السلام عليكم ورحمة الله
السادة الكرام،
أطرح عليكم مشكلتي محاولاً في البداية أن أعطي فكرة موجزة عن نفسي لكي تستطيعوا تقدير موقفي.
عمري 40 عاماً، بطبيعتي إنسان عاطفي أتأثر كثيراً بما هو حولي وأتمتع بخاصية لا أعرف مصدرها، وهي الحدس، حيث أن الحدس عندي قوي جداً إلى درجة اليقين، فأنا أعرف الكثير من الأشياء دون أن يكون لها علاقة مباشرة بي، وأعرفها بالشعور!
أي أنني أشعر بها دون أن أعرف من أين أتى هذا الشعور وكان الوقت دائماً يثبت صحة حدسي. و عدوي في الحياة هو الكذب والنفاق، ودائماً كانت تطلعاتي نحو المثل العليا، وإن بدوت غريباً في محيطي. مشكلتي هي مشكلة مباشرة ومحددة، ولكني سأحاول أن أعطيكم فكرة عن التاريخ المرتبط بها.
كنت في شبابي إنساناً يسارياً، أو كما يقال من الأشخاص المتحررين اجتماعياً رغم حفاظي على المثل الإنسانية، إلا أنني لم أكن أولي اهتماماً للعقيدة الدينية، وقد نشأت في أسرة فقيرة وكنت من المجتهدين في الدراسة، أتتني فرصة السفر إلى الخارج لمتابعة دراستي فسافرت إلى بلد أوروبي لدراسة الهندسة.
عندما وصلت في البداية رغم أنني أتيت من بيئة متحررة إلا أن المناخ الاجتماعي هناك كان منفتحاً جداً حتى بالنسبة إلي، فأخذتني حماسة الشباب وانغمست إلى حد ما في هذا المناخ؛ من حفلات صاخبة ونساء، وكان لي حظ كبير من النساء ذلك -كما كانوا يقولون- أني أملك الجمال الشرقي مما سهل لي مهمة التعرف على الكثير الكثير من الفتيات. وبعد فترة سنة تقريباً تعرفت إلى إحدى الفتيات التي أصبحت صديقتي بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث تجمعنا الصداقة فقط فهي كانت كرفيقة لي أعجبني فيها عقلها المتوقد وحفاظها على نفسها رغم تحررها وانفتاحها الكبير في هذا المجتمع المنحل، وقد امتدت صداقتنا لنحو السنة أيضاً، فبدأت أنا بمراجعة ذاتي والبحث عن قيمي التي كدت أفقد بعضها، وقد دهشت عندما علمت أن دافعي لهذا كان هو شعوري بالحب تجاه هذه الفتاة، فأخذت قراراً بتغيير نمط حياتي والارتباط بها، فقطعت علاقاتي مع جميع الفتيات اللاتي كنت أعرفهن، وصارحتها بموضوع حبي لها فتبين أنها تبادلني الحب نفسه الذي أكنّه لها واتفقنا على الزواج.
كانت هي على معرفة بتفاصيل حياتي السابقة كما أني أيضاً أعرف عن حياتها الكثير. لكن قبل ذلك أود توضيح شيء عن شخصيتها فهي من النوع الذي لا يحب البوح بمكنونات نفسه حتى إلى أقرب الناس. بدأنا حياتنا وبدأنا نخطط للمستقبل، وفي هذا الوقت حصلت تغيرات كبيرة في البلد الذي نعيش فيه فتحولت الحياة من حياة سهلة إلى ما يشبه الرحى بصعوبتها وقساوتها، حاولنا أن نمضي كيفما كان في هذه الحياة، في هذه الفترة حدث التغيير الأكبر في حياتي، حيث أني أصبت بمرض عصبي وقلبيّ، مما غير نظرتي كلياً إلى الحياة. تدريجياً بدأت أعود للدين، وتغيرت طبيعتي؛ فبعد أن كنت من النوع المنفتح على الجميع أصبت ببعض الانطواء كما أن قدراتي الجسدية والنفسية قلّت إلى أدنى مستوى لها، وقد عرضت عليها أن تذهب إلى حال سبيلها لأنني أعتقد أني لم أعد مناسباً، لكنها رفضت و أصرّت على البقاء معين وكانت دائماً تظهر حبها الكبير لي.
