نفسي والناس.. ويقتلني الوسواس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أشكركم على ما تقدمونه من مساعدات وتفريج لهموم الناس بعد الله، وأتمنى أن تساعدوني فقد تعبت من وضعي ومما أعاني. أعلم أن ما أكتبه ليس بجديد، وقد سبق أن تحدثتم بشكل مطول فيه، وأود أن أخبركم أن حالتي تتشابه بشكل كبير مع حالة الأخ أبو أنس"السهم" مع بعض الاختلافات، وهذا كي لا أطيل عليكم.
وسواسي في كل شيء؛ في الطعام، والصلاة، والدعاء، الوضوء والنظافة، أنا أعاني منذ زمن، حتى أني لم أعد أذكر متى وكيف ولماذا بدأ المرض! على الأقل أعاني منذ "7سنين". آخر سنتين لم أعد أحتمل نفسي، ربما ما يجعل حالتي في نظري أصعب من كثير من الحالات هو أني أتألم وحدي فلم أخبر أحداً أبداً ولم أذهب إلى أي طبيب، وأدافع عن نفسي طوال الوقت أمام عائلتي التي أعلم أنهم يعرفون بمرضي، لم أعد أستطيع تحمل كلامهم ولا نظراتهم ولا حتى تلميحاتهم فهي قاسية تعذبني، وقد نفذت مني الأعذار وأصبحت مكتئبة جداً.
أنا أخاف من الصلاة وأحسب ألف حساب قبل الذهاب للوضوء، وتستغرق صلاتي حوالي ساعة أو أكثر! كرهت منظر دورة المياه وصنبور الماء ومنظري وأنا واقفة أتأمل وجهي في المرآة وأفكر في ألف فكرة قبل أن أتوضأ، ولا أنهي الصلاة حتى أحس أني انتهيت، وأحياناً تظهر عليّ علامات التعب والإنهاك. وسواسي في الوضوء في التسمية، وفي الصلاة في تكبيرة الإحرام؛ أشعر أني لم أكبّر ولكني أعلم أني نويت النية وكبرت لكن جنوني هو من يسيّرني.
وفي قراءة القرآن أشعر بأني أخطئ في النطق وهذا يؤزمني، حتى أني قرأت بضع صفحات في رمضان وتألمت، وأنا الآن لا أقرأ القرآن. تخصصي -الطب- صعب ويحتاج إلى تركيز وأنتم أعلم بذلك، والآن فترة اختبارات وهذا الوسواس يأخذ من وقتي الكثير ويرهقني، أرجوكم أن تنصحوني لما لكم من علم وخبرة. بصراحة، كنت أود كتابة الكثير والكثير ولكن نظراً لضيق وقتي ووقتكم فهذا ما استطعت كتابته وأتمنى ألا تخيّبوا رجائي ولا تبخلوا عليّ بعلمكم..
أريد دواء فأنا لم أعد أحتمل ولا أستطيع محاربة هذا المرض دون دواء، فقد حاولت طيلة 7سنين أو أكثر مع العلاج الذاتي ولم ينفعني والآن أريد دواءً، لن أستطيع الذهاب إلى طبيب نفساني حتى لو أردت، فبفعلي هذا ستتأكد عائلتي أني موسوسة وهذا ما لا أحتمله، ولن أستطيع الذهاب دون علم أهلي.
أرجوكم أن تساعدوني، أنا أتألم كل يوم دون توقف حتى أني موسوسة في أشياء أخرى لم أكتب لكم عنها لضيق الوقت... لا تردّوا على رسالتي بضرورة الذهاب إلى الطبيب فلو كنت أستطيع لذهبت.. أريد دواءً غير العلاج الذاتي، وكلمات تصبّرني على ما أنا فيه،
وأرجو أن تعذروني على إطالتي،
وأرجوكم أن تردّوا على رسالتي.
08/02/2009
* ثم أرسلت مرة أخرى تقول:
أولاً، أشكركم على هذا الموقع المتميز وعلى ما تقدمونه من نصائح ومساعدات.
ثانياً، أود أن أقترح بشأن الرسائل التي تصلكم من استفسارات، أتمنى أن تجيبوا على كل الرسائل التي تصلكم وألا تستقبلوا رسائل أخرى قبل أن تجيبوا على جميع الرسائل السابقة.
