سنوات الضياع
سيدي الفاضل،
شكراً لك كل الشكر على رد حضرتك على مشكلتي وبسرعة، رغم أن كلام حضرتك يعني أنه قد تم قراءة مشكلتي بتمعن واهتمام، ولا أنكر أن رغبتي في البكاء قد غلبتني وأنا أقرأ الرد، لأنه كان وكأنه كلام أب يربت على كتف ابنته في عطف. إلا أن هناك بعض الأشياء أردت أن أوضحها:
أولاً، هو أن رغبتي في الابتعاد عن هذا المنزل بلعنته كانت هدفي الأساسي والأول طوال الوقت، إلا أن أبي يضع العراقيل أمامي والتي تحول دون حدوث ذلك، فأصبح لا خروج عن هذا إلا بالهرب وترك المنزل. وأنا رغم أني أفكر في هذا إلا أني أجده صعباً على الجميع وأولهم أنا، لأنها ستكون فعلة تصمني بعارها طوال العمر، حتى ولو لم أفعل شيئاً خاطئاً، فبالرغم من كل شيء لا أحد يعلم ما أعانيه ولن يفهم أحد لماذا فعلت هذا، وهذا يجعلني أفكر ألف مرة قبل فعله. بينما هو الحل الوحيد لترك المنزل، وقد سبق وحاولت كثيراً أن أبتعد بشكل مشروع ولكن أبي رافض لكل شيء.
ثانياً، مشكلتي مع من أحببت؛ هو استطاع التغلب عليها وأحياناً أشك في أنه ما زال يحبني أو يتمسك بي، فبرغم كل أحواله التي تدل على أنها رد فعل لما حدث في موضوعنا إلا أنني لا أنكر أنه يكون مهملاً جداً وجودي، كما أشعر أني أصبحت شيئاً ثانوياً في حياته، لذلك أخاف من فكرة زواجه وأتوقعها في أي وقت. والمؤسف أني أدرك جيداً ما سأعانيه وأتعرض له، ولكن المشكلة أني حقاً لن أحتمل هذا أو ذاك، وبمعنى أدق لن أحتمل أي شيء سيحدث لأني تعبت من الاحتمال ووصلت إلى منتهاه. وأريد أن أضيف -وبشهادة الجميع- أنا لست ضعيفة، على العكس أنا شخصية قوية جداً وشديدة الاحتمال، لكن الأمور تعدت مداها، كما أنه يمكن أن أكون قوية في كل شيء إلا مشاعري.
ثالثاً، بالنسبة لإخوتي؛ حالهم لا يختلف عني كثيراً، سوى أن أقدم منهم في كل شيء بحكم أنني أكبرهم، وهم للأسف تعلّموا أن مصلحة كل منهم أهم شيء للعيش في هذا المنزل، وأنا لا ألومهم، وغالباً أنا مثلهم لكن في المنزل فقط، وهذا يجعلنا بعيدين عن بعضنا إلى حدٍّ ما، بالإضافة إلى أن قربنا من بعضنا يزيد من الحرب علينا في المنزل لأن والداي يستخدمان أحياناً سياسة فرّق تسد، ورغم أننا مدركون لهذا جميعاً إلا أننا -كلنا- نفضل العزلة، وكأنه إعلان منا جميعاً عن الاعتصام عن هذا البيت ومن فيه. وللعلم لي أخ يصغرني وهو دائم المصائب، وأختان تليه وهما منذ النشأة قليلتا الكلام وليس لديهما جرأة ولا حسم في اتخاذ القرارات مثلي.
رابعاً، برغم كل شيء، حضرتك لم تجبني على سؤالي: هل أنا مريضة؟ وما درجة شدة مرضي؟ هل لو أصبحت أمّاً وزوجة سأمارس رواسب الماضي على أسرتي؟ وكيف أصل إلى علاج الاكتئاب الذي أشرت سيادتك إليه؟ هل أتابع عند طبيب نفسي؟ وإذا كان نعم، من؟ وقد أخبرت حضرتك عن تجاربي السابقة وما حدث فيها بشأن الأطباء؟. مع العلم أنه لا أطباء نفسيين في مدينتي، وإن كان فيستحيل الذهاب إليهم.
