السلام عليكم،
أنا متزوجة وليس لدي أطفال وأنا وزوجي نقيم في فرنسا أنا طالبة أدرس وزوجي يعمل، نحن مسلمون ونقيم شعائر ديننا بقدر استطاعتنا، مشكلتي هي أنني أحيانًا تزودني أفكار غريبة لا أستطيع تحملها ولمزيد من الشرح، يراودني أحيانًا التفكير بأنني أمارس الجنس مع أشخاص أعرفهم، أو أتخيل أشخاص أعرفهم يمارسون الجنس مع أشخاص آخرين، وهي التخيلات تجعلني أشعر بالراحة إلا أنني أشعر بالخجل من نفسي، حاولت أن أشغل تفكري بأشياء أخرى إلا أنني عجزت عن ذلك.
والكارثة أنه في المساء المقصود في حالة نومها، يسمعني زوجي أتفوه بهذه التخيلات ولقد سمعني أنطق بأسماء أشخاص يعرفهم وآخرين لا يعرفهم، وفي اليوم التالي حينما نستيقظ يشعر بالغضب مما أقوله أثناء النوم، لقد تحدثنا في هذه المشكلة وشرحت له أن هذه الأفكار تأتيني من فترة وإن ذلك لا يعني أنني أخونه أو قد خنته، وأوضحت له أن هذه الأفكار أقوى مني وحاولت أن أقلع عنها وأنني عجزت إلا أنني أتسبب له بألم نفسي بهذه التخيلات،
أرجو أن تعطوني الحل وتساعدوني كي أجد حل لهذه المشكلة.
* تم نشر هذه الاستشارة من قبل على موقع إسلام أون لاين
رد المستشار
الأخت العزيزة؛ أهلا وسهلا بك وشكرا على ثقتك، إفادتك في الحقيقة يلفها جوٌّ غريب مبهم، لكنها بالرغم من ذلك، إفادةٌ تنبه إلى مشكلةٍ مهمةٍ قد لا تكونُ خاصةً مثلما تظنين. فمن الواضح في إفادتك أنك تعتبرينها مشكلةً غريبةً من ناحية أنها تحدث أصلا، ومستنكرةً من ناحية أنك مسلمةٌ متزوجةٌ لا يصحُّ لها أن تتخيل مثل هذه التخيلات، -فإن كان ولابد (مثلما هي حقيقة الناس) فإن تلك التخيلات يجبُ أن تشمل زوجها فقط -، وأنت لذلك تعتبرينها مشكلة خاصةً وربما لا تهم أحدًا غيرك أنت، فترينها نادرة الحدوث ومستنكرةً وغريبةً في نفس الوقت.
إلا أنني عندما أرجع إلى بياناتك فأراك عربية مسلمة تدرسُ في دولةٍ غربية، وزوجها العربي المسلم يعمل في تلك الدولة، فإنني أستطيع استنتاج ما للثقافة التي انتقلتما إليها وتعيشان الآن فيها -ويعلم الله منذ متى- من تأثير عليك فلابد أن التعرض للمشاهد الجنسية مقصودًا وغير مقصود هو أحد مصادفات أي يوم من أيام حياتك في ذلك البلد، وأيضًا عندما أعرف أنك وزوجك ليس لديكما أطفال، ربما لأنكما تزوجتما حديثا –ربما-، فإنني من كل ذلك أستطيع استنتاج أهمية الجنس في حياتكما، وهو بالطبع مهم في حياة البشر الطبيعيين، ولكن المساحة التي يحتلها تختلف حسب كثير من المتغيرات في حياة أولئك البشر، وقد قصدت بالأهمية تلك المساحة لديك ولدى زوجك.
كل ما أود إثباته مما سبق هو أن حدوث التخيلات الجنسية في حالتك ليس في حد ذاته أمرا جللاً، فقد تكونُ طبيعية تماما مثلما يمكنك أن تعرفي من قراءة ردنا السابق: تلاحقني التخيلات وأنا معه
أعود بعد ذلك لأبدأ من قولك: (مشكلتي هي أنني أحيانًا تزودني أفكار غريبة لا أستطيع تحملها)، وسأقرأ أنا تزودني على أنها: تراودني، لكي يستقيم المعنى، ثم أسأل عن معنى لا أستطيع تحملها؟ فكلمة التحمل هنا قد تدل على نفورك منها، وقد تدلُّ على أنها تثير الرغبة الجنسية لديك، ولكنك عندما تبدئين في المزيد من الشرح بعد ذلك تجعلين الاحتمال الثاني هو الأقرب، فهذه التخيلات تشعرك بالراحة، أي أنك تسترسلين معها، ولكنها أي التخيلات تشعرك بالخجل من نفسك،
نحن إذن أمام مشكلةِ استغراق في التخيلات الجنسية المثيرة، والتي حاولت التخلص منها ومقاومتها بشغل نفسك ولكنك فشلت كما يفهم من قولك: (حاولت أن أشغل تفكري بأشياء أخرى إلا أنني عجزت عن ذلك)، ولذا أحيلك الآن إلى الرابط التالي لتعرفي الفرق بين أن تخطر على وعيك خيالات جنسية طبيعية، وبين أن تسترسلي مع تلك التخيلات، وما لك وما عليك كمسلمةٍ في كل ذلك:
تقول الفتاة : تخيلات جنسية ؟ أم استرجازٌ بالتخيل؟
وبينما تشحذين في نفس الوقت زناد ما يذكرنا بتأثير الثقافة التي تعيشين فيها على الملأ في ذلك البلد الغربي، (وتعيشها قطاعات منكوبةٌ من مجتمعاتنا فيما بين الستر والملأ)، تلك هي ثقافة الصور الجنسية الثابتة الصامتة والسائلة أو المتحركة الناطقة أيضًا، وتأثيرات كل ذلك على مخيلة الكائن البشري والتي تفتح أبوابا من الاحتمالات والتصورات، إلا أننا سنحاول التركيز على شكواك أنت لأنها في حالتك وصلت إلى مشكلة، وما جاءت إشارتنا لذلك إلا لبيان الأسباب أو بالأحرى التبريرات المحتملة لمثل حالتك.
