كانت فرحتي, فأصبحت سبب تعاستي..!؟
طبعاً لا يوجد الآن أفضل من موقع مجانين الذي أصبح يضم نخبة متميزة من أكبر الأطباء النفسيين، فأنا يا سيدي كنت متابع دائم للموقع منذ 5 سنوات تقريباً، وكنت أرسلت لكم أكثر من مرة وتفضلت الأستاذة أميرة بدران بالرد على استشاراتي ولظروف الاستقرار واستمرار الحياة انقطعت عن موقعكم، ولكن ظل اسم مجانين في عقلي إلى أن جاء الوقت الذي أتيتكم فيه طالباً النصيحة والمشورة لأنني فعلاً أصبحت في حالة يرثى لها.
عمري 23 سنة بالتمام والكمال، حاصل على بكالوريوس في علوم الحاسبات، من أسرة محترمة وكلها والحمد لله متعلمين منهم الدكتور والمهندس والضابط.. كان والدي مهندساً للاتصالات قبل أن يتوفاه الله منذ 4 سنوات. أفضل الدخول في صلب الموضوع وأتمنى أن أجد كما عودتموني في مجانين سعة الصدر لأني سأحكي لكم كل ما حدث بالتفاصيل.
في البداية، كنت قد استشرت سابقاً موقعكم الكريم كما ذكرت، وقد كانت عبارة عن مشكلة عاطفية تفضلت بالرد عليها الأستاذة أميرة بدران، وقد كان ردها بمثابة طوق الإنقاذ بالنسبة لي وقمت بالسير على خطى كلامها وبالفعل تخطيت المشكلة ولله الحمد. بعد هذه المشكلة بفترة حوالي 5 شهور تعرفت على بنت، كان سنها وقتها 14 سنة وأنا 19 سنة وبعد فترة ليست بالطويلة من الصداقة استمرت لما يقرب من ال5 شهور، وبعد أن قررت أن أجعلها مشروعي في الحياة وزوجة المستقبل ارتبطنا، كنت أنا الإنسان الوحيد في حياتها وكانت هي أيضاً الطفلة البريئة ناصعة البياض التي لم تلوث بعد بأي شيء في هذه الدنيا الغادرة.
أصبحت أعتبرها كما ذكرت مسبقاً مشروعي في الحياة، وبدأت أكون لها أباً وأماً وأخاً وصديقاً وحبيباً، بل وأصبحت لها زوجاً أيضاً. كانت هذه البداية، فبعد فترة من الارتباط -حوالي 3 شهور- أصبح عندي هاجس بأنها ستضيع مثل غيرها وأن الارتباط السليم هو الحل، ولكن طبعاً بما أنها 14 عاماً كان هذا هو العائق الوحيد أمامنا، وكان الحل وقتها من وجهة نظري أن نتزوج عرفياً... انتظر يا سيدي لا تهاجمني فأنا لي أسبابي، قد لا تكون أسباباً مقنعة من وجهة نظركم، لكن نواياي سليمة، فأنا يا سيدي أخاف من هذه الدنيا الغدارة ومن هذه البلد التي أصبح الأمان والأمن فيها عملة نادرة، والإخلاص والوفاء أصبح من يتسم بهذه الصفتين أبله لا يصح أن يعيش وسط هؤلاء، وقد كانت كما ذكرت مشروعي فقد قررت منذ البداية أنى سأعلمها كل شيء وأبدأ معها من الصفر لتكون زوجة صالحة وأمّاً متعلمة ومثقفة، فقد كنت أشاهد الجميع من حولي وأستفيد من أخطائهم وأعالجها وأعلمها الشيء الصحيح حتى تكون مثالية في كل شيء.
أكثر من ذلك فقد كنت أقيم نفسي وأشاهد ما بي من أخطاء وأعلمها عكسها لتكون صورة مني طبق الأصل ولكن خالية من العيوب، كنت أظن أني نجحت ولكن للأسف المحصلة كانت صفراً في النهاية، باختصار كنت أخاف أن أفقدها في يوم من الأيام، فبما أننا متفقان ونحب بعضنا "فأنت قدري وأنا قدرك"!
