اعترافات ثقيلة الظل م5
أستاذتي الغالية جداً أميرة،
بدايةً، لا أعرف إن كانت كلمة "شكراً" يمكنها أن تستوفي ذاك الشعور بالامتنان والعرفان الذي يجتاح قلبي لك. وما زلت أتحرّق شوقاً لذلك اليوم الذي أستطيع فيه دخول مصر حتى أبحث عنك ثم أجدك، فقط لأقول لك: جزاك الله عني كل خير لما أشعرتني بحق أن هناك من يحب الناس حتى دون أن يعرفهم.. نعم، قلوبكم لن أقول كالذهب لكنها شفيفة معطرة برائحة العطاء الزكية، ويومها فقط ستعرفين من هذه الشقية التي استطاعت أن تحوز اهتمامك رغم أنها ربما أقل من فتاة عادية أصابها سهم الحب! لن أخبرك مدى الفرحة حينما علمت أنك افتقدتني، ولن أخفيك أنني اشتقت أن أعود لأملأ صفحاتي وإن كانت ملأى بالدموع لكنها على الأقل كانت مبرراً للتواصل معك والاستمتاع بكلماتك النيّرة، التي في كل استشارة أجد جملة منها أقف عندها فتخترق قلبي دونما سبب محدد! جيدة هذه المقدمة؟!
بالطبع، هي مقدمة لفراق دام شهوراً، وأقل ما تليق بحضرتك. سأخبرك بسرٍّ سيعرفه للأسف كل من يقرأ الاستشارة؛ أجل انقطعت فترة طويلة لكن ليس بسبب الحظ الذي لا يناسب مواعيد الاستشارة، ولكن هناك سببان: الأول أنني لم أعد أجدك تردّين على استشارات لمجانين، فاستشعرت أنّك مشغولة، فقلت لا أريد أن أشغلك باستشارتي، وإن أرسلت لك فلن تردّي إلا بعد "حين"!.
والثاني، شعوري أن لا جديد في هذه الفترة، فجملة حضرتك "حبيبتي... لو ظللت أحدّثك طوال الحياة لن تتقدمي إلا إذا تغلبت على فكرة التشبث بوجوده لتثبتي جدارتك باستحقاق من مثله"، استوقفتني طويلاً، وكانت تتردد في رأسي، وكلما هممت بالكتابة لك وجدت أنني لن أضيف جديداً سوى فضفضة ثرثارة لن تفيد. طالما أن تلك الفكرة مازالت قابعة في رأسي وملتصقة بجدران قلبي الجريح لن أقول أنها ذهبت، لكنني بدأت أقرأ عن الثقة بالنفس، لأنك كما قلت لي أن سبب كل هذا التشبث هو هذه النفس المهزوزة، وبالتالي إن استطعت أن أقوّيها فلن أشعر بذلك الاحتياج والتسول لاهتمامه وكلماته المعسولة مجدداً!
بدأت أحاول أن أستشعر أنني مستقلة وكاملة ولن أنتهي أو أكون لا شيء حتى لو لم يحبني فلان أو فلانة! لم أجد طريقة معينة لإعلاء الثقة بالنفس، كنت أتمنى أن أجد من أجلس معه ويفهم في هذه الأمور ليساعدني حقاً على حلحلة أسباب وتحديد كيفية حل مشكلتي هذه، لكني للأسف لا أجد أحداً. حاولت الاعتماد على نفسي ذاتياً بالقراءة، لكن بقيت في ذهني تساؤلات تخصّني ولا أجد لها تفسيراً، وسأثقل كاهلك ببعض هذه التساؤلات، فهلا تحملتها! منها؛ كما أخبرت حضرتك في نبذة قصيرة خلال فترة الحوار تلك هو إحساسي بأنني أتسول الحب من الآخرين، كلما شعرت أن فلانة أو قريباً لي (عماً أو خالاً مثلاً) يحبّني أو يخبرني أنني عزيزة عليه أبدأ بالاقتراب منه وأحس بمشاعر جارفة تملأ قلبي فأفزع لأنني أحسها غير طبيعية!