لأننا حين نرسل هذه الرسائل نرسلها ونحن في أمس الحاجة إلى الرد، وننتظر ليلاً ونهاراً أن يصلنا ردكم وأن يكون بعد الله العلاج الشافي، أو أن يخفف من معاناتنا، وحين لا يصلنا ردكم تزداد آلامنا. فأرجوكم ألا تحرمونا من نصائحكم فنحن في أمس الحاجة لها، فهي تزيد من أملنا في الشفاء.. ربما بعضنا يرسل أسئلة عن الحالة نفسها ولكن المطلوب مختلف وتفاصيل الحالة مختلفة..
أنا أعتذر على إزعاجكم بهذه الرسالة وأتمنى لو تردون على رسالتي التي أرسلتها قبل 9 أيام.
وشكراً لكم وجزاكم الله خير الجزاء.
17/02/2009
رد المستشار
السلام عليكم،
الأخت الغالية "ميرال"، أجيبك نيابة عن الدكتور وائل، وأعتذر لك عنه لكثرة مشاغله، أعانه الله تعالى وقوّاه.
لا شك أن معاناتك كبيرة يا أختي، ولكنك إن شاء الله تستطيعين تجاوزها بشيء من الصبر والهمة والتفاؤل. وقبل أن أتكلم عن الوسواس، أحب أن أقول لك: خير ما تبدئين به علاج نفسك الآن أن تعترفي أمام نفسك وأمام أهلك بوضعك، لأنك إذا بقيت على حالة التوتر هذه من كلمات أهلك وتلميحاتهم، وعلى خوفك من افتضاحك، فإن حالتك ستزداد سوءاً. عليك أن تعترفي بشجاعة وتقولي لهم: "نعم، أنا موسوسة! ولكني أريد العلاج" وقولي لهم: "من فضلكم شجعوني، فلكم دور كبير في شفائي، وتحملوني ولو أخطأت، واصبروا عليّ ولو أزعجتكم، فالله مع الصابرين، فأنا لا أرضى عن نفسي وأريد أن أتغيّر".
استعطفيهم في ذلك ولا شك أن نبرات صوتك ستحمل معاناتك إليهم، وستلين قلوبهم. طبعاً لن يتغيروا من مرة واحدة، ولكن كلما غضبوا منك، ردّي عليهم بلطف، وأعلميهم أنك تحاولين وأنك بحاجة إلى دعائهم ومساعدتهم، وإذا استجابوا وشجعوك مرة، فاشكريهم بلطف على المساعدة فهذا سيشجعهم على بذل المزيد منها. وحاولي تثقيفهم في هذا المرض وطبيعته، فهذا سيخفف من لومهم، وأظنهم سيسمعون منك، فأنت تدرسين الطب وفقك الله.
المشكلة أن الدنيا هكذا! الظروف المثالية للعلاج والتي تذكر في الكتب غير موجودة على أرض الواقع للأسف! والذي يحصل أحياناً أن يكون صاحب المعاناة هو من يشجع أهله ويطمئنهم، ويستوعبهم، وهو في أشد الحاجة للتشجيع والطمأنة والاستيعاب...
لا تنتظري مساعدة الآخرين وتشجيعهم، وشجعي نفسك دائماً، إن تغلبت مرة على الوسواس فافرحي وقولي: "إن شاء الله من حسن إلى أحسن"، وإن تغلب عليك، فقولي: "نعم هذه المرة فشلت ولكني لن أستسلم المرة القادمة"، وترقبي حصول السبب الذي يثير وسواسك بتفاؤل وتحدٍ ولا تخافي منه ولو فشلت مرات ومرات، المهم هو الصبر والأمل والتحدي... قولي لنفسك دائماً: "يجب أن أتجاوز هذا مهما كلف الأمر، ومهما طالت الفترة، ويجب أن أثبت أني قوية وأخرج من محنتي هذه أشد قوة وصلابة".
وبالنسبة لذهابك للطبيب النفسي، فلم تشيري في رسالتك إلى معارضة أهلك لهذا الموضوع، ولكنك كنت خائفة من كلامهم، فإذا كانوا لا يعارضون فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي، فإنهم سيساعدونك في ذلك بعد اعترافك لهم بألمك ورغبتك في العلاج، وهذا أفضل لك بكثير لأن تناول الدواء سراً ليس بالأمر السهل، وسيسبب لك التوتر والقلق.
ورغم أنك مللت من العلاج السلوكي الذاتي، فإنه لا مفرّ لك من المداومة عليه! فدوره بالنسبة لك أهم من دور الدواء! لهذا أخبرتك منذ البداية أنك تحتاجين للصبر والأمل وعدم اليأس، صدقيني كلما ثابرت على العلاج السلوكي رغم معاناتك وفشلك، ازدادت ثقتك بنفسك، بل وستصبحين فخورة بنفسك إذ تثبتين رغم كل الصعاب!.