تزوجنا بالفعل وأصبحنا مرتبطين ببعض لدرجة لا توصف، أقوى من أي درجة زواج شاهدتها في حياتي بين أي اثنين متزوجين، وكنت أذهب دائماً وهي معي إلى إخوتي لأزورهم ولتعتاد عليهم، ويعلم الله أني لم أفكر ولو للحظة واحدة أني سأتركها أو أغدر بها، فليس بطبعي الغدر. مرّت الأيام والشهور وأنا أعلّمها كل شيء وأنقذها من مشاكل كثيرة، كنت لها بمثابة الحارس الخاص، دائماً معها ودائماً ضد أي فرد أحس من ناحيته بالخطر عليها. لعلكم الآن تتساءلون ما هي المشكلة؟ المشكلة أنها حسب تفسيري الشخصي المتواضع مريضة نفسياً ولهذا أسباب عديدة:
أولاً: والدها كان ضابطاً سابقاً ويعمل حالياً مهندساً، وهو في المنزل كالكرسي المكسور لا تجد له نفعاً ولا فائدة، والدتها هي المتحكمة الأولى في المنزل وللأسف فهي تفعل الكثير من الأخطاء التي اكتسبتها بناتها مثل: الكذب دائماً على الأب واللامبالاة الدائمة تجاهه، بالرغم من أنها متعلمة تعليماً عالياً.
ثانياً: هذه البنت كانت تعيش في وحدة دائمة بالمنزل، فلك أن تتخيل يا سيدي بنت في الخامسة عشر من عمرها تحيا بعقل فتاة في الثانية والعشرين! كنت أحاول أن أجعلها أكثر نضجاً وعقلانية لأني كنت أعدها كزوجة للمستقبل، بالإضافة إلى أن هناك فرق في المعاملة بينها وبين أختها التي تكبرها بثلاث سنوات من جانب والدتها ووالدها,
ثالثاً: تركتها لتتعامل من الناس لأرى تصرفاتها، وكانت النتيجة في كل مرة مخيبة للآمال، ولولا ستر ربنا وتدخلي في الوقت المناسب لكانت انتهت بكوارث بينها وبين أصحابها بسبب طيبتها وحسن نيتها الزائدة عن الحد، وبسبب غيرة أصدقائها منها لأنها تحيا معي حياة تتمنى أي بنت في عمرها أن تعيشها.
رابعاً: عند كل مشكلة تحدث أمنع عنها الناس وأبدأ في إصلاح ما فسد وتعليمها من أخطائها، ولكنها للأسف لا تتعلم من أخطائها أبداً.
خامساً: بدأت في الكذب عليّ كثيراً، وكنت أكتشف كذبها عملاً بمقولة أن "الكذب مالوش رجلين" وأواجهها وتظل تتمادى في كذبها إلى أن تنهار وتعترف بما فعلته، ومرة تطلب السماح ومرة ننفصل لمدة شهرين أو شهر ونعود من جديد بعد أن أحصل على وعد منها بعدم تكرار الأمر، وبعد الرجوع تكون أحلى فترات حياتي معها إلى أن تعود "ريما لعادتها القديمة". أما ما كانت تكذب عليّ فيه فكان يتلخص بعلاقاتها مع أصدقائها، حدثت الكثير من المشاكل بسببهم وكادوا أن يضروها ضرراً رهيباً ونتفق على أنهم انتهوا من حياتها إلى أن أكتشف أنها عادت على علاقة بهم مرة أخرى!.
سادساً: ذكرت لي أكثر من مرة أنها تحتاج إلى طبيب نفسي، كنت آخذ الموضوع على أنه تهريج بالرغم من إحساسي الداخلي المتيقن أنها تحتاج فعلاً لهذا، لكنى كنت أظن أن المشكلة النفسية بسيطة وأحاول أن أحتويها، فقد كانت مشكلتها عدم الأمان مع الآخر والوحدة، كنت أحاول أن أكون لها كل شيء ونجحت على الأقل بنسبة 80 %.