المهم، أنه تم عقد قراننا وأصبحنا سوية، وهنا تأتي الحياة لتضع شروطها.. كنا بحاجة للبحث عن عمل لكي نقدر أن نمضي إلى الأمام، فكانت دائماً الفرص ضئيلة، ومحاولاتي لرفع مستوى حياتنا كانت تبوء بالفشل دائماً مما أصابني بإحباط. المهم أننا رزقنا بفتى كرسنا له حياتنا نحن الاثنين، وبدأت زوجتي بالبحث عن فرص عمل لها من وقت لآخر، وأنا أيضاً وإن كانت فرصها أكبر، المهم أنني تابعت دراستي إلى وقت التخرج. تخرجت وأصبح أمامي سؤال: ماذا بعد الرجوع إلى الوطن؟ أم المتابعة هنا؟ فقررت المتابعة ومحاولة الحصول على شهادة أعلى ومورد رزق أكبر حيث الفرص هنا أكبر بكثير مما هي في بلدي، فأرسلنا طفلنا بسبب ظروف بيئية إلى الوطن لكي يربى مؤقتاً عند أهلي مما شكل فراغاً هائلاً لنا نحن الاثنين، لكن أظن أن التأثير عليها كان أكبر بقليل مما عليّ.
حدث ذات مرة أننا كنا في حفلة لأحد الأصدقاء (عشنا في سكن للطلبة) وقد شاركنا بها أنا طبعاً، شاركت بأقل طاقة ممكنة، أما هي فشاركت كشخص طبيعي من رقص وشراب (هي من النوع الذي لا يشرب ولذلك إن شربت فإن الشراب يؤثر عليها كثيراً)، وهكذا بعد فترة من الوقت كنت أرسلتها لتحضر لي غرضاً ما لكنها تأخرت بالعودة، فذهبت وراءها إلى غرفتنا لأرى لماذا تأخرت فلم أجدها فانتابني شعور أنها في خلوة مع أحد ممن كانوا يسموا أصدقاء، كانت تربطنا به علاقة قوية، مضى بعض الوقت وأتت وكانت في حالة من السكر، فسألتها أين كانت فأجابتني جواباً غير مقنع فقلت لها ما أخبرني به حدسي أنها كانت مع فلان، فأنكرت، وحيث أنها كانت ثملة (للمرة الأولى)، فلم يكن هناك جدوى للحديث...
نامت هي وبقيت أنا مع النيران التي تلتهم أحشائي. وفي اليوم التالي تابعنا حديثنا وسألتها أين كانت وماذا فعلت فكانت تجيبني أجوبة لم تقنعني فواجهتها مرة أخرى أنها كانت مع فلان فأنكرت ولكن إنكارها لم يقنعنني وصرت مقتنعاً بحدسي، وبعد فترة من الأخذ والرد اعترفت أنها ذهبت إليه وقضت هذا الوقت معه بتبادل القبل، ولكنها أقسمت أن الأمر لم يتعد ذلك وأظهرت الكثير من الندم وألقت باللوم كله على الشراب والسكر وأنها لم تكن بوعيها. لا يمكنكم تصور حالتي في تلك الفترة فمعاناتي كانت كبيرة لدرجة لا تطاق، أخذ النقاش منا عدة أيام دون أن أعرف كيف أتصرف، فأنا أحبها كثيراً وهي أظهرت الكثير الكثير من الندم وطلب المغفرة، كما أنني فكرت أن أطلقها ولكن أوقفني شيئان:
أولهما أنها في تلك الفترة كانت قد فقدت كل أهلها، أي أنه ليس لديها لا أب ولا أم ولا أي قريب، وكنت قد وعدتها أنني سأكون لها الأب والأم وكل شيء. والشيء الآخر هو أنني عندما أرسلت ابني إلى الوطن دار بيننا نقاش كان بعض أهل السوء قد تحدثوا معها به، هو أنني أرسله إلى الوطن لأنني بعد التخرج سأتركها وأحتفظ بابني معي وأحرمها منه، وقد رأينا مثل هذه الحالات هناك، فوعدتها حينها أنني لن أحرمها من ابنها مهما حصل ومهما صار بيننا، وكما ذكرت سابقاً فإن التزامي الأخلاقي كبير وهي عندما كانت تنتظر قراري كان تخاف كثيراً أن أحرمها ابنها، وأنا واثق أنها كانت ستقتل نفسها إن حصل هذا، وبدأت الصراعات في داخلي فأنا أريد تطليقها لأنني فقدت ثقتي بها، ولكن الأمور التي ذكرتها كانت تدعوني لمسامحتها وإعطائها فرصة أخرى، وبعد وقت قررت أن أغفر لها وأن نبقى سويّة، ولكن شعور الشك وعدم الثقة كان قد تغلغل في قلبي.