وأجدني أربط وأتذكر ما حدث بالأمس مع من "كان حبيبي" وأجد نفس تلك المشاعر -أو أقل قليلاً- وهذا خطأ، فطبيعة المشاعر للعم يجب أن تكون مختلفة عن الحبيب وكذا الصديقة أو الخالة، هناك شعرت بهذا الخلل في مشاعري وتشويشها، أحسها تدفعني للالتصاق بالآخرين، للتعويض، تشعرني بالحاجة فأبدأ أتمنى أن أقترب منهم كثيراً، وأتمنى أن أخبرهم عن خصوصياتي وأتحدث معهم، بل وأنشغل أيضاًَ بهذا الأمر، لا أجد حلاً لذلك. فسرت ذلك أن تجربة الحب هذه التي مررت بها فجرت في داخلي مشاعر قبل الأوان، لذلك حينما تركني ترك فراغاً لا بد من ملئه بشكل ما، لكن كيف يمكن أن يمتلئ بشكل سوي وطبيعي دون هذا الجنون! نقطة أخرى وهي رغبتي الملحّة أن يكون لي مكانة خاصة عند أي أحد، هذا الشعور بالرغبة في أن تكون علاقتي –مثلاً بصديقتي– بحيث أكون أنا أقرب صديقة لها، وأن أكون من تحب أن تراها مثلاً وتكلمها كثيراً، عندما تتضايق تلجأ إليها ومن هذه الأشياء..
هذا الأمر يتعبني جداً! لأنني عندما أشعر بأنني عادية عند الكل أحس بأنني مفقودة، عديمة الأهمية، لا فرق إن اختفيت من هذه الحياة أو بقيت، هذه الرغبة في الأهمية القصوى والصدارة والقرب شيء مهلك للنفس وللأعصاب، لكنني لا أعرف كيف أتخلى عن هذه الرغبة؟. هو كان يشعرني بأنني أهم شيء في حياته وأنني كنت أشغله طوال الوقت، حتى في عمله، في نومه، يراني في خياله، فكنت أشعر بمنتهى السعادة لهذا الأمر، لكنه الآن غير موجود وفقدت هذا الأمر فكيف يمكن أن أعيده؟! أو إن كان خطأ أن أصححه؟ هل كل هذه الأمور بسبب الفراغ؟
أجل أنا أعترف أنني لا أعرف ما هو هدفي، وليس لدي هوايات أمارسها، ولدي قدر كبير جداً من الكسل والتسويف يجعلني أخسر الكثير بتضييع العمر والوقت، ماذا أفعل بنفسي؟
أحاول أن أعرف ما أنا وأفهم نفسي، لكنني دائماً ما أشعر أنني بحاجة لمساعدة أحد يعرفني ويفهمني ويكون فعلاً قريباً مني ليساعدني، في كل حين أسمع من صديقة نصيحة من هنا أو هناك، أقرأ مقالة هنا أو جملة في استشارة ما، تعبت من التناثر والبحث -الذي أنهكني حقاً-، والتساؤلات لا تقل بل تزداد في رأسي يوماً بعد يوم، حتى سمعت لقب "المعقدة" أطلق علي –من باب الدعابة– بسبب هوسي بالتحليل والتعمق، وإن كنت أعرف أنه لقب يناسبني تماماً! هل الحل أن أترك نفسي هكذا؟ وكما تأتي تأتي؟ هل كل شيء سيحله الزمن؟ أم أنا التي أضغط على أعصابي وأنهك عقلي بالتفكير! أحس بتشويش، ودائماً أسأل نفسي بماذا يجب أن أبدأ رحلة الإصلاح والتغيير؟
أحتاج خطة.. تشمل ماذا؟ تغيير النفس أم زيادة الإيمان؟ كيف التدريج؟ ما هي الأولويات؟ وكيف نرتبها؟ وكأنني أريد أن أربّي نفسي من جديد؟ هل بإمكاني أن أفعل كل ذلك وحدي؟ أسئلتي كثيرة وأعرف أن ربما ليست لديك الأجوبة، لكن دلّيني على أي شيء أستطيع من خلاله معرفة أجوبتها، من أسأل أمي؟ لا ينفع، صديقاتي؟ لا أستطيع إخبارهن أي شيء عن هذا الموضوع وأغلبهن لم يستطعن مساعدتي في أشياء أبسط، إذن من؟ أعلم أن الخيوط كلها في يدي، لكني لا أعرف كيف أحيكها حتى تعطيني نسيجاً جميلاً، كل ما أصنعه هو أن تتشابك كل الخيوط وتخرج لي العقد!