سابعاً: التحقت بالجامعة، وما أدراك ما هي الجامعة الآن؟! كنت أذهب معها في بعض الأوقات، وكنت أشاهد ما لم أشاهده طيلة دراستي الجامعية بالرغم من أني كنت بجامعة خاصة، وهي كما تعلم تضم فئات كثيرة من الطبقة المرتفعة، ولكن انتقادي هنا أنها جامعة حكومية! حدثت مواقف بيني وبين أصدقائها تدل على غيرتهم الشديدة منها ومن ارتباطها الوثيق بي. فمثلاً، مرة من المرات ذهبت معها فقدّمت لي شابين وبنت وقالت لي أنهم أصحابها وجلست معهم أتعرف عليهم حتى أكون مطمئناً عليها فحدث آخر ما أتوقع؛ أحد الشابين أخذ سلسلة مفاتيحي وخرج إلى مَصَفّ السيارات في الجامعة وأدار سيارتي وخرج بها وصدمها بسيارة أخرى، ولولاي لكان الآن في الأحداث فقد وقفت بجانبه إلى النهاية، ثم طلبت منه أن يقطع أي علاقة بها وطلبت نفس الأمر منها. في نفس الليلة اتصلت بي البنت التي كانت معهم تطلب أن تكون صديقتي من وراء صديقتها التي هي زوجتي...
بدءوا في محاربتنا بكل الطرق إلى أن نجحوا في غرضهم لأنها ضعيفة الشخصية. إلى أن جاءت الطامة الكبرى؛ في يوم -من حوالي شهر ونصف- أبحث في هاتفها بالصدفة لأجد رسائل شاب معها في الجامعة، منها مثلاً: "متى نتقابل؟" و"لا أرغب في الذهاب للجامعة"... ومواعيد اتصالات بعد الثانية صباحاً..! واجهتها بما وجدت فأنكرت في البداية ثم قالت بعد الضغط أنه كان في الفترة التي انفصلنا فيها عن بعض، أو بمعنى أصح لم نكن منفصلين ولكني كنت منشغل جداً لظرف خارج عن إرادتي لمدة أسبوعين، وكنت أتصل بها مرتين أو ثلاث في اليوم، علماً بأني كنت يومياً وعلى مدار الأربع سنوات أتصل بها في اليوم أكثر من 10 مرات ومنهم مرة نهاية اليوم قد تصل إلى 6 ساعات حديث متواصل لأعوضها عن وحدتها.
المهم أنه بعد اعترافها ثُرت ثورة شديدة عليها وضربتها.. نعم ضربتها وكانت ثاني مرة -أول مرة كانت بسبب ذلك الأمر أيضاً ولكن مع شخص آخر، بعد محاولات مستميتة لتخليها عنه، لم أكن أود أن أفعل ذلك- فالضرب في قاموسي الخاص ليس له مكان إلا في قائمة الجهلة وضعيفي الشخصية. انتهى الموقف بدخولي المستشفى في حالة غيبوبة مع بداية أعراض الإصابة بجلطة، وبقيت تحت الأكسجين لمدة 5 ساعات إلى أن تم شفائي الحمد لله، وهي ما زالت بجواري وخرجت من المستشفى وأوصلتها إلى المنزل ولم أنطق بشيء إطلاقاً، وبقينا حوالي 3 أسابيع وأنا أحاول أن أُأَقلم نفسي على الوضع الجديد إلى أن اتصل بي أحد أصدقائها -وهو صاحب حادثة السيارة، علماً بأني كنت أقسمت عليها بعدم الالتفاف إليه مرة أخرى- وقال لي أنها لا تذهب للجامعة ولا أحد يعرف طريقها، فاتصلت بها وأقنعتها بالذهاب إلى الجامعة والحفاظ على مستقبلها، وكنت أتصل بها كل 3 أيام أو يومين لأطمئن عليها وهي مستكينة مدمرة نفسياً وعاطفياً- وعلى صدق تعبيرها أن ليس لها من أحد في الدنيا غيري-.