ومن جهة أخرى أنا لا أستطيع أن أنتقم لنفسي من هذا (الصديق) حيث أننا نعيش في سكن للطلبة والكل يعرف الكل، بحيث أنني إن فعلت أي شيء سيطرح تساؤلات كثيرة عند الجميع؛ لماذا أفعل هذا مع فلان رغم علاقتنا الجيدة؟ وكما أني لم أكن أستطيع أن أجعله يشك بمعرفتي بما حصل وما زلت أحتفظ بزوجتي عندي، فأنا رغم كل شيء إنسان شرقي. عشت مع هذه التناقضات الداخلية لفترة طويلة وكانت نار غيرتي وشكّي تظهر من حين لآخر فأعيد عليها طرح أسئلتي: ماذا كان؟ وكيف كان؟ ولماذا؟. استمرت حياتنا وقررنا العودة إلى بلدي والاستقرار هناك مع ابننا.
عدنا وعشنا في غرفة منزل أهلي في ظروف ليست مثالية، ويمكن القول أنها كانت سيئة جداً بالنسبة لها حيث أنها أصبحت تعيش في مجتمع جديد مختلف كلياً عن المجتمع الذي ترعرعت به، وأنا أيضاً فوجئت بالتغير الكبير الذي أصاب مجتمعنا. بدأنا نحاول الاستقرار، وهي احتملت الكثير الكثير من العذاب والاضطرابات (حيث أن في بيتنا كانت تعيش أمي التي كانت تطلب منها ما لا تطلبه من أخواتي مما أثار في نفس زوجتي الشجون وأشعرها أن أمي تميّز كثيراً بينها وبين بناتها، رغم أن زوجتي كانت تقوم بكل الأعباء محاولة قدر جهدها ولأنها عندما أتت إلى بيتنا كانت أمي قد وعدتها أن تكون أمها، ولذلك كانت زوجتي تناديها ماما. وكما كان يعيش معنا إحدى أخواتي وهي صديقتها من بلدها حيث أنها كانت قد درست معي هناك، وأخ لي وزوجته وأطفاله الاثنين لكن لفترة قصيرة نسبياً، وأختي المعاقة ذهنياً التي سببت الكثير من المشاكل النفسية لابني وزوجتي، حيث تتم مراعاتها ويعامل طفلي كراشد رغم صغر سنه، بالإضافة إلى أخ مدمن على الكحول يكثر من نوبات السكر، مما يشكل جواً مضطرباً جداً في البيت).