نقطة ثالثة اكتشفتها من خلال القراءة عن علم النفس وهي قد تكون سبباً في ضعف الثقة بالنفس، إحساسي أنني مثالية لحد كبير مما يضغط عليّ وعلى أعصابي ويحبطني، فأنا مثلاً أتطلع كثيراً أن أكون رائعة ومتفوقة في أغلب المجالات، خاصة التي أحس أنها مهمة كالإيمان والالتزام.. كالتفوق في المركز الأول في الجامعة، الدرجات العالية أو الكاملة، كالجمال، محبة الناس، الصداقات، وبعض الأخلاق..
أشياء كثيرة أحاول أن أكون فيها في القمة أو على الأقل في الأعلى ولكنني لا أستطيع ذلك، دائماً أنظر إلى نفسي فأرى أين هي، وأنظر إلى تطلعاتي التي تسابق السحب في السماء! فرق شاسع يحطمني، وكلما جاءتني فورة بأن أبذل الجهد وأن أبدأ الصعود للأعلى أفتر ثم أنخفض لأسقط في النهاية، هل يجب ألا أكون طموحة؟ هل من الخطأ أن تكون تطلعاتي عالية؟ وكيف أعرف أن طموحي خيالي ولا يناسب قدراتي؟ وكيف أعرف قدراتي أصلاً؟ كيف أتقبّل نفسي كما أنا؟ حتى لو لم أكن بتلك الخوارق التي أحلم بتحقيقها –على الرغم من أنني لا أعرفها بالتحديد (بدقة)- وأحبها كما هي؟ هل أقول لها ذلك وهي ستصدقني وتصبح ممتازة وتطاوعني؟
كل ذلك يجعلني أقارن نفسي والأخريات فيبدأ نظري إلى هذه وتلك، وهنا أجد قلبي مريضاً وأحس بتلك النزغة لأخواتي المسلمات المنهي عنها في ديننا فأكره نفسي، لأن الكل يظنني صاحبة القلب الأبيض الطيب، لكن أنا...
النقطة الرابعة وهي متعلقة بتفكيري الكثير في الزواج؛ أحاول الهروب لأنني حينما أسترسل أحس بسحابة من التشاؤم وخيبة الأمل تصيبني خصوصاً أن هذا الأمر بالذات في علم الغيب، كثيراً ما أسأل نفسي هل سيكون الإنسان الذي سأتزوجه أفضل ممن أحببته؟ وأصبّر نفسي بأن الله لابد أنه ما أخذ مني الجيد إلا ليعطيني الأجود! صرت أفكر أنني ربما لن أتزوج أبداً وأحاول أن أعيش على هذا الأساس حتى لا أفكر كثيراً، لكن في الوقت نفسه هذا الشيء قاسٍ جداً، وأتخيل كيف سأكون هكذا؟
شعوري بأنني غير مطلوبة يتعبني، رغم أن كل الأصدقاء يقولون أني لا ينقصني شيء، أرى صديقاتي –وكالعادة "مقارنة"– وهن يتمنعن ويطلبهن للزواج كثر، وأنا لم يطرق بابي سوى شخص أكبر مني بكثير، وأيضاً لم أرق له أو أعجبه! وبعدها أعرف أنني صغيرة، وأعلم أنها في مجملها أفكار غبية وغير منطقية وليس أوانها الآن، لكنها للأسف تراودني، وتزعجني وتنغص عليّ، بالذات حين أتذكر كيف هو سعيد الآن ومرتاح ولا يفكر فيمن تركها وراءه؟! أعلم أن الخيرة فيما اختار الله، لكني لست بهذه القوة الإيمانية التي تجعلني لا أفكر بمثل هذه الأمور، للأسف!.