أثناء الامتحانات هذا العام اتصلت بي والدتها تطلب مني التقدم إليهم مرة أخرى وسيوافقون على الارتباط الرسمي، علماً بأني طوال الأربع سنوات يا سيدي أبذل كل غالٍ ونفيس في سبيل نيل رضاهم إلى أن جاء الفرج بعد فوات الآوان ولكن.. فترة من الوقت.. وبتفكيري الطيب المستسلم وبنظرة إلى الأربع سنوات التي قضيتها معلماً وطالباً في نفس الوقت لم يهن عليّ مجهودي وقلت أفتح صفحة جديدة معها، وبالفعل اتصلت بها وطلبت مقابلتها وطبعاً فرحت وحددنا موعداً بعد 3 أيام. ذهبت في الموعد لأجدها تقف وسط 6 شباب أمام باب الجامعة بعد الامتحان وتهريج وضحك بصوت عالٍ، ولم تراعي مشاعري وأنا أقف أنتظرها إلى أن ضاق بي الأمر، فاتصلت بوالدتها لأقول لها ما يحدث وذهبت لمقابلتها ولكن للأسف لم يتم اللقاء.. وفي طريق العودة وجدت رقمها على هاتفي وتريد رؤيتي حالاً لوجود مشكلة.. ويا الله.. بعد كل هذا ذهبت إليها مهرولاً ساعياً لأجدها وسط حوالي 20 شاباً وتقول لي أني كنت أظن أن ليس لها أحد فإني مخطئ! بعد كل ما فعلت معها يكون هذا هو نصيبي؟ أنا المدافع الأول عنها- وعلى رأي صديقاتها أيام الثانوي "حارسها الشخصي" أكون في يوم من الأيام خصماً لها؟
لك أن تتخيل يا سيدي وأنا أسمع هذه الجملة منها ماذا كان يدور في رأسي! طفلتي البريئة التي قمت بتربيتها وتعليمها حتى طريقة الأكل والشرب والمشي واللبس وكل شيء يخصها في هذه الدنيا بدون أي قيود أو حواجز.. جاء اليوم الذي تختصمني فيه! أول ما جاء في خاطري هو الخروج من هذا الموقف وبعدها البدء في تقييمه. تحركت بالسيارة ثم توقفت في إشارة بجوار الجامعة لأفاجأ بهم جميعاً يجرون تجاه سيارتي في الإشارة وفي منتصف النهار، كما لو كان هناك تصوير لفيلم سينمائي عن ضرب البطل من قبل مجموعة من البلطجية وهو المستكين الهادئ.. استمرت هذه المهزلة لمدة 5 دقائق حتى تحركت الشرطة وقبضوا على 6 منهم والباقي كان انتهى من مهمته وعاد. ذهبنا إلى القسم وأنا غارق في دمائي والكل متعاطف معي، وكان السؤال الشاغل لديهم ما هو سبب ما فعلوه معك؟
إجابتي كانت تتلخص في إني لا أعرفهم ولا أعرف لم يهاجمونني، ربما لسرقتي! بالرغم من أن ضمن عصابة هذا المشهد ابن عمتها، وهو بالمناسبة لم يتدخل في أي خلاف خاص بيني وبينها إلا كان يخربها من جميع النواحي! ولكني كنت أتمنى عدم تعرضها لموقف مثل هذا حتى وأنا وسط صدمتي، كان كتابة اسمها فقط هو مصيبتي فما بالك بالتحقيق وما شابه.. وسط التحقيقات أفاجأ بدخول طفلتي إلى القسم ومعها ابن عمتها وتطلب عمل محضر لي بتهمة محاولة اختطافها من أمام الجامعة وأن أصحابها كانوا يدافعون عنها! هل شاهدت مثل هذا في الدنيا يا سيدي؟ الآن تيقنت أني لم أرَ إلا القليل من غدر الزمان، تخيّل مواجهتها لي في القسم وأنا أقف أمامها غارق في دمائي وهي تتهمني بذلك!
بعد كل ذلك طلبت التصالح حتى لا أعرضها لأي إساءة، فيكفي أني سمعتهم في القسم ينادون عليها بصيغة: "أين البنت بتاعت الجامعة بتاعت الخناقة؟" تنازلت عن حقي وحق إهدار كرامتي من أجل أن أحافظ عليها حتى ولو كانت هذه آخر مرة أراها فيها. في اليوم التالي أفاجأ برسالة منها تقول لي أنها لم تتخيل يوماً أن أفعل ذلك معها، متإذ كيف أعمل محضراً ضدها في الشرطة؟ وأنها لا تعرف هؤلاء الناس ولم ترهم من قبل! بالرغم من وجود ابن عمتها معهم ووقوفها مع بعضهم أمام الجامعة! تخيل أنها قلبت الصورة تماماً وتتحدث بطريقة الاقتناع التام بما فعلت؟.