إضافة إلى سوء الحالة المادية؛ حيث أنا كالعادة لا أوفق في أي عمل، وحيث أن دراستها هي تصميم الأزياء بدأت العمل بداية في الخياطة للنساء لكي تحصّل مورداً لنا، وأنا كان عملي متقطع هنا وهناك، ذلك أني لم أستخدم شهادتي الجامعية لأني لم أكن أقدر على بسبب عدم خدمتي للخدمة الإلزامية، وكنت دائماً أحاول أن أرفع مستوى معيشتنا بالعمل في أشياء تدر دخلاً كبيراً، لكن الفشل كان نصيبي دائماً. وبما أنني لم أتخلص كليّاً من شكي وعدم ثقتي بها لاحظت نشوء علاقة مميزة بينها وبين أخي المدمن، حيث أنه رغم إدمانه الكحول فهو رسام وشخص مثقف جداً، فكان بيني وبينها كلام عن هذا أكدت لي أنه هناك شيء لا تستطيع البوح به رغم أنها قالت أن أخي صارحها بحبه لها ولا تستطيع قول أكثر من ذلك حتى وإن قتلتها مبررة ذلك أنه أخي؛
فسألت إن كانت قد أخطأت معه فأكدت بكل إصرار أن لا شيء حصل ولا يمكن أن يحصل، ولكن ذلك لم يهدئ من شكوكي وظنوني، وفي كل مرة يفتح بها هذا الحديث تعيد التأكيد على ما قالته دون زيادة. انتقلنا من منزل العائلة لنستقر لوحدنا في منزل إيجار، رغم سوء المنزل إلا أننا أحسسنا باستقلاليتنا وكياننا الخاص، وهنا أتت الفرصة لزوجتي لكي تعمل في اختصاصها كمصممة أزياء مما أعطاها دخلاً كبيراً كان يصرف كله على المنزل واحتياجاته، وبدأت ترتقي وأصبح لديها اسم جيد في الوسط الذي تعمل به ذلك أنها من النوع الذي يلتزم بعمله ويعمل بضمير كبير ولو كان ذلك على حساب نفسها وذلك بشهادة جميع من تعمل معهم.
بدأت هي بالارتقاء وبدأت أنا بالهبوط؛ حيث أن فرص عملي اضمحلت إلى ما يشبه الصفر، فأصبح الاعتماد كله عليها، وأصبحت تتحمل كل الأعباء المادية للبيت، كما تتحمل أيضاً كونها المرأة الوحيدة في المنزل، أي أنها تقوم بأعمال المنزل، إضافة إلى عملها في الخارج الذي قد يستمر لمدة 18 ساعة في اليوم وإن كان هذا العمل موسمياً. في البداية كنت أقاوم هذا الوضع وأبحث عن حلول ولكن حلولي كانت دائماً جزئية ومؤقتة. وبدأت الهبوط التدريجي؛ حيث أصبحت لدي قناعة أني والمنزل عالة عليها، وكان هذا الشعور يؤرقني دائماً مما أثّر بشكل عام على جو المنزل مع أن الحب كان هو السائد إلا أنه في بعض الأوقات كانت تتم مشاحنات نتيجة المطالبة بتغيير هذا الواقع، لكن لم يكن بيدي حيلة فأنا أشعر شعور العاجز الذي لا يستطيع فعل شيء، مما أدى إلى ضغط نفسي مزمن تحول في النهاية إلى ما يشبه اللامبالاة.
كنت دائماً في مراجعة مع نفسي، كانت تقودني إلى نتيجة أني أصبحت حثالة وعالة على الشخص الذي أحبه، وهذا الشيء دفعني إلى أسفل أكثر، حيث أني توقفت عن تطوير نفسي فلم أعد أهتم بكثير من الأشياء التي كانت ضرورية لي دائماً في بناء شخصيتي مثل القراءة وارتياد المسارح، إلا الذي كان له علاقة بعمل زوجتي بهدف تشجيعها ومساعدتها في المراجعات التاريخية، وذلك لأنه صعب عليها بسبب أنها ليست عربية.
في السنتين الأخيرتين ترسخ هذا الشعور لديّ وأصبحت مقتنعاً أنني لا شيء ويجب عليّ أن أجد حلاً جذريّاً لهذا، وكان الحل إما بإيجاد عمل (فرصي هنا ضئيلة جداً) وإما أن أتركها هي وابني ليتابعا حياتهما دوني، أي أن لا أكون عالة، ولكني بذلك أكون كمن يهرب ويلقي بعبء الأمور الأخرى عليها!.. وهكذا كنت أعيش مع هذا الصراع اليومي، مما غيّر في نفسيتي وأصبحت أوليها اهتماماً أقل، ودائماً أركّز على الأمور التي كانت محل خلاف مثل الملبس، حيث أني أصبحت محافظاً نوعاً ما وهي تريد أن تكون كما كانت، مع العلم أنها بمقياس المجتمع الذي أعيش فيه تلتزم في ملبسها أكثر من بنات هذا المجتمع (بالعامية مستّرة أكثر). مع الوقت أصبحت فكرة الطلاق تلازمني، وكما أني لاحظت لديها تغيراً في مزاجها، حيث كثرت لديها حالات الاكتئاب والسوداوية وأصبحت تستمر لوقت أطول من السابق.