وأخيراً، لو لم أستطع فعل شيء في ما يحدث، ما الحالة التي سأصل إليها من وجهة نظر الطب النفسي؟. سيدي، أنا كثيرة القراءة وعلى درجة من الثقافة والوعي، وسأدرك تماماً ما ستقول، ولست متسرعة ولا هوجاء في اختياراتي أو قراراتي، وربما هذا يزيد من مشاكلي سوءاً!.
أشكرك كثيراً، وكل عام وسيادتك بألف خير،
وآسفة على إزعاج سيادتكم لمرة أخرى.
22/12/2008
رد المستشار
الابنة "أمة الله"
لاختصار الكلام، وخير الكلام ما قلّ ودلّ، سأجيبك مباشرة على أسئلتك:
هل أنا مريضة؟
بالتأكيد أنت مريضة نفسياً بعد الأعراض الكثيرة التي ذكرتها في رسالتك، وبعد الإحباطات المتصلة التي عانيت منها طوال حياتك وذكرتها باستفاضة في رسالتك أيضاً.
وما درجة شدة مرضي؟
أستطيع أن أقول أن الاكتئاب والقلق لديك يتراوح من المتوسط إلى الشديد، وهذا أثّر عليك في عملك وفي حياتك وقراراتك، لذلك طلبت منك أن تأخذي نصف إلى واحد حبة من السيروكسات 20 مجم يومياً بعد الغذاء وفقاً لشدة الاكتئاب والقلق لديك، وسيستمر استخدامك له كعلاج طالما تشعرين بالاكتئاب أو القلق ولو بصورة بسيطة، ولو لعدة أعوام حتى يفرج الله همك وكربك، وتتغير ظروفك إلى الأفضل، وتختفي أعراض الاكتئاب والقلق تماماً وبلا رجعة بأمر الله.
هل لو أصبحت أماًَ وزوجة سأمارس رواسب الماضي على أسرتي؟
بالتأكيد، الماضي يؤثر علينا جميعاً، ولكن المهارة والذكاء أن نفعل عكس الأذى والتقصير والشر الذي حدث معنا من جانب والدينا، وذلك في تربية أبنائنا. بمعنى أن تكوني حنونة ومحبة لأبنائك ومهتمة بشؤونهم، ومهتمة باختيار أب على خلق ودين لهم، ولا تكرري معهم ما فعله أبواك معك، وهنا تكون تجاربنا السيئة مع والدينا دافعاً إيجابياً لنا في حياتنا المستقبلية مع أبنائنا.
وكيف أصل الى علاج الاكتئاب الذى أشرت سيادتك إليه؟
السيروكسات 20 مجم أو حتى 25 مجم من أي صيدلية وقد كتبته لك من قبل أ.د. نادية حافظ، والزولام فقط عند زيادة الأرق أو القلق بشدة (أي عند اللزوم فقط).
هل أتابع عند طبيب نفسي؟
لا مانع ولو كل سنة مرة، ما دام ليس هناك آثار جانبية من الأدوية النفسية.
وإذا كان نعم.... من؟
أ.د. سهام راشد، أ.د. نادية حافظ، أ.د. هدى سلامة، بالإسكندرية. أما بالقاهرة فعندك أكثر: أ.د. زينب البشري، أ.د. سعاد موسى، أ.د. منى رضا، أ.د. إحسان فهمي.
وأخيراً.... لو لم أستطع فعل شيء فيما يحدث... ما الحالة التي سأصل إليها من وجهة نظر الطب النفسي؟ بالتأكيد لو تركت نفسك دون علاج سيتطور الاكتئاب والقلق لديك إلى ما لا يحمد عقباه؛ من زيادة درجة شدة الاكتئاب والقلق، وخصوصاًَ وأنك في مهب الريح ومعرضة لمزيد من الصدمات والابتلاءات، ويكفيك منها حبيب عمرك الذي بدأ يقل حبه لك، واهتمامه بك، أضيفي إلى ذلك وضع والديك الصعب والحرج، وأول انهيار حدث لك في نظري هو فقدك لعملك (أياً كان السبب)، لذلك جزء هام من علاجك هو العمل وكسبك للمال الذي يغنيك عن الحاجة لسؤال.....، وتذكري العلاج الدوائي أولاً ثم الاهتمام بعملك بعد ذلك.
تقبلي تحياتي، مع أخلص دعواتي لك بالشفاء التام والعاجل.
ويتبع>>>>: سنوات الضياع مشاركة