سيدي،
طفلتي لها شخصيتان؛ الأولى هي حبيبتي وزوجتي وكل ما لي في هذه الدنيا، وهي أجمل وأرق بنت في نظري، مطيعة إلى أبعد الحدود ومثال للزوجة المثالية، والثانية هي فتاة لا أعرفها! صوت مخالف تماماً به حدّة وعنف وعناد، وتصرفات ليست طبيعية بالمرة... تخيّل أنها في يوم من الأيام اشتدت المشاكل بيني وبين والدتها ومنعتها من الخروج، وكنا في الساحل، أنها رمت نفسها من الطابق الثالث في سبيل الخروج لتبقى معي للأبد؟ ماذا يحدث؟ أليست هذه هي من أقدمت على التضحيه بحياتها في سبيل البقاء معي؟ أصبحت الآن سبب تعاستي وأذيتي وإهدار كرامتي، ماذا أفعل الآن؟ أنا لم يعد لي هدف ولا رغبة لأي شيء في الدنيا، بل أصبحت أرفض التعامل مع غيرها بسبب صدمتي فيها التي لا توصف. في الماضي كنت شاباً عابثاً- بمعنى أصح "بتاع بنات"- مدللاً لأبعد درجة، ولكن بعد وفاة والدي بعام ومنذ أن ارتبطت بها عاهدت الله على عدم خيانتها أبداً، ما فكرت حتى أن تستمر الحياة دونها، لأجد نفسي غريباً ووحيداً، لقد كانت كل ما أطلبه من هذه الدنيا، حتى مع وجود الكثيرين حولي أحس أن شيئاً ما ينقصني، أهم شيء في حياتي، هي روحي. لا أتخيل مجرد لمسي لأي فتاة غيرها! زمان كان ممكناً لأني كنت أفعل كل شيء، لكن الآن صعب جداً أن أتقبل غيرها.
دلّني يا سيدي، لقد تعوّدت دائماً أنكم خير دليل، وأعتذر بشدة على إطالتي ولكني أحببت أن أضع أمامكم معظم الحقائق حتى يتسنى لكم اختيار الحل السليم،
وبارك الله لكم ولموقعكم.
07/06/2009
رد المستشار
حين قرأت سطورك اختلطت عليّ مشاعر كثيرة؛ دهشة أني أذكرك جيداً رغم مرور خمس سنوات، مما جعلني أنظر في الإجابات السابقة واندهشت أكثر من حجم ما مررت به أنا شخصياً من تغيير سواء في الكتابة أو في رؤية الأمور!! فقليلة هي ذكرياتي التي مرّ عليها خمس سنوات متواصلة منها مشاكل مجانين، وشعرت بفرحة حديثك عن أن ما قلته لك كان طوق نجاة لك كما ذكرت، وحزنت أكثر لأن ما توقعته لك ولم أبُح به على صفحات النت حول ما ستكون عليه قد حدث فعلاً. منذ أن كنت في الثامنة عشرة وأنا أرى في تصرفاتك اندفاعاً عاطفياً نحو الفتيات، للدرجة التي جعلتك ترقد في مستشفىً لفترة جراء تصرف أو جملة كانت تخرج من فم فتاة تعرفت عليها وتوحي لك بقرب الانفصال، أتذكر فتاة الكويت؟ وحين سردت كل ما قلته تلك المرة تأكدت أن لديك مشكلة نسميها باضطراب التعلّق وما ينتج عنه من قلق الانفصال!!.