قبل ستة أشهر عرض عليها عمل مع شركة من بلد عربي مجاور تريد العمل في بلدي فوافقت وبدأت العمل مع هذه الشركة، مع أنها كانت قد وصلت إلى مرحلة لا تريد فيها العمل مطلقاً رغم أن عملها إبداعي ومهم لها، إلا أنها قد وصلت إلى هذه الحالة بسبب الوضع الذي نعيشه. في بداية العمل لاحظت أن اكتئابها قد تفاقم وزاد عما كان عليه، وكانت تحدثني عن سير العمل وتضعني في الصورة، وتحدثني عن الأشخاص الذين تعرفت بهم وتعمل معهم، وبعد ذلك بدأت تتصرف بشكل لم تتصرفه من قبل مثل أنها أصبحت أقل اهتماماً ببعض الأشياء التي كانت تهتم بها قبلاً، وأصبحت أكثر عدوانية أو أن تتصرف تصرفاً ليس من طبعها، كإحدى المرات ذهبت واشترت كمية من الملابس لمجرد الشراء!
كما تغيّر طبيعة اهتمامها بشكلها، وكنت دائماً أنبهها إلى هذا التغير، فكانت تبرره أنها كبرت في السن وإن لم تكن قبلاً تولي هذا الاهتمام لشكلها الخارجي (هي ذات جمال خلاب برأي الجميع) فلأنه لم يكن لديها حاجة لذلك لأنها صغيرة السن ولم تكن تحتاج إلى التحسينات الخارجية على الشكل، ولاحظت أيضاً أن أحد الذين يعملون معها يتصل بها بشكل أكثر مما يجب، وهذا الشخص كانت قد حدثتني عنه مادحة حسن أخلاقه وسعة إطلاعه وقيمه العالية (أنا على اطلاع كبير بتفاصيل عملها، وأعلم أهمية الاتصالات لسير العمل، حيث تعمل مع فريق كبير من الاختصاصين وهم جميعاً يجب أن يكونوا على اتصال دائم)؛
فبدأت تراودني الشكوك القديمة: هل هي في علاقة خاصة مع هذا الشخص؟ فكان الجواب القاطع من حدسي ومشاعري "نعم" هي كذلك مع أني لا أعرف أية تفصيلة من تفاصيل هذه العلاقة وأنا أعرف أنه بسبب طبيعة العمل لا يمكن أن تكون هناك خصوصية كبيرة لأنهم يعملون ضمن مجموعة كبيرة من الأشخاص يتواجدون بشكل دائم ويعملون ضمن برنامج محدد لا يمكن الخروج عنه، ولكن شعوري أنها تقيم علاقة خاصة مع هذا الشخص وإن لم أفهم ماهيتها بدأ يترسخ في داخلي، وعندها أخذت قراراً حاسماً بضرورة الانفصال عنها لسببين:
الأول والأهم هو وضعي الذي شرحته، والثاني هو هذا التغير الذي كانت تمر به، لكني كنت أنتظر الوقت المناسب لمناقشة هذا الموضوع. انتهى هذا العمل ولكنها كانت تنغمس أكثر وأكثر في اكتئابها، كان يجب علينا أن نذهب لنصيف معاً على الساحل ولكني قررت إرسالها هي وابني في رحلة إلى الخارج لعلها تخفف من الاكتئاب الذي تعيشه، رفضوا هذه الرحلة لأنها دوني ذلك أني لا أستطيع مغادرة البلاد إلا أني أصررت وأرسلتهم. جاءت من الرحلة أكثر كآبة من السابق، وبعدها بأسبوعين حدثت مشادة بسيطة لسبب تافه بيننا ونحن الاثنين كأننا اتفقنا على ذلك، اقترح أحدنا على الآخر الطلاق فوافقنا الاثنين دون أية مجادلة.