النقطة الخامسة: التقلبات؛ هي تذبذب مزاجي جداً، أجدني في كل أسبوع بحال، 10 أيام أكون بهمة عالية وأنساه، ثم أسبوع أكتئب فيه تماماً وأكره كل شيء وأعيش في الذكريات، ثم أسبوع أقوم فيه من جديد وأعود للصعود بعد تشجيع مثلاً من هنا أو سماع كلمة من محاضرة أو داعية من هناك، ثم أسبوع فتور آخر وابتعاد عن الله وهكذا دواليك! لم أنسه بعد، لكني شعرت أني ابتعدت عنه قليلاً وطالت الفترات التي لا أتذكره فيها،لكن بصراحة أكثر ما يمكن أن يدمّر أعصابي حين أسترسل في التفكير بأمر زواجه وفكرة تخليه عني، تذبحني! لكني ولله الحمد صابرة، وسأصبر، هذا ما أعاهد عليه نفسي.. سأصبر حتى يحين الفرج وأعلم أنه طال لأني تجاوزت العام في هذه التجربة القاسية –رغم أني قرأت أن أقصى فترة للتجاوز الطبيعي لفشل الحب هي العام– لكن ليس أمامي سوى أن أشرب دواء الصبر فلا أجد أفضل منه.
لكن سؤالي الهام: هل هذه النوبات طبيعية في تكرارها معي هكذا؟ أحس بوحشة وخوف ووحدة رهيبة حتى لو خرجت لزيارات وحتى لو كنت بين الأصدقاء، أحس دائماً بالوحدة وأن لا أحد يفهمني أو يريد التقرب مني، أو حتى يقف باستمرار ليساعدني بكل ما يستطيع، ما التفسير؟ أحس أن الخلل مني لكن لا أعرف لماذا؟ كذلك إحساسي به متقلب أيضاً، مشاعري متغيّرة وكل ساعة بحال، تارة أحس بمدى الامتنان –من دون حب– لهذا الإنسان الذي أنار حياتي بكلماته بعد أن كانت مظلمة صغيرة أعيشها في غرفة مغلقة، فأتمنى أن أشكره لأنه كان سبباً فيما أراه من نور، وكل هذه الرحلة في البحث وإصلاح الذات والتعلم لكي أفهم نفسي، وكل الملفات التي فتحت بسبب هذا الحب وإن أتعبني وأغرقني بدوامة من الألم، لكن كما يقولون الإنسان لا يتعلم ولا يغير من نفسه إلا حين يشعر بالألم!
وتارة أحس بحب جارف له فهو الأول والوحيد الذي يعرف "م" واختار "م"، بل ورضي ب"م" وأحبها على كل علاتها ورضي بها أجمل زوجه يتمناها، هذه اللحظات قاسية لأني أحس فيها بلهفة شديدة تجاهه وأتمنى فقط أن أسمع همسة من صوته، فقط أن أراه لمحاً، فقط أن أقرأ كلمة يكتبها أو أي شيء أي شيء منه.
وتارة أحس بالغدر والقهر وإحساسي بالمهانة يكون كبيراً لأنه تركني وتخلّى عني رغم أنه كان يقول بأني الأولى في حياته وعلّمته أشياء كثيرة أول مرة أحد يعلمه إياها ولي فضل عليه وووو... من هذا الكلام، أحس عندها بالرغبة بالانتقام منه -وبصراحة أخاف من نفسي عندها– وأن أذيقه من نفس الكأس الذي شربت منه، فهو لم يشعر بشعور الملقى المتروك المنسي من قبل أحب الناس على قلبه، بصراحة شاطر "دبر نفسه سريعاً"!