والتي ما تزال في حدود ما سبق من إفادتك تتحرك داخل نطاق السواء النفسي، وإن اشتملت بالتأكيد على خللٍ في التزامك وتدينك، لكن هناك ما يجبُ تصحيحه بمزيدٍ من الالتزام الديني والاستعانة بالله تعالى، لتطويع النفس ومقاومة تلك التخيلات قدر الإمكان، لكي يكونَ لك موقفك من وسوسة نفسك إن كان الأمر كذلك، فلابد أن موقف المسلمة الملتزمة هو أن تحاول التقرب من الله بالعبادات لتنتصر على وساوس نفسها.
ولاحظي أنك أيضًا لم توضحي لنا بالضبط موقفك كمسلمة من تلك التخيلات التي تأتيك وأنت واعية لو أنك أرجعتها إلى الشيطان، فهل على الأقل جربت الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؟ وهو ما تستطيعين به استبعاد تأثير الوسواس الخناس أي الشيطان، وأما نحن كأطباء نفسيين فإننا نستطيع استبعاد الوسواس القهري من حالتك لأن شرط التخيلات الجنسية التسلطية فيه أن تكونَ لا مرغوبةً ولا مشعرةً بالراحة، وإنما بعكس ذلك على الأقل.
نصل بعد ذلك إلى ما يكاد يخرجنا تماما عن ناحية السواء النفسي عندما تقولين: (والكارثة أنه في المساء المقصود في حالة نومها، يسمعني زوجي أتفوه بهذه التخيلات ولقد سمعني أنطق بأسماء أشخاص يعرفهم وآخرين لا يعرفهم، وفي اليوم التالي حينما نستيقظ يشعر بالغضب مما أقوله أثناء النوم،) وهنا نجد أسئلةً كثيرةً نحتاج لمعرفة إجابتها، فأولاً كيف تتكلمين عن نفسك بصيغة الغائبة هي؟ حين تقولين نومها؟ ربما تقصدين نومنا، وربما يتعلقُ الأمر بوجود انشقاق في الوعي Dissociation، وهو ما قد يكونُ كلامك أثناء النوم أحد أشكاله وهو ما نسميه بالتكلم النومي Somniloquy، والذي قد يكون تعبيرًا عن صراعٍ نفسي دفين تعيشينه ولا تدرين، فلاحظي أنك لم تذكري لنا مدى التوافق العاطفي والجنسي بينك وبين زوجك، وتركتنا بذلك في دوامة من الأسئلة ومن الفروض والاحتمالات، خاصةً وأن ذكرك لأشخاص معروفين وغير معروفين لك أو لزوجك سواء كانوا عناصر في تخيلاتك أنت أو كلماتك أثناء نومك، أيا كان، فلا ينتظر منك أن تستسلمي مكتفية بالشعور بالخجل مثلما هو الحال مع الأسف، ولا ينتظر من زوجك إلا أن يشعر بالغضب مثلما هو الحال والحمد لله!
لكننا هنا فقط نبدأ في الشعور بغرابة الموقف! خاصة عندما تقولين بعدما دار بينك وبين زوجك النقاش في هذا الأمر (وأوضحت له أن هذه الأفكار أقوى مني وحاولت أن أقلع عنها وأنني عجزت إلا أنني أتسبب له بألم نفسي بهذه التخيلات، أرجو أن تعطوني الحل وتساعدوني كي أجد حل لهذه المشكلة)،
فنراك تقدمين العجز من ناحيتك، وتضعين الألم النفسي الذي يعانيه زوجك أمامنا، ثم تطلبين منا المساعدة والحل هكذا بمنتهى السلاسة، فلا أجد لدي إزاء ذلك سوى أن أطلب منك أولاً معلومات كثيرة لكي أستطيع إرشادك إلى التوجه إلى طبيب نفسي عربي مسلم قد يكونُ متاحا في الغربة أو في بلدك الأصلي، وهو سيطلب منك معلومات أكثر وأكثر عن أخص خصوصيات حياتك وعلاقتك بزوجك، وأما ما أود قوله قبل أن أقول أنني في انتظار متابعتك فهو:
أولاً: أنه إن كان ما حدثَ قد حدثَ وأنت نائمة كما جاء في إفادتك، فإنه دليلٌ على وجود صراع دفين لديك لا نستطيع تخمينه،
وثانيا أن نذكرك بأن من تحاول إشعال غيرة زوجها قد تدفعه دون أن تدري إلى ما قد لا تحمد عقباه، لأنها ببساطة تفتح الباب لشيطان الغيرة.
وثالثا نذكرك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصغير حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق) -رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن عائشة بإسناد صحيح، ورواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر بألفاظ متقاربة، ومن طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً- كما أخرجه الترمذي بلفظ آخر: عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يشب ، وعن المعتوه حتى يعقل" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى ذلك أنك ما دمت نائمةً فإنك غير مسئولة عن أفعالك، لكنك الآن وأنت تقرئين ردنا هذا وتعرفين أننا نتكلم عنك وعن احتمال وجود خلل نفسي ما لديك وننصحك بعرض نفسك على من يستطيع تقييم حالتك، أصبحت الآن مسؤولة عن طلب العلاج،
ونحن نرحب بك دائما، فتابعينا بالمعلومات والتطورات.