في اليوم التالي أردنا مناقشة الطلاق والانفصال بشكل حضاري مراعاة لما بيننا ومراعاة لابننا وتهيئته لذلك؛ فبدأنا بجلسات لفهم أسباب الطلاق ومناقشة كيفية إتمامه. سأحاول أن أسرد لكم شيئاً من هذه المناقشات؛ حيث طلبت منها أن تقول لي أسبابها فبدأت من أنني لا أعمل فوافقتها على ذلك، وهو السبب الرئيسي أنني أريد الطلاق.
أما السبب الثاني فهو أني لا أولي العناية اللازمة بها كامرأة، هنا كان بعض النقاش وتبين أنني غير محق تماماً كما أنها غير محقة تماماً.
أما السبب الثالث فهو إحساسها الدائم بعدم ثقتي بها وأني دائماً أضعها تحت السيطرة، وكانت هذه هي النقطة المفصل حيث رميت لها بشكوكي عن علاقتها بهذا الشخص فكان جوابها الأولي أن هذا الشخص عرض عليها حبه ولكنها رفضت وطلبت منه البقاء أصدقاء، لكن هذا الجواب لم يقنعني فأصرر عليها وأنا أعلم طبعها المنغلق حيث لا تحب البوح وتعتبره دون فائدة، لكني رغم ذلك أصررت على حقي بمعرفة كل شيء حول علاقتها بهذا الشخص فكان جوابها ما يلي:
أنه بسبب إهمالي لها ووضعي السيئ والاعتماد عليها شعرت أنها فقدت أنوثتها وأصبحت كامرأة عجوز تعيل رجلاً كي يبقى معها، لذلك قررت في نفسها (نكاية بي) أن تثبت لنفسها أنها تستطيع أن توقع بأي رجل تختاره هي في حبها والركض خلفها، وعندما كان عليها اختيار الفريسة وقع اختيارها على هذا الشخص لأنه ملتزم ولا يلقي بالاً للنساء وهي بذلك تكون قد اختارت الأصعب، وهكذا بدأت توقعه بحبائلها إلى أن أحبها وعرض عليها حبه ولكنها رفضت متعللة أنها تحبني وأن عليه التزامات تجاه زوجته وبيته! لكنها في نفس الوقت كانت تشعر تجاهه بإعجاب كبير كاد يصل إلى درجة الحب، ولكنه لم يصل بسبب جذوة حبها لي الذي ما زال يشتعل في قلبها وإن كان بخفوت، وكما أنها شعرت بالندم على هذا التصرف غير الشريف من جهتها وقررت التوقف عنه ولكنها بنفس الوقت كانت أكثر إصراراً على الانفصال عني لأني أنا الذي دفعتها إلى هذا.
أما عن طبيعة هذه العلاقة التي كانت فكانت علاقة عبر الهاتف، حيث أنها شعرت أنها تستطيع التكلم معه عن كل شيء لأنها كانت طوال المدة الماضية تتمنى الموت وما زالت تتمناه، فكانت تحدثه عن هذه الهواجس وتشعر باهتمامه وفهمه لها، لكن اعترفت أيضاً أنها كانت تشعر بشوق لرؤيته وتفرح عندما تراه، فقلت لها "أن هذا هو الحب" ولكنها قالت أنها لو أحبته لكان عندها الاستعداد لترك كل شيء لأجله وهي ليس عندها هذا الاستعداد لأنها سألت نفسها هذا السؤال وكان الجواب لا.
المهم، أن هذه العلاقة كانت قد استمرت لشهر وقد قطعتها معه قبل حديثنا بحوالي الشهر وأصرت على البقاء أصدقاء، وما صعقني هو كم الاتصال اليومي الكبير بينهما حيث كانا متواجدين في مكان واحد لمدة لا تقل عن 12 ساعة، ورغم ذلك كان هناك كم هائل من الرسائل القصيرة قد وصل في بعض الأيام إلى 20 رسالة عدا المهاتفة المباشرة، كما أن بعض هذه الرسائل كان يكتب بحضوري مما جعلني أشعر بحقارتها.