أحس بأني أريد أن أرد له الصاع بالمثل فأغيظه مثلاً أو أقهره كما قهر قلبي دون أن يبالي بأنه ألقى بإنسانة في سلة القمامة بزواجه السريع المفاجئ، فأتخيّل أنني أنساه وهو يحاول العودة لي بعد أن عرف قيمتي فأرفضه وأخبره بكل خزين الألم والعذاب الذي تراكم في داخلي بسببه، بل أتخيّل كيف سيغتاظ حين يعلم أنني خطبت لآخر أو تزوجت وأنني وجدت حياتي وسعيدة بها الآن، وكيف شعوره أنني ضعت من بين يديه –كما كان شعوري حين تزوج هو-، أعرف أنها خيالات سخيفة وأعاود الاستيقاظ لأني أعرف أني حتى لو تزوجت لن يحرّك ساكناً ولن يبالي، ربما هي محاولة مني في داخلي أن أرد اعتباري ولو في الخيال والأحلام لإشعار نفسي بالثقة وأني غالية وهو لا يستحقني.. كله يصب في شيء واحد هو استعادة ما هدر من ثقتي بنفسي التي وصلت لأدنى درجات الحضيض، هل تفسيري هذا سليم؟ لكن هذه مشاعر مريضة أريد التغلّب عليها لأنها تزعجني، لا أريد أن أحس بالقهر حينما أراه في يوم من الأيام أو حتى ألتفت إليه، لا أريد أن أحس بالغيرة والغيظ اللذين يأكلان القلب أكلاً، أريد قلبي صافياً طاهراً كما يظنه الآخرون من حولي، لا يحمل لأحد وليس به مرض، كيف أفعل ذلك؟.
النقطة السادسة الذكريات؛ بالنسبة لذكرياتي معه، سأعترف بأنني ما زلت أحتفظ ببعض رسائله ولم أستطع حتى اللحظة أن أمسح صورته، بل ولدي صورة عرسهما! كلما جاءتني فورة النسيان لأمسح كل شيء أتردد في آخر لحظة وأخاف، لا أعرف لماذا أنقبض؟ عندها أقول لنفسي: لا أستطيع، مستحيل أن أمحوه من حياتي للأبد، ولا حتى شيء منه يبقى لدي! حقاً لم أعد أفهم نفسي، أريد نسيانه وفي الوقت ذاته أخاف أن أفقد أي شيء باق لي من رائحته! هل أمسحها؟ لا أمتلك الشجاعة الكافية لذلك، إنها آخر ما بقي لي منه، خاصة أن هذه الذكريات كان فيها من الجمال الكثير.. لا أعرف كيف يمكن أن أفك عقدة التشبث به لا أدري كيف، أخاف الندم إن مسحتها!
نقطة أخيرة -وكما هي عادتي أطيل، لكن يبدو أنك تعودت عليّ- وانتبهي حضرتك، إنها تراكم 5 شهور هي علاقاتي بالناس، أحس أني حينما أتواصل مع الناس بالذات على الإنترنت، أجدني إنسانة أخرى؛ متحدثة ومرحة ويراني الناس بثوب الطيبة والرقة وغيرها، وأسلوبي هو كما ترين وتشهدين كيف أنه قوي ومعبّر! الحمد لله وجدنا ميزة! لكن أجدني على أرض الواقع ليس لدي قدرة حقيقة على التعبير! حينما أريد التحدث بأمر ما بالذات لو كان حساساً أو شكوى من أمر يضايقني لا أستطيع الكلام بطلاقة وسلاسة كما أكتب، أجدني ألف وأدور وأرتبك، ولا أستطيع إيصال ما أريد حقاً، ومرات أتصل بإحدى صديقاتي وأكون أريد أن أكلمها لشعوري بالاختناق فأحوم وأحوم ثم تنتهي المكالمة ولم أخبرها بأي شيء، حتى أنني أبتسم وأضحك وكأنه لا شيء، ثم أغلق الهاتف وربما بكيت بعدها!