انظر معي بهدوء لقصة هذه المرة؛ فقد كنت تخاف جداً من فكرة تركها لك للدرجة التي جعلتك تأخذ خطوة خطيرة مثل الزواج العرفي من فتاة في عمر الرابعة عشرة، ووصف من حولها في أيام الثانوي لك بأنك حارسها الشخصي الخاص، وكنت تتصل بها في الأوقات العادية عشر مرات في اليوم الواحد! وكنت ملاصقاً لها دوماً حتى اختنقت منك في لحظة من اللحظات للدرجة التي جعلتها تدبر لك أمر عشرين شخصاً منها ابن عمتها، وتتصرف معها بتملك وغيرة تجعلك لا تتقبل وجود زملاء في حياتها مما جعلها في فترة بسيطة جداً من الخلاف بينكما تقوم بعلاقة ما مع زميل تحادثه في الثانية ليلاً!. كل تلك الأمور تشير بقوة لوجود درجة غير مقبولة من التعلق تجاه من تقرر -لا أعلم على أي أساس- أنها مشروع حياتك، واضطراب التعلق الذي أحدثك عنه يكون سببه عدم وصول الشخص للنضوج النفسي المناسب، ومعظم تصرفاتك منذ خمس سنوات تشير لذلك، أو ضعف الثقة بالنفسن أو يكون السبب حرمانك الشديد من الحب والاهتمام داخل أسرتك (لاحظ أنك لم تحدثنا مطلقاً عن ظروف أسرتك أو علاقتك بهم طوال فترة تعاملك معنا)، أو العكس تماماً وتكون شخصاً لديه تخمة من الحب والرعاية تجعلك في حالة عدم شبع مستمر، والتعلق ليس درجة عظيمة كما تتصورها من الحب أو درجة خطيرة من الإخلاص لا يعرفها إلا ما ندر من البشر، وإنما هو اضطراب يجعل الشخص يرتبط نفسياً وعاطفياً بشخص آخر لأنه في حقيقة الأمر يجعله يشعر بأنه "موجود"، وحين يلوّح من قريب أو من بعيد بفكرة بعده يكون بمثابة كارثة على شخصية المتعلق، لأنه يهدد وجوده ومصير حياته كما يتصور.
إن الحب ورغم وجود ارتباط ومشاعر ورغبة في القرب بين الطرفين إلا أنه إذا تعرض لظرف ما يسبب فراقهما فإنهما يستطيعان أن يكملا مشوار حياتهما دون وجودهما معاً، مع وجود ألم للفراق بالطبع. وليس معنى الحب أن نمحو حريتنا الشخصية ورغباتنا، وأن نتلاشى في شخص من نحب، ولكن به نتكامل ونتقابل لتزداد الحياة ثراءً وفائدة.
أما هي، فهي حقاً طفلة، واجهت معاملة قاسية في بيتها تلاقت مع مرحلة مراهقتها وتمردها مع تقديمك لها للكثير مما كانت تحتاج من رعاية واهتمام وحب وغيره، فكان مشروعاً في حقها أن تتعلق بك لأنها ما زالت في بداية مشوار نضوجها على عكسك أنت، ومع ذلك فقد اختنقت من حصارك لها بدعوى الحب والاهتمام والتعليم، فلقد كنت مسيطراً مثل أمها تماماً! أنت توجه وتحاسب وتمنع عنها الحديث مع الناس حين تخطئ، ولكن بشكل أقل فجاجة من أسلوب أمها، وبمبرر تضعه لنفسك بأنك تربيها لتتزوجها وتحافظ على ألا تكون مثل باقي الفتيات وبأنك تحبها حب روميو لجوليت! ولن أستطيع ألا أحدثك عن فعلتك بزواجها عرفياً لما فيه أنانية وتضييع لمستقبلها القادم للأسف، ولم توضح هل عاشرتها معاشرة الأزواج لتكتمل المصيبة أم جعلته فقط مجرد رابط تتصوره قوي بينك وبينها؟ وعلى أية حال؛ أنت الذي تحتاج لتواصل حقيقي مع متخصص نفساني لتتعلم معه كيف تنضج نفسياً وتهذب اندفاعك وتضع يدك على مواطن الضعف لديك لتقويها، ولتفكر فيما أقول بدلاً من أن تتذمر وتتصور أني لم أفهم ما تعانيه من إخلاص قابله غدر البشر أو معاناتك من عدم قدرتك على مجرد التفكير بأنك ستلامس أخرى.