أنا كتبت لكم هذا في بضعة أسطر ولكنه أخذ منا ما لا يقل عن شهر من النقاش الذي كان وقوده أعصابنا، حيث كانت كمية الحزن والقهر والثقل الذي يجثم على الصدور أكبر مما يتحملها أي إنسان (ولكن قهري وحزني كان أكبر لأني أيقنت أن كل هذا بسببي وأني أنا المذنب الرئيسي في هذا، ولكن نفسيتي كرجل كانت ترى فقط أنها أبدلتني برجل آخر وأصبح هذا هو هاجسي الدائم فلم أعد أستطيع النوم، وإن نمت فلفترة قصيرة جداً لا تتعدى الساعتين في اليوم، وحتى خلال نومي كنت أفكر في هذا وما زال يشكل جرحاً عميقاً في نفسي لأني أشعر أنها خانتني و إن لم يكن جسدياً ولكن بمشاعرها، وهذا ضغط هائل عليّ لم أستطع إبعاده عن ذهني رغم كل محاولاتها الحثيثة لإظهار حبها لي وندمها الشديد الذي يتجسد في كل حركة تقوم بها، وأنا أرى محاولاتها لاسترضائي وإعطائي حرية القرار لأنها تشعر أنها السبب الأساسي لكل آلامي)، كلانا الآن يعيش على المهدئات.
الآن سأطرح مشكلتي؛ من خلال نقاشاتنا وتوضيحاتنا خلال هذا الشهر لاحظنا شيئاً مثيراً للدهشة، حيث أني كنت محامياً لها عند نفسها طوال الوقت وهي كانت محامياً لي أمام نفسي كذلك، فعندما كانت تنعت نفسها بأقذع النعوت مثل أنها عاهرة لا تستحق حبي لها وأنها بطبيعتها امرأة سيئة كنت أنا افنّد لها هذا وأحاول إقناعها بالعكس، وعندما كنت أنا أنعت نفسي بالوضاعة والنذالة كانت هي تدافع عني وتفنّد ما أقول باستماتة، ومن خلال هذا كنا نحن الاثنين نرى مدى حبنا الجارف أحدنا للآخر بعد أن زال عنه الرماد وبعد أن كنا قررنا الانفصال لإراحة أحدنا من الآخر حيث أنها هي سبب آلامي وأحزاني بسبب تصرفاتها التي لا تحسبها إلا متأخرة، وكنت أنا أريد تخليصها من عبئي عليها، اكتشفنا أننا لا نستطيع أحدنا دون الآخر وأن أحدنا بحاجة كبيرة إلى الآخر، في داخل نفسي كنت قررت مسامحتها وأعلمتها أني أسامحها لأني أعرف دوري الكبير في دفعها إلى هذا التصرف الذي تصرفته، ولكني ما زلت مستاءً من طبعها ذلك أنها لا تبوح بشيء، فهي تفترض كل شيء في عقلها وتفترض نتائجه وتتخذ القرارات بناء على هذه النتائج! وبالطبع فإن القرارات لن تكون صائبة في أغلب الأحيان لأنه من خلال مفاتحاتنا تبين لها ذلك واعترفت أنها أخطأت بكثير من تقديراتها فيما يخص علاقتي بها، وأنه بسبب طبعها المغلق كانت تحسب الأمور بطريقة خاطئة حيث تفور الأمور في داخلها ويترتب عليها أشياء كان من الممكن تجاوزها إن هي تكلمت عنها.
اختلفت الآن طبيعة علاقتنا؛ فعدنا كما لو كنا في بداية حبنا لا يقدر أحدنا على مفارقة الآخر لساعة، وكما أني أرى أن من المحال أن تغير من طبعها وأن تصبح أكثر انفتاحاً، وأنا أرى هذا منها رغم أني أعرف مدى صعوبته عليها من خلال معرفتي بها لمدة 17 عاماً هي عمر علاقتنا، كما أني أرى حباً كبيراً لي في عيونها وفي سكناتها واهتمامها بي وتنازلاتها الكبيرة، رغم أنها بطبيعتها من الأشخاص العنيدين الذين يستطيعون اتخاذ قرار والمضي به وإن لم يكن صواباً، أرى محاولاتها الدائمة للتخفيف عني وأشعر أن هذا الاهتمام ينبع من صميم قلبها، ولكني عندما أختلي بنفسي قليلاً تراودني شكوكي وأفكاري التي تجعل من حياتي جحيماً لا يطاق، فأنا أفكر في أصغر تفاصيل علاقتها بهذا الشخص ولا أعرف ما الذي أريده من هذا، ولكني لا أقدر أن أبعده عن تفكيري رغم أنها وبحضوري أنهت حتى علاقة العمل مع هذا الشخص (طبعا أنا لا أسمح حتى لأية علاقة من أي نوع أن تكون مع هذا الشخص مع علمي أنه يحبها)، وطلبت منه نسيانها نهائياً بأي شكل يتصوره بها إن حبيبة أو صديقة، لكن ذلك لم يشف غليلي ولا أعرف ما الذي يشفيه.