هل السبب أنني لم أجد حتى الآن من أستطيع البوح له دون تكلّف؟ أم أني إنسانة صعبة التعامل بتلقائية مع الآخرين؟ أحس أنني أريد من الذي أمامي أن يسحب مني الكلام سحباً وأن يدفعني له، لكنني لا أستطيع ذلك دائماًَ وحدي، ربما كان هو الشخص الوحيد الذي أتكلم معه بعفوية غريبة وبتلقائية ولم أكن أخفي عنه شيئاً باستثناء أشياء قليلة جداً! لماذا؟ أحاول أن أعرف السر فلا أجده، لماذا لم تستطع أي من صديقاتي -رغم أنهن على خلق وأدب وفكر- وكلّهن رائعات، لكن لم تستطع أي منهن اختراقي كما استطاع هو! هل لأنني كنت صغيرة وساذجة في تلك الفترة لكنني الآن "تعلمت الدرس"؟ أم هو فزعي أن يعرفن عني هذه الحكاية فتتغير نظرتهن إليّ؟ ومن هو الشخص الذي يمكن أن أخبره بهذا الأمر ويساعدني وبنفس الوقت لا يصدم بهذه القصة! لم أجد سوى أن أذهب لطبيب نفسي! لكن أنّى لي ذلك، لست مريضة لكنني أحتاج عوناً، وللأسف أطلبه خصيصاً لي أعلم أنك بجانبي وربما هذا يريحني كثيراً، لكن هل تفيد هذه الآلة في أن تواصلي معي للنهاية بدون ملل؟ هل أطلب المستحيل؟ لا بأس أعرف أنني أم المستحيلات، لكن هذه هي أنا...
آسفة أسفة آآآآآسفة جداً جداً للإطالة، لكن هل إن طلبت من حضرتك أن تردّي على استفساراتي جميعاً أكون تجاوزت؟ قد رتبتها في نقاط منفصلة ليسهل على حضرتك الرد عليها بنظام النقاط كما عودتني.
أنتظر ردّك بفارغ الصبر. دمت في رعاية الله، وأردّ عليك بالتهنئة لرمضان وللعيد وأقول كل عام وأنت أقرب عند الله وأحب إليه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
14/09/2008
رد المستشار
الحمد لله أني ممن لا يعرفون المستحيلات فقد يكون عيباً وليس ميزة، ولن أتحدث عن شعوري بالأسف لتأخري فأنا صرت لا أملك وقتي كما كنت ولكن أذكرك فقط بأني افتقدتك مجدداً، وسأرد على تساؤلاتك كما تحبين في نقاط:
0 مشاعر تسول الاهتمام "الخاص" يرجع بالأصل لطريقة التربية وليس فقط افتقادك لمن أحببت وإن كان عاملاً مساعداً، فهناك ما يسمى بالحاجات الأولية والتي يحصل فيها الإنسان -على سبيل المثال- على الحنان والاهتمام من الأبوين بإشباع وبشكل مختلف، وإن لم يحصل عليهما في طفولته فلن يحصل عليهما كما تُمنح من الأبوين أبداً مهما عاش ومهما أحب ومهما أحبه الآخرون! فهما الوحيدين الذين يعطيا بلا مقابل فعلاً، ويتحملان صلافة التعامل معهما وعدم العطاء المقابل لهذا الحرص وهذا الاهتمام، ومع ذلك يظلا على عطائهما! وهما من يتفقدا راحتنا باستمرار دون كلل أو ملل أو دون أن يخضعا دأبهما في هذا التفقد لمزاجهما مثلاً أو حالتهما النفسية وهذه نقطة قد تكون صادمة لكنها مهمة جداً في فهم الوضع، فقد تكون أمك اهتمت بك وأعطتك حناناً ولكنه ليس كما يجب أو في مساحات أخرى أو قدر اجتهادها فظهر عندك هذا الاحتياج، ومن ثم فعليك فهم أن العلاقات بين البشر فيها أخذ وعطاء، فيها مزاجية، فيها قدرات، فكما ستأخذين يجب أن تعطي... وقد يتحملك الصديق في فترة ولا يتحملك في أخرى، ولكل منا قدرات تختلف عن الآخر خاصة في تحمل مسؤولية كل منا في إنجاح العلاقة، لذلك انتظار أن يتفقدك أحد باستمرار فكرة غير منطقية ولن تجديها حتى مع زوجك، فقد يتفقدك في أمر ويقع منه أمر آخر، ولكنك قد تحصلي على أكبر قدر منها حين تعطي جيداً وحين تفهمي طبيعة البشر جيداً فتحصدي أكثر وهذا سيحتاج جهدأً ووقتاً وتجارب لاكتساب هذا النضوج.
