغلب على الوسواس ويحزن أشد الحزن إذا غلبه الوسواس.
إلا أن في إفادتك ما يشير إلى اتجاه مختلفٍ عن ما سبق، حين تشير من طرفٍ خفي إلى أفعالٍ قهرية أخرى تظهر في صورة الحاجة للسؤال عن حكم فعل ما في الشرع، وربما تكرار السؤال فأنت تقول في إفادتك (كيف أتخلص من هذا الشيطان هل لا أرد عليه ولا أسأل عن حكم هذا الشيء أبداً حتى أشغل نفسي بهذه الأمور ولا أفعل ما يطلبه مني)، وما نستطيع قوله تعليقًا على ذلك هو أن الحاجة المتكررة للسؤال عن شيء معين هيَ أحد أعراض اضطراب الوسواس القهري، حتى وإن كان السؤال هو سؤال للفقهاء وكان محتواه هو ما حكم كذا؟ لأن الطبيعي هو أن تسأل مرةً واحدةً من تثق في فتواه وأن يكونَ السؤال أصلاً سؤالاً أو واردًا أن يسأل الفقيه عنه، وليس مثلاً: هل تعتبر زوجتي طالقًا إذا قلت لها اغربي عن وجهي وتمنيت في خاطري أن أطلقها؟ فهذا سؤال غريب، وإذا كان فقيهك نابها لعرف أنك موسوس، وأنا أظن هذا حدث معك والله أعلم.
ثم من هو الذي يطلب منك وتريد أن أقول لك: لا ترد عليه، ولا تفعل ما يطلبه منك؟ هل أنت تقصد تجسيد الوسواس أم تقصد أن تنبهني إلى أن حديثنا يدور حول الشيطان (أو الوسواس الخناس كما سماه رب العزة في تنزيله الحكيم)؟ وأنا هنا أقول لك أن الشيطان لعنة الله عليه علاج وساوسه معروف وسهل على كل مسلم وهو الاستعاذة بالله منه، وأما ما غير ذلك كما يظهر في حالتك فهو الوسواس القهري، وإن كنت لم تذكر لنا ما الذي تطلبه الأفكار التسلطية منك؟ أي ما هي الأفعال القهرية التي تضطرُ إليها؟ ولعل في اطلاعك على إجاباتنا السابقة على استشارات مجانين مثل:
الوسواس القهرى: أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعى
وسواس القولون عند المسلمين نموذج أوضح
الصبر على الماس يمحو الوسواس م
وسواس القولون عند المسلمين م
ونحن ننصحك بعد أن تقرأ إجابتنا هذه وما أحلناك إليه من إجابات سابقة، أن تلجأ بعد الله سبحانه وتعالى وبعد استخارته إلى أقرب طبيب نفسي متخصص من مكان إقامتك وأن تبدأ بعد أن يقوم الطبيب بتشخيص حالتك، ووضع الخطة العلاجية المناسبة لك، في اتباع ما ينصحك به، ونحن في انتظار سماع الأخبار الطيبة عنك فتابعنا بأخبارك.وأنا متفق معك تماما وأدعوها إلى مثل ما دعوتها أنت إليه....
وإبداعات مجانين تنتظر إنتاجها إذا جادت به لينشر على موقعنا، أهلا بك وزيدينا مشاركة.