نحن الآن ما زلنا سوية، لكننا لم نجد الاستقرار، وخاصة أنا لم أجد الاستقرار ولا أعرف إن كنت أستطيع المضي معها أم لا رغم تعلقي الهائل بها، أنا أريد أن نبقى معاً ولكن عندي ثقل يضغط على صدري وحزن يأتيني لا اعرف من أين حتى في أكثر اللحظات حميمية. أنا الآن مضطرب نفسياً، حيث ليس لدي لا الاتزان النفسي ولا الاتزان الذهني، أتخبط في مشاعري واضطراباتي ولا أقدر على اتخاذ قرار حاسم يريحنا، وطبعاً هي تعيش في اضطراباتي معي وتنتقل إليها، كلما أحاول النهوض بذاتي (تغيّرت كثيراً، أصبحت لا أريد مخالطة البشر مع العلم أني اجتماعي ومحبوب في وسطي، مما أثار قلق الذين يحبونني، كما أنني أحاول أن أرفع من سويتي بكل الطرق، وأحاول تجاوز أخطائي السابقة التي عرفتها من خلال هذه الأزمة) أقع في حفرة أحزاني وقهري، فأنا أشعر بقهر كبير يضغط على صدري ويحرمني حتى من أقل درجات السعادة أو الاستمتاع بأي شيء.
هذه هي المرة الأولى التي أتكلم فيها لأحد ما، وعندما بدأت الكتابة كنت آمل بالتخفيف عن نفسي بطرح هواجسي على الورق، ولكني الآن أرجو منكم النصيحة الصادقة.
أشكركم مقدماً على سعة صدركم.
15/1/2009
رد المستشار
أهلاً بالأخ الكريم،
أنت تعيش باختصار أزمة ثقة مع أقرب الناس إليك.. ومعاناتك ملخصها كالتالي:
حياة متحررة ثم حياة متحررة أكثر، ثم حياة زوجية متحررة مع عقلية رجل شرقي.. هذا التناقض في حياتك غير قابل للانسجام، فالزيت إلى الآن وسيبقى لا يختلط مع الماء، عقلية رجل شرقي شكّاك مع امرأة غربية حريتها مصدر سعادتها.
الأخ الكريم؛
الثقة والاحترام هما أركان الحياة الزوجية ودونها الحياة الزوجية لا قائمة لها، إعادة بناء الثقة والاحترام هما أهم خطوة في حياتك، ودون الثقة والاحترام يكون الحل الأفضل- ولكن بعد قطع جميع المراحل وتجريب أنواع الحل: طلاقٌ ناجحٌ خيرٌ من زواجٍ فاشلٍ. لم تقدّم لها الغذاء لأنوثتها فبدأت تبحث عنه من خلال غيرك، لتعيش هي الصراع الداخلي النفسي المرير والذي أورثها الاكتئاب، وستبقى تبحث وتتصارع مع ذاتها طالما أنك لست المعين لأنوثتها ولا ترضيها كرجل، وستبقى أنت تصارع شكوك وهواجسك وكأنك تقاتل الهواء، وليس أصعب على النفس من قتالٍ الخصمُ فيه الهواء!!
نعم لقد سكبت هواجسك على الورق وهذا أمرٌ طيب ولكن ماذا بعد؟! ألم يحن الوقت لتستعيد مكانتك كرجل يرضي أنوثتها؟! ألم يحن الوقت لتفرض قواعدك وقانونك عليها والمستمد من عقلية الرجل الشرقي كي تطفأ نار شكوكك؟! إن لم يحن الوقت بعد أو لا وقت الآن، فالطلاق الناجح هو الدواء المرّ لكليكما..
آملاً لك حسن الاختيار.