0 من نحن وماذا نريد وما هو طريق الوصول لما نريد لا يتحقق في لمحة بصر، فنحن نتغير طوال الوقت ويتغير فينا خصال ومفاهيم ورغبات، وكأننا نجدد عقد فهمنا لأنفسنا وفهمنا للحياة كل فترة! فأنت تتعجلي الوصول لهذا متناسية طبيعة الحياة وأنفسنا والبشر! وكل ما يمكنني قوله هو أن تضعي لنفسك ثلاث خانات مبدئياً لتضعي يديك على أول الطريق؛
الأولى، أن ترصدي نفسك فيما تميلين له بحق وتحبينه لتعرفي نفسك أكثر وتتعرفي على ما تهوينه لتجيديه في كل أمور حياتك حتى التافه منها.
والثانية، أن تجربي.. بمعنى أن تجربي هوايات أو أعمال أو ما شابه لتتعرفي أكثر على قدراتك الحقيقية ورغباتك التي لا تظهر على السطح ولا تستكيني لكسلك فحاجتك الملحة لذلك ستقهره.
والثالثة، هو أن تجعلي للعلم حظاً في هذا، بأن تقومي بعمل اكتشاف القدرات التي اتفق عليها العلماء المتخصصون في العلوم النفسية والاجتماعية، وستجدي منها الكثير على الانترنت أو الكتب حيث تحوي استبيانات ومقاييس وكذلك توجد مراكز متخصصة لهذا وهذه المساحات الثلاثة لن تكون كل شيء ولكنها خطوة فيه.
0 المثالية في كل شيء "وهم" كبير نتحدث عنه ولن نجيد تطبيقه لأننا بشر، فقد نتميز في أمر من الأمور لا يحاكينا فيها آخر، لكن أن نكون مثاليين في كل شيء أراه ليس من الإنصاف للبشر! لأنه إذا حدث لن يكون هناك عدلاً بيننا، وسنجد من يحمل كل المميزات وآخر يفقدها كلها وهذا ليس صحيحاً ولا مقبولاً، ولكن يظل وهم المثالية في كل شيء دافعاًً لزيادة قدرتنا وتحسينها، ولقد أرسل الله عز وجل نبينا خاتم المرسلين صلاة الله عليه وسلم بشراً من أجل أن نفهم هذا المعنى، وقدر لنا الله عز وجل برحمته أن يكون حسابنا على "الجهد" وليس "النتيجة".