بقيت جزئيات في رسالتك، حول مسألة الوسوسة في البسملة؛ أطمئنك أولاً أن البسملة واجبة عند الحنابلة فقط، وهي سنة عند باقي المذاهب، فلو أنك توضأت ولم تأتِ بها فقلدي سائر المذاهب، ووضوؤك صحيح وصلاتك صحيحة، فإذا راودك الشك في البسملة فأكملي وضوءك ولا تسمعي له، لأن هذا لن يؤثر عليك شيئاً، حتى لو لم يكن هناك مذاهب أخرى فالحكم في حقك أن وضوءك صحيح ولو لم تأت بالبسملة لأنك موسوسة، وتذكري دائماً أننا نتعامل مع الله، فإذا شعرت بقلق قولي: "إذا سألني الله تعالى غداً لم توضأت دون بسملة فسأقول له: لأنك أمرتني بذلك!" وهذا نص ورد في كشاف القناع -وهو من الكتب المعتمدة عند الحنابلة- يثبت لك أنك مأمورة بمتابعة وضوئك دون إعادة: قال البهوتي مؤلف الكتاب: (..وكذا إن شك في غسل عضو) في أثناء طهارته (أو) شك في (مسح رأسه في أثنائها) أي الطهارة، لزمه أن يأتي بما شك فيه ثم بما بعده؛ لأن الأصل أنه لم يأت به كما لو شك في ركن في الصلاة (إلا أن يكون وهماً، كوسواس فلا يلتفت إليه لأنه من الشيطان)، أرأيت كيف أن الموسوس مستثنى من الإعادة والتكرار، وعليه ألا يلتفت لوسواسه..! فلا تخافي فأعمالك صحيحة بإذن الله تعالى.
وكذلك بالنسبة للصلاة؛ يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في درء التعارض: (وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة، وانتهاء العبد، وأن يقول إذا قال: لم تغسل وجهك؟ بلى، قد غسلت وجهي. وإذا خطر له أنه لم ينوِ، ولم يكبر يقول بقلبه: بلى، قد نويت وكبرت. فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق، فيندفع عنه، وإلا فمتى رآه قابلاً للشكوك والشبهات، مستجيباً إلى الوسواس والخطرات، أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه، وصار قلبه مورداً لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول، وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة).
وبالنسبة لقراءة القرآن الكريم؛ فماذا جرى لو أخطأت؟ إن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فاقرئي حسب استطاعتك ولا يهمك بعد ذلك أن تخطئي! وقولي: "هذا ما أستطيعه، وأرجو من الله القبول!" أعمالنا يا أخيتي يقبلها الله بفضله وكرمه، لا لأنها تستحق ذلك، فإذا رأى الله منك الصدق في بذل جهدك فسيقبلها منك وإن أخطأت، وسيدخلك في رحمته الواسعة. ولا تنسي أن دواءك هو القراءة رغم إحساسك بالخطأ. مشاعرك هذه كاذبة فلا تهتمي بها وارمها جميعها من النافذة (لكن حاذري أن تصيبي أحداً في الشارع).
لم تذكري باقي وساوسك، لكنك ذكية وقوية إن شاء الله، فقيسي الأمور وعامليها بطريقة واحدة، وحاولي ابتكار الطرق التي تناسبك وتقتنعي بها في كل مرة من أجل ألا تستجيبي للوساوس.
أكثري من الدعاء والالتجاء إلى الله، وأنا أسأل الله لك أيضاً الشفاء، وقوة العزيمة،
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الابنة العزيزة "ميرال"،
أهلاًوسهلاً بك، وشكراً على ثقتك، أتفق تماما مع مجيبتك أ. رفيف الصباغ وأرى أن عليك الانتباه بأن كتمان أمر وسوستك باعتباره سراً هو أحد حبائل الوسواس التي تعيق علاج المريض في كثير من الأحيان. وأما ما أضيف هنا لأقوله فهو أننا لا نستطيع إبقاء باب استقبال المشكلات مغلقاً حتى ننتهي من الرد على ما لدينا من مشكلات لسبب بسيط هو أن هناك مستشارون كثر في بقاع مختلفة من العالم يتم توزيع الاستشارات عليهم وبعضهم يتأخر بينما بعضهم يجيب بسرعة.... أتمنى أن تنفذي ما نصحتك به مجيبتك وأهلا وسهلا بك.
ويتبع>>>>> : نفسي والناس ... ويقتلني الوسواس ! م