0 التفكير في الزواج أمر منطقي جداً ولكن ما يجعله مؤذياً لك هو فعلاً مقارنتك بالأخريات، والمقارنة هي العدو الأول للثقة بالنفس والاستقرار النفسي، فلكل منا مذاقه المختلف ونقطة جاذبيته، لذلك نحن مختلفون وفي اختلافنا تكامل وإلا لماذا يخلق الله نسخاً مكررة؟ وفي المقابل نجد كما نقول في مصر "لكل فوله كيال" فلكل منا عين تختلف عن الآخر وسلوك يجعله يبحث عن شيء لا يلفت نظر شخص آخر، فرؤيتك لموضوع الزواج بطريقة يأتي لهم ولا يأتيني في غاية الظلم والاختزال المخل، وقد يكون تربية لنفسك، وقد يكون لتقري من داخلك بأنه رزق مرتبط بوقت يحدده الله بما يتناسب مع شخصياتنا وظروفنا وأنفسنا.
0 تقلباتك المزاجية هي مجرد "ذيول" لإنهاء قصة حبه من وجدانك وكذلك نوع من الاكتئاب، فحين يعلو صوت العقل تجدي نفسك راضية عن القسط الذي أعطاه لك ومنه عرفت نفسك وأنار لك الكثير من مساحاتك الداخلية، وحين يعلو صوت الحب والاحتياج تتركي العنان لنار تجعل مزاجك منقبضاً ومكتئباً وحزيناً، فهذه التموجات ستأخذ وقتاً وتهدأ بمرور الأيام ولكن سيحدث ذلك حين تقومي "متعمدة" بالإصغاء لحديث العقل والمنطق والظروف –فهي حقيقة-، وتذكري أنه لا يؤذيك هو فقط استطاع أن يعلي صوت عقله عن صوت قلبه وحين فعل ذلك استطاع أن يكمل مشوار حياته، ولم يرميك كما تتصورين لأنه لا يملك أن يفعل أي شيء آخر، واسألي نفسك أسئلة مهمة حين تجدي نفسك حانقة عليه بسبب تركه لك: هل تركك فعلاً؟ ما المطلوب منه الآن لكي يرضيك؟ هل إذا ظل يحدثك ويعطيك ما تريدين ستشعري بالمتعة؟ أين سيكون وضعه عند الله إذا فعل ذلك وهو متزوج؟ فلا تظلميه يا صغيرتي فهل جريمته أنه استطاع أن يملك نفسه؟ فلتتعلمي هذا الدرس أيضاً على كراهته، فهو الأفضل لك في كل الأحوال، وهو سبيلك لبدء حياة جديدة تنسجين خيوطها بإذن الله.
0 الذكريات هي جزء منك تخصك وحدك وأنت من ستسكنيها في مكان بعد حين، فالبعض يسكنها مكان الألم والعذاب وبعد مرور الوقت يكرهها، والبعض يسكنها مكان واحة الراحة كلما ضاقت به الدنيا ذهب إليها ليستريح ويبتسم ذاكراً تلك الأيام الجميلة التي كان فيها سعيداً، والبعض يتركها بلا مأوىً فتارة يضعها هنا وتارة يضعها هناك، وخوفك من مسحها دليل على أنك لم تسكنيها بعد واقترح عليك ألا تمسحيها على الأقل الآن، ودعي نفسك للأيام لتعودي إليها بعد التغيير وستجدي أنك تستطيعين تسكينها بسهولة وستدهشين من نفسك.
وأخيراً أقول لك، حب المرأة للرجل ليس كل الحياة، وعلى قوته إلا أنه ليس كل الحياة، فإن فاتنا هذا النوع من الحب حيناً فلا زال أمامنا الكثير من الأنواع الأخرى فلتغتنميها، وأنا هنا معك أسمعك وأنتظر فضفضتك.
أما الآن فعليك واجب ضخم وكبير لا تجعلي مشاعرك تعيقك عنه؛ وهو "أنت"، ولا تنتبهي لنفسك بحدة أو عجلة أو انتقاد ولكن بحنو وهدوء حتى تتنسمي عبير التغيير، فحبك لنفسك وبوابة حب الآخرين لك... أنتظرك.
ويتبع >>>>>: اعترافات ثقيلة الظل م7